!.. صمت “الجزيرة ” الغراء ومأساوية الحب من طرف واحد

أبوبكر سليمان إدريس

abukito@hotmail.com

قبل أيام مضت وصلتني دعوة عامة عبربريدي الإلكتروني لتوجيه رسائل إحتجاج إلى aljazira” فضائية الجزيرة الغراء”  بخصوص تجاهلها التام لأوضاع الشعب الإريتري في الداخل، والمآسي التي يتعرض لها في الخارج .. دعوة تثير – في الحقيقة – الكثير من الأسى والتحسر.. ومرد ذلك إن الإنسان الإرتري كان ولم يزل في طليعة المستبشرين بوجود فضائية عربية، فاقت في ميلادها عشرات بيوت الخبرات العالمية في مجال الإعلام والنشر، ناهيك مثيلاتها العربية، وكم ظلّ هذا الإنسان متفاعلا معها وهي تخوض في لب القضايا الجوهرية للإنسان العربي والمسلم بصفة عامة –  تضامنا إنسانيا عريضا مع مراسليها الذين تعرضوا لعديد الملاحقات والسجون والمعتقلات (تيسير علوني .. سامي الحاج )، وضعا لليد في القلب وهي تتلقى التهديدات بقصفها على رؤوس من عليها، قفلا لمكاتبها في عديد العواصم ، ..إلخ –  هذا بعض من علاقة الإنسان الإرتري بهذه القناة طوال عقدها الأول وإلى يومها هذا.

 

وليس هذا فقط من باب ما أتاحته هذه القناة من فتح أمام المشاهد والمستمع العربي – برغم تقديرنا العال لذلك- فالإنسان الإريتري مطبوع في شخصيته بولع المتابعة الإعلامية ، ليس لقضاياه فقط – وهو بالتأكيد شغوف ليراها تتصدر العناوين – وإنما أيضا الإقليمية والعالمية منها على السواء، فما يلتقي إريتريان إلاّ وكان سؤال   ” إيه الخبر؟ ” هو فاتحة الحديث بعد العناق ..!

 

بإختصار يدمن هذا الإنسان مشاهدة فضائية الجزيرة وبثها باللغة العربية، وإن كان ذلك على حساب بعض قوته اليومي، فما أكثر الذين يصطفون أمام نشراتها الأخبارية وبرامجها المتنوعة،  داخل الوطن الإريتري – برغم ما يمثله ذلك من مخاطر حقيقية – أو خارجه (معسكرات اللجوء بدول الجوار ) وقوفا في النوادي التي لديها أطباق هوائية ..!  بل يمكننا الجزم بثقة ، وفيما إن جرى إستفتاء بين مشاهدي الجزيرة وتضمنت مفرداته أسئلة وخيارات عن برامجها ومقدميها ومذيعيها – وحتى آخر أخبارهم الشخصية – وتمكّن الإرتريين من المشاركة فيه – في وضع طبيعي بالضرورة –  لكانوا  في طليعة الإجابات الصحيحة، والأعلى مشاركة في التصويت ..!

 

ولكن لم يحظون – ولو خلسة –  بإطلالة منها على عشقهم الأول : أن تحوي نشراتها وبرامجها بعض من قضاياهم ..! ويا له من عشق متيم ..!

 

كم إريتري ذرف الدمع مع الأستاذين الأحمدين ( منصور والمرزوقي) وهما يستعرضان مآسي (تزما مرت ) التاريخية ، تضامنا بالتأكيد، وكذا لأنها حقيقة جارية – إلى اليوم، والغد المنظورتحت سيطرة العصابة المتسلطة على بلادهم- على الآلاف من بني إريتريا في غياهب معلومة وغير معلومة في طول إرتريا وعرضها – بلاد السجن العملاق لشعبها، كما وصفتها هيومن رايت ووتش ، والعديد من المنظمات الدولية- ليس لأنهم سعو إلى قلب النظام – وهو الأكثر أحقية بذلك بين أنظمة عالم اليوم – لكنهم إلتزموا المساجد في صلواتهم، وواظبوا عليها..! أو تجاوزوا ذلك إلى تربية لحىَ..! وأما أكثرهم جرءة  طالب – معتقدا إن تاريخه يشفع لدى رفاق التضال بالأمس – بتحسين وجه النظام أمام العالم، ليبدو أفضل قبولا ..! كان هذا أم كبائر تغييبهم من على البسيطة ..! أما البقية العظمى فهي ممن لم يقدرون على تسديد ” جزية  ” هروب أبناءهم من الجحيم الذي ينفخ أفورقي كيره ..!

