صراع الحضارات

عمر جابر عمر

ملبورن – أستراليا   

                                الحلقة (1)

خلال الاشهر القليلة الماضية تابعنا حملات اعلامية مكثفة,متعددة المصادر ومختلفة المقاصد – كلها تحدث عن بدء صراع حضارى ومن وجهة نظر الغرب فان ذلك يوكد نبوءة ( صامويل هنتنجتون) العراب الذى يعتبره الغربيون فيلسوفهم فى هذا الشأن.

الاتحاد الاوربى يتحرك ويعلن ضرورة ( حوار الحضارات) وموتمرات و ندوات تعقد تحت شعار ( تحالف الحضارات ) وولى عهد بريطانيا يتحرك من اجل الحوار.

كل ذلك يجرى ويحدث والصورة الحقيقية مغطاة بظلال تجعل المشاهد لا يتعرف على اطراف الصراع ولا يتبين معالم وقسمات القوى التى تقود ذلك الصراع.

ولكن وقبل ان نغرق فى التفاصيل وتجرفنا تيارات واعاصير جانبية نطرح سؤالين:

1/ماذا نعنى بالحضارة ؟ ما هى خصائصها وشروطها ؟

  2/ من هى تلك الحضارات التى اصبحت فى حالة ( اشتباك) وكتب عليها ان تتصارع واين هى بالتحديد ؟؟

اولا : الحضارة – المعنى والمبنى.

بما اننا فى عصر تراجع فيه الاتفاق والتفاهم على المسلمات والبديهيات ناهيك عن التفاصيل – وبما ان الغرب يعتبر نفسه مصدر ومركز المعرفة المعاصرة _  فاننا سنلجأ الى قواميسهم وموسوعاتهم للحصول على تعريف للحضارة . كذلك سنقرأ للمحللين والمؤرخين من نفس ذلك الغرب لنعرف اين وصلت حضارتهم.

الكلمة فى الاصل مشتقة من اليونانية  للمدينة او ساكنها ( بالعربية هى ايضا الحضرى الذى قيم فى الحضر )

ظهر التعبير فى اللغة الانجليزية لاول مرة عام 1722 وذلك كنقيض لكلمة (barbarity   الفرنسية وملخص تعريف عبارة(Civilization) هو :

·       مجتمع مركب ( غير بسيط) متطور فى اسلوب حياته وينطلق من المركز ( المدينة )

·       يتميز ذلك المجتمع بتطور تقنى ( الابداع والاكتشافات وتحقيق التواصل والاتصال).

·       تحقيق مستوى متقدم من العيش والرفاهية

 

·       اسلوب حياة متطور وقوة اقتصادية وعسكرية تحمى تلك الحضارة – تجعل من حياة البشر اكثر رقيا وترتفع بالانسان الى درجات اعلى من القيم الفاضلة والمبادىء الانسانية التى تحفظ للانسان كرامته وحريته وتفتح امامه ابواب الابداع والاكتشاف

·       تطور الفنون والثقافة والعلوم ( الكتابة والطباعة الخ)

ذلك موجز خصائص اية حضارة كى تتكون وتستمر .

ولكن تجربة العالم اثبتت ان الحضارة تتطور وتتوسع وتصل درجة من الارتقاء تبدأ بعدها بالانحدار ومن ثم السقوط.

لهذا نسمع ونقرأ عن حضارات سادت ثم بادت – من المكسيك – مصر – بابل – الصين .. الخ .. الخ والحضارة الاسلامية !!

واسباب سقوط الحضارة وانهيارها  عديدة ويختلف حولها المؤرخون- والحضارة السائدة اليوم هى الحضارة الغربية بغض النظر عن الاختلاف بين اوربا وامريكا ( سنذكر ذلك لاحقا )

الحضارة الغربية        :  بدأت هذه الحضارة منذ ما يقرب من ثلاثة قرون – نمت وتوسعت واصبحت قادره عسكريا واقتصاديا على تحديد حدود البلاد ومصير العباد وتطورت تقنيا بحيث اصبحت توجه العالم اعلاميا وثقافيا وتحدد اجندة ما يسمى بالمجتمع الدولى وخصائص ومرتكزات هذه الحضارة الغربية بالاضافة الى الشروط العامة التى ذكرنا تتمثل فى  ما يلى :

 1/ خلفيتها الفكرية ومنطلقها الفلسفى يرجع الى الفلسفة اليونانية.

2/ تبشر بالحرية والعدالة والمساواة ( شعارات الثورة الفرنسية) لكل الشعوب.

3/ تبشر بحرية الفرد وحقه فى الاحتفاظ بخصوصيته والدفاع عن نفسه.

4/بالرغم من التفرد الاثنى والتميز الثقافى لبعض المجموعات فى الغرب الا انها فى المحصلة النهائية تعتبر جزءا من الحضارة الغربية ولها من الحقوق ما للاجناس الاخرى (السود فى امريكا)

5/ تبشر الحضارة الغربية بتحاور وتعاون جميع البشر خاصة لتحقيق مصالح اقتصاديه مشتركة ومحاربة الفقر والمرض والتخلف وتلك هى شعارات ( العولمة)

       Globalization   

6/ الدين – الحضارة الغربية فى جوهرها ماديه – بمعنى انها تقبل وتتتبع ما ينتج عن الحواس الخمسة وما تؤكده المختبرات العلمية.

7/ تبشر بالدموقراطية وانتخاب ممثلين للشعب لادارة شؤن البلاد

8/ سيادة القانون وخضوع الجميع للدستور واعتماد مبدأ المراقبة والمحاسبة فى كافة مفاصل ومستويات الدولة.

9/ حرية التعبير وحرية تكوين الاحزاب والتداول السلمى للسلطة.

10/ حرية التجارة واقتصاد السوق المفتوح وصولا الى العولمة       Globalization   وحرية حركة الاموال والاستثمار.

تلك هى اهم مرتكزات الحضارة الغربية ولكن لدينا وقفة لنرى على ارض الواقع ماذا حققت تلك الحضارة وهل استطاعت ان تطبق ما بشرت به وتحقق الشعارات التى رفعتها ؟

ولكن قبل ذلك نتوقف عند بعض الاختلافات بين اوربا وامريكا – انهما يتفقان تقريبا فى كل شى باستثناء قضيتين ولكن ذلك التباين لا يغير من الصورة العامة ولكنه يعطى كل منهما خصوصية تميزه فى السلوك العام وفى التعامل مع بعض القضايا الحياتيه.

·       الدين – تجربة اوربا مع الكنيسة تجربة مريرة منذ عهد محاكم التفتيش وتحالف الكنيسة مع الحكام والاقطاعين ودفاعها عن الظلم والظالمين  واستخدام الدين لتبرير جرائمهم.

لذا بعد انتصار الثورة الفرنسية واتساع المد التحررى قاطعت الانظمة الاوربية الكنيسة وابعدتها عن التدخل فى الشئون السياسية وقلصت دورها فى التاثير على الحياة اليومية للمواطنيين بحيث اقتصر دورها على تنظيم مراسم احتفالية والاشراف على طقوس الزواج والموت .

ولكن تظل الثقافة الاوربية رهينة للتركة المسيحية وتعاليمها ورؤيتها خاصة فى الجانب الروحى.

اما تجربة الولايات المتحدة الامريكية فانها تختلف – بسبب طبيعة المهاجرين الاوائل وكذلك بسبب الصراع بين الانجليز كمستعمرين وبين الامريكيين كمحاربين من اجل الحرية والاستقلال.

الكنيسة تكونت خلال تلك الحقبة وتأثرت بذلك المناخ واصبحت جزءا من عملية استيطان المهاجرين وبناء مجتمعاتهم الجديدة وكذلك فى المشاركة فى معركة التحرير.

لذا فان الامريكى لا يحمل عداء للكنيسة بل على العكس يجد فيها ملجأ اجتماعيا ومتنفسا روحيا ونبعا ثقافيا يساعده فى فهم وتفسير الكثير من التحديات التى تواجهه.

* الثقافة – بالرغم من ان المنبع واحد الا ان التطور الذى حققته اوربا فى الاداب والفنون جعلها تدعى انها فى موقع متقدم على امريكا والتى يصفها بعض الاوربيين بثقافة ( رعاة البقر )   ((cowboys وماكدونالد والكوكاكولا!

الامريكيون بالمقابل يصفون اوروبا بالقارة العجوز التى شاخت وتخطاها الزمن واصبحت شبيهة بمتحف تاريخى وثقافى.

