رسالة متعددة المضمون من مواطن إرتري الى الرئيس الأسد

السيد الرئيس:

كنت أود ان أكتب اليكم هذه الرسالة منذ بداية الأزمة الطاحنة التي تخيم على بلدكم, أو بالأحرى بلدنا جميعا , ولكنني لم أتمكن من ذلك , لأنني مصاب بمرض يجعل من يصاب به يحس بشكل دائم بأنه يعيش في منطقة ضبابية تميل الى الظلام بقوة , ملونة بمختلف الألوان عدى لون الحياة التي تنطفئ سماتها في الروح على الرغم من بقائها في الجسد , فيمتلئ المريض باحساس يجعله يعتقد ان احدى قدميه في حفرة الموت , والاخرى خارجها ,والصراع بينهما قائم باستمرار , الاولى تجرك نحو الاسفل , و الاخرى تقاوم ذلك , ولا غلبة لاحداهما بذلك تتحول حياة المريض الى مجرد استراحة بين مأساتين , فينحصر تفكيره باستمرار في كيفية ابقاء الاستراحة ان اتت , وفي ترقبها ان غابت . وفي الحالتين يغيب المعنى الحقيقي للحياة , فتتحول الى حياة تشبه حياة البلد الذي تقودونه , أو حياة البلد الذي انتمي اليها( ارتريا) , وحياة كل من البلدين تحولت الى كابوس مقيم يرافقه تضاؤل الأمل برحيله .

السيد الرئيس :

قد تتسألون وانتم تقرأون رسالتي هذه , لماذا يكتب اليكم مواطن ارتري عن ازمات بلدكم وبلده منذ ولادتها اسمها مرادف لكل شرور الدنيا , وقد تضيفون وماعلاقته بمشكلات سورية ؟ للأجابة على اسئلتكم المفترضة هذه اقول : نحن الارتريون على وجه العموم لم نهمل الكتابة الى (رئيسنا) خلال عقدين مضى من استقلال بلدنا , الا ان تجربتنا معه خلال هذه السنوات الطويلة اثبتت لدينا بمالا يدع مجالا للشك , انه  (رئيسنا) لا يقرأ الا خطبه , ولا يستمع الا لحاشيته المتخصصة فيما يود سماعه , فتصف له ان البلاد  التي يحكمها مكونه من ظله , والعباد فيها مجرد عبيد خلقوا لارضائه , والشعوب المجاورة لهم كموضوع دائم لحروبه , أما بقية البشر للاعجاب بنمط حكمه . وبالمناسبة ان معارضيكم يقولون ان هذه الصفات تنطبق عليكم , الا انني لا اتفق معهم , فلدي احساس غير جازم بأنكم تختلفون عنه كثيرا او قليلا , والا لما تورطت في الكتابة اليكم . أما للاجابة على سؤالكم الثاني اقول: هنالك سببان دفعاني للكتابة عن بلدكم , السبب الاول عام يتعلق بالارتريين جميعا , فنحن الإرتريون لا تغيب عن ذاكرتنا الجماعية المواقف المشرفة لشعبكم وبلدكم , في تأييدهم ودعمهم لحقوقنا في الوقت الذي  كان يتجاهل بقية العالم هذه الحقوق او يتآمر ضدها لهذا السبب نحب بلدكم , ونتضامن معها عند الحاجة الى ذلك , ويستثنى من ذلك رئيسنا , لانه احب اسرائيل ومن يحب اسرائيل لايتسع قلبه لغيرها . أما السبب الخاص الذي دفعني للكتابة اليكم انني اتيت الى بلدكم عندما كنت في سن الثالثة عشر او الرابعة عشر لا أعرف على وجه التحديد , فنحن الافارقة على وجه العموم لا نعرف اعمارنا بدقة , ولانهتم بذلك, لاننا نعتقد على نطاق واسع لافرقا كبيرا بين حياتنا ومماتنا , والأكثر بشاعة من ذلك ان الموت يشكل حتى هذه اللحظة الحل المؤكد والانجح لمشكلاتنا , لذلك تجدنا باستمرار نفتعل الحروب ضد بعضنا البعض فنرحل بالجملة الى العالم الآخر املا بأن تكون الحياة هناك أكثر اغراءا وعدلا, واقل تمييزا .

