ظاهر وباطن التسوية في اثيوبيا

فتحي_عثمان

تابعت، مثل الجميع تطورات الحرب في اثيوبيا، وزدت في المتابعة الفضول الصحفي لمعرفة ما دار في الكواليس ليقيني بأن الظاهر من الأزمات في السودان واثيوبيا والمنطقة بشكل عام أقل بكثير مما هو خاف ومؤثر. بدأت سعي الصحفي بسؤال

واحد، موجه لمصادر يركن وبثقة على ما تطرح، وتفرع عن ذلك السؤال عدة أسئلة أضافت الإجابات عنها أبعادا للصورة غير المكتملة حتى الآن، وإن أصبحت أكثر جلاء من ذي قبل.
لماذا اختفت وبشكل مفاجئ الجبهة الجنوبية بقيادة جيش الاورومو والتي كانت تقترب من العاصمة؟ وأين اختفى تحالف واشنطن بين جبهة تحرير تيغراي وعدة تنظيمات “لإدارة الحكم في فترة ما بعد أبي أحمد؟

التسوية الامريكية وغياب الاستراتيجية لدى جبهة تيغراي

منذ توسع جبهة تيغراي في إقليمي العفر والأمهرة وتوجهها نحو العاصمة أديس ابابا لم يكن لديها استراتيجية سياسية واضحة لما يجب أن يكون عليه الوضع مستقبلا.
استغلت الإدارة الامريكية هذا الخلل الاستراتيجي في بناء تفاصيل مبادرتها والتي قامت على الأسس التالية: عدم السماح بتفكك اثيوبيا، المحافظة على الحكم الفيدرالي الاثني، ثم وقف الحرب وضمان وصول المساعدات إلى تيغراي وأخيرا فك الارتباط بين أبي أحمد واسياس افورقي.
تفاصيل مبادرة الحل الأمريكي جاءت على شكل أسئلة للطرفين: ماذا تريدون؟ لم تكن لجبهة تيغراي إجابة “حاسمة” حول ما ستفعله بعد دخول أديس ابابا سوى حكم اثيوبيا بالفيدرالية الاثنية عبر “شراكة متكافئة”. إجابة أبي احمد كانت واضحة في كونه لن يتنازل عن السلطة التي وصلها عبر انتخابات شرعية وسليمة وسيقاتل حتى الرمق الأخير من أجل اثيوبيا المهددة، ولكن يريد بوضوح وحسم أيضا أن تعود جبهة تيغراي إلى موطنها ولكن قبل ذلك وبوضوح أكثر طلب من واشنطن، لو أرادت تعاونه، ان “تخمد” نار الجبهة الجنوبية التي يقودها جيش الاورومو لأنها الأكثر خطرا من الجبهة الشمالية التي تقودها جبهة تيغراي، وأن تنهي الإدارة الامريكية عمليا وجود “تحالف واشنطن” الذي سيمثل الشرعية البديلة لنظامه.
من هنا بدأ فيلتمان الصراع مع عامل الوقت، علما بأن خطة أي عمل مبعوث هي “سياسة إدارة كاملة في المكتب البيضاوي” وليس خيارات شخصية الإ من باب وضع اللمسات والخبرة. جزء في الإدارة الامريكية لم يكن متشجعا على مواصلة فيلتمان جهوده، لسبب أنه أراد دورا أكبر للمبعوث الافريقي اوباسانجو، الطرف الذي أقصاه واختار بدلا عنه السفير ساترفيلد، أراد تسوية أمريكية خالصة قد يكون لرئاسة الاتحاد الافريقي وليس المبعوث دورا ثانويا فيها. تم الاتفاق على تأمين رغبة كل طرف في التسوية وتم إضافة أعباء على رئيس الوزراء منها: بدء حوار وطني شامل والإفراج عن المعتقلين السياسيين في خطوة أولى ثم الإفراج عن العشرات من المعتقلين لاحقا على خلفيتهم العرقية والتقدم في فك الارتباط مع اسياس، لأن رسالة الإدارة الامريكية كانت واضحة لأبي أحمد “سنضمن مطالبك ضمن التسوية ونكف عن الهجوم، ولكن لن نستطيع تقديم أي ضمانات لشريكك الارتري.”
وبما أن جبهة تيغراي لم تستطع تقديم إجابة واضحة لطبيعة ما تنويه بعد استيلائها المفترض على أديس ابابا، طلب منها التراجع إلى اقليمها مع تأكيد تضمين التسوية لكل مطالبها. السؤال الفرعي الآخر: ألم يكن استخدام المسيرات الصينية والتركية هو العامل الذي قضى على خطط تيغراي في التقدم؟
اعتمدت جبهة تيغراي في تقدمها نحو اديس ابابا على المشاة والأسلحة الثقيلة خاصة راجمات الصواريخ المعروفة في ارتريا باسم “ستالين أورغان” أو أورغن ستالين. استطاعت المسيرات تدمير عدد كبير من هذه الآليات والفتك بالمراكز المتقدمة والثابتة للقوات. تقدم القوات البرية للجيش الاثيوبي وقوات إقليم العفر كان يتم بعد المسح والتغطية الجوية للمسيرات، أي أن الاشتباكات البرية كانت محدودة. لم تقم القوات الاثيوبية “بتصوير وتوثيق” الهجمات الجوية للمسيرات رغم أنها مزودة بكاميرات مسح جوي وتعتمد على التسيير الالكتروني الذي يحدد الأهداف مسبقا، مثل ما تقوم به قوات التحالف ضد المواقع الحوثية في اليمن، ولكن لم يتم تسريب أي توثيق للانتصارات الاثيوبية. من ناحية أخرى، خطوة أبي أحمد للنزول إلى ميدان المعركة كانت بعد اتضاح خطوط التسوية السياسية وعملها على التفاصيل.
ولم تشهد وسائل الاعلام عرضا لإنجازات الجيش الاثيوبي أو حتى احتفالات كبرى تتناسب وحجم الإنجاز التاريخي، لسبب أن الانتصار كان سياسيا خارجيا أكثر منه انتصارا عسكريا مستحقا على الأرض، وهذا من باب تقسيم الأدوار وليس من باب التقليل.
مؤشرات لاحقة جاءت لتأكيد التزام كل طرف بما تم التوافق عليه: تصريح أبي احمد بأنه لن “يلاحق” قوات تيغراي إلى اقليمها. لكن الغارات الجوية مثلت خرقا للاتفاق، من هنا جاء اتصال الرئيس الأمريكي شخصيا برئيس الوزراء الاثيوبي “من قبل كانت الاتصالات بين وزير الخارجية ورئيس الوزراء”، الاتصال الشخصي كان واضحا: “الوقف الفوري للعنف”. هذا الأمر أكده السناتور كريس كونز في مقابلته الأخيرة مع الجزيرة.

