سبتمبر ثورة تحرر أم صراع

الحلقة الأولى

تظل ملحمة الفاتح من سبتمبر الذكرى العطرة في تاريخ إرتريا الأغر لأنها النبراس الذي لاتنطفئ شعلته ولا تهدأ ثورته في قلوبنا ولا تتلاشى جزوته في  نضالنا مهما علت كثبان الغفلة سطح الذاكرة،وحاولت الأصوات النشاز أن تفرًّغ الحدث من مضمونه أو لتغمر التفاصيل وتبعدنا من الغوص فيها كي نمرعلى هذه الذكرى اليوم مرور السائح على الآثار والمتاحف التأريخية مبعدة إيانا بذلك عن التجاوب مع القراءة التفصيلية الفاحصة لمفاصل هذا الحدث وإفرازاته التأريخية الإيجابية منها والسلبية، إذ أن الغياب عن مراقبة التفاصيل المرئية والمختبئة للحدث يعتبر نقص في حق القادرين على رؤية الصورة كاملة أو تهرب من المسئولية التاريخية ويعتبر دفن للرؤوس في رمال التجاهل المتعمد لروافد الأزمة التي فجرها الحدث وصنع عبرها امتداده المعتبراليوم وحضوره المؤثر في عقول الأجيال المتعاقبة، وهي حالة مرضية مستعصية تنتقل عبر كروموسمات التوارث التأريخية التي تحمل مواصفات المرض وخلاياه الأساسية من جيل الى آخربصورة هستيرية فشلت معها كل الأمصال المستخدمة لعلاجها، الأمر الذي يستدعي نفرة حقيقية من كل مكونات المجتمع الإرتري لمواكبة التفاصيل الجديدة التي سنسلط الأضواء حولها لإستشفاف الواقع من خلال زوايا إنعكاس الرؤية الموضوعية بعيداً عن وسائل التمويهة والإيهام المستخدمة منذ مراحل متقدمة لتزييف حقائق الثورة وإبراز واقع مخالف على أنقاض الواجهة الشعبية لثورة الفاتح من سبتمبر العظيم والمتمثلة في القيادة الفذة للبطل الشهيد حامد إدريس عواتي.. وهي قراءة مختصرة لرسالة سبتمبر نحدد خلالها أربعة مفاصل أساسية تعكس الصورة الحقيقة الموجزة لتلك المرحلة :

  1. مفصل إنطلاقة الثورة .
  2. مفصل تسييس الثورة .
  3. مفصل قيادة الجبهة .
  4. مفصل قيادة الساحة .

أولاً: مفصل إنطلاقة الثورة

من الصعب تجاهل الحيثيات التي صاحب إنطلاقة الثورة والمتمثلة في المد الأمني والعسكري للمستعمر الذي إستشعر فداحة الخطوة التي أقدم عليها حينذاك بإسقاط الدولة الإرترية من سقف الحكم الفدرالي لتنفرد إثيوبيا بإحكام السيطرة على هذا السقف التنظيمي للدولة، وبالتالي أدْرَكَتْ ومنذ الوهلة الأولى بأنها ستواجه مقاومة صلبة لهذه الخطوة الإستفزازية لكرامة شعب بأكمله، وبالرغم من ذلك كانت إثيوبيا تغتر بقوتها وجبروتها العسكرية وتستشعر هشاشة التكوين الإرتري وضعف إمكانياته العسكرية “وهو وضع يشبه حال الشعب الإرتري والمقاومة المسلمة اليوم” ولهذا كانت إثيوبيا تنظر للحالة الإرترية بازدراء وتقلل من شأن أي تأثير يمكن أن يحدثه الإنسان الإرتري “المسلم” صاحب الإمكانات المتواضعة مقابل عظمة الدولة الإثيوبية “المسيحية” وامكاناتها الغير محدودة لحسم المعركة لصالحها،ولعل هذا الكبرياء والخيلاء المرتبط بالآلة العسكرية أكثر منه بالحالة النفسية لوضعية الإستعداد لدى الجندي المقاتل، كانت القشة التي قسمت ظهر المستعمر بصورة متدرجة أزهلته وأجبرته على التعامل مع الواقع الجديد الذي يرفع من شأن المقاومة الإرترية الى مستوى الندية ومحاولة قطع إمداداتها وروافدها الشعبية، فالعدو من حيث لم يحتسب فوجئ بانطلاقة شرارة الثورة التي طالما توقع حدوثها وأعد لها العدة لإجهاضها قبل أن تشتد رياح الدعم الجماهيري حولها فتزيد من إشتعالها وترفع من قدراتها القتالية وحجمها تعدادها البشري.