الاوربيون يعترفون بالتفوق الامريكى فى مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والقوة العسكرية ولكنهم يدعون ( الاوربيين ) بانهم اكثر انسانية وتمسكا بالاخلاقيات والمبادىء والقيم العليا.

هكذا بدأت حضارة الغرب وفى المرحلة الاولى كانت القيادة لاوربا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ثم تقدمت امريكا وتولت القيادة حتى اليوم .

والسؤال: ماذا كان حصاد تلك الحضارة وتاثيرها على الانسانية بصفة عامة ؟

لو راجعنا مرتكزات الحضارة الغربية ومنطلقاتها وكيف تم تطبيق المبادىء والشعارات التى بشرت بها يمكن رصد الحقائق التالية :

1/ مبدأ الحرية والعدالة والمساواة- قامت اوربا باستعمار اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية – بحجة تطوير شعوب تلك القارات ونشر الحضارة الغربية .

النتيجة كانت نهبا منظما ومبرمجا ومتواصلا لثروات وخيرات تلك الشعوب وتصفية كل من قاوم او طالب بالحرية والمساواة .

وبقيت شعوب تلك القارات حتى اليوم فى فقر وجهل تفتك بها الامراض .

وحتى بعد ان نالت تلك الشعوب استقلالها ساندت اوربا انظمة دكتاتورية موالية لها لاستمرار استنزاف خيرات تلك البلاد.

كما انها زرعت الفتن بين شعوب تلك البلاد ورسمت الحدود دون مراعاة للتركيبة الثقافية والاثنية والتداخل الاجتماعى ما ادى الى صراعات بين تلك الشعوب حول الحدود واوربا تقوم بتمويل الاطراف المتصارعة بالاسلحة !

2/ نتج عن تلك الحقبة الاستعمارية تدمير للبنيه الاجتماعية والثقافية والفكرية لتلك الشعوب وتصارعت اوربا فيما بينها لخلق مراكز نفوذ وتوابع لها حتى اليوم         ( الكومنولث البريطانى والمجموعة الفرنكفونية والثقافة الاسبانية فى امريكا اللاتينة )   

3/ ومن اوربا – نشأت اكبر واخطر حركة فكرية عنصرية ( النازية والفاشية ) دمرت اوربا ومناطق واسعة من العالم وراح ضحيتها ملاين البشر – وكانت خاتمة تلك الحقبة القاء اول قنبلة ذرية حين بدات امريكا خطواتها لاستلام زمام قيادة الحضارة الغربية. يقولون اليوم ان الضمان لعدم استخدام السلاح النووى هو وجود نظام ديمقراطى ولهذا يعارض المجتمع الدولى ( عمليا اوروبا وامريكا ) امتلاك الدول غير (الديموقراطية )لهذا السلاح .

والسابقة الموجودة هى ان النظام الديموقراطى  الامريكى هو الذى استخدم هذا السلاح !

4/ اما عن الاخلاقيات والمثل العليا وحقوق الانسان فحدث ولا حرج:

·       فرنسا لم تعترف حتى اليوم بما فعلته قواتها الاستعمارية فى العالم – بل انها اصدرت قرارا تشيد فيه بدور تلك القوات !

·       بريطانيا قسمت العالم شرقا وغربا – شمالا وجنوبا وما زالت تتحدث عن بريطانيا العظمى ! وبعد غزو العراق لم يجد رئيس الوزراء ( تونى بلير ) حجة تسنده فقال انه طاوع ضميره المسيحى!!

·       عن العنصرية والتفرقة : السجل – ما ظهر ونشر منه – يعكس ازدواجية فى التعامل  وغياب تام للاحساس بمعاناة الاخرين . ما حدث فى( سربنستا) – يوغسلافيا من تطهير عرقى حيث قتل ما يقرب من عشرة الاف شخص فقط لانهم مسلمون تحت سمع وبصر المجتمع الدولى وتحت حمايته يمثل عارا لا يمكن ان تجد له الحضارة الغربية مبررا.

 

وما حدث كذلك فى رواندا وبورندى يؤكد ذلك التوجه والمنطلق ولا تفيد كثيرا مظاهر الصحوة المتأخرة ومحاكمة بعض الرموز والحال ان الاسباب الحقيقية تكمن فى النهج الاستعلائى الغربى والتركة الاستعماريه المتراكمة .

بل ان ما حدث فى داخل الحضارة ابان اعصار كاترينا وما حدث للسود فى نيو اورلينز من اهمال وتهميش وعدم اسعافهم يوكد ان الاستعلاء على الاخرين مكون اساسى من مكونات الثقافة الغربية وان تركة تجارة الرقيق من القارة الافريقية كانت وما تزال تسكن فى الذاكرة الجمعية لتلك المجتمعات

5/ الارهاب وهوما لم تتفق على تعريفه الدول والمنظمات والهيئات الدولية .

ولكن حتى اذا اخذنا التعريف الغربى – والذى يصنف مقاومة الاحتلال ضمن الارهاب – فما هو ذنب الاف الابرياء المدنيين الذين قتلوا فى العراق على يد القوات الامريكية وحلفائها؟ وما هو ذنب الاف اخرى تذهب يوميا ضحية تلك الحملة فى مختلف بقاع العالم ؟؟

6/ العولمة – مع انه برنامج غربى الا ان الغرب قد فشل امام اول اختبار حقيقى لتنفيذه – شركة عربية متواضعة تقدمت للاستثمار وذلك بالاشراف على ادارة موانئ امريكية – وقامت امريكاولم تقعد!

صفقة تجارية مجردة من اى هدف – ولكن المخزون الثقافى الغربى اعطاها ابعادا ارهابية ودينية واثنية !! من حقهم الاستثمار كيفما شاءوا واينما اختارو ولكن ليس للاخرين ذلك الحق  انها عولمة غربية والعالم كله اصبح يسمى باسمهم وياخذ صفاتهم – الم تكن الحرب الاولى (عالمية) وكذلك الثانية رغم ان اكثر من ثلثى سكان الكرة الارضية لم يشارك فيها !؟

7/حرية التعبير – كانت حكرا عليهم ولكن عندما زادت عن المسموح به تدخلوا فى الحريات الشخصية واصبحوا يراقبون ويتابعون ويتنصتون على كل فرد دون اذنه ! بل ان وسائل الاعلام التى كانت تفاخر بحريتها  فى الحصول على المعلومات ونشرها حوربت واعتقل الصحفيين الذين نشروا ما لا يسمح به.

كما ان الادارة الامريكية اصدرت قرار بمنع نشر صور نعوش القتلى من الجنود الامريكين فى العراق حتى لا تزيد احتجاجات المواطنين الامريكيين ( استفادة من دروس حرب فيتنام ).

وفرنسا منعت الحجاب فى مدارسها مع انه خيار شخصى متعلق بحرية الفرد.

ولكن حرية التعبير مكفولة للجميع للتهجم والاساءة الى الاخرين – لذا شاهدنا الرسوم المسيئة الى نبى الاسلام محمد( صلى الله عليه وسلم )  والتهكم على المسلمين والعرب باعتبارهم) متخلفون وارهابيين(!!

ثم ماذا بعد؟؟

حقيقة الامر ان الكتاب والمفكرين والمؤرخين الغربيين هم اول من كتب وتحدث عن الخلل الذى صاحب الحضارة الغربية وتنبأوا لها بالتراجع والانهيار.

1/ عام 1869 كتب الروسى danilevsky nikoli ( دانلفسكى نكولاى) حول مصير تلك الحضارة وقال انها تحمل بذور فنائها

2/وفى عام 1922-1918 كتب الالمانى Spengler Oswald (سبنجلر اوزولد) عن سقوط الغرب decline of the west

3/كذلك كتب وبشر الايطالى Giovanni Vico ( جيوفانى فيكو) والامريكى brooks Adamsعام 1895

4/أما اشهر المورخين الغربيين البريطانى (ارنولد توينبى)   Toynbee والذى كتب موسوعة كاملة بين الاعوام 1945 -1934 تتكون من اكثر من عشرين جزءا بعنوان (صعود و سقوط الحضارات) بعض الؤرخين يفسرون سقوط الحضارة بعوامل خارجية ( غزو وحصار الخ.) ولكن (توينبى ) يؤكد على اولوية العوامل الداخلية ( اخلاقى ودينى) اكثر من العوامل الاقتصادية والخارجية .

ولكنه يضيف ايضا عامل البيئة ( ليس الطبيعة فحسب ) بل المحيط الاجتماعى والثقافى وكراهية من حولك وشعورهم بالظلم والغبن.