السيد الرئيس

حضوري الى بلدكم في هذا العمر المبكر اتاح لي مالم يكن متاحا لاقراني , فجنبني الموت المبكر الذي يشكل القاسم المشترك بين الافارقة الصغار عموما , ومنحني الفرصة لتجاوز الجهل والأمية المخيمين على هذه القارة , فتعلمت في بلدكم من المرحلة الاعدادية وحتى الجامعية على نفقة شعبكم ,وبعد تخرجي من الجامعة عملت فيها لفترة غير قصيرة , وبذلك منحتني بلدكم ما كانت تمنحه لابنائها عموما كحق في التعليم , وكذلك منحتني ماكانت تمنحه للمحظوظين منهم كحق العمل , لذلك احاسي تجاه بلدكم كاحساسي تجاه بلدي الاصلي ان لم يكن أكثر قليلا لان بلدكم منحتني كل شيئ دون ان أكون قادرا على منحها اي شيئ , أما بلدي الاصلي وان لم امنحه شيئ يذكر, فانه بالمقابل لم يمنحني شيئ يذكر حتى رؤيته تحولت الى امتياز يتمتع به كل من  يشرع او يقبل بعبودية الذين يحكمون البلاد , ويوم مغادرتي لبلدكم كان احساسي كإحساس من أجبر على الغادرة, ولولا ظروف شخصية قاهرة لماغادرتها . وبعد وصولي الى البلد الجديد الذي اقيم فيه لم انقطع عن متابعة الاخبار المختلفة لبلدكم على الرغم من انها تدفع الى الاحباط والتخلي , فقبل الازمة الحالية تابعت باهتمام قيام نظامكم باعتقالات واسعة في صفوف المثقفين السوريين , ومناضلي الحراك المدني لمجرد اعتراضهم على نظام الحكم القائم والحكم عليهم باحكام قاسية, وصرف البعض منهم من الخدمة المدنية لنفس السبب , ووصفكم لاقرانكم العرب بأنهم (انصاف رجال) على الرغم من ان رجولتهم ملموسة في كل الخراب الذي يعيشه العرب وآخره في بلدكم , وهروب السيد خدام من البلاد بعد ان حلت مافيا جديدة محل المافيا القديمة , ووداع مجلس الشعب السابق له بما يليق به ويليق بالمجلس .

السيد الرئيس :

