رحيل قائد كان يجسد الصمود والوحدة الوطنية

 

بقلم /عمر محمد أحمد

في فترة  تفاقمت فيها الأزمة  السياسية  والاجتماعية والاقتصادية ، التي يمر بها الوطن من جراء السياسات الرعناء  للنظام الدكتاتوري وفشله  في امتلاك مشروع وطني  يستقطب كافة القوى السياسية والاجتماعية ، لبناء  وطن جاذب  لكافة  الانتماءات  في المجتمع الإرتري. في فترة بلغ فيها الأمر إلى حد فشل الزمرة الحاكمة  لدرجة يتهدد وجود الكيان  السياسي الإرتري. ذلك الكيان الذي  حظي بإعتراف المجتمع الدولي ، والذي كان محصلة نهائية  للنضالات  التي خاضتها  الحركة  الوطنية الإرترية، بدءا من  تلك التي قادتها  الكتلة الاستقلالية  فترة تقرير المصير ، ومرورا  بالنضالات السلمية التي قادتها حركة تحرير إرتريا  وانتهاءا  بالثورة المسلحة التي اشعل شرارتها الأولى الشهيد القائد حامد إدريس عواتي . وفي وقت دخلت فيه  المعارضة  الديمقراطية الإرترية  نفقا مظلما .. ولم يلح في الأفق بعد ، قبس  من الضياء  ينير الطريق ..!

في هذه الظروف  التي تواجه  النضال من اجل  العدالة والديمقراطية  وتعزيز السيادة  الوطنية ،  تحديات عظام..

في هذه اللحظات  التاريخية.. نفتقد  قائدا مثل الدكتور هبتي تسفاماريام الذي كان يجسد الصمود والوحدة الوطنية  والقرار الوطني المستقل.

استشهد الدكتور هبتي …

خسر الوطن رجلا يجسد تلك الأهداف  النبيلة .. والرجال  قليل ..!

في هذه الليلة الظلماء يفتقد البدر .. فقد كان الشهيد  د. هبتي في مقدمة القيادات التي كانت تعقد عليها الآمال ، كي تلعب دورا  تاريخيا في بناء جبهة وطنية عريضة مؤهلة لإزاحة الكابوس الذي يرزح  تحت نيره شعبنا، وإقامة البديل الديمقراطي .

والتاريخ النضالي الطويل للمناضل هبتي  شاهد على ذلك .  فلنلقي نظرة عجلى  على صفحات من دفتر مسيرة  القائد  الدكتور هبتي تسفاماريام حتى نضع النقاط فوق الحروف ، تأكيدا وتوضيحا لما ذكرناه .

انخرط الشهيد في النشاط السياسي  منذ نعومة أظفاره .. حيث انضم إلى حركة تحرير إرتريا  منذ بداية العشرينات من عمره . وحينما غادر الوطن إلى بولندا لاستكمال دراسته الجامعية، لم تلهه الحياة الجديدة  عن قضية  الوطن  والتصدي للأطماع التوسعية  للتحالف الذي كان يحكم إثيوبيا .. ولم يتجاوب  مع الإغراءات التي كانت تقدمها الحكومة الإثيوبية للنخبة الإرترية، لاسيما تلك التي تنتمي إلى المرتفعات ، مقابل الانخراط في مخطط التمييز. أي الرضوخ للسيطرة الثقافية  والسياسية والاقتصادية ، للتحالف الحاكم في أديس أبابا والذي كان يشكل الأمهرا عموده الفقري. وبصورة أكثر وضوحا الانتماء إلى حزب اندنت!!

كان الشهيد هبتي منذ البداية يمتلك حسا وطنيا، فبادر مع قلة من الطلاب الإرتريين في أوروبا بتأطير تجمعاتهم .. وانضم فيما بعد إلى جبهة التحرير الإرترية.

وفي النصف الأخير من الستينيات كان في مقدمة الطلاب  الوطنيين الذين اجروا اتصالات مكثفة للتجمعات الطلابية الإرترية، لاسيما في منطقة الشرق الوسط، وصولا إلى إقامة اتحاد عام للطلاب الإرتريين في الخارج ، يلعب دوره في الحركة الوطنية الإرترية. أثمرت تلك الاتصالات نجاحا تاريخيا، حيث المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام للطلاب الإرتريين في دمشق في عام 1969 بقيادة الشهيد الدكتور هبتي تسفاماريام. شكل ذلك المؤتمر نقلة نوعية  في نضالات الطلاب الإرتريين في الخارج، وارتباطهم بالثورة المسلحة.

