خواطر قومي (2)

الهويه الوطنيه:

ان الاخفاق الذي نراه فى بناء الدولة اريتريه بوجود طغمه الحاكمه جعلت من مؤسسات الدولة ادوات لسلطانها فأفرغتها من محتواها الوظيفى وجعلتها روافد لنظام العنصري المتسلط لم تأت من عدم بل هي نتيجه فكر وفلسفه سياسيه خطيره تهدد الاسس و المباديء التي يقوم عليها اي مجتمع متعدد الاثنيات و الثقافات كمجتمعنا وسوف احاول جاهدا بحصر اهم التوجهات الفكريه وسياسيه المهيمنه على الفضاء السياسي الاريتري تباعا.

أ- الهوية الارتريه المركزيه

ونشأ هذا التوجهه في الاساس في اوساط رجال الدين و طبقه الاقطاع في اقاليم الهضبه و التي تعتبر ملحقا تاريخيا وثقافيا ودينيا لممالك مسيحيه الحبشه والتي تنازل عنها منيلك الثاني امبراطور اثيوبيا لاطاليا في معاهده سنه 1900 و هي تتميز في ارتريا بكونها مركز حضري- زراعي تسكنه مجموعه اثنيه متجانسه بالاغلب و تتحدث احدي اللغات الجئزيه وهي التقرينيا ويدين معظم سكان هذه المناطق بالمسيحيه الارثودوكسيه واصبح هذا المركز منذ دخول الاستعمار الايطالي صاحب الحظوة فى التطور والارتقاء والاتصال بالمركز الغربى ثقافياً وسياسياً .

وترى هذه الفلسفه السياسيه ان الهويه الوطنيه الارتريه الموحده تتحقق بسياده إحدى هويات الغالبة من حيث عدد المنتسبين إليها لخلق الانسجام و الوحده الوطنيه و الستقرار السياسي، وعدم التنازع و اتاحه المجال للتطور و التنميه وتعتبر المركز الحضري حصرياً هو الموقع الذى يعاد تمثيل قوة الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيه والذي يتجلى في قوميه التقرينيا وديانه المسيحيه الارثودوكسيه و اللغه الجئزيه التي تمثل هويه الاغلبيه المتحضره في البلاد وبناء عليه تمثل العمود الفقري للهويه القوميه الاريتريه سياسيا و ثقافيا و اجتماعيا.

وكان التوجهه بعتناق الهويه الارتريه المركزيه في بادئ الامر ينظر الى ارتريا و اقليم تقراي في اثيوبيا ككتله تاريخيه واحده لايمكن تقسيمها حيث تعتبر ارتريا و اقليم تقراي الاثيوبي في مخيله معتنقي هذا التوجه اراضي تابعه لمملكه اكسوم تاريخيا اذا هو توجه سياسي يقوم في جوهره الى احياء امجاد حضاره مملكه اكسوم واسترداد حقوقها التاريخيه .

ومما عزز هذا التوجه عند النخب السياسيه و ثقافيه و معظم الأعيان في تلك المنطقه هو العام 1935م عندما قامت ايطاليا بغزو أثيوبيا فجعلت ارتريا وتقراي أدارة موحدة مركزها اسمرا واصبح هذا الحلم حقيقه و لكن ليس لفتره طويله مما جعل بلاتا هيلي ماريام يشعل تمرد وياني بعد ذالك .

في فتره تقرير المصير تشكلت مجموعات مناهضه لاستقلال اريتريا الذي سوف يؤدي بضروره الى هدم اهم مرتكزاتهم الفكريه وهي عزلهم عن امتداهم التاريخي و ديمغرافي و الديني في تقراي اثيوبيا و في ذات الوقت مهدد لقوتهم كوحده قوميه سياسيه مميزه في الامبراطوريه الاثيوبيه.

وكذلك ناهضت هذه المجموعات فكره تقسيم اريتريا بين السودان وارتريا وذالك بسبب ان اقليم ارتريا الحالي جزء لا يتجزء من مملكه اكسوم القديمه وان هذا المشروع هو مخطط استعماري لسلبهم حقوقهم التاريخيه في الاراضي الارتريه التي تعود الى ما قبل 300 سنه وقاد هذا التوجه حزب اندنت الوحدوي و الذي كان مدعوما بالاساس من رجال الدين وطبقه الاقطاع في الهضبه المواليه للامبراطور يه الاثيوبيه.

