رسالة* مفتوحة إلى ملتقى الحوار الوطني للتغيير الديمقراطي

بقلم: زين العابدين محمد علي “شوكاي”

مقدمة تعريفية:

ينطلق فهمنا لهذا الحدث التاريخي الهام من تسميته التي أطلقت عليه وتحليل مكونات تلك التسمية لجعل مسألة فهم الحدث في متناول اليد. فالحدث عبارة عن ملتقى لمختلف المكونات لتصل إلى فهم متقارب للكثير من مشكلات مجتمعنا الإرتري عبر وسيلة الحوار الذي ينبغي أن يكون الوسيلة المعتمدة بين القوى السياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد، بهدف ترسيخ ثقافة الحوار وتعميقها، والتي كما أجمع عليها أكبر عدد ممكن من ممثلي التكوينات الإرترية المختلفة بمشاركتهم الفاعلة فيها يصبح الحوار حوارًا وطنيًّا إرتريًّا.

لذا، يبدو واضحًا من أن الجزء الأول من هذه التسمية هو الأساس الذي يرتكز عليه الجزء الآخر منها، وهذا معناه أن موافقة قوى أساسية وهامة من قوى مجتمعنا الإرتري السياسية والثقافية والاجتماعية على عقد ملتقى وطني إرتري يعتبر في حد ذاته إنجازًا وطنيًّا ينبغي دعمه وتشجيعه والوقوف إلى جانبه بما نملك من إمكانيات حتى نحوله إلى حدث وطني هام يساهم في جعل ثقافة الحوار من أهم مرتكزات الثقافية الوطنية الديمقراطية الإرترية، وبما يعزز وحدة شعبنا وبلادنا.

أما الجزء الآخر من التسمية لا يتعلق فقط بإجراء تغيير سياسي يهدف إلى جعل إرتريا دولة تحكمها قيم الديمقراطية ومؤسساتها، بل البدء بإرساء قيم الديمقراطية والعدالة في أوساط التكوينات السياسية والثقافية والاجتماعية الإرترية للاحتكام إليها وجعلها ثقافة تحاكم هذه التكوينات على أساسها أداءها التنظيمي والمجتمعي. لذا نؤكد في هذا الصدد بشدة على أن ملتقى الحوار الوطني للتغيير الديمقراطي ينبغي أن  يقف عند التسمية التي أطلقت على هذا الملتقى، ويعطي أبعادًا لمكوناتها في التوصيات التي سيخرج بها هذا الملتقى لتكون مرشدًا ودليل عمل سياسي وثقافي واجتماعي للقوى المشاركة فيه، باعتبار أن هذا الملتقى ليس تجمعًا تنظيميًّا سيصدر قرارات تلزم الأطراف المشاركة فيه، بل هو ملتقى الهدف منه ترسيخ ثقافة حوار وطني إرتري تعمِّق القيم والتقاليد والثقافة الديمقراطية لمجتمعنا بأسره، قبل أن تكون شعارات ترفع سياسيًّا مقابل استبداد وديكتاتورية النظام السياسي القائم في البلاد.

ملاحظة هامة:

هناك ملاحظة ارتأينا أن نبرزها في هذه المقدمة وهي أن تسمية الملتقى نفسه إذا نظرنا إليها باللغتين “التجرينية” و “الإنجليزية” لا نجد فيها أي أثر لكلمة “الحوار” كما هو الحال في اللغة العربية:

ملتقى الحوار الوطني للتغيير الديمقراطي

ሃገራዊ ዋዕላ ንደሞክራሲያዊ ለውጢ

National Conference for Democratic Change

خطورة هذا الاختلاف في التسمية، إذا قارنَّا بين التسميات الثلاث الواردة أعلاه، نجد أن دلالات التسمية باللغات الثلاث يمكن أن تكون لها تأثيراتها المتباينة في الاستعداد الذهني لدى المتلقين في اللغات المختلفة، وبالتالي في تصوراتهم لمآلات الحدث نفسه. فقارئ التجرينية أو الإنجليزية يأتي إلى الملتقى وقد تملكت ذهنه فكرة التغيير الديمقراطي، الذي يعتبره في الحقيقة أهم من الحوار بين المكونات الإرترية التي يجري التغيير الديمقراطي لصالحها، بينما يأتي القارئ العربي إلى الملتقى وهو يحمل في مخيلته إجراء حوارات بين مختلف عناصر التكوينات الإرترية بهدف البحث عن الوسائل الأفضل والأنجع لإجراء التغيير الديمقراطي.