كان الشهيد في مقدمة الطلاب الإرتريين في اوروبا الذين ارتبطوا بجبهة التحرير الإرترية، لكنه لم يتمكن من المساهمة في المؤتمر الوطني الأول لجبهة التحرير الإرترية في عام 1971، رغم رغبته الملحة ، لأسباب خارجة عن إرادته.

وبعد إنهاء دراساته  العليا في جامعة ألمانية ، إلتحق بالميدان ، إلتزاما بقرارات المؤتمر الوطني الأول.

ساهم في أعمال المؤتمر الوطني الثاني  لجبهة التحرير الإرترية  وانتخب عضوا في المجلس الثوري، نائبا للرئيس.

في بداية الثمانيات تعرضت جبهة التحرير الإرترية  لهجمة غادرة شاركت فيها قوى دولية وإقليمية  وخارجية  لتصفية التيار الديمقراطي ، في الساحة الإرترية. وبلغت ذروتها ، بقيام حركة انقلابية  كانت تهدف اغتصاب القرار السياسي لجبهة التحرير الإرترية، واجتثاث التيار الديمقراطي مدعومة من قبل عدد من دول الجوار ، وقامت بزج عدد من القيادات العليا، بينهم أعضاء اللجنة التنفيذية ، والعديد من الكوادر العليافي المعتقلات.

كانت أزمة عميقة ، على مختلف الأصعدة، حتى اعتقد البعض أن التيار الديمقراطي ، قد تم اجتثاثه وإلى الأبد..!

بيد أن عددا من القياديين  والكوادر  بقيادة الشهيد د. هبتي، كان لها رأي آخر  ، فرغم المخاطر الجسام وشح الإمكانات في مختلف الأصعدة ، قبلت التحدي  للدفاع عن صوت النهج الديمقراطي  والقرار الوطني المستقل. وبفضل هذه التضحيات وامتلاك الحس الوطني  لا يزال هذا المنبر  يدافع عن الأهداف النبيلة . حتى تمليكها للأجيال الناشئة.

وعلى مدى ربع قرن من الزمان  وفي خضم النضال  ضد النظام الشمولي وتوطين الديمقراطية في الساحة الإرترية ، شهدت ساحة المعارضة انشطارات أميبية وبروز الحلقات  السياسية التي تستغل النعرات القبلية والطائفية والإقليمية ومحاولات الوصايا من أطراف من خارج معسكر المعارضة … كان امتلاك البوصلة التي تنير الطريق الصحيح، عملة نادرة..!

وكان المحك في تقييم الأفراد والتنظيمات والحلقات السياسية.

كان الشهيد في مقدمة الأفراد الذين ينطلقون من الإقرار بالتعدد ، اللغوي والديني والإقليمي والسياسي، في المجتمع الإرتري. وأن الخلاص من الأزمة العميقة التي يعاني منها الوطن ، يمر عبر إقرار مشاركة كافة الإنتماءات في السلطة والثروة ، وتأكيد المواطنة  بمفهومها الحديث، وإشاعة الديمقراطية.

لهذا فقد كان المعيار الذي يعتمده الشهيد القائد الدكتور هبتي ، أثناء الانقسامات التنظيمية، هو أي طرف يستطيع خلق المناخ الملائم لتعزيز التيار الديمقراطي والوحدة الوطنية في صفوف المجتمع.

كان الشهيد  رمزا للوحدة الوطنية  والصمود والتواضع ، تميز بحسن الإصغاء لمختلف الأطراف وصولا إلى صياغة الوحدة الداخلية، في إطار التنظيم وتقوية الأواصر في العلاقات البينية في الساحة الإرتررية.

أدى الرسالة التي آمن بها ، وقدم نموذجا للمناضل الصلب الذي يتجاوز الانتماءات القبلية  والطائفية والإقليمية، في سبيل انصهار الجميع في بوتقة واحدة ، فحظي بالثقة.

نم قرير العين شهيدنا البطل ، فراية الديمقراطية والوحدة الوطنية ستظل ترفرف عالية، .. ونعاهدك على مواصلة المشوار حتى الرمق الأخير..وسنسلم الراية للأجيال الصاعدة.

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=38571

نشرت بواسطة في يناير 24 2017 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010