اذا كانت تلك هى الحضارة الغربية  فمن هى الحضارات الاخرى التى تتصارع معها هذه الحضارة الغربية ؟

  

الى الحلقة القادمة    

=====================================

الحلقة (2)

  الصين   تحدثنا فى الحلقة الاولى عن الحضارة الغربية باعتبارها الحضارة التى لها اليد الطولى فى عالم اليوم .

وتلك الحضارة الغربية تتحرك وفق مفهوم ان لها اعداء يجب محاربتهم ووقف تقدمهم.

من تلك الحضارات التى تخشى الحضارة الغربية تقدمها وتوسعها هى الحضارة الصينية. الجذور: شهدت الصين القديمة حضارة متطورة بينما كانت اوربا فى عصور الظلام. تمثلت حضارة الصين فى التقدم الزراعى وتطوير وسائل الرى ثم التجارة وكذالك الاداب والفنون.

كانت الصين عبارة عن اقاليم واقطاعيات ومن اجل تطور اى حضارة كان لابد من ايجاد مركز وهذا تحقق فى الفترة (221-206 ) قبل الميلاد. تبع ذلك تكوين قوة عسكرية واسطول بحرى ساعدها فى التوسع والوصول الى الخليج العربى وتنظيم تجارة وتواصل مع العالم الخارجى . ولكن صراعات مراكز القوى الداخلية جعلت الصين تتراجع وتنكفىء على نفسها مرة اخرى.

وكانت اخر الممالك هى (مانشو) Manchu  1912-1644 وبعدها اصبحت الصين عرضة للتدخل الاستعمارى الخارجى. الحاضر : بعد نجاح الثورة الشيوعية بقيادة (ماوتستونج) اصبحت الصين جمهورية موحدة ومستقرة بدأت مسيرة اعادة صياغة الحضارة الصينية القديمة وتقديمها بمحتوى جديد وفى قالب مختلف. واذا عدنا الى شروط مقومات الحضارة ونحاول تطبيقها على الصين فاننا نجد ما يلى :

 1/ وجود المركز الذى يدير ويوجه ويشرف على التشريع والتنفيذ – الحزب الشيوعى والعاصمة بكين مع وجود مدن اخرى متطورة وسكان كل منها يفوق المليونى نسمة .

 2/ اقتصاد ينموا بسرعة يزعج الحضارة الغربية وتجارة تتوسع مع جميع بلدان العالم

 3/ قوة عسكرية تنموا بطريقة تخيف الغرب ويعمل لها الف حساب

 4/ الرسالة – تحسين الظروف المعيشية للمواطنيين وتضييق الفجوة بين الاغنياء والفقراء والدعوة الى المساواة والسلام – مستندة الى المبادىء الماركسية

 5/ الثقافة – الانطلاق من الجزور مع ابراز دور العمال والفلاحين وغرس ثقافة موحدة تستند الى اعلاء قيمة العمل والتضحية من اجل الجماعة ( المجتمع ).

 6/ الدين – نشأ المجتمع الصينى على معتقدات قديمة تؤمن بوجود قوى الخير والشر وتعدد الالهة وتقمص الارواح. اما اليوم فان المعتقدات السائدة هى تعاليم ·       (كونفشيوس)  Confucianism ·       (التاوية) Taoism ·       (البوزية )  Buddhism ·   

    وجود اقليات اسلامية ومسيحية. وفى المرحلة الجديدة واجهت الصين تحديات كثيرة – بعض اجزاء من الوطن الام كانت محتلة ولكنها باتباع سياسة هادئة طويلة الامد استطاعت استعادة ( قطعتين ) ( هونج كونج) من بريطانيا و(مكاو) من البرتقال. بقيت تايوان الجزيرة التى انفصلت منذ مرحلة الحرب الاهلية وتدعمها الأن أمريكا وتتخذ لها نظاما سياسيا واقتصاديا مغايرا لما هو موجود فى الوطن الام. وحتى الولايات المتحدة تعترف بان الجزيرة جزء من الصين ولكن لاعتبارات سياسية واستراتيجية فهى تريد للجزيرة ان تبقى منفصلة وتكون بمثابة ( شوكة ) فى خاصرة التنين الصينى . لذا فان امريكا تقول  صين واحدة ونظامان سياسيان وتعطى الحق لشعب (تايوان) ان يقرر بنفسه مصيره والصين بالمقابل تتحاشى المواجهة العسكرية وتعرف ان حقها فى نهاية الامر لن يضيع وتنتظر تغير الظروف الاقليمية والدولية او( غفلة) من اصحاب المصالح او تنازل منهم يعيد اليها الجزيرة المتمردة. وقد كانت الصين فى حالة تحدى ومواجهة دائمة مع الغرب – الحرب الكورية والحرب الفيتنامية- وفى قضايا اقليمية ودولية  خاصة وانها – اى الصين – عضو فى مجلس الامن ولها حق النقض ( الفيتو) ما يؤهلها للمساومة والتفاوض . ولكن بالمقابل فان على الصين مآخذ يسجلها ليس خصومها فحسب بل والمراقبون – كما أن بعض التطورات الداخلية فى المرحلة الماضية ادت الى توقف المشاريع وتفجر الصراعات فى قيادة الحزب : ·       سجل حقوق الانسان – وهذه قضية دائمة ومتجددة ويثيرها الغرب فى كل مناسبة ويصدر بشأنها تقارير سنوية . ولكن الصين بالمقابل لها تقاريرها الخاصة والتى تصدرها سنويا لا تنفى فيها اتهامات الغرب لها بانتهاك حقوق الانسان بل تقول ان الغرب خاصة امريكا – ليس مؤهلا للتحدث عن حقوق الانسان لانه اكثر من ينتهكها ! ·       بعد وفاة (ماوتسى تونج) برزت الى السطح بعض صراعات مراكز القوى وبدأت ما سميت فى حينها بالثورة الثقافية, وخلال فترة (1976-1969) شهدت الصين حالة من عدم استقرار سياسى وتوقف بعض المشاريع الاقتصادية وجعلت المراقبين يتابعون ما يجرى وهم لا يعرفون ما تاتى به الايام. ولكن الصين تجاوزت تلك المرحلة وبدأت عهدا من الاستقرار السياسى والانتعاش الاقتصادى . تلك هى الصورة اليوم – الصين حاضرة فاعلة فى كل قضايا العالم – اقتصادها يزدهر وينموا وقوتها العسكرية تزداد – وسكانها الاكثر فى العالم  رصيد هائل للابداع والعطاء وعلاقتها تجاوزت حدود القارة الاسيوية ووصلت الى امريكا وافريقيا وامريكا اللاتينية ويظل صراع الرسالات الحضارات – متواصلا وتنويع وسائل واسلحة المواجهة والاخرون خاصة (المستضعفين) يدفعون الثمن ليس بما يضيع عليهم من وقت وجهد ومصادر تهدر فى اتجاه غير اتجاه خدمة الانسانية جمعاء بل ومن جراء الاثار المباشرة لذلك الصراع اقتصادية كانت ام سياسية ام ثقافية . ولكن العالم اكبر واكثر اتساعا من الحضارة الغربية ومن التنين الاصفر .    

