صيانة حقوق المرأة الارترية من صيانة حق الشعب الارتري

كلمة التحرير

  منذ مئة عام  خرجت مئات الآف من النساء في أروبا والولايات المتحدة الى الشوارع للمطالبة بحقوقهن السياسية والاجتماعية وتعديل القوانين الجائرة المجحفة بحقهن.

ومازالت المرأة في العالم الحر تمتلئ بها الشوارع في حراكها وعراكها من أجل مزيد من الحقوق والمساواة.

منذ عشرون عاما استقبلت شوارع المدن الارترية التي أغتسلت لتوها بدماء ابنائها من عار الاستعمار ودنسه حوالى 90 ألف امرأة مقاتلة في الجيش الشعبي لتحرير ارتريا اى ما نسبته 33% من مجموع الجيش الشعبي في ذلك الوقت. بالاضافة لكونها أم وأخت وزوجة المقاتلين الآخرين.

ولولا الخوف الممسك بتلابيب الرقاب لشهدت هذه المدن غضبة نسوية أخرى تعصف بالنظام المتعفن وزبانيته. ولكن وللأسف الشديد تتشهد هذه الشوارع في هذه المدن الصامدة صور أخرى مزرية اليوم، فالمرأة الصامدة التي كانت تطارد فلول الدرق في جبال الساحل وامباسيرا ودقمحرى وقندع وروا حباب وحلل ولالمبا وبامبي  ودبرسالا ، فاليوم هي بائعة الشاهي في الطرق المتربة، وبائعة للعلكة والسجائر والهوى تحت اى عمود انارة صدئ.

ظلت المرأة الارترية رقما لايستهان بدوره في المعادلة الارترية على طول المراحل التأريخية ، فقد كان لها اثر كبير في اشتداد عمود الثورة في بداياتها وتجاوز بمراحلها الأولى الصعبة ، أجيال من النساء اللائي تمنطقن ثوب التضحية بكافة اشكاله ومازالت أكبر الخاسرين في ظل الديكتاتورية البشعة التي تعيشها البلاد.

نعم ان وضع المرأة  في ارتريا لا يختلف كثيرا عن بقية  قطاعات الشعب الارتري ولكن تحت الظروف القاسية والتي تزداد قتامة كل يوم وتتعاظم معها مسؤولية المرأة يوم بعد يوم.

في ارتريا الآن يرتفع عدد النساء اللائي يعلن اسر بكاملها بنسبة  تصل الى 20%- 30% حسب احصائية رسمية ، وهذا يوضح بجلاء ان السياسات التعسفية التي تمارسها حكومة هقدف قد دفعت بالكثير من الرجال القادرين على العمل اما الى خارج البلاد الى معسكرات اللجوء في دول الجوار ، او انهم اسيري ما يسمى بالخدمة الوطنية حيث تمارس ضدهم أبشع اساليب السخرة والاسترقاق في مشاريع يعود ريعها الى المتنفذين في النظام وجنرالات الجيش. هذا بالاضافة الى الذين يختفون الى دهاليز مظلمة كلما اعلنوا لاءاتهم في وجه النظام وزبانيته.

في ارتريا اليوم مانسبته 50% – 80 % من النساء العاملات يعملن في اعمال لا تتطلب مهارات أو تأهيل ، مثل الكافتيريات والمقاهي والبارات وأماكن البغى وعاملات تنظيف للطرقات وحاملات ” لقدح المونة ” في مشاريع فلل الجنرالات. الا يعني ذلك ان سياسات التأهيل والتعليم والتي تتسم في غالب الاحيان بالعنصرية والمزاجية  قد فشلت فعلا في تحقيق اى من أهدافها ، بالاضافة الى السياسة التعليمية نفسها والتي تتطلب الذهاب الى معسكرات الجيش لاتمام الثانوي منها والذي ينتهي بالطالبة من طالبة علم الى مجرد عشيقة لطالب المتعة المتمثل في المعلم والجنرال وقائد التدريب وحتى موزع المؤن والامداد الذي يستغل حاجتها الى صابونة أوقماش نظيف.

نعم ان وضع المرأة في ارتريا اليوم لا يختلف كثيرا عن بقية قطاعات هذا الشعب ولكن كل الارقام والدلائل تشير اليوم هي الخاسر الأكبر في ارتريا  والسؤال الذي نسأله في هذا اليوم الذي نحتفي به بدور المرأة الارترية ونضالاتها من أجل التحرر والانعتاق هو :

هل دور المرأة الارترية كان مجرد الاسهام في تحرير الارض من المستعمر أم هذا الدور امتد ليشمل جوانب سياسية واجتماعية واقتصادية ؟ وما الذي تحقق منه خلال فترة خمسين عاما التي مضت؟

بدأت الثورة الارترية المسلحة في عام واحد وستين والظروف الاجتماعية المتعلقة بالمرأة كانت تتسم بالتقليدية  حيث ترسم للمرأة أدوارا محددة لا تتجاوز ساحاتها المغلقة ونظرة الرجل اليها نابعة من موروثات العادات والتقاليد  والمفاهيم الشعبية . وحتى لا نجحف بحق مجتمعنا يمكن الاشادة بالادوار التي لعبها نشطاء النضال السياسي في الفترة الاربيعينية مثل ابراهيم سلطان وعبد القادر كبيرى  والقاضي موسى عمران  والأخرون الذين شجعوا بتعليم المرأة ودفعوا بأمثلة حية من أسرهم الى التعليم حتى تكون أمثلة تحتذى ويكون لها دور  في تغيير مفاهيم الناس حول تعليم المرأة وخروجها لاعتلاء الوظائف  والعمل.

