صفحات من التاريخ العلمي لأرتريا!

 

بقلم: إسماعيل إبراهيم المختار

رحل في خلال الأشهر القريبة الماضية علمان من أعلام أرتريا الأزهريين، وهما سماحة الشيخ الأمين عثمان –مفتي أرتريا-، وفضيلة الشيخ إبراهيم ديني –داعية مبتعث إلى أوغندا وكينيا-. وبرحيل هذين العلمين أسدل الستار -أو كاد يسدل- على حقبة علمية مباركة، تركت أثارها النيرة في ربوع أرتريا، وفي عقول أجيالها الفتية. وبما أنني كنت من ذلك الجيل الذي تربى على موائد هؤلاء العلماء، وتحقيقا لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) ” لا يشكر الله من لا يشكر الناس “، رأيت أن أسطر هذه الكلمات للتنويه بدور هؤلاء الأعلام، والإشارة إلى آثارهم المباركة. وهذا المقال مبني على تجربتي التعليمية المبكرة في أرتريا، وأسمرة بالأخص؛ وعلى قراءات سريعة، وليس على دراسة ميدانية واسعة،  وهي مساهمة متواضعة يراد منها الإشارة لا الحصر.

لا أكون مبالغا إن قلت أن أرتريا في تاريخها لم تشهد زخما علميا مثلما شهدته في الفترة الواقعة مابين 1940م إلى 1975م. ولا أكون مبالغا أيضا إن قلت أن كثيرا من الدول الأفريقية المسلمة لم يتوفر لها من العلماء والأساتذة مثلما توفر لأرتريا في تلك الفترة. ورغم مضي ألأيام، فإنني لا زلت أتذكر ما لايقل عن 30 عالما أرتريا، أزهريا، كانوا في فترات متقاربة، أكثرهم يقطن في مدينة أسمرة[i].

والرحلة في طلب العلم لها جذورها البعيدة في أرتريا، وفي السابق كانت تتجه نحو اليمن، والحجاز، والسودان، وبعض الأحيان إلى الحبشة. ومن أبعد الرحلات العلمية المدونة كانت رحلة العلامة الشيخ محمد صالح الأبريعاوي (توفي عام 1940) إلى جامعة ديوبند في الهند (*). وفي بداية فترة العشرينيات من القرن المنصرم ظهرت رغبة ملحة عند جمهور من الشباب الأرتري للإتجاه نحو مصر للإلتحاق بالأزهر لتلقي العلم. وكان أغلب هؤلاء الشباب من الأرياف، والمرتفعات، ولعل تحسن سبل المواصلات في العصر الإيطالي كان عاملا مساعدا. وكان خط سيرهم يتجه من البادية إلى السودان، ومن السودان إلى مصر، ثم الأزهر الشريف.

هذه الكوكبة من طلاب وخريجي الأزهر يمكن تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة رواق الجبرتة (*)، ومجموعة مدينة البعوث الإسلامية. المجموعة الأولى أدركت سكنى رواق الجبرتة الذي كان مخصصا لطلبة العلم القادمين من شرق أفريقيا، وهو رواق قديم لا تتوفر فيه المرافق الحديثة. المجموعة الثانية أدركت سكنى مدينة البعوث الإسلامية التي إنشأت بعد الثورة المصرية لسكنى الطلبة الوافدين. وكانت مجمعا سكنيا تتوفر فيه المرافق الحديثة.

من أوائل دفعات مجموعة رواق الجبرتة كان ثلة من العلماء الذين عادوا إلى أرتريا في العصر الإيطالي، وتولوا مهام كبيرة في أرتريا، منهم:

1 – القاضي علي عمر عثمان (*): تولى القضاء في مدن كثيرة، من مؤسسي حزب الرابطة الإسلامية، وعضو البرلمان الأرتري. عاد إلى أرتريا عام 1938، وتوفي في عام 1969

2 – سماحة المفتي الشيخ إبراهيم المختار (*): تولى مسؤولية دار الإفتاء، والقضاء، والأوقاف وغيرها. عاد إلى أرتريا عام 1940، وتوفي عام 1969

3 – القاضي إدريس حسين سليمان (*): تولى مشيخة المعهد الإسلامي، ورئاسة محكمة الإستئنافات الشرعية بأسمرة. عاد إلى أرتريا عام 1944، وتوفي في أواسط السبعينيات.

4 – الشيخ سليمان الدين احمد (*): أول مدير لمدرسة حرقيقوا الإسلامية، وعضو المحكمة العليا. عاد إلى أرتريا عام 1940، وتوفي في أواواخر السبعينيات.