ان بلدكم قبل العدوان الحالي كانت تتعرض باستمرار لضغوط خارجية هائلة , لاجبارها على مساعدة الاحتلال في العراق , وانهاء الحد الادنى من الممانعة تجاه اسرائيل , والمساهمة في محاولة شطب المقاومة اللبنانية والفلسطينة , وكنتم ترفضون ذلك و لكن مقابل رفضكم هذا كنتم تطلبون الثمن من السوريين انفسهم , أي ان يتنازل السوريون عن جميع حقوقهم الانسانية , وهذه السياسات هي التي أدت الى أخطار دخيلة جديه  تهدد وجود بلدكم لا صمودها فقط , والناتجة من خلل في طبيعة السلطة وممارساتها التي قوضت تطور الدولة والمجتمع معا , ولم يحظ هذا الوضع على الرغم من خطورته التي كانت بادية للعيان بأي اهتمام او معالجة من قبلكم, والأكثر خطورة من ذلك كنتم تنكرون وجود هذا الواقع وتغطون عليه بشعارات كبيرة عن المقاومة والصمود , وتكرر ذلك وسائل اعلامكم المملوكة للسلطة بنوع من التضخيم , و كانت الغالبية المطلقة من السوريين مع هذه الشعارات ولكن كي يساهمون معكم في تحقيقها كانوا بحاجة الى احترام آدميتهم ,ومعاملتهم على اساس انهم بشرا وليس قطيعا موضوع تحت تصرف سلطتكم , فتستدعيهم الاجهزة الامنية لدقائق معدودة, فتمتد بهم هذه الدقائق الى سنوات تعادل اعمارهم  وقت استدعائهم أو تقترب من ذلك على الاقل  .  فالمواطن السوري خضع منذ مجيئ سلطتكم قبل الوراثة وبعدها , الى قيادات سياسية وامنية ومافوزية تعتقد ان ادارة الدولة هو نهب المال العام واحتكار السلطة وحق المواطنة هو ادخال الناس الى السجون واخضاعهم لمحاكم استثنائية تحكم عليهم بقوانيين استثنائية, الامر الذي حول حياة السوريين الى حياة استثنائية لاتشبه حياة بقية البشر وحتى تلك المحاكم لاتتوفر للجميع , فالبعض من المعتقليين يبقى في السجون كوديعة دون اية محاكمة ولايخرجون منها الا عندما تأذن السلطة بخروجهم في احدى اعيادها , والسوري عادة لايخرج من السجن او المعتقل الا بعد ان يتحطم جسده وتنخر روحه, فيقترب من الصورة التى ترغب السلطة ان ترى فيها السوريين جميعا . والسوري الذي يتجاوز كل هذه القسوة ويحتفظ بتوازنه النفسي والجسدي , لا تتوقف السلطة عن ملاحقته بشتى الطرق المرئية منها والمستترة ,و تقفل امامه ابواب الرزق , فيهدد الجوع ماتبقى من كرامته , ويتهرب من رؤيته اصدقاؤه ومعارفه قبل فترة السجن , كأنه مصاب بمرض معدي فيكتشف السجين السابق أن سلطة القمع في بلده ليس الأمن وسجونه فحسب بل ايضا المجتمع الذي حولته ثقافة القمع الى مرادف لهذه الاجهزة , أما السجين الذي يحتفظ بشجاعته الأولى قبل دخوله الي  السجن قد يوصف بالجنون ليس من السلطة وحدها بل من بعض معارضيها ايضا كحالة السيد نيوف مثلا . الأمر المؤسف والاكثر مرارة في تجربة الاعتقال السوري , أن السوري  الذي قضى سنوات طويلة في السجون يخرج منها على المستوى الشخصي أقل حقوقا مما كان عليه قبل دخوله الى السجن , أما القضية العامة التي سجن من أجلها فلا أحدا يتذكرها , هو نفسه قد ينساها دعك عن الآخرين , والطرف الوحيد الذي لاينسى في هذه العملية هي السلطة , فهي لاتغفر للسجين السابق ليس لانه مازال صاحب فعالية تخيفها , بل  لانه تجرأ يوما من الايام علي معارضتها ولم يعلن عن توبته علنا” .

السيد االرئيس:

ان التهديد بالحصار والتجويع والعدوان الذي تتعرض له بلدكم الآن ناتج بالأساس من الاهانات والاذلال الذي تعرض له السوريين منذ اربعين عاما من قبل سلطتكم , وحجة اهانة السوريين كانت باستمرا مقاومة العدوان والصمود أمامه , الا أن العدو كان يعلم انكم غير قادرين على مقاومته , والانتصار عليه ,فمن يود ذلك ,عليه ان يقاتل بشعبه كله , ومن الصعب القول ان شعبكم كله كان معكم .