                    الحلقة القادمة: الحضارة الاسلامية

==================

الحلقة (3)    الحضارة الاسلامية ( 1)   من شروط قيام أية حضارة – كما ذكرنا – وجود مركز موجه ورسالة توحد أصحاب تلك الحضارة ويقبلها الاخرون الذين تصل اليهم بطريقة أو اخرى. عاصمة دولة الاسلام بدأت فى (المدينة ) ثم انتقلت الى مكة ومع توسع الدولة الاسلامية وأنتهاء مرحلة (الخلفاء الراشدين)  أصبحت ( دمشق) عاصمة للدولة الاموية ثم(بغداد ) عاصمة للدولة العباسية وتطورت بعد ذلك لتقوم دولة الخلافة العثمانية فى تركيا حتى نهاية الحرب العالمية الاولى حيث انهارت تلك الدولة بسبب مؤامرات وضربات القوى الاستعمارية الاوربية. وخلال تلك المسيرة الطويلة نشأت دويلات فى المشرق والمغرب لم تخضع لمركز موحد ولكنها لم تتوقف عن التبشير بالرسالة واتخاذ ( الاسلام ) شعارا لها     } الدولة الايوبية- المماليك – السلاجقة والفاطميون والمرابطون والاندلسيون …الخ {   كانت الحضارة الاسلامية تستند الى الاسلام – الرسالة التى نزلت على محمد (ص) فى الجزيرة العربية وبلسان عربى . لذا نسمع احيانا مصطلح ( الحضارة العربية الاسلامية )تأكيدا لدور المنبع وتأصيلا للرسالة باعتبار أن (القرآن ) هو (عربى ) فى لغته وتعبيره واوصافه ولكنه (عالمى ) – انسانى فى مقصده وتوجهه وشمول رسالته. ولكن الاسلام توسع وانتشر وجمع امما وشعوبا من كل انحاء العالم بحيث أن (العرب )  اليوم لا يشكلون اكثر من %12 من مجمل العدد الكلى للمسلمين. واكبر البلاد الاسلامية اليوم عددا هى اندونيسيا- نيجيريا- باكستان – ايران – بنغلاديش- اثيوبيا. وفى البلدان العربية مصر- السودان – المغرب-  الجزائر- الخ… ولكن ألامر الذى لابد من الاشارة اليه هو أن الكم ليس هو الذى يحدد دور ذلك البلد فى المساهمة فى بناء الحضارة الاسلامية – مثلا أن عدد المسلمين فى الصين يفوق عدد المسلمين فى الجزيرة العربية ودول الخليج- ولكن دور البلدان العربية كان وما يزال رائدا وسباقا للاسهام فى بناء الحضارة الاسلامية وما يزيد من دور العرب فى هذا المجال واعتبارها فى خط المواجهة هو وجود ثروة نفطية هائلة فى مناطقهم  تطمع فيها الحضارة الغربية وتعمل على الاستيلاء عليها أن لم يكن بالدبلوماسية والترغيب فالقوى هى البديل كما حدث فى العراق. وحتى ( الصين) لا تستغنى عن تلك الثروة فهي تارة تلاعب وتتقرب من اصحاب الثروة وتارة اخرى تساوم مع خصمها (الحضارة الغربية ) الجذ ور :  أنتشرت الحضارة الاسلامية وتفوقت على معاصريها وقدمت للانسانية العديد من الابداعات والاكتشافات فى مجالات الطب والفلك والحساب والفلسفة والاجتماع وكان دورها فى الارتقاء بالاداب والفنون غير مسبوق – كذلك امتلكت القوة وتوسعت حتى وصلت الى الصين شرقا واوربا غربا وتجربة الحضارة الاسلامية فى ( الاندلس) جديرة بالتوقف: البلاد كلها كانت مسيحية ولكن بالحكمة والدعوة الهادئة تم اقناع قطاعات واسعة من السكان بالرسالة الجديدة ولكن الاهم كان التطبيق حيث قدمت الحضارة الاسلامية لهؤلاء السكان مفاهيم وقيم جديدة بالاضافة الى المعرفة والعلم. نشر الاسلام روح التسامح بين السكان وغرس بينهم المحبة والتعايش واحترام العقيدة الاخرى – واصبح من المألوف أن يعيش المسيحى جنبا الى جنب مع المسلم واليهودى. وكانت( قرطبة)  منارة للعلم تنتشر فيها المكتبات وتضم كتبا فى جميع ميادين المعرفة اكثر عددا مما كان موجودا فى جميع مكتبات اوربا. كما أن  نشر المدنية وبناء الحياة المادية (الزراعة – الصناعة – الحرف المتنوعة) جعلت من الاندلس بلادا مزدهرة ومتقدمة على ما جاورها من مناطق اوربا . ويبقى قصر (الحمراء) حتى اليوم شاهدا على تقدم الحضارة الاسلامية فى فن المعمار والفنون بصفة عامة وقدمت الحضارة الاسلامية فوق ذلك اسماء واعلام فى مختلف المجالات ما زال بعضهم مرجعا للباحثين والكتاب والمبدعين فى العصر الحاضر. (ابن سيناء-الكندى- الرازى-  الخوارزمى- ابن رشد-ابن خلدون – ابن بطوطة-الفارابى  ابن النفيس وغيرهم وغيرهم … أما فى مجال الفقه والاجتهاد فالعلماء كثر فى الحديث واالتفسير والتشريع والافتاء… فوق ذلك كله وقبله فأن الاسلام باعتباره رسالة الى كل  البشر فان مبادىء العدالة والمساواة كانت معاشة وتم تتطبيقها خاصة فى بداية الدولة الاسلامية فى المدينة ومكة ثم فى عهود الخلفاء الراشدين والخلفاء المؤمنين بالرسالة شكلا ومضمونا مثل الخليفة (عمر بن عبد العزيز) ولكن قضية اساسية واحدة- بالاضافة الى عوامل اخرى – كانت هى محور الصراع داخل الدولة الاسلامية – تلك هى مسألة السلطة . منذ الفتنة الكبرى فى عهد الخليفة عثمان بن عفان ثم الامام على بن ابى طالب مرورا بصراعات بنىامية وبنىالعباس وحتى نهاية الدولة العثمانية كانت السلطة فى مجملها للاقوى والمنتصر – حتى اصبحت (رجل اوروبا المريض ) وتكالبت عليها القوى الاوربية ليأخذ كل منهم نصيبه و لتكون النتيجة احتلال وتقسيم وتفتت وتشاحن وتناحر داخلى ما زلنا نرى اثاره حتى اليوم . الحاضر : اذا كان (المركز) ضمن شروط وجود حضارة ما فأين هو اليوم (مركز) الحضارة الاسلامية ؟ الرياض ام طهران ام القاهرة ام اسلام اباد ام الخرطوم ام…م؟ ربما يقال ليس بالضرورة – فهناك عدة مراكز للحضارة الغربية : واشنطن – لندن-باريس- برلين- الخ. هذا صحيح ولكن هؤلاء يعترفون لامريكا بالقيادة وان لها فى نهاية الامر الكلمة الاخيرة. وحتى عندما يختلفون على امر ما يتركون لكل خياره ولا يعلنون عليه الحرب ( غزو العراق- التجارب الفرنسية النووية فى المحيط الباسيفيكى- الصراع الفلسطينى الاسرائيلى). شرط أخر لنمو الحضارة هو وجود رسالة. والرسالة موجودة ومعروفة ويتبعها جميع المسلمين، ليس هناك خلاف حول الاصول والثوابت والفرائض , ولكن الخلاف بدأ وبرز حول التفسير والمفهوم لبعض القضايا خاصة قضية السلطة. ثم اضيفت عوامل اخرى لتعطى ذلك الخلاف بعدا خطيرا وحادا , من تلك العوامل الجانب الثقافى والانتماء الاثنى. كل ذلك تفاعل مع وجود معظم الدول الاسلامية تحت الاحتلال حتى نهاية النصف الاول من القرن الماضى ومع وجود قواعد عسكرية اجنبية حتى اليوم فى العديد من تلك الدول الاسلامية فان الاصطفاف والاختلاف بين التيارات الاسلامية اصبح يسير فى اتجاهات متوازية لا تلتقى وان كانت ترمى بعضها البعض باتهامات اقلها الخيانة والعمالة وتصل الى درجة التكفير والخروج على الدين كله . ما هى تلك التيارات ومن هى الدول التى تتصدى للمواجهة مع الغرب ؟؟

     الى الحلقة القادمة 

========================

الحلقة (5)  

 عمر جابر عمر

 استراليا – ملبورن                                                          الحضارة الاسلامية (3)

ثانياً : التيارات والأحزاب الاسلامية

1- التيار الجهادي – والذي يصفه خصومه بالتيار التفكيري – وهو تيار يعتبر كل  المجتمع في مرحلة الجاهلية وكل الأنظمة عميلة للغرب وأن مواجهة الغرب يجب أن تكون بالجهاد – القتال .

 يمتثل هذا التيار بقوى ومنظمات أهمها – القاعدة- طالبان – الجماعات الاسلامية في مصر – الجماعات الاسلامية في الجزائر – حركة الجهاد في فلسطين . هذا التيار لا يتميز بإطروحاته الفكرية ومداخلاته الفلسفية بل بتشدده في رفض كل ماهو قائم واستخدامه للعنف في مواجهة الغرب . بل أنه يعيب علي التيارات الاسلامية الأخرى الوقوع في ( مصيدة ) الغرب والقبول بالانخراط في اللعبة البرلمانية ( الانتخابات ) كما يصفها ( شريط أيمن الظواهري الأخير ) . الجدير بالتسجيل عند تناول هذا التيار بروز الحقائق التالية .

* القيادات الفكرية وأصحاب القرار في كل تلك المنظمات الجهادية ( ما عد طالبان ) هم من العرب ( بن لادن – أيمن الظواهري – الزرقاوي – باعشير الخ —- ) وهنا قد يظهر دور العامل الثقافي في ( التربية – البيئة – التراث ) .

لا يؤمن هذا التيار بالديمقراطية حتى بصيغتها الاسلامية ( الشورى ) غير ملزمة للأمير ( القائد ) والذي يمكن أن يأخذ بها أو يتركها فله القرار .