والحوار لا يتم عادة إلاّ بين أطراف مختلفة يشكل الناطقون بالتجرينية جزءًا هامًّا وأساسيًّا فيها، وغياب كلمة “الحوار” في التسمية بالنسبة للمتعاملين مع اللغتين “التجرينية” و “الإنجليزية” يشكل نقصًا واضحًا، الأمر الذي يمكن أن ينتج عنه خللاً في أفهامنا للغاية المرجوة من هذا الملتقى، وبالتالي يمكن أن ينعكس ذلك على التوصيات التي سيخرج بها الملتقى. لذا نرى من الأهمية بمكان مناقشة هذا الموضوع الهام، وطرح تسمية موحدة له بكل اللغات التي يتم التعامل معها في بداية الملتقى، لان ذلك سوف يكون له تأثير في الطريقة التي ستدار بها النقاشات في الملتقى وفي توصياته أيضًا.

المناقشة:

سوف أحاول في هذه الرسالة التركيز على ثلاثة محاور أؤمن بأهميتها القصوى في مثل هذا الحدث الوطني والتاريخي الهام، وقد تم اختيارها من بين القضايا المطروحة للنقاش باعتبارها كثيرة ومتنوعة، على اعتبار أن أي مقترح يتعلق بالملتقى يفترض أن يساهم في خلق حوار وطني إرتري، والذي يساهم بدوره في تعزيز وحدة الكيان الإرتري أرضًا وشعبًا، ويقود إلى تغيير ديمقراطي حقيقي يوحد شعبنا وقواه السياسية، ويساهم في إشراك مكونات شعبنا في إدارة شؤون البلاد، والانتفاع من خيرات البلاد المادية والروحية. أما المحاور الثلاثة التي تم اختيارها كمواضيع لهذا الرسالة فهي:

  • · مفهوم الوحدة الجغرافية والتاريخية، وأهمية ذلك لأي شعب من الشعوب،
  • · مبدأ التعايش السلمي بالتركيز على السلم الأهلي، والقوى الأساسية الفاعلة فيه،
  • · تحديد الملامح الأساسية لنوعية التغيير الديمقراطي المنشود وربطه بمفاهيم الحكم الراشد، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية المبنية على المواطنة كأساس للتعامل.

أن اختياري لهذه الموضوعات الثلاثة ناتج عن اعتقادي بأهميتها في إرساء دعائم دولة إرترية موحدة أساسها الديمقراطية المبنية على التعايش السلمي بين مكوناتها، ليصبح الملتقى محطة هامة من محطات إحداث تغيير اجتماعي بنَّاء، ووقفة تقييمية حقيقية وجادة في تاريخ شعبنا السياسي، واعتماد مقاربات منهجية صحيحة لمشكلات وحقائق الواقع الإرتري، والتي تتجسد في المقام الأول في إشكاليات وتعقيدات العلاقات القائمة بين مكونات هذا الوطن.

لو تطرقنا إلى كل محور من هذه المحاور الثلاثة بمفرده وحاولنا تثبيت نقاط معينة فيها نعتقد أنها تحظى باهتمام وطني ضمن عدد من القضايا المطروحة للنقاش، وذلك بهدف المساهمة في خروج الملتقى بتوصيات أو مواثيق أو عهود، تلزم على الأقل القوى المشاركة في الملتقى لتبنيها والدفاع عنها، عندها فقط يمكن اعتبار ذلك انتصارًا لفكرة ملتقى الحوار الوطني.

المحور الأول: إن مفهوم الوحدة الجغرافية والتاريخية له صلة بنشأة الأوطان وتقدمها، والعيش الآمن بين مكوناتها المتباينة. هناك مفهوم الشرعية الجغرافية الذي يناقشه البروفيسور تسفاظيون مدهاني والآخرون الذين شاركوا معه في كتابة وثيقة “المؤتمر الوطني من أجل وحدة وإنقاذ إرتريا”، في عام 2006، (الصفحة 14 في النسخة التجرينية الأصلية، والصفحة 24 في الترجمة العربية) والذي يمكن اعتباره من أفضل ما كتب في هذا الشأن بقلم إرتري، ولأهميته في هذا السياق نتمنى على الملتقى الرجوع إلى تلك الوثيقة ومناقشة ما جاء فيها في هذا الشأن وفي غيره من الشؤون في مثل هذه المناسبة الوطنية الهامة.