الا ان نسبة كبيرة ظلت تحمل في دواخلها مفاهيم العصور الغابرة تلك  حتى انفجار الثورة المسلحة بقيادة الشهيد البطل حامد ادريس عواتى. وفجأة وجدت المرأة نفسها بأنها زوجة القائد والفدائي وأخته  وأمه  ، وفطن الثوار الاوائل ايضا  بأن هنالك ادوار معينة لايمكنهم القيام بها وتحتاج الى مواصفات خاصة حتى وان تحلو بقدر كبير من الشجاعة  والحكمة والاقدام  ، وهذه المواصفات لا تتوفر الا في المراة  ونتيجة لذلك اصبحت المرأة أمين السر وحامل المراسلات ومسؤل الامداد والمؤن  وقائد الاستطلاع وجالب الأخبار وغيره ، وقامت المرأة بدورها  في هذه المرحلة اى الخمسة سنين الاولى  من عمر الثورة  بل ايضا عانت وضحت في سبيل ذلك حتى الاستشهاد .

وهكذا  نجد ان المرأة اسهمت بدورها في اشتداد عود الثورة واستمرارها واصبحت تقوم بادوار حية وملموسة في أواخر العشرة سنوات الأولى حيث يمكن تناول المناضلة سعدية تسفو كمثال حى وهي التي نفذت عملية اعدام الخائن ابراهيم حامد نوراى في يوم 10 فبراير 1969م في مدينة كرن الصامدة.

ومنذ عام 1970م اصبح للمرأة وجود مكثف داخل وحدات جيش التحرير الارتري واستمر هذا التواجد واصبح يأخذ اشكال مختلفة في داخل الاجنحة العسكرية للثورة التابعة لكل فصائل الثورة الارترية بلا استثناء ، ولكن ليس هنالك ما يشير بأن المرأة في داخل الجيش تدرجت الى قادة ألوية أو كتائب أو سرايا  مما يؤكد ان الرجل لم يرتفع بثوريته الى مستوى عطاء المرأة وظل اسير الموروث التأريخي حول فهمه للمرأة.

هكذا واصلت المرأة  نضالاتها بلا هوادة حتى تم تحرير كامل التراب الوطني من دنس الا ستعمار ، وهنا تأتي الاجابة على الشق الأول من السؤال  وهي ان نضالات المرأة الارترية داخل الثورة  لم يقتصر تأثيره على تحرير الارض فقط ولكنها اسهمت وبالعمل والفعل على تحرير كثير من العقول ونظرتها تجاه المرأة ، وهو تغيير النظرة الاجتماعية السالبة التي صاحبت المجتمع الارتري واصبح الفرد العادي يرى في المرأة المقاتلة عنصر اساسي ومساوي في فعله وما ينتج عنه  بالرجال ، وكان هذا في حد ذاته نصراً يضاف الى انجازاتها خلال هذه المرحلة. واصبح للمرأة الى حد معقول حق اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات والمشاركة في الحياة العامة في الريف المحرر وفي المدن المحررة. وبدأ تنظيم دورها عبر الاتحاد العام للمرأة الارترية والذي كان يمثل أحد ركائز العمل الجماهيري في التعبئة والتنظيم  في المنظمات الجماهيرية. وهكذا تظهر بجلاء التغييرات الاحتماعية التي اصبحت واقع ملموس حتى يومنا هذا.

في عام 1967 حين تزايدت شراشة المجازر البشعة التي كان يقوم المستعمر الاثيوبي ضد االمواطنين العزل تدفقت جموع اللاجئين الارتريين الى الحدود السودانية ،  الذين كان جلهم من النساء والاطفال ، لتجد المرأة نفسها أمام وضع جديد فرض  عليها تحديات جديدة اضطرت اثره الى الهجرة الى دول النفط خاصة المملكة العربية السعودية وبدأت في اعالة اسرتها واسرة أخيها الجندي وشاخت هنالك دون ان تجد من يرفع عن كاهلها هذه المسؤلية برغم انها لم تشتكي من تحملها ، وكان ثمرة ذلك ان اجيال كثيرة تعلمت وشهدت الكثير من الأسر طفرة اقتصادية وتحسن في مستوى معيشتها اذا كان في مناطق اللجوء أو في داخل الوطن المحتل  ، وهكذا نجد المرأة  الارترية احدثت تغييرا اقتصاديا مازالت اثاره باقية حتى يومنا هذا ومازالت مستمرة  في ذات الفعل  لأنها مازالت هي من يحمل عبئ المسؤلية حتى يومنا هذا.