النهائي.

يستفيد هذا التيار من أخطاء وخطايا النظام الغربي للقيام بالتعبئة وكسب الانصار فهو مثلاً يقول ماذا كانت نتيجة القبول باللعبة الديمقراطية ؟ في الجزائر عندما فازت القوي الاسلامية في الانتخابات تدخلت فرنسا والغت الانتخابات ودخلت الجزائر في حرب حصدت أرواح الالاف من البشر .

وفي فلسطين عندما فازت ( حماس ) رفض الغرب الاعتراف بها وحاصرها وما يزال .

حالة الاحباط واليأس التي تعيشها الشعوب الاسلامية جراء الاستعلاء الغبي وغطرسته من جهة وبسبب عجز الأنظمة الاسلامية من جهة ثانية – يرى البعض خاصة من الشباب أن ما تقوم به تلك المنظمات الجهادية يحفظ علي الأقل ( كرامتهم ) وأن التصدي للغرب ربما كان الوسيلة الوحيدة المتبقية لدي المسلمين .

أكثر المتضررين من جراء عمليات هذا التيار هم المسلمون في الغرب ( اوربا وأمريكا ) فقد أصبحوا في حالة حصار ومراقبة ومتابعة من أجهزة الأمن في تلك البلدان وظهرت القوانين والتشريعات التي تقيد حركتهم وتجعل منهم هدفاً لحملات الاعتقال والتحقيق . وحتى في البلدان الاسلامية – وجدت الحكومات فرصة لتصفية الحسابات والتضييق علي الحريات بحجة محاربة الارهاب !

تراجع هذا التيار كثيراً خاصة بعض سقوط نظام ( طالبان ) في أفغانستان واختفاء قيادة ( القاعدة ) وهروبها الدائم إمام مطاردة القوات الأمريكية .

التيار الوسطي

وهذا التيار يضم معظم العلماء والدعاة والمفكرين الذين أسهموا في إثراء المكتبة الاسلامية بالعديد من الكتب والمؤلفات التي تحاول إبراز الصورة الصحيحة للاسلام وتتناول القضايا المعاصرة وكيفية مواجهتها وكيفية التعامل مع الحضارة الغربية.

من أبرز من يمثل هذا التيار : الأخوان المسلمون – الجماعات الاسلامية في الاردن ، منظمة المؤتمر الاسمي ، الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ( الشيخ يوسف القرضاوي ) حزب العدالة والتنمية في المغرب ، الاحزاب الاسلامية في السودان ، الجماعات الاسلامية في الباكستان وتركيا والعديد من الأفراد وهيئات المجتمع المدني – الحزب الاسلامي العراقي وهيئة علماء المسلمين في العراق ، وحركة حماس وبعض المنظمات في باكستان والسودان ، ما يجمع بين تلك المنظمات والاحزاب والهيئات والافراد هو ما يلي :

* الإيمان بأن الاسلام هو الحل وأنه لابد من تطبيق الشريعة الاسلامية  للنهوض من وضع التخلف والفقر والجهل ولوصول إلي مجتمع يتمتع بالاستقرار العقلي والسمو الروحي والكفاية الاقتصادية والترابط الاجتماعي.

* الاقتناع بضرورة الانخراط في النظام السياسي الموجود في الواقع والعمل علي المشاركة وفق الدساتير الموضوعة والقوانين المعمول بها بهدف الوصول إلي السلطة التنفيذية ( الحكومة ) الأخوان المسلمون في مصر – حماس في فلسطين حزب العدالة في تركيا والبقية تأتي ( الأردن باكستان– المغرب ) والبقية تأتي .

*اتباع نهج وسطى في مخاطبة المجتمع وفي الحوار مع الغرب ، وكما قال أحد مفكري هذا التيار ، أن البعض يحاول تطبيق الاسلام من الأخير إلي الأول – في حين أن الصحيح هو أن نبدأ من الأول وننتهي بالأخير . ويضرب مثلاً : أنك لا يمكن أن تطبق حد الزنا وقطع اليد علي فرد ( والمجتمع ما يزال يعيش في بيئة ملوثة بالثقافة الغربية والجهل بقواعد الاسلام ظاهرة عامة . يحكى عن الامام ( حسن البنا ) مؤسس وقائد الأخوان المسلمين في مصر أنه استقبل يوماً رجلاً أراد أن يسمع ويفهم عن الاسلام وأستقبله الشيخ وكان إلي جانبه أحد مساعديه ، وبدأ الشيخ يشرح للرجل ولكن مساعدة همس في أّّذنه قائلاً : أنه يضع خاتماً من الذهب في أصبعه – كيف تستقبله وتتحدث إليه ؟ ورد عليه الشيخ : يأخي نحن في مرحلة ( لا اله الا الله ) وأنت تتحدث عن خاتم ذهب ! ؟ .

كل تلك الحركات والمنظمات كانت نتيجة صحوة اسلامية عامة ولكن التضييق علي الحريات في البلاد الاسلامية جعل منها تعيش حالة من الدفاع عن الذات وتقوم بردود أفعال يظهر بعضها وكأنه مناقض لمواقفها الأصلية وفكرها الذي يوجه حركتها. الغريب في الأمر والمريب في الوقت ذاته أن الغرب يخشى من هذا التيار الوسطى والذي ينافس مع القوى الأخرى للوصول إلي السلطة وفقاً للقوانين الوضعية ( الانتخابات والتعددية ولكنه بالمقابل يحاول الاستفادة من هذا التيار في ضرب وأضعاف التيار الجهادي في الوقت الذي يعمل فيه جاهداً لبعثرة قوى هذا التيار الوسطي وزرع الفتن بين صفوفه ومغازلة بعض من القيادات فيه وأبعاد قيادات أخرى .

الشارع الإسلامي .

المسلم في بلاده يعيش حالة من الشقاء والسعى الدائم للحصول علي لقمة العيش . أما الحريات العامة والحقوق الإنسانية فهي أحلام لا تراوده ويكيفه لو وجد التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية والتي يقرأ عنها ويسمع بها في بلاد الغرب ولكنه لا يجدها .

مذا حدث للحكام الذين يعرفون حق المعرفة احتياجات رعاياهم ولكنهم لا يقدمون ما يتوجب ويأخذون لأنفسهم  ما لا يستحقون ؟

هل هو ضعف في الإيمان أم جهل بالرسالة وأهدافها أم إيثار للدنيا علي الأخرة أم قناعة الشعوب قد تم تهجينها وأصبحت غير قادرة علي الفعل والتغيير ؟

هذا النهج هو الذي يغذي ويقوى التطرف وتجد فيه هذه التيارات الجهادية مادة وحجة للأستمرار . المواطن المسلم أصبح يحلم بذلك الفارس الذي يمتطي جواده ويخلصه من الكابوس الذي يعيشه – كيف ومتى ؟؟.

ذلك سؤول لا يجد له الشارع الاسلامي جواباً ولكنه بدلاً عن ذلك يعيش في حالة من أحلام اليقظة يسترجع فيها بعض ذكريات الانتصارات الاسلامية قبل عدة قرون . يذكر أسماء سجلت في ذلك الزمن الماضي صفحات مازال يفخر بها حتي اليوم ولسان حاله يقول وا معتصماه  – أين صلاح الدين – أين سيف الله المسلول – أين كل من عبر وأبحر لنشر الرسالة – أين كل من قال كلمة حق في وجه سلطان جائر ؟؟؟. أنه الحلم القديم يتجدد ولكن في الذاكرة فقط – والمطلوب العمل من اجل التغيير والإيمان بحتمية زوال الفساد والطغيان إذا كان للحضارة الاسلامية أن تعود وتكون رقماً في المعادلة الدولية ( للتعايش أو الصراع ) لا بد أن تبدأ بوحدة الصف وتوحيد الخطاب الاسلامي وتخليص المسلمين من الشوائب التي علقت به وأبراز الرسالة بوجهها الإنساني والحضاري بداية باحترام حقوق الناس وانتهاء بروح التعايش مع الأخرين .

أين هي الرسالة في حياة الدول الاسلامية اليوم وممارسات القوى الاسلامية .

القرأن الكريم يقول .

. وأمرهم شورى بينهم.

. أدعو إلي ربك بالحكمة والموعظة الحسنة

.لا أكراه في الدين

. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .

. والحديث الشريف يقول ، الناس سواسية كا سنان المشط .

