رياح التغيير، هل يتعذ النظام

التحالف الديمقراطي الإرتري  

مكتب الإعلام
 26.06.2006

  هب العالم رياح التغيير السياسي العارم بعد انتهاء الحرب الباردة. فالتغيير دعا إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والعدل. واضطرت كل بلدان العالم أن تعيد حساباتها السياسية في التعامل مع هذه المعطيات الدولية المعاصرة بهدف ترتيب أوضاعها من جديد. ودون شك أن المعسكر المنتصر بقادة الولايات المتحدة الأمريكية هو الذي يتولى قيادة هذا التيار العالمي ويحاول صياغة العالم بالطريقة التي يراها. ولا نعتقد بأن المثل والقيم المرفوعة من هذا المعسكر قد تتحقق على الطريقة التي يتم تنفيذها على الأرض، وهناك دول كثيرة لم تستسغ السياسة التي يقودها هذا المعسكر وغير راضية. إلا أنها لا تشعر بالقوة الكافية، ضمن الواقع المعاش، لتعلن تمردها بالرفض. ولذلك من الطبيعي أن تصبح بين خيرين صعبين الرفض أو الانصياع له، حيث الرفض يعني المواجهة والقبول به يعني الاستسلام. 

 

وإزاء هذين الخيارين الأمرين بدأ خبراء الدول يعتكفون لوضع تقدير الموقف توطئة لتحديد الخيار الذي يجنب دولهم جبروت وغضب الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. ولابد من الإشارة هنا أن العولمة جاءت بمفاهيم جديدة غيرت من مفهوم القانون الدولي الذي كان يحكم علاقات الدول فيما بينها. ومن أبرز المفاهيم التي أخذت مضامين جديدة والتي دار حولها جدل واسع بين العلماء السياسة والاجتماع : معنى السيادة الوطنية ، التجارة العالمية الحرة أي فتح الحدود أمام انتقال البضائع بين الدول دون قيود، الأمن المشترك بمعنى أن تأخذ الدول الكبرى على مسئوليتها تأديب لمن تصنفهم بالديكتاتورين المنتهكين لحقوق الإنسان دون إكتراث بهيئة الأمم المتحدة . رافقت هذه التطورات تطورات أخرى ممثلة في ثورة المعلومات التي حولت العالم بأسره إلى قرية صغيرة. فالنقلة الهائلة في ميدان التكنولوجي والتقنية قربت بين أقاصي مناطق العالم إلى بعضها البعض في بضعة دقائق عبر انترنيت والفضائيات.

 

إن مجموع هذه المعطيات فرضت على جميع الأنظمة الحاكمة في العالم لتتبع سياسات من شأنها أن تتناغم مع التوجهات العالمية. لذلك رأينا كيف أن أنظمة ديكتاتورية بدأت تدعو إلى الديمقراطية والتعددية السياسية وتسمح بإقامة منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان لتمارس نشاطها.

 

كما بادرت بعض الأنظمة وفقا لتقديراتها المقتبسة من تقييماتها الشاملة لوضعها الداخلي والموقف الدولي، وقبل أن تعرض نفسها لأية ضغوطات خارجية، غيرت من مسارها وبادرت باستحداث تعديلات جديدة في نهجها للحكم. وبذلك ضمنت الاستقرار النسبي داخليا. أما البعض الآخر دفعت أو أجبرت تحت ضغوطات دولية للجنوح إلى حل مشاكلها سلميا بالتفاوض مع المعارضة السلمية أو المسلحة داخل بلدانها. بل أكثر من ذلك فرضت على طرفي الصراع ليقبلا وساطة دولية بل توليها مسئولية الإشراف على مفاوضاتهما. وقد استخدمت أيضا سياسة العصا والجزرة عبر التلويح بالإجراءات العقابية السياسية منها والاقتصادية أو العسكرية لمن لا يبدي الاستعداد الكامل من الطرفين لتنفيذ ما يطلب منه. وإن من أدرك واستوعب حجم المخاطر التي ستتعرض لها، بدأت تتعامل مع هذا الموقف بمرونة متناهية وبحنكة سياسية كي تتجنب المزيد من المشاكل آملة ربما قد تأتي متغيرات سياسية التي تغير من المعادلة التي فرضتها العولمة.

 

أين إرتريا من هذه المتغيرات ؟

 لا نستطيع كإرتريين أن نرقص خارج السرب. ودون أن نذهب بعيدا فلننظر إلى محيطنا القريب لنقف على ما يجري من حولنا. عاش السودان طوال المدة منذ الاستقلال حياة سياسية غير مستقرة، وتضرر كثيرا من استمرار هذه الحالة على كل الأصعدة. فالصراعات في السودان كانت تأخذ ولمدد طويلة طابعا دمويا وتارة أخرى تأخذ طابعا سلميا ولو لفترات قصيرة. فالحركة المسلحة في الجنوب أي مشكلة جنوب السودان كانت على رأس مشاكل السودان. وإذا استثنينا حالات خاصة حاول فيها البعض من القوى السياسية قلب نظام الحكم، لم تظهر إلا في الآونة الأخيرة قوة منظمة مسلحة في مناطق أخرى عدا الجنوب السودان رفعت مطالبها . كما في الجنوب بدأت تدور رحى الحرب في كل من الغرب والشرق. بالطبع ولا يمكننا حصر المعارضة المطالبة بالتغيير في القوى التي حملت السلاح فقط بل هناك قوى سياسية مدنية معارضة للحكم في كل مناطق السودان. ولكن بعد كل هذه الصراعات أقر الجميع – الحكومة، قوى المعارضة الحاملة السلاح وغيرها من المعارضة– أولا بوجود مشاكل في حاجة إلى حل وثانيا بأنه عبر الاحتراب وبسفك الدماء لا يمكن أن تتأتي حلولا يتراضي عليها جميع السودانيين .