الحقيقة ان السوريين منذ اربعين عاما مختلفون في كل شيئ بما في ذلك كتابة اسم سورية , فالبعض يكتبها بألف ممدودة والبعض الاخر يكتبها بتاء مربوطة. أما في تحديد طبيعة نظامكم فحدث ولا حرج فهناك تصنيفات متعددة لكن التصنيف الأكثر تداولا بأنه نظام طائفي يمثل فئة قليلة من السوريين و مصدر هذا التصنيف غالبا طائفي. لذلك فان شعبكم بحاجة الى مصالحة وطنية توحد نظرتهم الى بلدهم وتعيد اليهم وحدتهم وتجنب سورية كدولة ومجتمع عملية الالغاء التي تتعرض لها في الوقت الحاضر. ولن تنجح اية مصالحة وطنية في بلدكم الا بالكشف عن جميع الجرائم التي أرتكبت في البلاد وخاصة في فترة الثمانينيات من القرن الماضي, ففي تلك الفترة تعرضت سورية الى أزمة سياسية عميقة, تم التعامل معها بعنف مطلق, فتعرض قطاع واسع من السوريين الى مذابح جماعية واعدامات بالجملة واعتقالات واسعة دون محاكمات واختفاء قسري للبعض , وكنتم تقولون باستمرار في خطبكم ومقابلاتكم الاعلامية ان السوريين ليس بحاجة الى مصالحة وطنية لانهم ليسوا بقبائل  متحاربة , لكن للانصاف ماجرى في بلدكم  ومازال مستمرا أكثر من حروب القبائل بكثير , ففي حروب القبائل هناك أعراف تضبط حدود العنف وهذا أمرلم يكن متاحا في بلدكم وحتى هذه اللحظة .

السيد الرئيس :

عندما وصلتم الى الحكم بتلك الطريقة التي يعرفها الجميع قد تكونون صدقتم تلك الحكاية التي كانت متداولة , اي ان السوريين في ظل حكم والدكم , عاشوا في حالة سلام وأمن , فالتفوا جميعا حول قائد المسيرة فتحققت وحدتهم الوطنية وعاشوا كأسرة واحدة . للأسف ان الحقيقة مناقضة لهذه الصورة تماما , ففي تلك الفترة  أقتلع جيلا كاملا من السوريين من الوجود , وأبيدت أسرا بكاملها , وشردت أخرى للمنافي , فولد في المنافي جيلا جديدا من السوريين لايعرف من تاريخ سوريا سوى المجازر التي نفذت ضد ذويه , أما أسر الذين اختفوا في المعتقلات السرية والعلنية , كانت معاناتهم مضاعفة نتيجة غياب معيلها من جهة , وغموض مصيره من جهة أخرى وكذلك من صعوبة العيش فاضطر الاطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد الى ترك مدارسهم , والتوجه الى العمل لاعالة والدتهم واخوتهم الاصغر سنا , ومن ترك له والده ثروة نسبية بددها في حالة البحث المستحيل عن الوالد المفقود متنقلا من مدينة الى اخرى ومن فرع أمني الى آخر , وفي تلك الفترة ظهر سماسرة على علاقة بالفروع الامنية يعرضون خدماتهم على أهل المعتقل او المفقود , لمساعدتهم على معرفة مصيره مقابل مبلغ من المال تحدد قيمته حجم الثروة التي تملكها الاسرة فيقدمون لأسرة المعتقل معلومات قديمة او متداولة يعرفها أهل المعتقل او المفقود او يقدمون لها معلومات غير مكتملة تحتوي على قدر من المعلومات الصحيحة تطمئن ذوي المفقود دون أن تنقلهم الى اليقين , فتدفعهم الى المزيد من الانفاق على السمسار أملا بالحصول على معلومات أكثر وضوحا في المرة القادمة. وفي المرة القادمة قد يختفي السمسار او يهدد الاسرة حتى تكف عن مراجعته , وفي تلك الفترة ايضا تمكن الامن من تحويل أعداد من ابناء المعتقلين , المفقودين او الهاربين ( الذين كانوا يترددون الى الفروع الامنية بحثا عن آباءهم أو اخوتهم , أو كان يتم استدعائهم للفروع الامنية بحجج مختلفة) لمخبرين. وبذلك لم تتوقف مأساة الاسر في حدود فقدان الاب او المعيل بل وصلت الى حدود فقدان الابن أيضا .