 لا فضل لعربي علي أعجمي الا بالتقوى ، أين تلك القيم السامية ؟ أنها الوقود الذي يمكن أن يقارع به المسلمون الحضارات الأخرى ، أن أمة تنسى رسالتها أو تجهلها أو تتجاهلها ليست جديرة بأن تنافس الأخرين الذين لهم رسالاتهم أيضاً . أن الأوضاع التي تعيش فيها الحكومات الاسلامية لا تسمح لها ولا تؤهلها للقيام بدور المبادرة والتصدي إنها حكومات مقيدة عاجزة همها الأول الحفاظ علي الكراسي والامتيازات ولكن الشارع الاسلامي – من خلال منظماته وعلمائه ومفكريه ودعاته يستطيع أن يأخذ المبادرة ويتحرك – مؤتمر المنامة ( البحرين ) الأخير خطوة في هذا الاتجاه – وحتى الحكومات الاسلامية تستطيع أن تستفيد من ذلك ليس من أجل تخفيف الضغوط العربية عليها فحسب بل ومن أجل مقارعة الأخرين بنفس الحجة ، حيث يمكنها أن تقول لهم . أنها حرية التعبير والمواطن من حقه أن يعبر عن رأيه !! أم ياترى انهم قبل الغرب – يضيقون بذلك ؟ ولكن لا بديل غير الاستمرار في هذا النهج فالحكومات ذائلة ولكن الرسالة باقية وهي مسئولية الجميع .

الحلقة (6)  

 عمر جابر عمر

 استراليا – ملبورن

الحضارة الغائبة ؟   

قلنا ان العالم اكبر واكثر اتساعا من الحضارة الغربية حتى لو كانت تلك الحضارة الغربية لها فى الوقت الحاضر اليد العليا والهيمنة المطلقة.

الى جانب ما تناولنا من حضارات عادت ( الصين) واخرى فى طريقها الى العودة ( الحضارة الاسلامية ) فان هناك مكونات اخرى وقوى متعددة فى هذا الكوكب يحاول كل منها ان يكون له موطىء قدم ويعمل جاهدا لاسماع صوته والمطالبة بحصته فى ثروات هذا الكوكب.

 1/ روسيا – تاريخيا وتقليديا كانت المنافس لاوربا ثم بعد تكوين الاتحاد السوفيتى اصبحت تنافس امريكا فى حرب باردة استمرت اربعة عقود منذ نهايةالحرب العالمية الثانية (1945) وحتى سقوط الامبراطورية السوفيتية.

اسباب السقوط عديدة ولكن اهمها الاستعلاء على القوميات الاخرى – غياب الحريات- دكتاتورية الحزب الواحد والصراع مع الغرب.

واليوم عادت (روسيا) فى ثوب جديد – اخذت بديمقراطية الغرب ولكن دون ان تتخلى عن مخزونها الثقافى وتراثها القومى والذى يدفعها الى ان تحتوى البلدان الصغيرة المجاورة (روسيا البيضاء) ولكن ذلك ادخلها فى حرب دائمة مع (الشيشان ) واتفقت مع الغرب على محاربة الارهاب ولكن بهدف جعل قضية الشيشان جزءا من ذلك الارهاب!

ثم حاولت كسر العزلة الدولية واحتكار الغرب للمسرح السياسى فبدأت خطوات فى اتجاه الخارج لتقول للعالم :نحن هنا !! معارضة حرب العراق – دعوة وفد حماس – دعوة رئيس هيئة علماء المسلمين فى العراق – العمل على ابقاء الملف النووى الايرانى معلقا لزيادة الضغوط على الغرب- التقارب مع الصين – كل تلك الخطوات وغيرها تجعل من روسيا عنصرا فى اللعبة الدولية.

هذا التنافس الدولى قد يعطى روسيا مكانة فى لعبة الكبار ولكن السؤال : اين اسهامها فى الحضارة الانسانية ؟ اين رسالتها التى تختلف عن رسالة الغرب ؟ اين ممارستها وقيمها ومثلها التى تتفوق بها على الغرب ؟؟

تلك هى التحديات الحقيقية التى تواجه روسيا وهى التى ستحدد ما اذا كانت عودة روسيا اضافة ايجابية تضاف الى كفاح البشر من اجل عالم افضل او ان النتيجة تكون روسيا هى روسيا سواء كانت باسم ( الاتحاد السوفيتى ) او بعد خلع تلك العباءة وظهور الدب الروسى على حقيقتته.

2/ الهند – اكثر من مليار من البشر ومخزون هائل من التراث والثقافة والتجربة البشرية. الهند تعانى من اشكاليات اقتصادية واجتماعية عديدة- ولكنها فى السنوات الاخيرة حققت نموا اقتصاديا هائلا وتقدما تكنولجيا اصبحت تنافس به الغرب خاصة وان عنصر العمالة الرخيصة يمثل عاملا مساعدا لتفوقهم وغزو الاسواق العالمية.

كما ان اهتمامها بالطاقة النووية سيجعل منها دولة منافسة فى عدة ميادين .

ولكن تبقى الهند تواجه تهمة تهميش الاقليات الدينية والاثنية والفوارق الاجتماعية فى المجتمع الهندى تتسع – ولا يضيف وصف (اكبر ديمقراطية فى العالم ) الى سجلها شيئا

اذا ما عجزت عن حل مشاكلها خاصة قضية (كشمير ) والتى رفضت الهند حتى الان تطبيق قرارات الامم المتحدة بشان تلك المشكلة.

ان تجربة الهند فى مقاومة الاستعمار البريطانى (المقاومة السلمية والعصيان المدنى ) اصبحت جزءا من التجربة الانسانية وهى ابداع محلى ينسجم ومعطيات الواقع الهندى وتركيبته الاجتماعية وموروثاته الثقافية.

3/ امريكا اللاتينية – كانت بمثابة ( حديقة خلفية ) لامريكا تفعل فيها ما تشاء – ولكن فى السنوات الاخيرة ظهرت دول تقول لامريكا :لا – وتتبع توجها يحافظ على استقلالها وثرواتها .

كانت كوبا وحيدة فى القارة اللاتينية- ولكن لحقت بها دول مثل فنزويلا – بوليفيا – البيرو – شيلى وحتى البرازيل – كلها تحاول ان تعمل على صياغة مستقبلها بعيدا عن هيمنة امريكا.

4/ وفى القارة السمراء وفى اسيا هناك دول تحاول ان تخرج من نفق التخلف والتركة الاستعمارية بحثا عن عالم افضل يتميز بالاستقرار والرفاهية.

ولكن المخاض مازال عسيرا والتحديات التى تواجهها ( داخليا وخارجيا ) تجعل من حركتها ليست بطيئة فحسب بل وفى بعض الاحيان تخطىء الهدف وتنحرف عن الاتجاه.

اذا كانت تلك هى الصورة العامة – ما هو البديل ؟ ما هو المخرج من هذا المأزق  الذى وصلت اليه البشرية جمعاء؟

ان ما يجرى لا يخص فئة او حضارة بعينها بل ان التبعات والنتائج ستؤثر على الجميع .

يكفى ان نرى الهلع والخوف الذى يعيشه العالم من جراء انتشار مرض انفلونزا الطيور

انه عالم غريب عجيب.

·       ملايين من البشر يموتون من جراء حروب وصراعات ليس لهل من اسباب غير الجشع والتعصب والكراهية وانقطاع الحوار وغياب الحكمة .

·       ملايين اخرى تموت من الجوع والامراض المزمنة والوبائية فى حين ان الثروات تهدر فى مجالات انصرافية لارضاء نزوات عابرة واشباع القلة القليلة .

·       بلايين الدولارات تصرف فى صناعة اسلحة الدمار الشامل واستكشاف الفضاء الخارجى والحال ان الانسان لم يكمل بعد اكتشافه لهذا الكوكب ما كان على السطح وما يبقى فى عمق المحيطات

·       دول – رغم استقلالها – لم تستطع حل مشاكلها الاقتصادية والتعليمية والصحية اما بسبب  فقرها ومحدودية مواردها واما بسبب الفساد المالى والعجز الادارى واما بسبب تدخل دول الغرب وفرض انماط ومناهج لحياة تلك الشعوب.

·       عالم يعيش حالة من الازدواجية فى المعايير والتناحر العرقى والثقافى والدينى ضاعت معه حقوق الانسان وغابت فيه قيم العدالة والمساواة واصبح الاقوى هو الذى يحدد معنى تلك القيم والمبادىء وكيف ومتى يتم تطبيقها.

ما هو المخرج واين هو البديل ؟؟

البديل هى الحضارة الانسانية الكاملة والمتكاملة – الحضارة التى تأخذ من كل فئة وحضارة ايجابياتها ومساهماتها لتشكيل وصياغة الحضارة الانسانية الجامعة.

