عدنا حباب

بقلم / متكل أبيت نالاي

 

كان يا مكان في سالف العصر والأوان إتحاد كبير للقبائل الإرترية يسمى إتحاد الحباب وهي وحدة اجتماعية تقوم على شراكة أطراف كثيرة من القبائل التي ترتبط مع بعضها, ويرأس كل قبيلة رئيس يسمى” شوم”  ورمز قبائل الحباب بيت أسقدي ترأست هذا الإتحاد منذ القدم وتوطدت مكانها بينهم وبلغ الحباب أقصى ازدهاره تحت حكمها امتدت إلى حلايب شمالاُ وإلى مصوع شرقاُ. ويلقب رئيسها بكنتباي اتخذوا من مدينة نقفة عاصمة لهم ومسكن الكنتباي ومربض أبطالهم وعموماً هي مأوى الحباب مهما طال غيابهم عنها تختزن في نبضهم وذاكرتهم الحية عراقة القدم وعمق الأصالة والمجد والنصر. كما إنها تمثل مركزهم الاجتماعي تأثرت في تأسيسها منذ القدم بنوازع شعراء الحباب وحكامها, تكبر وتضمحل تبعاً لدور كنتبايها ومن الطبيعي أن يكون السكان وبحكم ترابطهم الأسري وتعاونهم ووحدة معتقداتهم وتقاليدهم متوافقين اجتماعياً ونفسياً لذلك يبدعون في حبهم لنقفة بأشعارهم لها, ولأنها من تراثهم الحبابي. تغزل بها الشاعر الكبير ودكروف وود عوال وإدريس ود نورالدين وهبتس ومحمد حامد عبق ناظر الميكال  وطول تأريخها كان العيب في نقفة  وأهلها عدم الاستسلام تعاند وتقاوم الجبروت وهي اليوم مدينة الصمود للثورة الإرترية كما كانت دائماً.

وبيت أسقدي هي شيء أصلي فيها بحكم حكمها الطويل وخلفياتها التاريخية, وتوارثها للتأريخ الحباب وراثياُ,والمكان التي احتلتها بصلابتها وقوتها وشجاعتها, وبجاهزيتها للقتال,  ولها إطار معرفي جيد في أصول الناس, وعلاقة منظمة بين كل القبائل والتفاعل والتوصل المستمر من طويل الزمان,  كما يحسنون التصرف ضد كل غازي بمسؤولية تامة وكان دورهم مهم جداً لبقاء هذه الثقافة, ولهم أسلوب إقناع للناس فيما يستجد من أمور وقضايا في حاجة لوقفة جماعية كان فيهم نوابغ الرجال وعمالقة التاريخ  وقد تيسر لهم أن يخلقوا هذا الإتحاد مبكراً.

 ووفق العرف السائد كانت  تؤمن بيت أسقدي ضرورة موافقة القبائل وتشاور معهم وتعود إليهم في كل شيء , لتأخذ وضعها بينهم,  ولذا تضرب النقارة. والنقارة تضرب للأغراض السلمية مثل أعياد الفطر والأضحى وولادة الذكور لأسرة الكنتباي وعند الاختيار كنتباي جديد أو  إشهاراً لملاقاة العدو يرسلون عبرها نغمات صوتية طبلية عبارة عن رموز اشارية تشرح الغرض الذي تضرب من أجله ليعرفها الجميع. والنقارة وهي (النحاس) وكل من يستولى على نقارة الحباب عنوة, له الأحقية أن يكون شوم أو كنتباي ولا يعترف بسلطة شخص إلا بعد الحصول على النقارة رمز السلطة والهيبة, وكانت لحباب لها سبعة نقارات وهي منصورة وبنتهاـــ حليبت وبنتها ـــ حنايت وبنتهاــ وكشكش وفي حالت التعين يخرج كنتباي في موكب تقليدي كبير تتقدم إليه القبائل ويسلمون عليه بالاحترام وتدعو له مشايخ الحباب بالخير. ثم تقوم له القبائل ببعض مراسم حفل” الرضاء والتفاؤل به” على مستوى كل القبائل الحباب لضمان الخير والبركة والاستقرار الذي هو الدعامة الأولى لهم وله. ولتوافق عليه بيت أسقدي نفسها وإذا تنازعوا إلى شخص معين تعرف كل الناس في المناورات التي تحصل في نقارة والسيوف التي يعلو فيها الصوت في نبرته وجهارته أمام الحشد ويطلق الفارس كلام والصرخات وهو يتراقصون على إيقاعاتها  وآخرون يتسرعون للولاء والطاعة ويتوعدون العدو فأنه سيلحق الهزيمة النكراء فتندفع معه زغاريد نساء الحباب. ولكن بيت الحكم تعقد اجتماع سابقاُ لتجاوز هذه الإشكاليات. ولم يحدث الخلاف إلا في حالة نادرة. وكانت بيت أسقدي لا تتردد من تأديب من يأتون من ضروب الوحشية معهم حتى لو كان من إخوانهم. لأن الكنتباي ملزم تجاه شعبه بواجب الدفاع وكان هذا شأنه للمحافظة على ثقله بين الناس. ولكنتباي مجلس  يستقبل فيه الناس ويفرش لهم (الحصر) ومكان للصلات , ومن عادة أهل الحباب كلهم يلتفون في مساكنهم وأحيائهم حول مكان إقامة الكنتباي ويتحدثون بقصص شيقة من تراثهم الحبابي بالمنعة والعزة, والحباب تتخذ شكلها وخصائصها ومميزاتها بما تزخر به من تقاليد عريقة تعطي صفاتها المميزة. وهذا التجمع أيضاً هو وسيلة مثلى لتعاون والأمن والطمأنينة فيما بينهم وكانت لكل قبيلة رجل مفوض إليه يدير أمورها برأي كنتباي والقيام بحل كل مشاكلها وله أن يستعين بمن شاء من قبلته أو أعيان قبائل الحباب وتنفيذ ما يؤكل إليه وينقل أخبار الناس إليه كما ينقل تعليمات وأوامره إلى الجماعة المسؤول عنها, وهو المسؤول أمام كنتباي عن حسن جريان الأمور الداخلية في موقع قبلته .

