خواطر قومي (1)

طبيعه الدوله:

على عكس البلدان الحقيقه التي تكونت وتشكلت ملامحها عبر مراحل تاريخيه متلاحقه صبغت مجتماعتها بهويه قوميه ووطنيه قويه يمكنا القول ان بتوقيع ملك ايطاليا همبرت الاول سنه 1890 مرسوما بتاسيس مستعمره ايطاليه اطلق عليها اسم ارتريا وذالك بعد ان حصر بداخلها عددا لابئس به من القبائل والطوائف الدينيه المختلفه التى لم تختر العيش معا هو تاريخ الحقيقي لنشأه امتنا كأرتريين .

هذه الامه التي تتكون بالمجمل من اقاليم الهضبه والتي تعتبر ملحقا تاريخيا وثقافيا ودينيا لممالك مسيحيه الحبشه والتي تنازل عنها منيلك الثاني امبراطور اثيوبيا لاطاليا في معاهده سنه 1900 واقاليم المنخفضات والتي كانت عباره عن امارات صغيره تابعه معظمها اما لممالك البجه او بعض الامارات الساحل الجنوبي الخاضعه لسلاطين العفر بلاضافه الى وجوده كيانات متناثره تتمتع بستقلاليه تحكمها طبقه اقطاعيه مستقله نشأت كممثل لنفوذ العثماني او ملوك الحبشه في مناطق الساحل الشمالي واضف على ذالك وجود عدد من القبائل المتنقله الرعويه .

ويمكن القول ان فتره الاستعمار الايطالي و الانتداب البريطاني تميزت ببدايه نشأه بعض ملامح المؤسساتيه الحديثه مثل الهيئات القضائيه والنقابيه و الصحف وغيره وأرساء الاسس لتنظيم العلاقه بين سكان المستعمره بشكل يراعي التمايزات الاثنيه و الثقافيه.

و نجد ايضا في فتره تقرير المصير ظهور و تشكل مجموعات وتناظيم سياسيه على اسس طائفيه صارخه مثل حزب اندنت الوحدوي مع اثيوبيا والذي كان مدعوما بالاساس من رجال الدين وطبقه الاقطاع في الهضبه المواليه للامبراطور يه الاثيوبيه مقابل نشوء الرابطه الاسلاميه ذات التوجه الاستقلالي والذي كان يعكس هواجس المسلمين ومخاوفهم من الامبراطوريه الاثيوبيه وتوجهها المعادي للمسلمين وفي ظل هذا الاستقطاب الطائفي الحاد تنامي تأجيج العصبيات الطائفيه ذات توجه سياسي و شهدت تلك الفتره حملات قمع شرسه لاهواده فيها ضد القوى المطالبه بالاستقلال.

وكان من الواضح ان مشروع الاستقلال يتمترس خلفه المسمليين ممثلا بالرابطه الاسلاميه و مشروع الوحده مع اثيوبيا مدعوما من اعيان الطائفه المسيحيه في الهضبه و بلاضافه الى الكنيسه الارثودكسيه والامبراطور في اثيوبيا ويمثلها حزب اندنت. وهذا ما حذا بالحكومه البريطانيه التي اوكل لها مهمه اداره ارتريا ان تصل لنتيجه مافادها ان طبيعه التركيبه الاثنيه والطائفيه للمجتمع الارتري يصعب صهرها بالكامل ضمن اسره موحده من المواطنيين ولابد ان تدمج هذه المكونات في دول المجاوره بما يتوافق مع امتدادها الاثيني والديني فلذلك تقدمت بمشروع يدعو الى ضم القسم الشمالي الغربي الى السودان و ضم القسم الجنوبي الشرقي الى اثيوبيا وذالك عكس رغبه الحكومه الاثيوبيه المدعومه من الولايات المتحده التي كانت تطالب بضم ارتريا بكاملها الى الامبراطوريه الاثيوبيه ونتيجه لذلك قررت الجمعيه العموميه تأجل النظر في قضيه الأرتريه لخلاف في وجهات النظر بين دول الحلفاء وتقرر بمنح كلا من ليبيا و الصومال الاستقلال عام 1948 .