وما تبقى من تباين وخصوصيات يترك للحوار والقبول بالتعايش معه.

القببول بالاخر واحترام الراى الاخر هى البداية.  لكل حضارة ما تقدمه

وتضيفه الى الحضارة الكلية الجامعة. الحضارة الغربية مثلا لها ايجابياتها

( التقد م التكنولوجى – القوة الافتصادية – الاكتشافا ت العلمية –الخ )

ولكنها حضارة استعلا ئية – ا قصا ئية تحر كها المصلحة الآ نية- يتوجب

عليها التخلص من ذلك التوجه ويحق للآ خرين مقاومته والتصدى له.

كيف ؟ حركة الشعوب هى التى تصنع ذلك التغيير,لن ياتى ذلك بين يوم وليلة – ولكن ليبدأ البشر – بعد امتلاك القناعة – بالسير فى الاتجاه الصحيح.

1/ دور الشباب هام وحاسم لانهم رجال المستقبل

2/ دور المرأة باعتبارها المربية وتمثل نصف المجتمع

3/الهيئات والمنظمات المدنية فى مجالات الحريات العامة وحقوق الانسان.

4/ رجال الدين – كل الاديان تنادى بالتسامح والتعايش واحترام الاخر – لابد من الحوار بينهم ومعرفة القواسم المشتركة والدعوة – دون خوف او نفاق – الى احقاق الحق اينما كان.

5/ حتى الشعوب فى اوربا وامريكا لها دورها م فهى التى سارعت برفض اخطاء حكوماتها- والحروب التى شنتها تلك الدول – من حرب فيتنام الى العراق – ومن حرب السويس الى حرب الجزائر.

ذلك التحرك الجماعى وتلك الاصوات الموحدة فى كل بقاع العالم هى التى ستاتى بالتغيير.

المسيرة الانسانية يجب ان تتواصل وتتوحد فى مواقفها وخطاباتها.

يقول الزعيم الهندى (غاندى)

*ان فى العالم ما يكفى من المصادر والثروات لاشباع جميع الناس , ولكن ليس فيه ما يكفى لسد اطماع الجشعين.

ويقول القس (ديزموند توتو) من جنوب افريقيا :

ليس هناك فرد كامل او شعب مكتفيا بنفسه- كلنا بحاجة الى بعضنا البعض.

التكامل هو الذى يحقق المجتمع الانسانى الواحد والاسلام الذى يتهم اليوم بالارهاب وبانه دين دموى – هو اكثر الاديان تسامحا وبعدا عن العنف والقتل, ذلك اما جهل فى جانب اوربا وامريكا واما تفسير قاصر ومقصود من الذين يدعون ان لهم معرفة بالاسلام واما انه بسبب ممارسات ومواقف فئات صغيرة لا تمثل الاسلام والمسلمين وليس لها العلم والفهم الصحيح لنصوص هذا الدين.

الاسلام هو الدين الوحيد الذى يؤمن بجميع الانبياء والرسل.

محمد ( ص) يوصف بانه نبى الرحمة.

كيف لنبى تتلخص رسالته فى : (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) ان يكون ارهابيا او يدعو الى الارهاب او حتى يؤيده؟

كيف لنبى يقول عن نفسه ورسالته :

بعثت لاتمم مكا رم الاخلاق – ان يدعوالى التعصب والكراهية بين البشر ؟

ذلك هو دور الدعاة والعلماء والمفكرين والاسلاميين لابراز المضمون الحقيقى والرسالة الاصيلة للاسلام.

فى الحضارة الانسا نية لن تكون هناك حضارة واحدة مهيمنة – بل تعايش وتكامل وفهم مشترك .

اما التنافس – ليكن – فذلك من طبيعة الاشياء ومن سنن الكون – ولكن التنافس يكون فى الامور التى تعود بالخير على البشرية جمعاء وليس فى القتل والسباق فى التسلح .

ليكن التنافس فى التجارة – ليس عولمة امريكا ولكن بما يحفظ حقوق الجميع ويعطى الفرص المتكافئة.

ليكن التنافس فى الرياضة – فى الاداب والفنون – فى الابداع – فى الاكتشافات التى تخفف من الام البشر ومأساة الانسان اينما كان ليكن الحوار وسيلة حل كل خلاف ولتكن المعايير ثابتة ويلتزم بها الجميع .

لتكن قيم الانسانية العليا هى التى توحد البشر : السلام – الحرية – العدالة – المساواة ونصرة المحتاج والتكامل .

منذ سنوات شاهدت فيلما امريكيا بعنوان كوكب القرود planet of the apes   وملخصه : ان مجموعة من الناس وجدت نفسها فى كوكب لا تعرفه –بعد ان افاقت من الغيبوبة – وجدت ان القرود هى التى تحكم الكوكب – تراقب وتحاسب وتعاقب وتعتقل … !

بذلت تلك  المجموعة من البشر جهدا كبيرا لمعرفة المكان – بحثوا عن مخلفات انسانية – عن شواهد ورموز لمعرفة المكان ولكن دون جدوى وقعوا تحت سيطرة القرود التى سيطرت عليهم وعلى الكوكب .

واخيرا وبينما بعضهم يتجول قرب الشاطىء لمح احدهم تمثالا بعيدا فهرع ليرى فاذا به امام تمثال (الحرية) الامريكى (نيويورك) او ما تبقى منه !!

نأمل ان لا تكون تلك النبوءة صادقة فالانسان من خصائصه انه يتعلم ليس من تجاربه فحسب بل ومن تجارب الاخرين – من سبقوه ومن عايشوه .

كان الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون اخيه

الحلقة (5)

  عمر جابر عمر

 استراليا – ملبورن

                           
                             الحضارة الاسلامية (3)

ثانياً : التيارات والأحزاب الاسلامية

1- التيار الجهادي – والذي يصفه خصومه بالتيار التفكيري – وهو تيار يعتبر كل  المجتمع في مرحلة الجاهلية وكل الأنظمة عميلة للغرب وأن مواجهة الغرب يجب أن تكون بالجهاد – القتال .

 يمتثل هذا التيار بقوى ومنظمات أهمها – القاعدة- طالبان – الجماعات الاسلامية في مصر – الجماعات الاسلامية في الجزائر – حركة الجهاد في فلسطين . هذا التيار لا يتميز بإطروحاته الفكرية ومداخلاته الفلسفية بل بتشدده في رفض كل ماهو قائم واستخدامه للعنف في مواجهة الغرب . بل أنه يعيب علي التيارات الاسلامية الأخرى الوقوع في ( مصيدة ) الغرب والقبول بالانخراط في اللعبة البرلمانية ( الانتخابات ) كما يصفها ( شريط أيمن الظواهري الأخير ) . الجدير بالتسجيل عند تناول هذا التيار بروز الحقائق التالية .

 

* القيادات الفكرية وأصحاب القرار في كل تلك المنظمات الجهادية ( ما عد طالبان ) هم من العرب ( بن لادن – أيمن الظواهري – الزرقاوي – باعشير الخ —- ) وهنا قد يظهر دور العامل الثقافي في ( التربية – البيئة – التراث ) .

لا يؤمن هذا التيار بالديمقراطية حتى بصيغتها الاسلامية ( الشورى ) غير ملزمة للأمير ( القائد ) والذي يمكن أن يأخذ بها أو يتركها فله القرار .

النهائي.

يستفيد هذا التيار من أخطاء وخطايا النظام الغربي للقيام بالتعبئة وكسب الانصار فهو مثلاً يقول ماذا كانت نتيجة القبول باللعبة الديمقراطية ؟ في الجزائر عندما فازت القوي الاسلامية في الانتخابات تدخلت فرنسا والغت الانتخابات ودخلت الجزائر في حرب حصدت أرواح الالاف من البشر .

وفي فلسطين عندما فازت ( حماس ) رفض الغرب الاعتراف بها وحاصرها وما يزال .

 

حالة الاحباط واليأس التي تعيشها الشعوب الاسلامية جراء الاستعلاء الغبي وغطرسته من جهة وبسبب عجز الأنظمة الاسلامية من جهة ثانية – يرى البعض خاصة من الشباب أن ما تقوم به تلك المنظمات الجهادية يحفظ علي الأقل ( كرامتهم ) وأن التصدي للغرب ربما كان الوسيلة الوحيدة المتبقية لدي المسلمين .

