رحيل العالم والداعية ورئيس مجلس الأوقاف الإسلامي الإريتري

mohamed saleh abdallah

اريتريا- مدينة صنعفي

رحيل العالم والداعية ورئيس مجلس الأوقاف الإسلامي الإريتري

12/7/1437هـ -19/4/2016م

رحل من هذه الدنيا الفانية عالم من علماء إريتريا الشيخ / محمد صالح عبدالله صبيحة يوم الثلاثاء الثاني عشر من شهر رجب سنة 1437هـ الموافق 19/4/2016م وتوفي الداعية في أسمرا العاصمة عن عمر ناهز. 64 عاماً وكلها مباركات- استغرقت بين العلم والعمل، ونقل جسمانه الطاهر بإذن الله إلى مدينة صنعفي مقر دعوته الإصلاحية ومشروعاته الحضارية فودع إلى مثواه الأخير وسط حضور جمع غفير، وحدثت وفاته بعد مرض رافقه مرافقة الظل وربما منذ أن وضع الحجر الأساسي للمشروع الإسلامي المبارك وإنجازاته التي تفوق الوصف والحصر.

وقال صلى الله عليه وسلم ” لموت قبيلة أيسر من موت عالم “. وقال سيدنا علي رضي الله عنه: ” العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثُّلِّم في الإسلام ثُلْمةً لا يسدها إلا خلف منه، (والثُّلْمة) خلل في الجدار. وقال رضي الله عنه نظماً.

ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم             على الهدى لمن استهدي أدلاء

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه          والجاهلون لأهل العلم أعداء

ففز بعلم تعش حياً به أبداً               الناس موتى وأهل العلم أحياء

ولادته : ولد العالم والداعية في العاصمة الإريترية أسمرا سنة 1952م من أسرة عرفت بالصلاح والتقوى وكان والده حافظاً للقرآن الكريم ومعلماً به حتى اشتهر في أنحاء إرتريا بـ (حاج صالح) حافظ القرآن. وعام ميلاده يعتبر لإريتريا عاماً كالحبلى وكانت الأجنة التي لا تزال في أرحام أمهاتها لا ترغب مغادر ة أرحام  الأمهات بل تفضل البقاء في أحشاء أمهاتها وما ذاك إلا بسبب انعدام الأمن والاستقرار، وحيث لاح في الأفق أمام أسرة الداعية باستحالة العيش في أسمرا.

ولذلك شدت رحالها من العاصمة إلى عمق البادية في منطقة (حمس) القريبة من مدينة صنعفي والتي ربما تنبأت بنبأ عظيم لمستقبل هذا المولود وتلك هي الهجرة الأولى للعائلة وللشيخ الراحل هجرات عديدة وكلها في سبيل الله، وأراد والده أن ينشأ فتاه بعيداً عن وادي (حمس) الذي تحيط به تلك الجبال الصخرية الشاهقة من جميع الجهات.

نشأته : ومن طبيعة الآباء الصالحين يتطلعون إلى مستقبل أبنائهم مهما كانت الصعوبات فوالد شيخنا الراحل كان من الذين يتمتعون لتحديد مسيرة هذا المولود وكانت تلك البيئة الصالحة التي ولد فيها من أولى المعالم التي رسمت الطريق الذي سيسلكه هذا الفتى الناشئ وحفظ كتاب الله منذ حداثة سنه المبكرة وحتى اشتهر هو الآخر  بـ ( حافظ القرآن ) و إبن حافظ القرآن . ولذلك أسرع به الوالد بالهجرة إلى مدينة أغردات في المديرية الغربية وألحقه في المدرسة الابتدائية ولما أكمل الدراسة النظامية في المرحلة الابتدائية قرر الراحل بقرارة نفسه مغادرة اريتريا متوجها إلى السودان لا ليبحث عن حطام الدنيا وإنما لمواصلة التعليم والتحصيل، ولا أعرف بالتحديد المدة  التي مكث فيها في السودان . إلا أننا نعلم بأنه واصل هجرته إلى أرض الحرمين الشريفين في نهاية عام 1973م وبالتحديد يمم وجهه نحو (مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم) المدينة المنورة . والتحق بالمعهد العلمي التابع للجامعة الإسلامية في عام 1974م وبالطبع هذه هي المرحلة المتوسطة والثانوية له كما يبدوا لنا ،  ثم التحق بالجامعة الإسلامية بكلية الشريعة وتخرج في عام 1982م بالتفوق. وبعد أن أتم المنهج المقرر في الجامعة الإسلامية . توجه إلى مكة المكرمة لمواصلة مسيرته العلمية والتحق بمعهد إعداد الدعاة لمدة عامين وحصل على شهادة دبلوم التربية منه وليكون مجموع السنوات الدراسية له بالمدينة المنورة ، بـ ( 10) سنوات من عمره المبارك بإذن الله .