هناك مفاهيم واسعة ومتنوعة تتحدث عن أهمية الوحدة الجغرافية والتاريخية للشعوب، إلاًّ أن الأهم هنا هو التأكيد على اعتبار هذين المفهومين أساسًا لقيام وطن إرتري موحد تتعايش مكوناته في أمن وسلام. ويعني هذا الأمر إجماع الشعب الإرتري على أن إرتريا ككيان سياسي أو كوحدة جغرافية مثلها مثل سائر الدول الأفريقية والدول الأخرى النامية في آسيا وأمريكا اللاتينية ليست استثناءً في نشأتها الجغرافية والتاريخية، وتعدد مكوناتها. إلاّ أن الاستثناء الوحيد الذي يمكن اعتباره هامًّا في هذا السياق هو عدم تمكن الشعب الإرتري، أو ما يطلق عليها البروفيسور مدهاني “قواه الحية” من عقد ملتقى أو مؤتمر وطني إرتري تتفق فيه هذه المكونات على أن وحدة الأرض الإرترية، والتاريخ المشترك الذي مرت به هذه المكونات معًا، وتتقاسمه منذ قرن وعقدين من الزمان ، أي منذ نشأة الكيان الإرتري كمستعمرة إيطالية لأول مرة في عام 1890، يمكن اعتباره قاسمًا مشتركًا بينهم للدفاع عنه والقبول به كأحد مسلمات الواقع الإرتري. هذا القبول بالتراضي والدفاع عن الوحدة الجغرافية والتاريخية للشعب الإرتري يعتبر حجر الزاوية في أي اتفاق حالي أو مستقبلي بشأن الكيان الإرتري، والمبني على أسس متينة تقوي وحدة إرتريا أرضًا وشعبًا. كما ينبغي أن يتضمن مثل هذا الإجماع الوطني احترام خصوصية إرتريا في نشأتها وتكوينها، واحترام حقوق كل المكونات الوطنية الرئيسية فيها، وعدم الإخلال بهذه الحقوق بحجة الدفاع عن وحدة إرتريا أرضًا وشعبًا، بحيث يؤدي ذلك إلى تقوية شعور المواطنة لدى الإرتريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والقومية والجغرافية. سنعود إلى مناقشة هذا الموضوع في نهاية هذه الوثيقة في شكل اقتراح محدد يناقش مسألة تعزيز “الهوية الوطنية الإرترية”، والذي له صلة واضحة بمفهوم وحدة إرتريا الجغرافية والتاريخية، ومفهوم المواطنة كأساس لهذه الوحدة.

المحور الثاني: أهمية مناقشة مبدأ التعايش السلمي بين مكونات الوطن الإرتري بالتركيز على السلم الأهلي و القوى الأساسية الفاعلة فيه، باعتبار ذلك ضمانة لوحدة واستمرار إرتريا ككيان موحد تجمع مكوناته المصالح القائمة على هذا التعايش الآمن فيما بينهم، ويحظى فيه أمن الإنسان ورفاهيته بالمرتبة الأولى في سلم الأولويات.

هناك دون شك مرتكزات أساسية يقوم عليها مبدأ التعايش السلمي بيين مكونات الوطن الإرتري، وفي مقدمة هذه المرتكزات تأتي قضية بناء الثقة التي هي الأساس، والخطوة الصعبة على التحقيق، وبتحقيقها تصبح عملية التعايش السلمي ممكنة، والتي تعتبر قضية طويلة الأمد ومعقدة ومتشابكة. الأمثلة المطروحة أمامنا في العالم وفي دول الجوار كثيرة، بل مخيفة في بعض الأحيان فيما يخص التورط في دوامة العنف والاقتتال الأهلي، الأمر الذي يكون سهل الحدوث في بداياته، لكن الخروج منه غالبًا ما يكون باهظ التكاليف، وصعبًا، ويكون الجميع خاسرًا فيه. هناك شروط كثيرة لتحقيق مسألة بناء الثقة، وتحديد الآليات لتقوية وتعزيز هذا الجهد الإنساني النبيل والهام، والذي من شأنه أن يجنِّب الشعب الإرتري هدر الطاقات والإمكانيات التي يمكن أن تحدث في حال دخوله في مواجهات خاسرة هو في غنى عنها.