أكثر المتضررين من جراء عمليات هذا التيار هم المسلمون في الغرب ( اوربا وأمريكا ) فقد أصبحوا في حالة حصار ومراقبة ومتابعة من أجهزة الأمن في تلك البلدان وظهرت القوانين والتشريعات التي تقيد حركتهم وتجعل منهم هدفاً لحملات الاعتقال والتحقيق . وحتى في البلدان الاسلامية – وجدت الحكومات فرصة لتصفية الحسابات والتضييق علي الحريات بحجة محاربة الارهاب !

تراجع هذا التيار كثيراً خاصة بعض سقوط نظام ( طالبان ) في أفغانستان واختفاء قيادة ( القاعدة ) وهروبها الدائم إمام مطاردة القوات الأمريكية .

التيار الوسطي

وهذا التيار يضم معظم العلماء والدعاة والمفكرين الذين أسهموا في إثراء المكتبة الاسلامية بالعديد من الكتب والمؤلفات التي تحاول إبراز الصورة الصحيحة للاسلام وتتناول القضايا المعاصرة وكيفية مواجهتها وكيفية التعامل مع الحضارة الغربية.

من أبرز من يمثل هذا التيار : الأخوان المسلمون – الجماعات الاسلامية في الاردن ، منظمة المؤتمر الاسمي ، الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ( الشيخ يوسف القرضاوي ) حزب العدالة والتنمية في المغرب ، الاحزاب الاسلامية في السودان ، الجماعات الاسلامية في الباكستان وتركيا والعديد من الأفراد وهيئات المجتمع المدني – الحزب الاسلامي العراقي وهيئة علماء المسلمين في العراق ، وحركة حماس وبعض المنظمات في باكستان والسودان ، ما يجمع بين تلك المنظمات والاحزاب والهيئات والافراد هو ما يلي :

* الإيمان بأن الاسلام هو الحل وأنه لابد من تطبيق الشريعة الاسلامية  للنهوض من وضع التخلف والفقر والجهل ولوصول إلي مجتمع يتمتع بالاستقرار العقلي والسمو الروحي والكفاية الاقتصادية والترابط الاجتماعي.

* الاقتناع بضرورة الانخراط في النظام السياسي الموجود في الواقع والعمل علي المشاركة وفق الدساتير الموضوعة والقوانين المعمول بها بهدف الوصول إلي السلطة التنفيذية ( الحكومة ) الأخوان المسلمون في مصر – حماس في فلسطين حزب العدالة في تركيا والبقية تأتي ( الأردن باكستان– المغرب ) والبقية تأتي .

*اتباع نهج وسطى في مخاطبة المجتمع وفي الحوار مع الغرب ، وكما قال أحد مفكري هذا التيار ، أن البعض يحاول تطبيق الاسلام من الأخير إلي الأول – في حين أن الصحيح هو أن نبدأ من الأول وننتهي بالأخير . ويضرب مثلاً : أنك لا يمكن أن تطبق حد الزنا وقطع اليد علي فرد ( والمجتمع ما يزال يعيش في بيئة ملوثة بالثقافة الغربية والجهل بقواعد الاسلام ظاهرة عامة . يحكى عن الامام ( حسن البنا ) مؤسس وقائد الأخوان المسلمين في مصر أنه استقبل يوماً رجلاً أراد أن يسمع ويفهم عن الاسلام وأستقبله الشيخ وكان إلي جانبه أحد مساعديه ، وبدأ الشيخ يشرح للرجل ولكن مساعدة همس في أّّذنه قائلاً : أنه يضع خاتماً من الذهب في أصبعه – كيف تستقبله وتتحدث إليه ؟ ورد عليه الشيخ : يأخي نحن في مرحلة ( لا اله الا الله ) وأنت تتحدث عن خاتم ذهب ! ؟ .

كل تلك الحركات والمنظمات كانت نتيجة صحوة اسلامية عامة ولكن التضييق علي الحريات في البلاد الاسلامية جعل منها تعيش حالة من الدفاع عن الذات وتقوم بردود أفعال يظهر بعضها وكأنه مناقض لمواقفها الأصلية وفكرها الذي يوجه حركتها. الغريب في الأمر والمريب في الوقت ذاته أن الغرب يخشى من هذا التيار الوسطى والذي ينافس مع القوى الأخرى للوصول إلي السلطة وفقاً للقوانين الوضعية ( الانتخابات والتعددية ولكنه بالمقابل يحاول الاستفادة من هذا التيار في ضرب وأضعاف التيار الجهادي في الوقت الذي يعمل فيه جاهداً لبعثرة قوى هذا التيار الوسطي وزرع الفتن بين صفوفه ومغازلة بعض من القيادات فيه وأبعاد قيادات أخرى .

الشارع الإسلامي .

المسلم في بلاده يعيش حالة من الشقاء والسعى الدائم للحصول علي لقمة العيش . أما الحريات العامة والحقوق الإنسانية فهي أحلام لا تراوده ويكيفه لو وجد التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية والتي يقرأ عنها ويسمع بها في بلاد الغرب ولكنه لا يجدها .

مذا حدث للحكام الذين يعرفون حق المعرفة احتياجات رعاياهم ولكنهم لا يقدمون ما يتوجب ويأخذون لأنفسهم  ما لا يستحقون ؟

هل هو ضعف في الإيمان أم جهل بالرسالة وأهدافها أم إيثار للدنيا علي الأخرة أم قناعة الشعوب قد تم تهجينها وأصبحت غير قادرة علي الفعل والتغيير ؟

هذا النهج هو الذي يغذي ويقوى التطرف وتجد فيه هذه التيارات الجهادية مادة وحجة للأستمرار . المواطن المسلم أصبح يحلم بذلك الفارس الذي يمتطي جواده ويخلصه من الكابوس الذي يعيشه – كيف ومتى ؟؟.

ذلك سؤول لا يجد له الشارع الاسلامي جواباً ولكنه بدلاً عن ذلك يعيش في حالة من أحلام اليقظة يسترجع فيها بعض ذكريات الانتصارات الاسلامية قبل عدة قرون . يذكر أسماء سجلت في ذلك الزمن الماضي صفحات مازال يفخر بها حتي اليوم ولسان حاله يقول وا معتصماه  – أين صلاح الدين – أين سيف الله المسلول – أين كل من عبر وأبحر لنشر الرسالة – أين كل من قال كلمة حق في وجه سلطان جائر ؟؟؟. أنه الحلم القديم يتجدد ولكن في الذاكرة فقط – والمطلوب العمل من اجل التغيير والإيمان بحتمية زوال الفساد والطغيان إذا كان للحضارة الاسلامية أن تعود وتكون رقماً في المعادلة الدولية ( للتعايش أو الصراع ) لا بد أن تبدأ بوحدة الصف وتوحيد الخطاب الاسلامي وتخليص المسلمين من الشوائب التي علقت به وأبراز الرسالة بوجهها الإنساني والحضاري بداية باحترام حقوق الناس وانتهاء بروح التعايش مع الأخرين .

أين هي الرسالة في حياة الدول الاسلامية اليوم وممارسات القوى الاسلامية .

القرأن الكريم يقول .

. وأمرهم شورى بينهم.

. أدعو إلي ربك بالحكمة والموعظة الحسنة

.لا أكراه في الدين

. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .

. والحديث الشريف يقول ، الناس سواسية كا سنان المشط .

 لا فضل لعربي علي أعجمي الا بالتقوى ، أين تلك القيم السامية ؟ أنها الوقود الذي يمكن أن يقارع به المسلمون الحضارات الأخرى ، أن أمة تنسى رسالتها أو تجهلها أو تتجاهلها ليست جديرة بأن تنافس الأخرين الذين لهم رسالاتهم أيضاً . أن الأوضاع التي تعيش فيها الحكومات الاسلامية لا تسمح لها ولا تؤهلها للقيام بدور المبادرة والتصدي إنها حكومات مقيدة عاجزة همها الأول الحفاظ علي الكراسي والامتيازات ولكن الشارع الاسلامي – من خلال منظماته وعلمائه ومفكريه ودعاته يستطيع أن يأخذ المبادرة ويتحرك – مؤتمر المنامة ( البحرين ) الأخير خطوة في هذا الاتجاه – وحتى الحكومات الاسلامية تستطيع أن تستفيد من ذلك ليس من أجل تخفيف الضغوط العربية عليها فحسب بل ومن أجل مقارعة الأخرين بنفس الحجة ، حيث يمكنها أن تقول لهم . أنها حرية التعبير والمواطن من حقه أن يعبر عن رأيه !! أم ياترى انهم قبل الغرب – يضيقون بذلك ؟ ولكن لا بديل غير الاستمرار في هذا النهج فالحكومات ذائلة ولكن الرسالة باقية وهي مسئولية الجميع .

  ======

 
 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6902

نشرت بواسطة في مارس 16 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010