صناعة الحياة

 بقلم  / متكل أبيت نالاي

صناعة الحياة هي أن يكون لك دور ريادي في هذه الحياة… هي أن تكون فاعلاً في حركة الحياة وقيادة المستقبل…هي أن تكون شيئاً نافعاً في دنيا الناس… هي أن تضيف شيئاً جديداً في الحياة, إذاً من لم يرد شيئاً لهذه الدنيا فهو زائد عليها.. هي أن تكون رقماً صعباً لا يستهان به,

صناعة الحياة أن تكون قائداً فذا تقود الآخرين وتؤثر فيهم وتكون لهم إماماً في الخير, وأن تترك بصماتك في هذا الكون, وأن تخلف لك أثراً وذكراً عطراً جميلاً ينفعك في الدنيا والآخرة, إذ لكل إنسان وجود وأثر, ووجوده لا يغني عن أثره,كما أن أثره التاريخية هي البدل الحقيقي لجوده, والسؤال الذي يبزغ هنا هو:

من الذي يمكنه قيادة الآخرين والتأثير فيهم وصناعة الحياة وإحداث طفرات نوعية في واقع الناس؟

ترى هل هم أصحاب الشهادات العليا؟ أم هم أصحاب المناصب والجاه والمستويات الاجتماعية الرفيعة؟ أم هم ذو المال ورجال الأعمال؟ أو ربما هم أصحاب الأجسام القوية والوجوه الوسيمة الجميلة؟ أم أنهم أولئك الذين صقلتهم الأيام  وحنكتهم التجارب؟ أم قد يكون هم الأذكياء والعباقرة الأفذاذ؟ أو غيرهم؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال نود الإشارة إلى أنه ما من إنسان إلا ويتمني أن يكون شيئاً مهماً في الحياة ولو أنك جئت إلى صعلوك لا قيمة له في الحياة وقلت له : ياصعلوك أو يا تافه, لسبك وشتمك. ولو ناديت جاهلاً قابعاً في ظلمات الجهل وقلت له: يا جاهل لربما صفعك على وجهك صفعة أطارت الشرر من عينيك, ذلك لأن أمنية كل إنسان أن يكون له وزن في الدنيا, وأن يعد رقماً صعباً لا صفراً لا قيمة له.

أن الإجابة عن السؤال سالف الذكر تحتاج منا كذلك إلى تبيان وتوضيح, ويمكن أن يكون ذلك في النقاط السبعة التالية:

1-  أن الله قد يهب الناس نعمة أو نعماً  كثيرة مثل: وجاهة, مؤهل أكاديمي, مال ذكاء وسامة, قوة جسدية, أو غير ذلك, وكلما زادت هذه النعم كلها كان لزاماً على الإنسان أن يؤدي حقها باء نفاقها لا بحبسها, أي: باستخدامها لما فيه نفع الآخرين.

2-   كل نعمة من النعم سالفة الذكر قد يكون لها تأثير إيجابي في تمكين صاحبها وزيادة تأثيره في الحياة, لذا يحس بالعاقل استثمارها وإلا فهي كنوز معطلة ينظر إليها صاحبها ولا يتذوق حلاوتها.

3-   كثير من الناس لا يمتلكون الدافعية الذاتية التي تمكنهم من تفجير طاقاتهم وتسخير إمكاناتهم لتحقيق واقع مشرف لهم ولأمتهم.

4-  إن النجاح الحقيقي الذي  يحق لصاحبه الافتخار به هو ذلك النجاح الذي صنعه هو ببذله وجهده وطول عنائه, أما الذي يفخر بأمجاد آبائه وأجداده التي  ولت وهو لا يصنع شيئاً ولا يستكمل هذه الأمجاد أو يضيف إليها ما يحفظها ويرفعها, فهذا مسكين يستحق الرثاء والشفقة.

5-   أن من عدالة الله في خلقه أنه لم يجعل الغلبة والقيادة والتأثير وصناعة الحياة حكراً على فئة(VIP )  وإنما رفع أناسا لم يكن لهم شأن, وأعز أقواماً لم يكونوا سادة القوم, وقدم نفراً كان في المؤخرة وأخرج من بين الضعفاء أئمة, وزعماء وقادة.

6-   أن صناعة التأثير إنما تنبع من ذات الإنسان مهما كانت مؤهلاته الأكاديمية أو قدراته العقلية أو منصبه الوظيفي أو مستواه الاجتماعي أو خبرته الحياتية أو جنسه أو كبر سنه أو إمكاناته المادية أو غير ذلك.

7-   أن أسوأ ما يبتلي به المرء أن يصاب بعقدة النقص, فيشعر أنه غير مؤهل للتأثير وصناعة الحياة, وإنه ناقص ولا يمكن له استكمال نقصه وسد ثغراته, فيشعر بالدون ويتبادر إلى ذهنه دائماً أن غيره أكمل منه وأقدر على قيادة الحياة, ولذا تراه منطوياً على نفسه منكسراً في ذاته, مكبلاً بأوهامه عاجزاً عن فعل أي شيء حتى لو كان باء مكانه فعله. دايماً قلق يسأل نفسه أسئلة مثل هذا: لا أتحسن في مجالات تفوقي, ولا أستفيد من كل ما درسته, ولا أعرف ما هو الشيء الملائم والصحيح, ولا أستطيع أن أحقق التغيير, وأنا غير قادر على معالجة مواطن إخفاقي وعجزي.