يهدف التعايش السلمي بين مكونات الوطن الواحد إلى إحداث تغيير اجتماعي بنّاء يحوِّل العلاقات بين مكونات الوطن (دينية، ثقافية، اجتماعية، تنظيمية) من علاقات يسودها الخوف، وتجريم بعضنا بعضًا، وانتهاج العنف كوسيلة لحل الخلافات، إلى علاقات تتميز بالأمان، والاحترام المتبادل، والبحث عما يجمع الناس أكثر مما يفرقهم، بمعنى آخر الانتقال من دائرة العلاقات الهدَّامة التي يصبح فيها الجميع خاسرًا، إلى نموذج أكثر تقدمًا وتطورًا من العلاقات بين مختلف المكونات، والتي تمنح الأولوية لكرامة الإنسان أيًّا كان انتماؤه، وبالتالي يصبح الجميع في هذه الحالة رابحًا من الشراكة التي تنشأ بينهم، فيما يعرف بال ”  .”win-win situation

تراث الكفاح الوطني المسلح علَّمنا التركيز على ما يعرف بتعبئة الجماهير لتحقيق الأهداف الوطنية والتنظيمية، وهذا هو المتبع حتى الآن في جهود القوى السياسية الناشطة، رغم أن هذا الأسلوب قد تخلف عن مواكبة التحولات البنيوية الهامة التي حدثت في الواقع السياسي الإرتري، والتي تستدعي تغييرًا في النهج والتفكير، وفي الخطاب السياسي، والتركيز على العمل النوعي أكثر من التركيز على العمل التعبوي/الكمِّي، الذي يسعى إلى حشد أكبر عدد ممكن من عامة الجماهير، لأن ذلك كان ولا يزال حتى الآن، ضرورة من ضرورات التعبئة والتجييش الذي كانت تتطلبه حقبة الكفاح المسلح، وهو من الأسباب التي تعوق قيام دولة مدنيَّة حديثة في إرتريا الآن.

ومن بين القضايا المتعلقة بالعمل النوعي والتي يمكن اعتبارها من الآليات الهامة لتكريس ثقافة التعايش السلمي خلق فضاءات معينة يمكن أن تنشأ فيها علاقات تتميز بنوع من الاستمرارية والديمومة بين مختلف المكونات أو الجماعات، تتجاوز تلك الحدود والحواجز القائمة بينها والمبنية على الشك والريبة، وقد تصل أحيانًا إلى درجة الصدام العنيف. كما أن من بين الآليات الهامة أيضًا في هذا الشأن إفساح المجال للمبادرات الفردية والجماعية وتشجيعها، والتي من شأنها انتهاج السبل والوسائل غير التقليدية والتي تتميز بالإبداع والتجديد والابتكار في معالجة مشكلات الواقع الذي تسود أطرافه علاقات عدم الثقة، وكثيرًا ما يتم الحد من البحث عن الأساليب الجديدة والمبتكرة في حل المشكلات برفع شعار “الواقعية”، والذي يعني عمليًّا تعطيل ملكات الإبداع والفن في معالجة قضايا الواقع المعقد والمتشابك، الذي يتطلب أحيانًا تجاوز المألوف وكسر حاجز الخوف والريبة. إن مثل هذه الحلول يمكنها أن تأتي أحيانًا من قبل أكثر الناس بساطة، وأقلهم أهمية في مثل هذه اللقاءات، لو أتاح الملتقى الفرصة للجميع للتعبير عن رؤاهم في جو تسوده الحرية والمسؤولية على حد سواء. أعتقد جازمًا في هذا الخصوص أن الثقافة والفنون بكل أشكالها يمكن أن يكون لها هذا الفعل السحري في عملية بناء الثقة وإزالة الشكوك والريبة التي تسود علاقات المكونات الإرترية، السياسية والاجتماعية والثقافية.