أما في مجال العمل السياسي حدث ولا حرج فالمرأة ممثلة في منظمتها النقابية وصلت الى المجالس التشريعية  لكل التنظيمات السياسية االارترية وان كان بالمستوى الذي يرضي ، ولكنها على مستوى القاعدة  فكان جل العمل يقع على كاهلها وكان لها دور في التعبئة والتنظيم وكانت تساوي في هذا العمل عشرة من أخوتها الرجال.

المرأة بعد التحرير واجهت صعوبات كثيرة  بعضها اجتماعي والبعض منها متعلق بقضية الاصلاح السياسي  في ارتريا ،  واجهت المرأة  بعد دخولها  مشاكل بعضها اجتماعي مربوط بنظرة  بعض شرائح المجتمع ،  خاصة قضايا الزواج المختلط ،  محاولة البعض في اعادة  المرأة الى مملكة الرجل  وقصر الطاعة ، أما على الجانب السياسي والاداري كان هنالك محاولة الحكومة  للتملص من واجباتها تجاه المقاتلين والجرحى والمرأة ، وحادثة ماى حبار التي شهدت مجزرة  الجرحى بأمر الطاغية وزبانيته مازالت ماثلة.

فبدأت الحكومة المؤقتة  في محاولة للتخلص من واجباتها تجاه المرأة بدأت في تسفيرهن الى لبنان والخليج وغيره من البلاد للعمل في المنازل والارتزاق من عرقهن. وكان من الممكن ان تبدأ الحكومة في بدأ برامج لتطوير القدرات البشرية للمرأة بحيث يتم استيعابها في اسواق العمل  المحلية دون الحاجة الى اهانة نفسها في الدول الاجنبية وهي التي أعطت الدم والعرق من أجل تحرير هذا البلد.

وبرغم وجود منظمة نقابية للمرأة ممثلة في الاتحاد الوطني للمرأوة الارترية فقياداته  الممثلة في  اسكالو ، وفوزية ، ولؤول وأذيب ..الخ ما هن سوى أدوات للنظام المراد منها تطويع المرأة الارترية  وسلبها ما حققته من حقوق حتى ألان ، وقد حاول النظام في السنوات الماضية خداع العالم باصدار قانون منع ختان الاناث وهو الذي يرفض اصدار قانون يمنع مايسمى الخدمة الالزامية للمرأة ومنع اذلالها في المعسكرات من قبل جنرالاته. وهي الممنوعة لرؤية زوجها وهي المعتقلة لهروب ابنها أو زوجها  من جحيم النظام.

في الختام: ان تقدم اى مجتمع يمكن قياسه على اساس تطور المرأة ومدى مشاركتها الاجتماعية والسياسية وماهية مقدار الحرية المكفولة لها من قبل المؤسسة السياسية القائمة والمجتمع ونظرته اليها. وان مدى مشاركة المرأة  السياسية وتطورها الاجتماعي  مقرونة بأشكال التمثيل السياسي المتاحة في اى بلد ، وبأعتبار  المرأة نصف المجتمع فان ما ينعكس على العام ينعكس عليها ، فاذا كانت حالة التمثيل السياسي معدومة كما هو الحال في ارتريا فاننا سنجد ذلك واضحا تماما عن الفرص المتاحة للمرأة.

أما في معسكر المعارضة  فان وجود المرأة يكاد يصبح معدوما حتى لحظة انعقاد الملتقى الوطني للتغيير الديمقراطي ، ويعود الفضل في ذلك الى التحالف والى اللجنة التحضيرية ، حيث شاركت أكثر من أربعين أمراة في الملتقى الوطني للتغيير الديمقراطي وكان لهن حضور مشهود واسهام لا يقدر في انجاح الملتقى الوطني للتغيير الديمقراطي. والذي شهد ميلاد المفوضية الوطنية الارترية للتغيير الديمقراطي  ، ولهذا يجب أن نركز على قضية التغيير الديمقراطي يجب ان تشمل المرأة ولا بد من الاقرار في الدستور الانتقالي بحقوقها السياسية والقضائية والشرعية واحترام كافة حقوقها المدنية : الحق في التعليم والتوظيف والترقية ، حقوقها الصحية اجازة الوضع والحماية من الممارسات البالية . ان الاعتراف بحقوق المرأة الارترية ومسواتها يجب ان يكون التعبير الحقيقي لأى نظام ديمقراطي يقوم بعد انهيار هذا النظام المتعفن.

ان صيانة حقوق المرأة الارترية لهو صيانة لحقوق نصف المجتمع وان تغيبها لهو تغيب لنصف المجتمع لهذا نقول ان صيانة حقوق المرأة الارترية لهو صيانة لحقوق الشعب الارتري بأكمله.

فرجت

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=11695

نشرت بواسطة في مارس 11 2011 في صفحة الأخبار, كلمة التحرير. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010