 

لقد كانت هذه القناعة النافذة التي دخل عبرها السودانيون في الحراك السياسي السلمي الذي بدأت بشائره ومقدماته يتلمسه المواطن السوداني في ربوع بلاده هذه الأيام. ومن منظور استراتيجي وبصرف النظر عن بعض ظواهر التي تبدو مؤثرة على العملية السلمية فإن المسيرة التي بدأت سوف تبلغ غاياتها مع الزمن. إذ أن السودانيين الذين استطاعوا تجاوز المعوقات الكثيرة مؤهلون على حلها بالتفاهم وبالتعامل الناضج. لأنه ببساطة عقد السودانيون العزم على حل مشاكلهم عبر الحوار الديمقراطي.

 

بعد أن تناولنا السودان فليسمح لنا القارئ الكريم لننقله إلى الجارة إثيوبيا. لم نر من الإثيوبيين من يدعي بأن العملية الديمقراطية قد اكتملت وتقوت أركانها وتم تأسيس نظام ديمقراطي كامل الشروط . وما من شك أن العملية الديمقراطية قد بدأت في إثيوبيا على الرغم من القصور التي صاحبتها وتصاحبها. فالانتقال من دولة إمبراطورية إقطاعية، ضاربة الجذور في العصور مع كل ما رسختها من مفاهيم متخلفة عبر التاريخ، إلى دولة ديمقراطية عصرية لا يمر إلا عبر مشقات في بلد مثل إثيوبيا. إن النظام الحاكم أي الجبهة الحاكمة بصرف النظر عن العيوب التي يمكن أن يسجلها عليها من المراقبين والباحثين أو الاكادميين، لا شك أنها بدأت بخطوات لا بأس بها للانتقال بإثيوبيا إلى دولة ديمقراطية.

فالانتخابات التي جرت في البلاد في العام الماضي والتي سمحت بالتنافس بين مختلف الأحزاب السياسية والحرية التي توفرت للجميع ليعلنوا برنامجهم الانتخابي للشعب في سائل الإعلام الدولة، كانت محل التقدير لأن الحدث يعبر عن القبول بالرأي الآخر. وفي جملتها فإن العملية الديمقراطية الجارية تعد، بغض النظر عن قصورها وحجم الأخطاء المرافقة لها، محطة هامة في تاريخ إثيوبيا . وفي كل الأحوال فالنظام الحاكم لم ينف بوجود قوى تعارضه ويسمح إلى حد ما للبعض منها للقيام بنشاطها داخل البلاد. غير أن الاقرار بوجودها في حد ذاته هو مؤشر مقبول سيأتي حتما بحلول يوما ما.

أين النظام الإرتري من هذه والتطورات في محيطه؟ نعتقد أن البداية للخروج من الأزمة التي تعيشها إرتريا تكمن بإقرار النظام  بأنه يتحمل وحده مسئوليتها . ولكن ذلك لا يعفي أيضا المعارضة من تحمل المسئولية إذ أنها لم لتضطلع بدورها في الظروف التي تخلص شعبنا من النهج الديكتاتوري السائد في بلادنا. فالنظام بدلا عن التنكر باستمرار بوجود المعارضة ومحاولته المتواصل للقضاء عليها من خلال التصفية الجسدية أو زجها في المعتقلات بوهم التخلص منها إلى الأبد، عليه أن يعترف بوجودها وبالدور الذي يمكن تلعبه في إعادة الأمور إلى طبيعتها بعد أن قاد البلاد إلى الدمار والخراب الذي حياة مجتمعنا في كل جوانب الحياة.

 

وكذلك يصبح من مسئولية المعارضة أيضا أن لا تتراجع عن موقفها الثابت حول استعدادها لحل الأزمة الإرترية وصولا إلى تسليم السلطة للشعب وذلك عبر الحوار. ولا يجب أن تطي وزنا لحملات النظام الاستخفاافية للمعارضة سواء بدرت منه ماضيا أو حديثا. هل تذكرون ما صرح به أحد أبرز العناصر القيادية عندما تقدم إليه أحد الصحفيين في أديس أبابا في بدايات التسعينات إن كانت حكومته ستسمح بعودة المعارضة وبنشاطها ، رد عليه وبكل وقاحة وافتراء قائلا، ناهيك أن نسمح لها بالعودة وبالنشاط سوف لن نسمح بالعودتهم أحياء بل بعودة النعوش التي تحمل جثثهم.

نحن لن نتوانى عن دعوته إلى التعقل وأن يبدأ لحل مشاكلنا بالحوار السلمي الجاد .ونكرر دعوتنا مجددا ليطلق صراح كل المعتقلين السياسيين دون أي شرط كتعبير عن حسن النية . وبعد هذا كله نتقدم إليه بهذه النصيحة المتواضعة له: عد إلى رشدك وعدل من نهجك المدمر وبادر لننقذ شعبنا جميعنا. ولا بدا لك، فالطوفان الذي يجرفه آت أردت أم لم ترد، وأن غدا ليس لناظره ببعيد. 

 

 

   

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6984

نشرت بواسطة في يونيو 26 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010