صـدق الاٍبـن البـار … فالحـاج آدم إدريس نـور حقـا كان أبـا للجميـع

حقـا كان الحـاج آدم أبـا للشـباب وأخـا للشيوخ وصـديقـا ونصيـرا لمـن لا صـديق له أو نصـيـر، وجـاءت سـيـرته الأولى أيضا هـكـذا، فمنـذ صبـاه وشـبابه الأول كان شـخصـا مسـئولا على مسـتوى أسرته الممتـدة ومعـارفه الكثـر، تعـرفـت على الشـيـخ آدم في مـديـنة كـرن حينمـا كـنت تلميـذا بالمـرحـلة المتوسـطة، وكان الـرجـل حينـذاك نحـلة المـدينة وأحـد عناوينهـا البارزة ومحركي أدواتهـا الاٍجتماعية والفـنية التي تسـعى لحـل مختـلف القضايـا، كان كالكشـكول المدرسي الذي يحتـوى على مختـلف رؤوس مواضـيـع كافة المـواد، كان أحـد القائمـين على تنظيـم حلقـات الـذكـر والمولـد النبوي الشـريف في المـدينة، مـن مشجعي فـريـق المرغنى الكـرنى، أحـد أهـم الواجهـات الشـبابية بالمـدينة، وعلمـت انه كان عضـوا بارزا في رابـطة شـباب الـرابـطة الإسلامية الناشـطـين في العمـل الاجتماعي والسياسي، وفيمـا بعـد الكتـلة الاسـتقـلالية وأحـد الشـباب الذي كان محيطـا بالـزعيـم الوطني الـراحـل إبراهيم سـلطان علي، وفى مطلـع الخمسـينيـات كان عضـوا في لجـنة الشـباب المسـئول عـن رعـاية مسـاجـد المـدينة، عضـوا في اللجـنة الشـعبية المضـطلعة بمهـام مسـاعـدة الأيتـام والمعسـريـن وبنـاء منازل مـن يعـانون مـن الخبــل/ المـس، والجـديـر بالـذكـر إن تـلك اللجنـة كان يـرأسـهـا الشـيـخ محمـد شـنقب، عضـوا في مجمـوعة شـباب الحي ( ربعـت)، وفـوق هـذا وذاك كان مضـيافـا يقصـده مـن لا مضـيف له أو معـارف بالمـدينة، بـل كان ولي أمـر لعـدد مـن الطـلاب الغـربـاء وكان يشـاركه في هـذه المهـمة الأستاذ/ عثمـان عمـر عمـران شـفاه الله ومـد في أيـامه وهـو أحـد أسـاتذة الجيـل الـذيـن نكـن لهـم الـود والاحتـرام والتبجيـل.

 وبعـد لجـوءه السياسي في مصـر الكنـانة أصبـح الشـيـخ آدم الوالـد الحنـون لـكافة الطـلاب الإرتريين، يسـاعـد هـذا المحتـاج ويمارض ذاك العليـل ويواسى الآخـر المكلوم، يبحـث مـدرسـة للثالـث وينصـح مـن يهمـل على مواصـلة دراسـته، يجهـز سـتـر مـن يتوفـاه الله وعينـاه تـدمعـان ولسـانه يـردد القـرءان وسيلا مـن كلمـات التـرحـم على روح المتوفى، وقـد يجمـع حاجياته ويـدفـع ديـونه ويتصـل بذويه أينمـا كانـوا.

كان ود أسـبـر كتـلة مـن النشـاط وبحـرا سـخيـا فياضـا يهـب العاطفة والنصـح والمـال لمـن يحتاجهـم مـن غيـر مـن أو تشـهيـر أو مقابـل، والشـهامة وحـب الخيـر عنـده عـلاماته التي يسـتـدل بهـا مـن يقصـده، فكـم مـن مـريض أسـتـدل إلى الطـبيب المعالـج بمشـورته وكـم مـن عليـل شـفي على يـديه، وكـم مـن ملهـوف شـبـع وأطمـئن في داره وتحـت رعايته، وكـم مـن وحيـد عـدد كثـر معـارفه واتسـعت دائـرة عـلاقاته الاٍجتماعية بفضـل الفـارس الـراحـل ود أسـبـر، وان كان هنـاك مـن شـاركه في هـذه المهـام التطوعية وتـلك الصفـات الحميـدة أبـان تواجـده في مصـر العـروبة عبـر الثـلاث عقـود التي سـبقـت رحيـله، فهـو الـرجـل الشـهـم الأستاذ/ سـليمـان آدم سـليمـان متعـه الله بالصـحة والعافيـة، فهـو الآخـر كان ومازال فارسـا لا يشـق له غبـار، وكريمـا يماثـل الطائي في يـده الممـدودة دومـا، ووجهه البشـوش الذي يـزيـل الحـرج ويـرفـع الكـلفة مـن نفـس مـن يأتيه طالبـا المسـاعـدة والعـون.