هناك حيثيات تأريخية أخرى مصاحبة تُبْرِز حقيقة أنًّ حركة تحرير إرتريا كانت صاحبة الإمتداد والتأثير الكبير داخل إرتريا وهي التي شكلت نواة المقاومة وصنعت الأرضية للإنطلاق، ولايمكن لذلك تجاهل تنظيم كبير  في قامة الحركة التي فرضت وجودها السياسي في الساحة الى درجة أن المستعمر ولشدة وعيه بخطورة هذا التنظيم أخذ يعتقل كوادره وخلاياه مستخدماً جواسيس من أبناء جلدتنا، إذ لم يسلم أحد من أتباع الحركة من الملاحقة حتى داخل السودان، ولعل شخصية القائد العبقرية التي تمثلت في البطل حامد إدريس عواتي لم تكن لتتجاهل هذه الوقائع أو تغض النظر عن الإمتداد والتأثير الملحوظ الذي شكلته الحركة إبان مرحلة تقرير المصير، ولهذا أميل الى الترجيح كغيري بأن القائد كان على إتصال بالحركة هذا إن لم يكن من أحد أبرز روادها المجهولين، ومن الصعب على من يثق بخيارات القائد ويؤمن بحكمته ووعيه المتقدم أن يقبل وصف إرتجاله أو إندفاعه غير المحسوب عند لحظة تفجير شرارة الثورة في أدال، لأن شخصيته القيادية الفذة لايمكنها أن تخرج عن سياق المرحلة أو تتجاهل إفرازات الوضع الذي تديره الحركة كما لايمكنه أن لايؤمن باستراتيجيتها التنظيمية، لكن إختلاف النظرة التكتيكية لعمل كل من الحركة والجبهة أفرزت وضعية إستثنائية جعلت القائد ينظر للأمر من موقعه الميداني بعيداً عن القراءات السياسية، ممادفعه لتوقيت لحظة الإنطلاقة بناءاً للمواكبة الخاصة التي تمتع بها أثناء تعاطيه مع منعطف الحالة الإرترية الملتهبة رفضاً للواقع الإستعماري، ومهما يكن فإن الأقدار عادة ماتتشكل عبر وجهة إرادتنا والخيارات التي نجمع عليها، وهو سر تعلق الشعب الإرتري المسلم بأكمله مع لحظة الإنطلاقة وعقده الآمال عليها باعتبارها المخرج الأوحد من أزمة الحالة الإستعمارية الغادرة التي تشهدها البلاد ويعاني منها الشعب المسلم “وحسب”،فما اشبه الليلة بالبارحة وما أحوجنا اليوم كالأمس للإلتفاف حول خيار واحد واعتقاد منهج تنظيمي واحد يحدد مسارنا النضالي ويوحد إرادتنا ويبين الصورة الحقيقية لعلاقة الشراكة التي تجمعنا بالمجتمع الإرتري المسيحي إنطلاقاً من أرضية جديدة للثقة والتعايش ، ليتأكد للشريكين أن قاعدة الإنطلاقة الجديدة يجيب أن تعتمد على هوية المخرج الذي من خلاله سنحقق معادلة النهوض المفقودة، وهاهي معالم إقتراب هذه اللحظة تلوح في الأفق من خلال تشابه حالة ضعف الهقدف اليوم بالحالة التي مر بها المستعمر آنزاك رغم تستر ضعف كليهما خلف ترسانته الحربية وشبكته الأمنية القابضة.

ملحوظة: تمنيت نشر المقال في اليوم الأول من شهر سبتمبر لكن مجيئ هذا اليوم وأنا راقد على فراش المرض حال دون مواكبة الحدث .

بقلم: عمر طه

Omertaha75@gmail.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=26106

نشرت بواسطة في سبتمبر 23 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010