رائحة السلاح أول رواية إرتيرية تقريبا للأديب أبوبكر حامد كهال

زياد علي


-1-

عرفت الصديق ابو بكر حامد كهال في الملتقيات الثقافية التي كانت تعقد بمدينة طرالبس الغرب.. الابتسامة التي تتألق مع الاسنان البيضاء والصوت الهادىء الحميمى والنظرة الثاقبة وعبارات الترحيب, والقامة الافريقية الشرقية التي تعانق لون الكاكاو وفوق كل ذلك كان الأمل والايمان بالقدر والامتنان للبلد وأهلها رغم قسوة الظروف.‏

كان حريصاً على أن يتواجد الى جانب الكتاب والأدباء وهذا ما جعله يتخذ من (رابطة الأدباء) المقر والسكن ويجد في قلوب( البعض) من زملاء الحرف الحميمية والمودة.‏

لم تكن حياته بطرابلس سهلة فقد كان عليه ان يكدح حتى يوفر لقمة العيش وهذا ليس بالأمر المتيسر دائماً.‏

وعليه أن يروض نفسه على اعمال قد لاتناسب نفسية مبدع, ولكن العزاء انها شريفة وتحافظ له على كرامته.‏

ومع مرارة خبز الغربة, وجهل الآخر لقيمتك, وتهميش الظروف للمبدع, تتبقى اللحظات التي يختلسها الواحد ليتوحد مع نفسه, ويعانق وحدته ويعود الى عوالمه ليكتب ويحقق ذاته في هذا العالم الذي له سطوته.‏

وهكذا كان الإرترى ابو بكر حامد كهال الذي تنازل عن الكثير مقابل ان يهدي روايته الأولى الى البطل الشهيد حامد ادريس عواتى مؤسس جبهة تحرير إرتريا ومفجر الكفاح المسلح الإرترى.. وكانت هذه الرواية مبعث فرح واعتزاز عندما وصلت الى الدكتور كرار ابن الشهيد الذي احتضنته سورية وتعلم في مدارسها وجامعتها واستقر بها منذ سنوات عمره المبكرة وكانت له الوطن والكرامة ولزوجته ابنة مسقط رأسه ولأطفاله.‏

-2-‏

بشعور غير عادي كان استقبالي لرواية رائحة السلاح أول عمل ابداعي إرترى يصل للمنطقة. اعرف ان انحيازي للكاتب ابو بكر حامد كهال كان نتيجة العديد من المسائل المتشابكة, فقد كنت في العديد من المرات اضع نفسي في ظروفه القاسية بداية من جحيم وحدة الغربة, وما يعانيه المحاصر داخلها من مفارقات ليس اقلها عجز الآخر عن استيعاب حضورك كأمر طبيعي, الى تهميشك المقصود أو العفوي وجهل قدر الرجال, وغياب الاحساس الحقيقي بالامان على العديد من المستويات. الى جانب صعوبة التفكير في مفاجأت الغد.‏

ايه.. أيها( الكهالي) العظيم, عرفت الآن لماذا ( ستائر المطر).. لكن(رائحة السلاح) كانت الاقرب.. الجرح الذي ضللت تبحث فيه, كأنك استمريت دمك ينزف.. لم استطيع أن أبعد الشخوص عنك كنت احسهم قريبون جداً منك من ذاكرتك كنت تعلم دقائق امورهم. وانت تكتبهم.‏

رامز النويصري مجلة المؤتمر العدد 41 -9/.2004‏

وكان صاحبي كأي غريب في بلاد الناس, قليلة هي لحظات فرحه أما فرح القلب فليس بالأمر الممكن وقد لايومض بصدق وعندما يتوهم المرء الصداقة لايجد في محيطها وظروفها الجدار الصلد الذي يضع عليه رأسه. ويتبقى قدره ان يحمل صليبه وصليب غيره أحياناً. وهكذا عاش هذا الإرترى النبيل الظروف القاسية التي ضيقت الخناق على الشاعر الليبي الجيلاني طريبشان.‏ ‏

ولكن كان لهذا الكاتب بياض الورق وقلمه الذي يغرسه في عذابه ليحقق عمله السردي .. ليعيد لنفسه مايليق بها من اعتزاز, ويقدم الفرح لمن راهنوا على انتصار المبدع وهو يسجل شهادته لتاريخ من يتناساهم التاريخ في الغالب.‏

-3-‏

لقد كانت الرواية امتحاناً للذاكرة وقدرتها على الامساك بالمكان, هذا الذي تمثل في حضور جغرافية العديد من المناطق بإرترية.‏

أيضاً الاحتفاء بخصوصية بعض الكلمات المحلية مما اضطر معه الكاتب الى تقديم هوامشه.‏

وقد استطاع ابو بكر ان يجعل عمله ينبض بالعفوية والصدق بحيث قدم شخوصه بشفافيه وبساطة تشعر المتلقى احياناً وكأنهم يتحركون طبيعيا امامه.‏

فالطفل الصغير الذي ارتبط به مفتتح الرواية رصده المبدع بشكل انساني.. انه الذات بعفويتها وبساطتها انه الراوي الذي حمل كل ما حمل من سنوات على كاهله فيما بعد ولكن لم يغير ذلك من سلوكه.‏

كانت العودة الى الماضي البعيد والانتقاء والاكتفاء بعالم السلاح فجاءت البداية مع الطفل ووالده وامه واخيه الصغير.‏