 كان الفـارس ود أسـبـر أبان تواجـده في الوطـن معـروفـا لـدى أغلـب سـكان المـديـريـات الشـرقية والغـربية ولـدى أغلـب المهتمـين بالعمـل الـوطني، وفى الغـربة والمهجـر كان معـروفـا لـدى كافة الإرتريين الـذيـن استقروا أو مـروا بقاهـرة المعـز لـديـن الله الفاطمي، وكان داره نـزلا لمـن لا مضـيف لـه فيهـا، وفى هـذه العجـالة يسـرنـا إن نحاول إبراز بعـض خصائـص تـلك الشـخصـية الحبيبة لمـن لـم يسـعـد بمعـرفتهـا، هـذا إذا مـا تمكنـا مـن جمـع أطـراف بعض ذكـريـات الأمـس القـريب، وذلك مـن خـلال سـرد جـزء يسـيـر مـن مـواقفه الإنسانية الفـريـدة، فقـد أتسـم الـرجـل بالشـهامة والمـروءة ودمـاثة الخـلق، وعبـر سـنوات عمـره السياسي والاٍجتماعى المـديـد لـم تتأثـر عـلاقاته الاٍجتماعية يومـا بمواقفه أو مواقعه التنـظيـمية وبصـرف النظـر عـن ردود أفعـال الأطـراف الأخرى، واليـكم بعض النمـاذج والمـواقف الاٍجتماعية التي تنـم عـن سـمـو شـخصيته التي جمعـت مابـين ممارسـة السـياسـة واٍتسـاع مسـاحة التواصـل الاجتماعي دونمـا حـدوث تعـارض أو مخـاوف بينهما:

في منتـصف ثمانينيـات القـرن المنصـرم عنـدمـا كان الشـيـخ آدم عضـوا بالتنـظيم الموحـد، علـم بخـلاف كان أحـد إطرافه مـالك شـقة مسـتأجـرة وكان الطـرف الأخـر أسرة احـد المناضـلـين غيـر المنضـويـن تحـت لـواء التنـظيم الموحـد، وذلك نتـيجة لضـائقة مـالية كانـت تمـر بهـا الأسرة، فسـعى ود أسـبـر لحـل الخـلاف دون إن يسـتعـيـن بأي مـن الإرتريين حـفاظـا      على كـرامة الأسرة والبعـد عـن التـدخـل في خصوصياتهـا، ومـن فـوره أسـتأجـر لهـم شـقة بـديـلة وقـام بسـداد إيجار مقـدم لتغطـية السـتة أشـهـر الأولى كمـا تقـضى نصـوص عقـد الإيجار، وذلك مـن حـر مالـه الخـاص، ولأن جماهيـر التنظيمـات المتناحـرة كانـت آنـذاك تـرصـد عيـوب وأخطـاء بعضهـا البعـض، أشـاع الطـلاب المنضـوون تحـت لـواء الموحـد أن أسـرة المناضـل ( س ) قـد تمكـنت مـن شـراء شـقة فاخـرة في أرقى شـوارع المـدينة، ولـم ينسـوا تحـديـد اسـم السـمسـار وقيـمة الشـقة وعـدد غـرفهـا وأثاثهـا الفاخـر الذي ينـدر وجـود مثيـله في الشـقق التي يقطنهـا الإرتريـون، وفى يـوم مـن الأيـام ردد بعـض الطـلاب تـلك الفـرية الظالـمة على مسـمـع مـن الشـيـخ آدم وبحضـور كاتـب هـذه السـطـور الذي كان يعـلم سـلفـا حقيـقة الشـقة المـزعـومة، فسـمـع منهم الشـيـخ مبـديـا اٍهتمـامـا بالغـا ولـم يعـلق على الخبـر، ولكـنه حـرص على هـز رأسـه كعـادته دائمـا حينمـا لا يـريـد المشـاركة في حـديـث مـا، وبعـد ذهـابهم قـال لي ضاحـكا لـو كـنت تجهـل الحقيـقة طبعـا كـنت سـتصـدق ما سمعنـا مـن الشـباب..؟ وأردف قائـلا لا تنفى حـدوث ذلك، لأنني كـنت سـأصـدقهـا لـو لـم أكـن أنـا مـن أسـتأجـرهـا ودفـع قيمة إيجارهـا، لأن حبكة القصـة لـم تتـرك مجالا للاٍجتهـاد أو التشـكيـك في الـرواية، عنـدئـذ قلـت له لمـاذا لـم تخبـرهم بالحقيـقية، فضـحك مقهقهـا وقـال، لـم أفعـل لأنني اعـلم سـلفـا أنهم سـيأتـون عنـدئـذ بحبـكة جـديـدة يؤكـدون مـن خـلالهـا صـحة الأولى مضافـا إليهـا خبـرا آخـر ربمـا الاٍدعـاء بأنني شـريـك مـع رب الأسرة في ملـكية الشـقة المـزعـومة أو شـريكه في المـواقف السـياسـية والتنظيمية، وربمـا عميـلا مـزدوجـا يحتـرف التخفي والانقضاض عـن بعـد، وظـلـت تـلك الأكذوبة صـامـدة في أذهـان البعـض على اٍعتبارهـا حقيـقة على مـدى عـام كامـل حتى رحلـت الأسرة لشـقة أخرى.