كل هذه الامور اصابت الوحدة الوطنية السورية بشروخ هائلة , فانقسم السوريون الى مجموعات وطوائف تتربص كل منهما بالأخرى فانتشرت ثقافة الانقسام على نطاق واسع لكن هذا الانقسام لايمكن ملاحظته بالسهولة , في بلد تحارب فيه السلطة أي شكل من اشكال التمايز والانقسام بالقوة وتجبر الناس على التوحد وتمنعهم من التعبير عن آرائهم علنا , فيخالفون في كثير من الاحيان قناعاتهم معلنين تأييدهم للسلطة وهم يعارضونها , ويتكلمون عن أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية بعد أن عادوا الى انتماءاتهم الاولية . في تلك الفترة على الرغم من انني كنت على احتكاك مع مواطنيين سوريين من مختلف الانتماءات المناطقية والطائفية لم يتبين لي حجم الانقسام بين السوريين بصورة واضحة الا عند انتسابي الى جامعة حلب في بداية الثمانينيات وهي نفس الفترة التي تمكنت فيها سلطة والدكم من اجلاء الجامعة  من اي حراك طلابي الا من مجموعات صغيرة وهامشية من مختلف التيارات السياسية تمارس السياسة مع نفسها بعد ان أغلق المجتمع امامها و في ظل الغياب مطلق للسياسة لم يبق امام السوريين مجالا سوى العودة الى روابطهم الاولية ففي الجامعة مثلا كانت العلاقة بين طلاب من مختلف المناطق السورية تحددها في الغالب انتماءاتهم الطائفية والمناطقية أما المناطق المختلطة طائفيا كانت تتنفى فيها تلك العلاقة لتحل محلها علائق الطائفية .و قد  اتيحت لي في تلك الفترة الاختلاط بطلاب سوريين من مختلف المناطق وخاصة من حلب وحماه وادلب وجسر الشغور والجزيرة السورية وكان معظمهم لديهم ميول طائفية واضحة ونفور شديد من السلطة ويكررون أمام من يثقون به (ومصدر الثقة ايضا , الانتماء الطائفي للموثوق به ) باستمرار عن الجرائم التي ارتكبتها السلطة في مناطقهم ويحددون طبيعتها على انها  سلطة طائفية يهيمن عليها العلويون على الرغم من انهم يشكلون أقلية صغيرة بالبلاد, وتمنحهم امتيازات لاحدود لها على حساب الاغلبية وبعد مرور فترة قصيرة تعرفت على طلاب من الساحل السوري ينتمون الى الطائفة العلوية ومعظمهم كانت لديهم ميول يسارية وغياب اي نزعة طائفية في تعاملهم مع الآخرين , وأول مايلفت النظر عند التعامل معهم طيبتهم الواضحة وملامحهم الريفية وفقرهم البادي للعيان مما يجعلك تشكك في قصة الامتيازات المتداولة على نطاق واسع قبل ان تكتشف انها من صنع الخيال , وبمرور الزمن تعمقت علاقتي ببعضهم فذهبت معهم الى مناطقهم ,فرأيت حجم الفقر الذي تعاني منه هذه المناطق وسخط كبير على السلطة وأعداد لايستهان بها من المعارضين جلهم من اليسار وكم كبير من المعتقلين نسبة الى عدد السكان مما ينفي استفادتهم من هذه السلطة .