المحور الثالث: هناك أهمية قصوى لتحديد ملامح التغيير الديمقراطي المنشود، والذي يمكن أن يبدأ بالحديث عن نوع الديمقراطية المطلوبة، باعتبار أن هناك تعريفات شتى وممارسات كثيرة للديمقراطية، بحيث أصبح الحديث عن الديمقراطية بشكلها المطلق حديثًا استهلاكيًّا يمكن لأي شخص كان أن يردده دون حياء، حتى لو كان يتربع على عرش الديكتاتورية. من أهم ملامح الديمقراطية المنشودة في بلادنا والتي يمكن أن تخدم قطاعًا واسعًا من أبناء شعبنا هي أن تكون ديمقراطية توافقية لامركزية يجد الجميع نفسه ممثلاً فيها، وليست الديمقراطية العددية التي تخضع لمبدأ “حكم الأغلبية”، وربط مفهوم الديمقراطية بعدد من المفاهيم الأخرى التي تدعم وتقوي هذا الفهم، وأولها بناء المؤسسات والنظم التي لا تقوم الديمقراطية إلا على أساسها. هناك على سبيل المثال لا الحصر بناء المؤسسات التشريعية والتنفيذية الفاعلة والخاضعة للقانون والمحاسبة والعقاب إذا اقتضى الأمر، وإقامة جهاز قضائي قوي ومستقل يمارس دوره بمهنية وكفاءة عالية، وأولها إقامة ما تعرف بالعدالة الانتقالية، لدى انتقال البلاد من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، لتجنب وقوع البلاد في حالة من الفوضى والانتقامات الشخصية، وتوسيع رقعة ممارسة الحريات الأساسية للمواطنين، مثل حرية التعبير، والتنظيم، والحركة. هذه كلها يمكن إجمالها فيما يعرف بمفهوم الحكم الراشد، وربط هذه القضايا المذكورة بثقافة احترام حقوق الإنسان كمفاهيم وممارسات، وإيجاد مؤسسات توفر القدر المستطاع من العدالة الاجتماعية للمواطنين بهدف توفير الخدمات الأساسية لهم من صحة وتعليم وغيرها، بناءً على حق المواطنة للحصول على كافة الحقوق السياسية منها والثقافية والاجتماعية.

هناك حاجة ماسة لأن ينظر الملتقى إلى التغيير الديمقراطي على أنه عملية سياسية واجتماعية وثقافية طويلة الأمد وبعيدة المدى، لذا يجب العمل أيضًا على بناء مؤسسات تستجيب لأحداث ومشكلات آنية مفاجئة وطارئة في سير العملية الديمقراطية، حتى لا تفقد هذه العملية بوصلتها البعيدة المدى بسبب تلك المعوقات الطارئة والمستجدة، وباعتبار أن العلاقات بين المكونات الإرترية، السياسية منها والثقافية، تستدعي إيجاد مثل هذا التفكير الاحتياطي لضمان ديمومة الحركة نحو الاتجاه المرغوب.

كما ينبغي الإشارة في هذا السياق إلى أهمية عمليتي “الشراكة – partnership” و “المشاركة – participation” في العملية السياسية في البلاد، وفي هذا الملتقى أيضًا، باعتبارها مفاهيم تعزز آليات التحول الديمقراطي، وكذلك في إدارة شؤون البلاد مستقبلاً على المستويين المحلِّي والوطني، والعمل على إزالة تخوف المكونات الإرترية المختلفة من بعضها، والتي غالبًا ما تنبني عليها التصرفات. ومن بين المظاهر التي يتبدَّى من خلالها هذا المسلك، على الأقل لدى الغالبية من المنتمين إلى الثقافتين العربية والتجرينية، أن المنتمين إلى الطرف الأول كثيرًا ما يتصرفون بعقلية المعارضة حتى لو كانوا في بعض الأحيان وبعض المواقف في موقع السلطة، بينما تتصرف الغالبية من حاملي الثقافة التجرينية على أساس أن السلطة استحقاق تاريخي لهم وحدهم. خطورة هذا التفكير وهذا النهج نراه يتمثل في الكثير من التصرفات اليومية للأفراد والتجمعات السياسية، ويكرس ثقافة ذات خصائص محددة لها أثرها السالب على الأداء السياسي للقوى والأحزاب السياسية الفاعلة في ساحة المعارضة، وهذا يؤثر بدوره سلبًا على السلم الأهلي والاجتماعي الإرتري في المستقبل.