و في سنه 1950 تتمكن اثويبا بدعم من الولايات المتحده بستصدار قرار من الجميعيه العموميه يدعو الى قيام اتحاد فدرالي بين ارتريا واثيويبا ممافتح الباب بمصرعيه لا ظهار شقاقات ولاختلاف على هويه دوله في نقاشات البرلمان الارتريه في خمسينات فمسأله اللغه العربيه بالدستور المقترح من وجهه نظر معتنقي الهويه المركزيه هي افكار دخيله على ثقافه الارتريه والتي لم يكن لها وجود في ارتريا التي عاش مسلميها ومسيحيه لمده 1400 سنه في وئام قبل ان يتدخل بعض المرتزقه الاجانب المعادين للقوميه الارتريه فلذلك وجدت هذه الفقره تعنت شديد من قبل معتنقي الهويه المركزيه مما حدا بأن يتدخل الامبراطور شخصيا لحسم الخلاف والاقرار بالعربيه كللغه رسميه ثانيه في ارتريا.

و هذا ماحدث ايضا حين مبداءت المداولات بختيار العلم و كل شي يتصل من قريب او بعيد للهويه الوطنيه الارتريه وحتى الاحصاء السكاني الذي قام به الانجليزي والذي اظهرت نتائجه مساواه المسلمين بالمسيحين كان من وجهه نظر المركزيين مبني على احصاء مفبرك لتحقيق مطامع الانجليز بتقسيم ارتريا بين السودان وارتريا وهو ادعاء يضع قنبله موقوته للوحده الوطنيه والاستقرار بكونه يطمس الهويه الارتريه المركزيه واظهار ارتريا بأنها تفتقد لثقافه السائده .

وكانت تلك الفتره البائسه من تاريخنا تلفها اجواء العصبيه وتشدد تلبد الفضاء الوطن بغيوم سوداء تحمل نوايا الامبراطور هيلي سيلاسي و ادواته بتدمير جميع المظاهر المؤسسيه الناشئه في ارتريا تدريجيا حتى انتهى به المطاف بالغاء البرلمان واعلان ارتريا ولايه تابعه للامبراطوريه وكاد الحلم بالاستقلال ان يذهب بلا عوده.

وفي ستينات من القرن المنصرم بعد ان سئموا من التوجهات و هيمنه الحكام الامهرى على مواردهم وبعد تأثر بعض نخب المرتفعات من الاجيال الحديثه بالمد اليساري الماركسي و الانخراط بالبدء بمنظمه جبهه التحرير الارتريه التي تنادي بالاستقلال الكامل عن اثيوبيا قبل ان يسهاموا في انهيارها وتحولها الى جسم بلا معالم بتعاون مع فصيل وياني تقراي الذي يشاطرهم نفس المنطلقات الفكريه وذالك بعد تأسيس تنظيمهم المعروف بجبهه الشعبيه لتحرير ارتريا.

و نجد في وثيقه نحنا علامنا الشهيره التي تمثل كوثيقه استقلال للكثير من اصحاب التوجهات الهويه المركزيه يمكن ايجاد ترابط بين طرح الهوية القومية المركزيه( بصبغته السابقه الدينيه و الاقطاعيه) و الطرح الذي تحول الى الخطاب بالشيوعيه المركزيه.

ولا يمكن تجاهل انجازات الجبهه الشعبيه التاريخية و دورهم في نشر و صيانة الشخصية الهوية الوطنية المركزيه بل وتطويرها وتعميق الوعي بها وجعلها عقيده من عقائد الوطنيه وجعلها البوصلة السياسية و الوطنيه حتى بين قطاعات الفئات المهمشه والتي يفترض بأن يكون هذا التوجهه معادي لوجوده وكيانهم فقد اصبح من المسلمات بالقبول بوجود بالتقرنه كهويه وطنيه مركزيه مقابل تحقيق الاسقرار نسيبي للدوله .

كذلك في بعض اوساط المعارضه الارتريه ينتشر اصحاب التوجه المركزي للهويه الارتريه بكثره و ومن سخريه القدر بعضهم انتقل من مرتبة عملاء و اعوان للنظام الى منظريين حقوقيين وسياسين وطنيين جدا بالمرتبه الممتازه وهم يدفعون باطروحاتهم السياسيه و تعليقاتهم السياسيه في الشبكه العنكبويته باتجاه قبول مركزة السلطة والهويه الارتريه المركزيه ما أدى على ظهور خطابات سياسيه شاذة تعتبر حقوق القوميات والمكونات المجتمعيه و الديمقراطية التوافقيه مسألة ثانوية وجزئية ولا يجب النقاش فيها في الوقت الحالي مستغلين ضعف مشاركه الشعبيه الكثيفه التي تمثل مكونات المجتمع الارتري في المنظمات السياسيه والحراك السياسي الحالي في اوساط المعارضه .

و لكن الهويه الارتريه المركزيه رغم تأثيرها الكبير بالحراك السياسي الارتريه لكنها حتى الان ظلت حركة بعض المتثاقفين ، بمعنى ان الطرح لم يرق بعد الى مستوى فكري وسياسي واضح المعالم للمتعاملين معه ناهيك عن غيرهم وتستمد قوتها اليوم من صبغتها العسكريه و تطويع مكونات المتعدده و الافراد في الدوله بالقوه الجبريه.