تتالت الأفواج بعد الرعيل الأول، والفضل في ذلك يعود لظهور المؤسسات الإسلامية في أرتريا وانتظامها، وحاجة هذه المؤسسات إلى العلماء، وقيام الأزهر بتغطية مرتبات من التحق منهم بسلك التعليم. وقد بدأ الأزهر بإرسال العلماء المصريين في مبدأ الأمر (*)، وقد أدركت واحدا منهم، وهو الشيخ محمد الدمرداش (*) –شيخ المعهد الإسلامي بأسمرة- وقد سبقه من قبل العشرات منهم؛ ومع توفر العلماء الأرتريين المتخرجين من الأزهر، وتغير الظرف السياسي في أرتريا، تمت الإستعاضة عنهم بالعلماء الأرتريين، وقد استمر الأزهر في دفع مرتبات هؤلاء العلماء الملتحقين بالمعهد إلى أخر من تبقى منهم.

هذه الكوكبة المباركة من العلماء توزعت أدوارها في مجالات مختلفة، منها:

– التدريس: وأكثرهم كان يدرس في المعهد الإسلامي، ومدرسة الجالية العربية بأسمرة. وأسس أحدهم، وهو الأستاذ بشير[ii]، مدرسة الضياء بحي “أكريا” بأسمرة.

– القضاء: وقد تولى الكثير منهم قضاء المدن الأرترية المختلفة، وعمل بعضهم في محكمة الإستئنافات الشرعية العليا.

– الوعظ والإرشاد: وقد كان عدد منهم يقوم تطوعا بالوعظ والإرشاد، ويقيم الحلقات العلمية في كافة العلوم الشرعية، وكانوا منارات زاهرة في الجوامع والمساجد.

– الخطابة: تولى عدد منهم منصب خطابة الجمعة، فكانوا نعم الخطباء، من حيث المحتوى العلمي، وفصاحة اللسان العربي.

– الإفتاء: وقد تولى هذا المنصب سماحة الشيخ إبراهيم المختار، وسماحة الشيخ الأمين عثمان.

 

ولعلي أذكر هنا بعضا ممن درست وتلقيت عليهم العلم – بالإضافة إلى سماحة الوالد – في دروس مدرسة المعهد الإسلامية، وفي حلقات المساجد، وخطب الجمعة. في مدرسة المعهد درست مبادئ العلوم الشرعية، ومبادئ علوم اللغة العربية على عدد من المدرسين، (انظر قائمة الأسماء في أسفل المقال)، وجلهم كانوا من علماء الأزهر.

في دروس الجامع حضرت درس التفسير الذي كان يلقيه كل يوم أحد بعد صلاة العصر العلامة المفسر الشيخ عبدالله حسن[iii]، الذي ظل مواظبا على درس التفسير لما يزيد على ربع قرن-حتى في أحلك الأيام في أسمرة- وقد تلقيت منه تفسير سور الحواميم السبع. وحضرت كذلك دروس الشيخ محمود (الذي اشتهر بمحمود شلتوت) في العقيدة، وبالأخص في البدعة، وتعريفاتها، ومجالاتها. وحضرت مواعظ الأستاذ أنور[iv] في جامع الخلفاء – وكان يلقي دروسه بالعربية والتيجرينية- ، وكذلك الشيخ أحمد (الذي اشتهر بأحمد سنة) الذي كان أيضا يحاضر باللغتين.

ومن أكثر من استمعت إلى خطبهم المميزة الشيخ أحمد محمد[v]، في جامع عمر ابن عبد العزيز بحي “جزابندا” بأسمرة؛ والقاضي عثمان صالح عمر، خطيب جامع الخلفاء الراشدين. وممن عرف بقول الشعر، وفصاحة العبارة، وحسن السمت الأستاذ عبد القادر إبراهيم[vi]، الذي كان زينة جامع أسمرة، والمقدم في مناسباتها. والبعض من هؤلاء الأعلام كانت له حلقات، ودروس علمية خاصة، تقام في المنازل، استفاد منها الكثير. وقد حضرت بعضا من هذه الحلقات العلمية، منها الحلقة المنزلية للأستاذ عبدالقادر إبراهيم. وكان البعض من هؤلاء العلماء يقوم برحلات علمية إلى البوادي، والأرياف، لتعليم الناس وتوعيتهم.