مقترح عملي:

رأينا في نهاية هذه الورقة أن نطرح مقترحًا عمليًّا من شأنه أن يقوِّي ويعزز الشخصية الوطنية الإرترية، وشعور المواطنة لدى الكثير من الإرتريين الذين أصبح هذا الشعور يضعف لديهم بشكل واضح في السنوات الأخيرة. وقد لعب النظام السياسي القائم حاليًّا في البلاد دورًا تخريبيًّا ساهم في إضعاف الانتماء الوطني لدى قطاع كبير من الإرتريين بحيث أصيب البعض منهم بحالة من التعصب لانتماءاتهم الضيقة أكثر من انتمائهم لثقافة وطنية إرترية جامعة بصورة لم يعهدها مجتمعنا من قبل.

يتلخص هذا الاقتراح العملي في تخصيص عام كامل، مثلاً من بداية يناير وحتى نهاية ديسمبر 2011، أو من 24 مايو 2011، وحتى 23 مايو 2012، أو من 1 سبتمبر 2011 وحتى 31 أغسطس 2012، ليصبح خلالها هذا العام “عام الهوية الوطنية الإرترية”، تكرس خلاله الأقلام للكتابة حول هذا الموضوع في شتى الوسائط وبشتى الأشكال. ويعقد في نهاية الفترة المخصصة مؤتمرًا علميًّا “symposium”، يقدم فيه المختصون من الدارسين أوراقًا ودراسات علمية تقارب موضوع “الهوية الوطنية الإرترية” مقاربات متنوعة أقرب ما تكون إلى الشمولية، وتهدف في نهاية المطاف إلى معالجة مشكلات الهوية الوطنية الإرترية المختلفة، سواء كانت تاريخية، اجتماعية، ثقافية، العلاقة بدول الجوار (حاضرًا ومستقبلاً)، دور الدين ورجال الدين في تعزيز الهوية، صدام الهويات المختلفة وأثر ذلك على السلم الأهلي، الحركة الوطنية الإرترية ودورها في تعزيز الهوية الوطنية، دور الأنظمة السياسية الاستعمارية والنظام القمعي الحالي في تمزيق النسيج الاجتماعي لمجتمعنا وأثر ذلك على الهوية الإرترية، وغيرها من الموضوعات التي يمكن للدارسين مقاربتها بقدر عال من الحرية والموضوعية المقرونة بالمسؤولية. ويمكن في نهاية هذا المشروع، وكتتويج له، وبهدف التوثيق وتعميم الفائدة أيضًا، طباعة المادة المقدمة في المنتدى الأخير الذي يعالج موضوع “الهوية الوطنية” في كتاب يسهل نشره وتداوله، ويكون حصيلة لجهد أكاديمي بذل خلال العام الذي يكون قد خصص لمعالجة مشكلات الهوية الوطنية الإرترية.

بقي في نهاية هذه الرسالة أن أشير إلى أن موضوع “الهوية الوطنية” وتخصيص مناسبات خاصة له لتعزيزه وتقييمه وتقويمه أمر درجت الكثير من الشعوب والبلدان على القيام به بشتى الأشكال والوسائل، وآخرها دولة الإمارات العربية المتحدة التي خصصت عام 2008 “عام الهوية الوطنية”، وحاولت في هذه الرسالة الاستفادة من الفكرة دون الاهتمام بالتفاصيل التي حدثت في تجارب أخرى، ومحاولة إسقاطها على الواقع الإرتري نسبة لاختلاف تجارب الأمم والشعوب، بحيث توظَّف الفكرة بالشكل الذي يلائم الواقع الإرتري، إيمانًا مني بأن ملتقى الحوار الوطني الإرتري يمكن أن يكون المكان المناسب لمناقشة مثل هذه الفكرة واتخاذ الخطوات العملية لترجمتها على أرض الواقع.

———————–

* كانت هذه الرسالة المفتوحة في الأصل مسودة لورقة طلب مني تحضيرها لتقديمها بشكل رسمي إلى ملتقى الحوار الوطني الذي أؤمن بأهمية المشاركة فيه ولو بفكرة أو رأي، إلا أن الظروف حالت لأسباب كثيرة دون تقديم هذه الورقة كمقترح رسمي إلى ملتقى الحوار، فقررت أن أنشرها باسمي كرسالة علها تفيد بفكرة أو رأي أو مقترح لجعل واقع شعبنا أفضل مما هو عليه اليوم.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=3925

نشرت بواسطة في يوليو 15 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010