 لقد أعطينا هذه اللامح لمن يستحق أن يكون بالفعل إنساناً مثقفاً رجلا ً كان أو امرأة – يرغب أن يكون موصول بأفكار العصر- وصلته بهذا العصر أبعد من مجرد إحساس بالزمن الراهن. ثم نحن الإرتريين نهتم بأهلنا وقضاياهم وأحلامهم- ولكن نريد أن نتصل بأعمق مما هو الآن وان يكون نصائحنا متصلة باختصاصنا العلمي أو المهني- حتى نخلق إنسان ملتزم بالناس من حوله.

 لهذا أولاً علينا الاهتمام بهموم هؤلاء الناس من حولنا وشواغلهم على المستوى الفكري والاجتماعي والعملي.  ومن أجل ذلك علينا أن نتجه نحو التجمعات الإرترية  في كل من السودان, وألمانية,وأستراليا والسعودية وجزء من شمال أمريكيا نحاول معهم أن نتعرف لماذا غابت إمكانياتهم عنا؟ ولماذا غابت دراستهم التي تشخص الوضع الإرتري الراهن  وتعرفه للإرتري  والعالم الخارجي.؟

 الحس الشائع  للإجابة يمكن قد يبدو لهم مستحيلاً قيام شيء كهذا ولكنهم يعرفوا بأن هناك شعب إرتري بدون دولة من دون حقوق ولا تمثيل ولا ميزات  ومن دون وسائط يدافع بها عن نفسه يقتلع من أرضه ويتشتت, وهذا نوع من الدكتاتورية تجدد نفسها فيه بقوانين أكثر فتكاً وتدمير لم تشهدها إرتريا في كل عصرها الاستعماري. ولم نعايش أزمة بهذا الأسلوب الجماعي الذي نعيشه اليوم. الكل يشعر فيه أن تطور الشعب الإرتري لا يسير في خط مستقيم, هناك فوضى وهنا اختلال, ولكن من الذي يعيد التوازن لصالح الطبقات المهضومة أو ينظم المجتمع الواحد الذي في نهاية سنركب فيه كلنا سرج واحد على قدم المساواة  في إرتريا الديمقراطية .

 أن الإرتريون الذي ينتمون إلى مجاهل في التاريخ هم الذي يخلقوا لنا مشكل لا حصر لها, وفي أكثر من مكان, بنظيرات حول القوميات, واللغات الرسمية والوطنية, ودور الدين, والعلمانية كلها مبتكراتهم البركانية التي تكبلنا وتلوثنا, ونحن جميعاً دفعنا ثمنها.

فأتقدم المنشود هو تقدم إرتريا أي ( عصرنة إرتريا) والمنطق الموجود في إرتريا غير مقتدر أن يجاوب على قضايانا  الكبرى وهذا هو الأساس الذي يجب أن تتحد عليها الرؤية, والحكومة بأفعالها هذه التي تمارسها على الأرض يمكن أن يقرءا  على إنه أفعال لصالح طبقة تريد أن تسود وتمتلك الثروة  وهيئة نفسها لذلك ويتم لها النهب بكل يسر باسم الشهيد والتنمية والمجاعة والحروب وكلها تعطيها الملاين اللازمة لذي تسلك بها سلوكاً دكتاتورياً. الأمر الذي جعل حيات الشعب الإرتري قاسية للغاية.

لهذا لم يعد مقبولا الآن, أن يظل الصمت مطبقاً على مصير هذا الوطن الذي ناضلنا أن نعيش في كنفه أحرار. ولم يعد محتملاً أن يصمت رجال السياسة والجيش والمثقفين والفنانين بعض أن قرؤوا أخفقات مشاريع الدولة الوطنية وغموض مصير البلاد, لقد ذاب الثلج وبان المرج!

 لقد أتضح- ويتضح كل يوم في المطاردة المفتوحة بين الحكومة والشعب مشكلات وصعوبات ومخاطر سياسية يصعب ضبطها, رغم استمرار التعتيم عليها نرى فيها الجهل الفاضح بما يحدث من تصرفاتهم الطائشة.

  ولكن إذا قرروا الناس أن يحسموا مواقفهم باتجاه هذا أو باتجاه ذلك هذا من شأنه أن يدمر كل المكتسبات الوطنية التي ناضل شعبنا من أجلها. وهم على ذلك محقون. نرى فيهم تهدم شامل على مختلف الأصعدة في كل ما يتصل بحياتهم, ونرى جموع السواد الأعظم ممن ينحدرون من الأسر الفقيرة أخذت تتصدع حياتهم العائلية ونسيجهم الاجتماعي من جراء سياسة الفقر المدقع التي تمارس عليهم, انتزعت منهم كرامتهم وقادتهم إلى الهروب والفساد. فهذا ما نشاهده مشاهدة العين, ونعيشه عيشة التفاوت الهائل بين الناس, ونقاسيه في حياتنا الحقوقية والثقافية والنفسية., لهذا نتساءل الا يلجا الناس إلى ما يتاح لهم من وسائل لدفاع عن لوجودهم وحياتهم حتى تتحقق العدالة في البلاد.؟

 وفي هذا المنعطف من المسألة نجد أنفسنا وجها لوجه أمام مساءلة غياب الديمقراطية في بلادنا ونهب ثروتنا الوطنية عن طريق فئة ضئيلة لها قدم في داخل الوطن وقدم في خارجه إنها الوضعية التي تمثل لنا التحدي الأكبر للوصول إلى الديمقراطية المنشودة.

 ومن شأن هذا أن يوحد شعبنا الإرتري في الخارج, وأن يبادر بتحرك سياسياُ, وأخلاقيا, وإنسانيا وسط المنظمات الحقوقية العالمية لما يتمتع به من حرية الحركة في الخارج حتى تتحول احتجاجاته إلى طاقة هائلة باتجاه خلع الدكتاتور نهائي من البلاد. 


روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6398

نشرت بواسطة في أبريل 13 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010