هذا غيض من فيض، فما من هؤلاء الأعلام إلا وكان له دور –ما بين مقل ومكثر- في محاضرات عامة، ومناسبات خاصة، ومواسم رمضان، والمناسبات الإسلامية العامة. وكان هؤلاء العلماء، بعمائمهم الازهرية، وبطلعاتهم المباركة، درة في جبين اسمرة؛ أحيوا المساجد، وعمروا المدارس، وأعادوا للقضاء مكانته، وللعربية رونقها، وللعلوم الشرعية بهائها، وللمنبر تألقه. عمروا مكتبة المعهد الإسلامي الزاخرة بكتبهم التي تبرعوا بها (*)، والتي نهل منها جيلنا علوم العربية، والثقافة الإسلامية، وهي لاتزال باقية إلى يومنا هذا صرحا علميا مميزا، يرجع إليه العلماء والدارسون.

تعاملوا مع العوام باللطف والحكمة، فصححوا لها مفاهيمها بحنكة وروية، بعيدا عن التجريح، والتبديع، وإثارة الفتن. عرفوا عرف مجتمعهم –وقد نشأوا في جنباته- فتعاملوا مع واقعهم تعاملا يتناسب معه، دون إجترار أعراف مجتمعاتهم التي درسوا فيها، فكانوا بذلك علماء، حكماء، عقلاء.

وكان من الممكن أن يتسع عطاء هذه الكوكبة من أهل العلم لولا ما فرض عليها من تضييق وحصار. فقد اعتقلت السلطات عددا منهم لفترات متراوحة (*)، واستجوبت أخرين، وطردت بعضهم من الوظائف القضائية، وأجبرت الشيخ الدمرداش المصري على مغادرة البلاد. وقد اضطر البعض منهم لمغادرة البلاد مبكرا، كالشيخ موسى أرحو -المدرس بالجالية العربية-. ومن العلماء الذين تم إعتقالهم لمرات عديدة وتم التنكيل بهم، فضيلة الشيخ صالح حامد (*)، مدير مدرسة الجالية العربية، وخطيب جامع عبد القادر الجيلاني بأسمرة. وقد اعتقل للمرة الأخيرة في أيام منجستوا في اواسط السبعينيات، وتم تصفيته في السجون السرية، دون أن يعثر له على أثر بعدها.

بعد اشتداد المعارك حول أسمرة في عام 1975م، واشتداد وطأة نظام منجستوا، غادر الكثير ممن بقي من هذه الكوكبة العلمية إلى السودان، فاحتضنهم جهاز التعليم الأرتري، التابع لقوات التحرير الشعبية –الذي كان يرأسه الأستاذ محمود سبى-، فقاموا بمهام التدريس في معسكرات اللاجئين ومدن السودان، ونشر العلوم بين أهلها. وبعد رحيل هؤلاء العلماء من أسمرة، وتتابع وفيات من بقي منهم، أقفرت أسمرة من أهل العلم، وترهلت المؤسسات التعليمية الإسلامية.

ومع بداية السبعينيات بدأت الوجهة لطلب العلم تتجه إلى السعودية بدلا من مصر، وقد التحق عدد من الشباب الأرتري بجامعات المدينة، وأم القرى، وجامعة الإمام محمد بن سعود. ومع تغير الظرف السياسي في أرتريا، فإن عودة خريجي الجامعات الإسلامية إلى أرتريا تقلصت تقلصا كبيرا، ولم يعد منهم إلا القليل.

وفيما يلي قائمة بأسماء بعض من عاصرتهم –بالإضافة إلى الأربعة الذين ذكرتهم سابقا-، وكلهم من حملة الشهادة العالمية من الأزهر، والبعض منهم من حملة الماجستير، أو تخصصات مابعد التخرج. والقليل من هؤلاء كانوا من خريجي دار العلوم (جامعة القاهرة لاحقا)، والقليل منهم التحق بالأزهر، ولكنه لم يتم دراسته فيها.

 

1- الشيخ الأمين عثمان، قاضي بمحكمة الإستئنافات الشرعية، وخطيب جامع خالد ابن الوليد بحي “مادشتوا” في أسمرة، والمفتي الثاني لأرتريا.

2- الشيخ محمد سراج أحمد، مديرمدرسة المعهد الإسلامي، وسكرتير جبهة العلماء الأرترية (*).

3-الشيخ أحمد محمد، المدرس بمدرسة المعهد الإسلامي، وخطيب جامع عمر ابن عبدالعزيز.

4- الشيخ صالح حامد، مديرمدرسة الجالية العربية، وخطيب جامع عبدالقادر الجيلاني.

5- الأستاذ عبد القادر ابراهيم، المدرس بمدرسة الجالية العربية.

6- الشيخ علي ياسين، المدرس بمدرسة المعهد الإسلامي.

7- الشيخ إبراهيم ديني ، مدرس بالجالية العربية، ومدرس في معسكرات اللاجئين، وداعية منتدب من قبل رابطة العالم الإسلامي إلى أوغندا و كينيا.