ونتيجة لعمليات التمشيط التي تقوم بها قوات (هيلاسيلاسى) فقد ماتت الوالدة ومات الأخ, وفقد البيت والجيران وكانت تجربة الرحيل وغياب الاستقرار والتي مازالت تحاصر الروائي الى يوم الناس هذا.‏

ونتيجة الخوف من الفقد والضياع وخفوت الحنين. كان تشبت الذاكرة بالمدن والغابات والسهول والوديان والجبال التشبت بالأشجار والأعشاب والانسان الاهل (رفاق الحركة) اسماء عديدة تحتل فضاء الذاكرة.. (يعقوب,الأخ كهال, آدم عثمان فايد, امين فرج قائد المجموعة ,طاهر ودركا, فرج ربضا, النادل برهان, ابراهيم طعدا, سعد الله موظف الصحة, ناصر, علي الاسكافي الاصلع, محمد همد صالح قائد الطواف, عبدو الخياط, فرجت الدرويش, خليفة الذي وشي فيه ابن اخته العميل, الجزر العميل, الطلاب المجندين, عافة راى يوسف عشكرلى, لعلم قبركدان, عمر الدين جامع, سلطان هاسوي, تولدي هوت, سعد راداري, سنيت معلم, حمد ولد موسى, تبعتاى عضو القيادة , والشيخ الذي عالج ودركا من الملاريا ,والطبيب إزار.‏

وتتحقق المشاركة بحضور المرأة أيضاً في النضال الإرتيري ودورها المتسم بالشجاعة والتضحية( سعدية نموذجا)… دون تغيب لدور الفنان في المعركة (الامين عبد اللطيف) وكحنو: عازف الناي صاحب 21 سنة والذي شارك في عملية المطار, وما يقوم به بدراجته النارية من مساعدة للفدائيين ,والمغني العاطفي ودأمير.‏

ولم يضخم الكاتب أدوار ابطاله.. تركهم دون تعاطف مبالغ فيه, أيضاً لم يجد الوقت للتركيز على مشاعرهم واحاسيسهم بما تتطلبه الأحداث.‏

ففي زمن الحرب يتم تجاوز مشاعر الانسان غالبا.‏

ولاشك ان صاحب هذا العمل لم ينتبه الى غياب تحديد الزمان فقد انحاز بالكامل للمكان, واعتقد ان هذا مطلوب بالنسبة للأعمال القادمة حتى تقترب الصور من ذهن المتلقي.‏

(غابة سابورا/ ازرقت, سروا, نهر عنسبا, مذابح بركه, جبل اموله, سهل منادوق, اسمرا, وادي انقعت, جبل عقامي, سوق مساس مدينة كرن, ( عدا حباب) سوق ساطب الذره, وادي دعارى, عونا, طريق قبسى, مدينة اغردت, وادي فلفلي, وادي عين حريش, جبل إقل, قوقاي, نواحي القاش, سمهد, حلحل, غار سقر, ميدان الزهور, سيدرى,وادي بيان).‏

-4-‏

ويحسب للروائي انه بنجاح محاولته الأولى قد حقق البداية الصعبة.وسيجد نفسه المؤرخ الابداعي لشعبه والاشارات الصغيرة تحمل وجهة نظر خاصة فعلى سبيل المثال لو لم يسترسل في عمله دون وضع تقسيمات (أرقام.. عناويين) لكان قد ساعد القارىء على التوقف والتركيز اكثر.‏

– أين يتمثل الحضور العربي الاسلامي?‏

وكما نعرف فان ايطاليا الفاشية اخذت مواطنيين ليبيين وارغمتهم على خوض غمار حرب في الساحة الاثوبية الإرترية, وفعلت الامر نفسه في حربها الظالمة على ليبيا,ودفعت بالعديد من المواطنيين منهم الاثيوبيون ومنهم الإرتريون الى مقاتلة اخوانهم في افريقيا الشمالية .و السؤال لماذا لم يوظف الكاتب جزء من هذا النسيج التاريخي.‏

وربما لو عرج على الحرب واسبابها ومساهمة ايطاليا في تعميق الفجوة بين السكان والدور الذي لعبته.‏

لوجد في ذلك ما يساعده على النفس الطويل في تأثيث فضاءه السردي. ومع ذلك فلقد استطاع توصيل الصورة التي تمثل الخلايا الفدائية المزروعة في العاصمة اسمرا ورجال الجبهة المتوزعين في الجبال, وقوات الامبراطور ان توجه ضربات قاسية للمواطنيين العزل منتقمة في شخوصهم من رجال النضال وتخويفا للمدنيين من اي تواصل أو مساعدة يتم تقديمها.‏

والى جانب زهور إرتيريا كان هناك حضور بناتها الاكثر روعة وتضحية الزهور البرية بنت الشيخ زوجة العم جابر, العمة سنية زوجة ودباتور, الجدة ابلو, سعديه, حواء شوم, وزهرة ص.46‏

وفي النهاية لاشك ان المبدع أبو بكر حامد كان يحتاج الى نشر هذه الاوراق ( رائحة السلاح) حتى يعيد ترتيب فضاء الذاكرة وتجاوز ما وقع فيه من هنات العمل الاول لتحقيق الافضل في نصوصه القادمة.


هذه المادة كتبها الأديب القاص د . زياد على فى الملحق الأدبى لجريدة الثورة السورية الصادرة بتأريخ 15 / 3 /2005

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7228

نشرت بواسطة في مارس 17 2005 في صفحة الصفحة الثقافية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010