الحصاد الارتري

يمكن تتبع الموقف الارتري من خلال المقابلة الأخيرة للرئيس اسياس. المقابلة أشارت إلى أن جبهة تيغراي كانت تخوض حربا بالوكالة نيابة عن الولايات المتحدة. في هذه الحالة وبناء على افتراضه فإن الولايات المتحدة لا يمكن أن تخوض حربا ضد خصوما “محليين”، بمعنى أن من خاضوا الحرب ضد جبهة تيغراي كانوا أيضا شركاء في حرب الوكالة هذه. لم يفصح اسياس عن حليفه الدولي في الحرب، لكنه أشار إلى ان الصين سيكون لها حضورا مختلفا مستقبلا.
التوقع الارتري من رئيس الوزراء الاثيوبي، وجاء متضمنا في المقابلة، هو قيامه بإلغاء نظام الفيدرالية الاثنية، وهو أمر خيب طموحات اسياس، لأنه يعتبره سبب الشرور كلها في اثيوبيا.
لا تظهر في الأفق الآليات التي سيتم بها تفكيك بها تحالف أبي وأسياس ما عدا الخطوات العملية على الصعيد العسكري المتمثل في سحب القوات الارترية من شمال اثيوبيا.
المؤكد أن شعور اسياس بعدم توفر أي ضمانات في هذه التسوية سيجعل مخاوفه أكبر مستقبلا، وهو عبر عنه بأن قوات تيغراي لا يركن إلى نواياها.
رغم هذه التسوية السياسية التي أدت التي المتغيرات السريعة التي شاهدناها في اثيوبيا إلا أن حرب الوكالة سوف تتجدد في الإقليم وربما على عدة جبهات وبعدة أساليب أيضا ولفترة أطول نسبيا وبشكل متقطع.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=46206

نشرت بواسطة في يناير 14 2022 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010