8- الشيخ أحمد محمد درسا، المدرس بمدرسة الجالية العربية.

9- الشيخ أدم محمد علي الهرري، المدرس بمدرسة المعهد الإسلامي.

10 – الشيخ محمود محمد موسى، المدرس بمدرسة الجالية العربية، ومدرس بمعسكرات اللاجئين.

11- الشيخ موسى أراحوا، المدرس بمدرسة الجالية العربية، ومدرس بمعسكرات اللاجئين.

12- الشيخ أحمد … –المشهور بأحمد سنة-، المدرس بمدرسة المعهد الإسلامي.

13- الشيخ محمود أحمد عمر، المدرس بمدرسة المعهد الإسلامي[vii].

14- الشيخ محمود –شلتوت-، المدرس بمدرسة المعهد الإسلامي.[viii]

15- الشيخ عبد الله محمد حسن، المدرس بمدرسة المعهد الإسلامي.

16- الأستاذ أنور…، المدرس بمدرسة المعهد الإسلامي.

17- الأستاذ محمد علي، مدير المكتبة الإسلامية، ومدرس بمدرسة الجالية العربية، ومدرس بمعسكرات اللاجئين.

18- الأستاذ اسماعيل …، المدرس بمدرسة الجالية العربية، ومدرس بمعسكرات اللاجئين.

19- الشيخ صالح عمر احمد، المدرس بمدرسة المعهد الإسلامي.

20- الأستاذ محمود عمر، المدرس بمدرسة المعهد الإسلامي.

21- القاضي عثمان صالح عمر، قاضي أسمرة، وخطيب جامع الخلفاء.

22- القاضي يوسف، قاضي دقي أمحرى وغيرها.

23- الأستاذ محمد بشير، مؤسس ومدير مدرسة الضياء.

24- الأستاذ محمد نعمان، المدرس بمدرسة الجالية العربية، ومدرس بمعسكرات اللاجئين.

25- الأستاذ سليمان عبد القادر، مدرس بمدرسة الجالية العربية، ومدير مدرسة الجالية العربية في أديس أبابا.

26- الشيخ إدريس خيرى، المدرس بمدرسة المعهد الإسلامي (متعه الله بالصحة وبارك في عمره)

27- الأستاذ نافع تشيواي، المدرس بمدرسة الجالية العربية، ومقيم في أمريكا (متعه الله بالصحة والعافية وبارك في عمره)

وهناك خمسة أخرون لا أذكر إسمائهم كانوا ضمن هذه المجموعة، وبعضهم لا أتذكر إلا إسمهم الأول أو الأخير.

 

هؤلاء هم أساتذة، وأعلام جيلنا، أسطر هذه الكلمات عرفانا لفضلهم، وتقديرا لجهودهم، وقديما قال شوقي:

قم للمعلم وفه التبجيلا ** كاد المعلم ان يكون رسولا!

رحلوا عن دنيانا، ولكن أثارهم لاتزال باقية في أجيال ربوها، وعلوم نشروها، ومفاهيم صححوها، وسنن خير أحيوها، وأثارا علمية تركوها، فجزاهم الله عنا كل خير، وجعل الجنة مأواهم ومستقرهم!

تنويه: هناك علماء أخرون لم أذكرهم إما لعدم معاصرتي لهم، أو عدم إلتقائي بهم، واكتفيت هنا بمن عرفتهم، وبمن درس وتخرج في الجامعات الإسلامية.


 

[i] تراجم البعض منهم وما يتعلق بهم مذكور في موقع سماحة المفتي الشيخ المختار، وسأرمز لكل من ورد ذكره في الموقع بإشارة (*)

http://mukhtar.ca

[ii] http://www.adoulis.net/entry.php?id=2332

[iii] تخرج من الجامعة الأزهرية وعاد إلى أرتريا في بداية السبعينيات وتوفي عام 2011م

[iv] تخرج من الأزهر وعاد إلى أرتريا في بداية السبعينيات، وكان كفيف البصر، وكثير الفكاهة، وشيق الحديث

[v] https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1498878236864026&id=100799116671952v

[vi] [vi] Mukhtar.ca توفي في أوائل السبعينيات في سن مبكرة،  وله قصيدة رائعة في رثاء سماحة المفتي منشورة في موقع

[vii] تخرج من الأزهر وعاد إلى أرتريا في بداية السبعينيات وتوفي في أواسط الثمانينيات وهو الأخ الأصغر للمفتي الشيخ المختار

[viii] تخرج من الأزهر وعاد إلى أرتريا في بداية السبعينيات، وكانت له دروس متواصلة في جامع الخلفاء

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=42198

نشرت بواسطة في أكتوبر 26 2017 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010