و في سنه 1950 تتمكن اثويبا بدعم من الولايات المتحده بستصدار قرار من الجميعيه العموميه يدعو الى قيام اتحاد فدرالي بين ارتريا واثيويبا ممافتح الباب بمصرعيه للامبراطور هيلي سيلاسي بتدمير جميع المظاهره المؤسسيه الناشئه في ارتريا تدريجيا حتى انتهى به المطاف بالغاء البرلمان واعلان ارتريا ولايه تابعه للامبراطوريه مما حذا بتسعه من ضباط سابقين في الجيش السوداني بتبني تمرد قام به حامد ادريس عواتي وتحويلها الى ثوره منظمه باسم جبهه التحرير الارتريه سنه 1960 تنادي بالاستقلال الكامل عن اثيوبي وقد حظيت هذه المنظمه الوليده بزخم ودعم كبير في اوساط الطائفه المسلمه في ارتريا ادى الى اتساع نشاطها وامكانياتها في وقت قياسي نتيجه لهذا الدعم , وقد اسهمت جبهه التحرير اسهام كبير ومقدر في تشكيل الوعي الوطني وابقاء شعله المطالبه بالاستقلال مشتعله ولكن يعاب عليها عدم مقدرتها كمنظمه في استثمار الدعم الغير محدود التي تلقته من مختلف المكونات في المجتمع الارتري ولم تحسن اداره التنوع والتعدد والتنافس سواء على مستوى التنظير او السلوك الفعلي داخل منظومتها حتى تحول التنافس الى صراعي محض على السلطة بين اطياف الشعب هدد النضال الوطني برمته بالانهيار.

ففي هذه الفتره تميزت بتنامي ظاهره تسييس القبيلة وتحزيبها وتسليحها في اوساط المكونات المسلمه في ارتريا لاول مره مما أضعف وأضر بتركيبه هذه المنظمه التي لم تستطع تستوعب كل التنوع وكانت تحمل منذ البدء بذور فنائها وادى ذالك في نهايه المطاف الى انهيارها المدوي على يد فصيل ارتري اخر بأسم الجبهه الشعبيه تشكل على ايدي قطاعت من المسلمين ترى في جبهه التحرير منظمه محتكره من قبل عصبيات قبلية ذات توجه سياسي سلطوي هدفه الوصول إلى السلطة ومصابه بلعنه الشعارات وهي رؤيه التي ادت الى شعور مسلمي الساحل بالاستلاب وغذت فيهم الرغبة بضروره التحالف مع قطاعات في قوميه التقرينيا في الهضبه الارتريه الذين هم بدورهم التحقوا بثوره الارتريه بعد ان سئموا من التوجهات الشوفينية والاستقواء من قبل الحكام الامهرى المتعاقبيين عليهم وهيمنه اديس ابابا على موارد وثروات الاقليم التي رسخت لدى النخب الهضبه الارتريه فكره بان الحكومه الاثيوبيه في جوهرها معادية للكيانهم وقد زاد ايضا من تعقيد الاموراعدام الجنرال عندوم واعتلاء منجستو هيلي مريام وبرامجه الاجراميه المعاديه للقوى الاقطاعيه و الكنسيه في المرتفعات مما دفع بالكثير من شباب قوميه التقرينيا و مثقفيها بأعتناق التوجهات القومية الشوفينية وحمل السلاح لتأكيد وجودهم في اثيوبيا والمنطقه .

ورغم ان فصيل الجبهه الشعبيه منذ البدايه كان مصبوغ بصبغه مسيحي الهضبه الارتريه منذ البدايه لكنها تمكنت بنجاح كبير من تجير الاستياء المتفاقم من بعض المكونات المسلمه تجاه جبهه التحرير والتي تعتبر الى يومنا هذا لدى قطاعات واسعه من الارتريين كمنظمه قائمه على أسس نفعية ومصالح قبلية تستغل الخطاب الوطني.

وحاولت الجبهه الشعبيه بكبح النفوذ القومي والطائفي ظاهريا داخل منظومتها فقد كانت تبشر الحريه و الديمقراطيه والعداله لكل مكونات الشعب على مستوى التنظيري واحتفت كثير بالتنوع العرقي والثقافي وابرزته في انشطتها الموجهه للجمهور بالاضافه الى ان مجلس قيادتها كان يعج بمسلمي المناطق الساحليه جنب الى جنب مع مسيحي الهضبه مما جعل الكثير يتصور بأنه الفصيل الوطني ذو الأغلبية المتجانسة التى تضع الأمة قبل الطائفة أو القبيلة، وانه اصبح لدينا الان ما يكفى من الثقة المتبادلة بين مكونات الشعب الارتري لكي تخوض يدا بيد معركه التحرير ضد المستعمر حتى دون الحاجه للتفكير بشكل الدوله المستقبليه فقد كان التسأل عن طبيعه العقد الاجتماعي بين مكونات الشعب في تلك الفتره نوع من تشتيت المجهود وسبب للشقاق لا مبرر له في خضم المعركه مع العدو الخارجي فلا صوت يعلو فوق صوت المعركه فكانت النيات الطيبه كافيه على مايبدوا .