 لكن هذه الحقائق والاوهام التي يتناقلها السوريين تجاه بعضهم البعض تكشف لنا مدى الانشقاق الذي اصاب وحدة المجتمع السوري وجهل المجتمع بنفسه وترسيخ متعمد من السلطة لهذه الحالة قبل ان يتفوق عليها معظم معارضوها باتخاذ المسالة الطائفية كأساس وحيد لمعارضتهم لها . وفقا للمنطق الطائفي تكون صورة (العلوي ) وهويكدح في مزرعته الجبلية مطابقة لصورة رفعت الأسد وعلي دوبا وعلي حيدر وسليم يسن ورامي مخلوف وتغفل الذاكرة الطائفية عمدا أمام صورة عارف دليلة ,عبدالعزيز الخير , نزار نيوف , فاتح جاموس , سعد الله ونوس , حيدر حيدر , نديم محمد و ممدوح عدوان وربما أدونيس والقائمة تطول بمايتجاوز القائمة الأولى لكن يتم التركيز على الصورة الأولى عمدا لأنها تساعد على التعبئة والتجييش الطائفي ضد الخصم الطائفي باعتبارأن صورته مشحونة بجميع الشرور ويتم تجاهل الصورة الثانية أو التقليل من شانها لان أصحابها قدموا تضحيات كبيرة في سبيل حرية الجميع . وللأسف الشديد ان هذا المنطق في فهم أوضاع سورية هو الذي غسل السيد خدام من جرائم سلطة كان شريكا حقيقيا فيها , وأوجد له مكانا وسط معارضيها ومن هذا المنطلق نفسه قد يطمح ان يكون حاكم سوريا الجديدة على وزن العراق الجديد .

السيد الرئيس :

ان ازمات بلدكم لاتنحصر فيما ذكرته أعلاه , بل هناك أزمات اخرى لاحدود لخطورتها , من تلك الازمات وأهمها مشكلة الفساد , والفساد في سوريا حالة فريدة ليس لها مثيل في اي بلد آخر من العالم , فهو فساد طليق من أي قيد قانوني أو أخلاقي الى الدرجة التي يدفع فيها المراقب الي الاعتقاد ان المسؤولين السوريين فقدوا جميع مواهبهم الا موهبة سرقة المال العام . ومن غرائب الفساد  في بلاديكم ان السلطة لاتعين ااي شخص  في منصب عام الا اذا كان لديه سوابق في سرقة المال العام,اوالاستعداد الكامل لدخول هذا المجال , و ان الاشخاص الفاسدين هم الاعلى صوتا والاكثر حديثا عن قيم النزاهة والأكثر ترديدا لشعارات البناء والتحرير ويوحون لمستمعيهم بأنهم الأكثر مقاومة للفساد والفاسدين في الوقت الذي تغطي فيه رائحة الفساد جميع الاماكن التي يمرون بها وخير مثال على هذا السلوك تصريحات السيد خدام عندما خرج من السلطة أخرج منها فتكلم عن حجم الفقر في البلاد وعن الفساد المعمم وذكر اسماء اأشخاص فاسدين راكموا ثروات هائلة من سرقة المال العام ولم يذكر اسمه بالطبع. بالتاكيد في تلك الامسية التي تكلم فيها السيد خدام قد اضحك السورين كثيرا بعد ان ابكاهم كثيرا في ازمنة سابقة , ومن لم يضحك من السوريين من كلامه فعلى الاقل من تهريج مجلس الشعب في وداعه وكلا الحالتين تلخص صورة سورية الحديثة التي جعلت من الفساد ثقافة مشتركة بين السورين جميعا , فمن حق أي سوري ان يكون فاسدا دون ان يقاومه اللآخرون , او يخضع للقانون والحالة الوحيدة التي يقاوم فيها عندما يهدد فساده مصالح الأكبر فسادا منه وجميع السوريين يعرفون هذا القانون فلايقتربون من مصالح الأكبر فسادا منهم الا في حالات قليلة ونادرة وغير محسوبة . قد اصبحت ثقافة الفساد عموما جزءا من التكوين الثقافي العام للسوريين فالسوري مثلا من النادر ان يقول عن شخص فاسد انه لص او سارق , بل يقول عنه ( ابن حرام) ليس كادانه أخلاقية له بل كنوع من الاعجاب الخفي بلصوصيته وحتي الانسان الذي يرغب ان ينأى بنفسه  عن هذا الفساد لايستطيع ذلك فهو محكوم بالتعامل مع مؤسسات السلطة وفي هذه الحال مضطرا ان يكون راشيا أو مرتشيا , وحتى ينجو من هذه العلاقة يجب ان يغادر بلده الى بلد آخر او الى العالم الآخر. فأنا الذي أكتب اليكم هذه السطور لا اتذكر عدد المرات التي دفعت فيها الرشوة , ليس لضعف ذاكرتي بل لكثرت عدد هذه المرات . لكن يبقى الفساد الأكثر خطرة في سورية هو فساد القضاء الذي يعتبر اهم مؤسسة في أي بلد محترم ,  فالقضاء الذي كان يفترض فيه ان يكون الاداة   التي تمنع سرقة المال العام بفرض احكام قاسية على الذين يقومون بذلك تحول الى وسيلة تساعد الفاسدين على السرقة . فاذا كان لديك مال في سورية بغض النظر عن مصادره , واقترفت جرما ما تستطيع ان لاتصل للقضاء , واذا وصلت تستطيع ان تخرج برآءة منه , أما اذا كانت مشكلتك غير قابلة للتغطية بالمال او النفوذ أي عندما يكون خصمك اكثر مالا او نفوذا فيحكم عليك بالجرم , فانك تستطيع ان تعرقل تنفيذ الحكم الى ان تستجد ظروفا تسمح لك بالغائه , وأذا اجبرت على دخول السجن لتنفيذ حكم ما تستطيع ان تجعل من جميع العاملين في السجن فيما ذلك مدير السجن الى عاملين لديك يساعدونك في ادارة اعمالك في الخارج وبالطبع هي أعمال غير مشروعة . وهناك انواع أخرى  من الفساد كقلب الاحكام وتلفيق التهم وتوريط الناس في جرائم لم يرتكبوها وتعطيل تنفيذ الاحكام من قبل السلطة التنفيذية .