 

كم من هؤلاء عانى ويعاني مثل ” محمد ولد حمو” وزملائه  .. بل كيف سيروى من تسعفه الأيام منهم – ذات يوم يرونه بعيدا ونراه قريبا – ما فاق ذلك عزلا وتعذيبا ..!؟  أما الأنكى والأمر وقد قيل قديما : وظلم ذوي القربي أشد مضاضة من ضرب الحسام المهند  .. هل تصدقون إن بينهم ممن لايعلم إن كانت إرتريا قد تحررت  ..! ويعتقد إن ثورته مازالت تناضل ..!؟

 

قد يقول قائل : إذا كان هذا هو الوضع ، فلم أذاَ تدعون من تحبونهم لولوج محاذيره ..!؟

وإجابة نقول : طوال الفترة بين أواخر نوفمبر الماضي ومطلع ديسمبر المنصرم ، قدمت فضائية الجزيرة باللغة الإنجليزية  تقريرا مطولا عن أحوال إريتريا، تضمن إستعراض شامل للحياة فيها، لقاءات مموه مع مواطنين معارضينن للنظام، وتصويرسري للحواجز الأمنية ، قام به صحفيين غربيين وتعليق من مسؤول إنساني بريطاني  ..!

 

كم أسعد ذلك ألباب كل مشاهد إريتري، فهذا كان فتحا لم يجرء عليه أحد من قبل .. وليس كل الجزيرة سواء في تجاهلهم لشعبنا ومأساته الجارية .. ولكن هل يجوز لنا في هذه الحالة أن نركن إلى الفتوى القائلة “إنه فرض كفاية ..! إذا قام به بعض سقط عن الآخرين ..!؟ ” وهل يتناسب ذلك وقدرالمكانه التي تحتلها الجزيرة (الناطقة بالعربية) في قلوب مشاهديها عامة، والإرتريين خاصة ..!؟ ألا يعد ذلك تقليلا من خطاب الجزيرة وشعاراتها التي تضع حقوق إنسان الأمة، والحريات الإنسانية العامة ، ومنابر الذين لا صوت لهم، وشهادتها على العصر والواقع  في محك لانريد أن تغوص فيه مثل كورتها التي ننتظر أن تلتقط قدر ما تجد في أعماق واقع  بلادنا ..!؟ أو قدرة قطرة كلمتها التي ما إنفكت تشق الحجر الصوان .. ! ليجد بين شقيه إنسان يبحث عن حنو ما، وقدر يثير في نفس بشرية بعض من إهتمام  ..!؟ في فرط صمتها المحير حيال إنساننا ، بل إنسانها الذي تفطّر وجدانه تجاهها حبا وهياما وهوان ..! ؟

 

في هذه الإجابة حري بنا أن لا نحلم بقيام غرتنا ” فضائية الجزيرة العربية ” بمثل ما قام به زملائهم في المهنة (..) ولكن أصعب الأمرعليهم تحريك بعض مراسليهم إلى معسكرات اللجوء الإريتري بدول الجوار الإريتري – وهي لا تحصى عددا وعديدا – فتسهم بقلب رحيم إنسانيا فقط  في تخفيف معاناتهم ..! وهي تحظى بمكانة عالية في تلك الدول، ولن يكلفها ذلك  أن تغامر بإرسال مقدام من مراسليها – صحبة حماية ما، كما فعلت ذات مرة بإثيوبيا، فكلفت رعاة الجزيرة ما كلفت – فيسجلون ما يتناسب وحساسية الموافق- التي نراعيها نحن قبلها –  في تناولها..!  

 

بل الأسهل من ذلك ، ألا تستطيع فقط أن تحد من أسلوب السعي لتبرئة النظام، حين توجه إليه بشكل ما – وإن كان بلغة فيها الكثير من الإستحاء والإستجداء – إتهامات بمساسه لمصالح قومية عربية ..!؟ ناهيك من تدخل في شئون إريترية .. حتى لا تتهم بخروجها عن إلتزامها العام، فما لها – ياسيدي – والعروبة والإسلام وحتى الإنسانية عموما في إريتريا، فليس ذلك شرط وجود لها وإستمراريتها ، ويكفيها عناءا من ذلك إلتزامها بتطوير قدرات  فضائية  ما تدعي  بزور وبهتان عظيمين ” في خدمة الحقيقة ” ..!   

 

في الفترة الأخيرة تناولت أقلام إريترية عديدة المصاعب التي يتعرض لها العديد من اللاجئين الإرتريين في الحدود السودانية الإرترية أثناء وبعد هروبهم من إريتريا، بل إن آخرها إشارة لتعرض بعض هؤلاء اللاجئين لعمليات ” نزع الكلى” في أماكن حجز سرية  ..! عوض الإبتزاز والإغتصاب ..! والسعي في هذا الشأن لن يشكل بأي شكل كان حرجا سياسيا، وللجزيرة مكانة تتيح لها التواصل مع المعنيين بالأمر هناك- فالسودان نظاما وقوى سياسية وإنسانية حريص اليوم على نصاعة يده في كل الميادين – فتجري تحقيق يكشف حقيقة ما يحدث، ونرى من الغراء ما يعد لها سبقا في معالجة رصينة تكسب عبرها إحتراما لدى مشاهديها كافة، وكل الدوائر ذات الصلة بالإنسان وكرامته وحقه في الحياة كاملا كما خلقه ربه، وأخيرا رصيدا إضافيا في قلوب أحبتها لذاتها، وتأمل أن تسعدها ببعض من تحقيقاتها وبرامجها التي هي لديهم محل تقدير وإحترام ..!؟

 

@ لعل وعسى  من محبين صدقوا وساروا خلف الشعار .. وطال معه الإنتظار ..!  

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=846

نشرت بواسطة في ديسمبر 31 2009 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010