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومعظم منظومه الدول الاشتراكيه الدائره في فلكه استسلمت حكومه منجستو لضربات فصائل المعارضه الاثيوبيه المتحالفه مع الجبهه الشعبيه وقرر الفرار بعد مفاوضات مضنيه رعتها الولايات المتحده وخلت الساحه للجبهه الشعبيه للاستيلاء على العاصمه الارتريه وتقرر عمل استفتاء عام لسكان ارتريا تراعاه الامم المتحده لتقرير مصيرهم واظهرت نتيجته رغبه الشعب الاريتري الانفصال عن اثيوبيا.

و اعلنت الجبهه الشعبيه انشاء الحكومتها المؤقته التي رفعت شعار الحكم او الموت ولم تظهر اي جانب من المرونه مع مخالفيها و ظهر نموذج تسييس القوميه وبروز نموذج تقرنه الدولة ودولة التقرينيا واصبح مبدء تداول السلطة مستحيلا.

بالمقابل نجد ان العصبيه القبيله اعادت انتاج نفسها تحت مضله المعارضه فنجد تتشكل الخارطة السياسية للمعارضه الاريتريه من احزاب اعداها متطابقه مع عدد القبائل والقوميات الاريتريه أو تزيد إذ اصبح من الواضح تنشأ الأحزاب السياسية وتتشكل على قاعدة قبلية وأسس نفعية ومصالح قبلية وان كانت بمسميات تتجاوز القبيلة وهذا الوجهه المقنع للعصبيات القوميه و الطائفيه في المشهد السياسي الارتري أضعف الشعور الوطني وأضر بالوحدة الاجتماعية ففي المجتمعات القبلية-الطائفية كمجتمعنا يصعب تحديد النقطة التى تنتهى عندها حدود مسألة المطالبه بالديمقراطية ، وتبدأ الرغبة فى أن تستولى قبيلتى على قبيلتك بمعنى اخر تداول السلطة يصبح شبه مستحيلا بطرق السلميه ، لأن كل قبيلة تعيش وفق شعار إما الحكم أو الموت بمعنى إما أن تكون قبيلتى أو طائفتى فى السلطة أو نموت وهو شعار ذائع في القاره السمراء .

وفي ظل غياب المؤسسات ونقابات والمدارس الفكريه او اي مظهر تنظيمي للحراك السياسي في ارتريا وغياب الضمير والهويه الموحده للشعب بالاضافه الى تاريخنا المشترك الملىء باللألم والاحباط فان كل هذا يؤدي الى حتميه القبول بأن القبليه – وطائفيه هي المحرك الاساس للحراك السياسي في ارتريا وانهما الهيكل التنظيمي الوحيد وضروره احتواء هذين العامليين بالاعتراف بان هذه الهياكل التنظيميه التقليدية (الطائفه- القبيله) لا تختفي، وإنما تعيد نفسها وتتطور بعده وجوه بختلاف الزمان.

ولتحطيم النظام السياسي المبني على النفاق و الضحك على الذقون والذي سوف يؤدي الى انهيار المنظومه الوطنيه برمتها اذا استمر على هذا الوضع يجب علينا الاقرار بحتميه تشكل الأحزاب السياسية على أسس أثنية وطائفيه صريحه تعتزم بالجلوس على طاوله واحده لكتابه عقد اجتماعي جديد يترتب عليه تمثيل حقيقي للمصالح والتعبير عنها و اليه عادله لتوزيع الثروة والسلطة وفقاً لهذه الأسس وذالك لتحقيق شروط بناء الامه و المواطنه الحقيقيه و الحريه والعداله و الديمقراطيه للجميع .

خالد الشريف

يتبع

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=16262

نشرت بواسطة في يوليو 15 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010