 

 ومـوقف آخـر حـدثـت فصـوله عنـدمـا لجـأ إليه مجمـوعة مـن الطـلاب الـذيـن قـدمـوا حـديثـا مـن السـودان، وكانـوا في طـريقهم إلى ليبيـا لمواصـلة دراسـتهم هنـاك، ومنـذ وصـولهم إلى مـدينة القاهـرة علمـوا أن المنـح الـدراسـية المقـدمة مـن ليبيـا هي حصـرا على الطـلاب الـذيـن يحملـون رسـائـل تـزكية مـن مكاتـب قوات التحـريـر الشـعبية وهـذا ما لم ينطـبق عليهم، عنـدئـذ تبـددت آمالهم وتناثـرت أحـلامهم وضـاقـت بهم الأرض على وسـعهـا، وعنـد غـروب الشـمس همـوا باٍيجـاد مـكان يقصـدونه للمـبيت ولم يجـدوا إلا نـادى الطـلاب الإرتريين الكائـن بشـارع شـريف، وهنـاك نصحهم المـرحـوم عبـود المصـرى مسـئول بوفيه الاٍتحـاد أن يقابلـوا الشـيـخ آدم إدريس نـور في المقهى الذي كان يحمـل اسمه ( قهـوة آدم إدريس نـور) وبالعـدم في عنوان سـكنه السـابق الكائـن ب 10 شـارع الجمهـورية بحي عابـديـن أو عنـوانه الجـديـد بحي السـيـدة زيـنب، وفعـلا تحـركـوا لتنفيـذ نصيـحة عبـود المصري، وبعـد مـرور ثـلاث أيـام كان الشـباب الخمـسـة في طـريقهم إلى ليبيـا وفى حوزة كل منهم خطـاب تـزكية ومائة دولار امـريكى لتغطـية مصـاريف الطـريق، وبعـد أيـام قـلائـل أطلـق البعـض المـريض دعـاية مغـرضة ضـد الشـيـخ آدم بمـا يفيـد انه تعـاون مـع طـلاب تابعـيـن لتنظيـم آخـر لأسـباب قبلـية وانه بـدد أمـوال التنظيـم ومـلك مسـتنـداته لجهـات أجـنبية !!، وعنـد مـرور المناضـل عثمـان صـالح سـبى بالقاهـرة عـرضـت عليه القضـية بواسـطة رئيـس المكـتب آنـذاك، وتـزامـن ذلك مـع ورود رسـالة مـن المناضـل بـرج الذي كان مسـئولا عـن مكـتب التنظيـم بليبيـا، وكانـت الـرسـالة تثـمن تصـرف الشـيـخ آدم الذي مكـن أولئك الطـلاب مـن اللحـاق بالـدراسـة قبـل انتهـاء فتـرة القبـول، وكان المناضـل سـبى على عـلم بوصـول الطـلاب إلى ليبيـا وربمـا كان يعـرف بعضـهم كمـا كان يعـرف عـدم اٍنتمائهم لتنظيـم قـوات التحـريـر الشـعبية وأيضا عـدم صـحة قـرابتهم للشـيـخ آدم، عليه ظـل مسـدلا السـتار على القضـية رغـم إلحاح رئيـس المكـتب بضـرورة مسـائلة الشـيـخ آدم، وظـل المناضـل عثمـان سـبى صـامتـا حتى سـنحـت له فـرصـة لقـاء تعبوي مـع الطـلاب في دار الاٍتحـاد، ومـن خـلال حـديثه حـول شـئون الطـلاب ومشـاكلهم تطـرق إلى الموضـوع واخبـرهم بأنه على عـلم بالإشاعات المغـرضة والاٍتهامـات الباطـلة التي حـاول البعـض إلصاقها بشـخص العـم آدم الذي أشـتهـر بسـمو الأخـلاق ونقـاء القلـب والسـريـرة ونظـافة اليـد، وأكـد لهم إن الشـيـخ آدم هـو المسـئول الوحيـد الذي اعتـرف باٍرتـرية أولئك الطـلاب حينمـا تنكـر لهم باقي أعضاء المـكـتب، فهـو فعـلا قـريبهم، وأضـاف قائـلا وقـد لا تعلمـون إن الشـيـخ آدم هـو قـريب لـكافة شـعـوب القـرن الافـريقى، وأشـاد بتصـرفه المسـئول الذي أنصـف الطـلاب على أثـر تنكـر البعـض الآخـر لهـم، ولأنه كان رحـمه الله رجـلا منظمـا أخـرج مفكـرته الخـاصـة ومـن صـفحاتهـا قـرأ عليهم أسـماء الطـلاب الخمـسـة مـؤكـدا لهم انتفـاء أية عـلاقـة قبلـية أو إقليمية تـربطهم بالشـيخ آدم، وختـم حـديثه بالثنـاء عليه مثمنـا تصـرفه الحميـد ومعـددا أفضـاله ومسـاحـات جهـده النبيـل ومشـيـرا إلى تعـدد بصـماته المطبوعة في مختـلف المواقـع والاٍتجاهـات السـياسـية والتنظيـمية والجغـرافية.