ان التوجهات الفاشيه – الدكتاتوريه قد تحقق النجاح ولكن ليست لفتره طويله لان القفز فوق الواقع يدفع حتما الى استقطاب حاد يجعل الاختلافات تاخد طابع اكثر حده قد تهدد بقاء الوطن برمته .

ونستنج من ان طرح الهوية الارتريه المركزيه في الخطاب السياسي الارتري ، انطلق كخطاب نخبوي ( اقطاعي – كنسي ) متطرف ، وانتهي كنظام فاشي- ديكتاتوري اقصائي مستمدة قوته من احكام قبضته على الجيش واجهزة الدولة البوليسية.

ان التوجه المركزي للهويه الارتريه تهزم نفسها كطرح وطني وفكري لانها تنطلق من استخدام القوات المسلحة والإضعاف المنظم للاطراف والمكونات المهمشة اصلاً فى العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية كاداة للسلطة.

و ربما ليس بالصدفه أن مطلقين هذا التوجهه ورموزه ظهروا في فتره الاستعمار الايطالي و كانوا متأثرين حتى النخاع بالدوله الفاشيه التي كانت تستعمرنا.

الخلاصه:

ان هشاشة التكوين القومى لبلدنا، ورخاوة مؤسسات الدولة الحديثة فيها، وغياب المؤسسات المؤطره للحراك الاجتماعي و سياسي بستثناء (الطائفه- والاثنيه) تمثل كعوامل فاعلة سمحت ببسط سلطان الصفوة الفكرية والثقافية في مرتفعات الارتريه ذات الموقف السلبي من المكونات الاجتماعيه الاصيله والديمقراطية القائمة عليها و تكريس غياب المقابلة الضروريه بين الدولة و مختتلف مكونات المجتمع.

و بالمقابل نجد ان الفئات المهمشه اقتصاديا و سياسيا وثقافيا شهدت نشوء منظمات سياسيه معارضه لنظام في حقيقتها مرتبطه بايدلوجيات شموليه اسلاموية، يساريه، عروبية وهي بهذا تشكل تهديدا على مفهموم التنوع و الديمقراطيه لا يقل خطرا من النظام العنصري الحالي .

ان هشاشة القوى السياسيه الرئيسية يمثل جزء كبير من المعضله و الازمه الكارثيه التي يعيشها الشعب الارتري إذ تفتقد هذه القوى المشروع الثقافي السياسي للتعامل مع القضايا الوطنية، مع عدم القدرة على التعبير عن مصالح ورؤى فئات شعب.

و القوى السياسيه الارتريه ( سواء من بالسلطه او المعارضه) لكي تصبح ذات وزن شعبي معتبر واكثر شرعيه كان يتوجب عليها ايستعاب وتعامل مع الواقع الاجتماعي الماثل امامهم بجميع ولاءاته الدينية، والقبلية، الجهوية و احترام حقوق الأقليات وخاصة حقهم في الحفاظ على تميز هويتهم القومية والثقافية والديني بدلا من ان تصبح نوادي خاصه يشعر افرادها بالاصطفاء و التعالي على هذه المكونات الاجتماعيه و تطمح لفرض الهيمنه الوصايه على شعب .

وفي ضل هذا المناخ الغير صحي والغير مهيء لاستقبال الحالة الديمقراطية وديمومة التعامل معها، يتوجب علينا كمواطنيين وقوى سياسيه تهيئة اسباب التحول من حالة الاستبداد و الاقصاء الفكري ومناخ الفكر السياسي المئزوم الى حالة الاجماع مباشره دون المرور بما يسمى دورة الانقسامات التي تعقب انهيار اي نظام شمولي وذالك باعاده صياغه مفهوم الهوية على مركزية حقوقية و انسانية و الإصلاح السياسي للأحزاب لتقويمها وجعلها تمثل القوى الاجتماعيه الحقيقه وديمقراطية بقدر الامكان لكي تعكس مختلف التوجهات الثقافيه واحترام اختلاف القوى الاجتماعية التي تمثلها، فهي بهذا الفهم لا ينبغي أن تكون مصدر إزعاج إذ هي جوهر الديمقراطية. وهو امر لازم وضروري في الدولة المتعددة القوميات و لاكتمال مقومات هذه الدولة ولا يجب التعامل معة على اساس انه عمليه هامشية او عملية محسومة سلفاً على اساس الدين او الثقافة المشتركة.

خالد الشريف

god_father484@hotmail.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=16936

نشرت بواسطة في أغسطس 20 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010