عودته إلى الوطن : والداعية الآن أي بعد إتمام دراسته فهو أمام مشارف نهاية عام 1984م. والسؤال الذي يطرح نفسه هو : إلى أين يريد الآن ؟ والجواب المتوقع من عامة الناس في ذلك الوقت بأنه سيبحث عن الوظيفة والراتب في بلد تخرجه وهو يحمل لها من المؤهلات العلمية ما يؤهله في ذلك، وكما أن عدة فرص التوظيف كانت متاحة أمامه آنذاك، وبالتأكيد بأن العالم الداعية الشيخ / محمد صالح حدد هدفه من التعليم وسار على هدى كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منذ البداية بأنه يحمل رسالة يجب أن يؤديها وهي العودة إلى قومه لينذرهم لعلهم يحذرون ، ويقول الله عزوجل في محكم تنزيله : ” وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون”. سورة التوبة الآية 122.

ولقد وردت روايات متعددة في تفسير هذه الآية وتحديد الفرقة التي تتفقه في الدين وتنذر قومها إذا رجعت إليهم. والذي يستقيم عند بعض العلماء الأجلاء في تفسيرها : ” وأن المؤمنين لا ينفرون كافة (النفرة) ( هي الحركة) ويقال يوم النفر وليلة النفر لليوم الذي ينفر الحجاج من منى) وهو بعد يومُ (القرِّ) اليوم الذي بعد يوم النحر لأن الناسَ يقرون في منازلهم . ولكن تنفر من كل فرقة طائفة، والطائفة (عدد من  الناس) على التناوب بين من ينفرون ويبقون، لتتفقه هذه الطائفة في الدين بالنفير والخروج ، فهدى الله الداعية الإسلامية الراحل يرحمه الله الشيخ / محمد صالح على هذا النهج القويم ليكون من تلك الطائفة ولينذر قومه  فعزم على شد الرحال وحزم حقائبه بالعودة إلى وطنه (إريتريا) في نهاية عام 1984م وهي لا تزال يومئذٍ تحت الاستعمار الإثيوبي والحرب بينها وبين الشعب الإريتري في أشد مراحلها، وبالذات في تلك الأيام تحت نظام يرفع الشعارات الشيوعية، ولكن كل تلك الأحوال التي تعيش فيها أمته لا تخيفه ولن تكون عقبة أمام أداء رسالته التي يحملها الداعية ، جعلها الله بها من أهل الجنة. وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ماثلاً أمامه : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصالٍ … ومن هذه الأربعة : (وعن شبابه فيما أبلاه وعن علمٍ ماذا عمل فيه؟).

ولهذه المناسبة أوردُ جزءاً من منظومة العلامة فضيلة الشيخ / عبدالرحمن السعدي يرحمهم الله جميعاً.

سُعدَ الذين تجنبوا سُبُلَ الرَّدى           وتيمموا المنازل الرِّضوان

فهم الذين أخلصوا في مشيهم            متشرِّعين بشرعة الإيمان

وهم الذين بنوا منازل سيرهم           بين الرجا والخوف للدَّيان

وإلى الحلقة القادمة بإذن الله

سوف تكون مخصصة لبعض

إنجازاته المباركة  وليس كلها.

سليمان محمد اسماعيل

السعودية – الرياض

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=37168

نشرت بواسطة في مايو 16 2016 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010