 

هـذا بعض مـا تميـز به الشـيـخ آدم ود أسـبـر، ولا شـك إن صـدور معارفه الكثـر تحـوى عـدد آخـر مـن القصـص والمـواقف النبـيلة التي تؤكـد تفـرد ذلك الشـيـخ الذي مضـى بجسـده لتبقى ذكـراه الطـيبة العطـرة حـية في أذهـان معـارفه مـن الشـيوخ والشـباب على مختـلف قبائلهم واٍنتماءاتهم التنظيـمية، عقائـدهم، ألسنتهم ومواقعهم الجغـرافية في الوطـن الارتـرى، وأحسـب إن ذكـراه سـتظـل هـكـذا طالمـا ظـل هنـاك بقايـا مـن معارفه على وجه المعمـورة.

 

 رحـم الله الـراحـل المقيـم الحـاج آدم إدريس نـور محمـود ود أسـبـر، وبـارك الله في أبناءه وفى مقـدمتهم ابنه الشـاب العـفيف ( عثمـان آدم إدريس نـور) الذي قـدم إلى القاهـرة مؤخـرا، وهـو الاٍبـن الوحيـد لـذلك الـرجـل الكـريـم الذي نعـرفه منـذ صبانـا وشـبابنـا، وكان الأجـدر بنـا جميعـا مسـاعـدته لتنفيـذ ما يصبـو إليه، فهـو في الأول والآخـر ابـن ذلك الـرجـل الذي أطعـم وأجـار ورعى أبناء مئـات الإرتريين، وبـارك الله في اٍبـن أخيه الشـاب محمـود محمـد أحمـد الذي تـرحم على روح عمه الـراحـل المقيـم مثنيـا عليه ومعـددا فضائـله وعـلاقاته الممتـدة إلى مختـلف الأسر والفخوذ والقبائـل الإرترية مـن خـلال إحياء ذكـرى رحيـله التي تصـادف الأول مـن شـهـر رمضـان المعـظم مـن كل عـام، وفى النهـاية لابـد لي إن أشيد بصـدق ووفـاء الشـاب محمـود الذي وضـح انه اٍبن بار لأبويه وأسرته الممتـدة مـن خـلال هـذا الصنيـع الحسـن، أمـا عـلاقة الـراحـل بشخصي فقـد بـدأت عـلاقة الوالـد بولـده وفيمـا بعـد تحولـت إلى عـلاقة الصـديق بصـديق عمـره بالـرغـم مـن فـارق السـن والتجـربة بيننـا، وكانـت كـفته دائمـا هي الـراجحة لأنني تتلمـذت عليه وتعلمـت منه الكثيـر مـن المسـائـل التاريخـية والجغـرافية والاٍجتماعية وسـأظـل مـدينـا لـه بالكثيـر الذي لا يحصى، وأتمـنى أن أكون عنـد حسـن ظـن الجميـع ووفيـا له ولـكل الـذيـن تربطني بهم عـلاقات إنسانية نقـية، وكل عـام والجميـع بخيـر.

 

أبـو اٍيهــــــــــاب ـ لنـدن الممـلكة المتحـدة

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8164

نشرت بواسطة في أكتوبر 12 2006 في صفحة شخصيات تاريخية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010