السيد الرئيس:

قبل أن اختتم رسالتي هذه اليكم , سوف أتطرق الى ماساة الثقافة في بلدكم منذ اربعيين عاما مضت , فمنذ ذلك التاريخ انعدمت في بلدكم ثقافة قيم المواطنة وصودرت الحريات الجماعية والفردية , وانعدم الامن الشخصي للسوريين وأصبحت دولة القانون حلم غير قابل للتحقيق , وأصبحت سورية التي كانت تصدر انتاجها الثقافي الى العرب ليس لها ماتصدره سوى ثقافة توريث السلطة , وهذا الامر بدوره انتج معارضة تنتمي الى القرون الوسطى تمارس القتل علنا وترتهن الى اجهزة دولية تستهدف الغاء الدولة السورية من الوجود .

السيد الرئيس :

قد لاتجدون الوقت الكاف لقرآءة رسالتي هذه , وملخص القول فيها ان أي حاكم يرسل أقربائه الى المشاريع المربحة في الدولة وعلى حسابها ويشرع نهب المال العام لانصاره في السلطة ويرسل أبناء شعبه الى السجون اذا اعترضوا على مسلكة , غير قادر على تحرير ماهو محتل من ارضه ولا الحفاظ على ماهو محرر منها ,فتحرير ما هو محتال من بلدكم و الحفاظ ما هو محرر منها يتوقف على تحرير السوريين وأحترام حقهم في اختيار وتغيير حكامهم , وكل كلام آخر غير ذلك يبقى اقل قيمة من كلام (انصاف الرجل) واقول جازما ان عدم احترام حقوق السوريين هي التي حولت سوريا من لاعب أساسي في المنطقة الى ملعب لكل من مملكة العبودية المعممة التي لم يتجاوز تطورها مرحلة مطاردة النساء لمجرد وضعهن طلاء الاظافر, ولامارة تتكون من انبوب غاز ومحطة تلفزونية وقاعدة امريكية بهدف استعارة العظمة وشيخ مستعار لايتوقف عن الافتاء بالقتل ويحكمها امير انقلب على أبيه .

                                                                        محمد محمود حامد

                                   hamid340@hotmail.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=26669

نشرت بواسطة في أكتوبر 27 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010