 وللقهوة شأن كبير في حيات الحباب فقد ارتبطت بمعان كثيرة أولها الكرم وهناك معان أخرى تدور حول القهوة عند الحباب,  مثلاً إذا قال لك شخص “لا اشرب قهوتك حتى تعطيني طلبي ولا بد أن تقول له إذا كنت صاحب البيت تفضل واشرب القهوة وأبشر باللي أقدر عليه”  وتعمل القهوة من أجل الأنس وتسلية وقضاء الوقت فيها وهي من مفاتيح الكلام عندما يسود الجلسة الصمت فعند توزيع فناجينها يبدأ الحديث الشيق وتعتبر مملحة بين الضيف وصاحب البيت فيطمئن الأول للثاني ويأخذ حريته في الحديث وللقهوة قواعد وآداب سلوكية لا يمكن الإخلال بها بأي حال من الأحوال وفيها السوبر (الأول) ويعتبر من يحضر شرب الفنجان الأول شخص مبارك وفيه إكرام الضيف ويعتبر هو الكيف  والثاني ليجلب للذة ولارتياح والثالث  للاستمتاع والعادي وغيره,علمان إذا أديرت القهوة( الجبنة) لابد من إتمامها حتى نهاية فنجان الوداع  وهذا قانونها, وعلى كل حال هي من الروابط الدائمة التي لاغني لهم عنها, وقد نسج الكثير منهم شعراء قصائدهم  في وصف القهوة وأوانيها ومجالسها لولعهم الشديد بها وعدم استغنائهم عنها في أي ظرف كان وهي مزيلات التعب والهم للمسافر والفلاح عندما يصيبه التعب يبدأ بصنع القهوة و[يأنس بعملها وارتشافها فتجلو عنه آثار الهم والتعب  وقد ذكر ذلك الكثيرون في قصائدهم. ولها احترامات تزيد عن أي مشروب آخر . لا تجيز للأولاد والفتيات قبل الزواج شربها, فهي مشروب الرجال والنساء الكبار. تصل أهمية القهوة عند البعض إلى الهوس حتى أن بعضهم يتفنن في صنع أدوات صنعها وزخرفتها بالأشياء الجميلة وفي مناسبات الحزن كفقدان عزيز عندهم تشرب بدون سكر حزناً على الفقيد لأن القهوة ربما فقدت عزيزا كان  يحبها, وهذا نوع من الحداد يشبه تنكيس الأعلام حدادا على موت شخص هام, وفنجان الحزن عند بعضهم هو واحد يشربه المعزي.

لم تكن هذه التقاليد تختلف كثيراً عن تقاليد إقامة الحكام في إثيوبيا إلى ما قبل الاحتلال الإيطالي , وأقبل عليها الحباب وهي اليوم عرفه وتقاليده تحكم بالمودة والرحمة بشريعة أهلها وتتفتح على القبائل المماثلة لها بعلاقات تراحمية يظللها الاحترام المتبادل وخصوصاً احترام الأجداد والتزام بقيمهم وأخلاقهم وأعرافهم البناء.لقد عرف الحباب أشكالا من الحروب والغزوات ولن كانت أسوها تلك التي كانت تقوم بين بيت أسقدي أنفسهم وكانت الأسرع بالخراب الذي أصاب الأخضر واليابس وتقف قبروهم شاهداً في  أرض الحباب على تلك الأيام .وزاد من سوء الحال هجرة كثير من القبائل الآمنة إلى حيث يجدون الأمن والطمأنينة فقصد بعضهم أرض السودان وأخرى أرض عنسبا وهذه الحروب هي التي أضعفتها وأوقعتها في مشاكل كثيرة مع إتحاد الحباب.

 أما عادات الزواج لا تختلف عن عادات وأسس القبائل الإرترية المماثلة لها ومن خلال الزواج تحافظ القبائل على وجودها وتخلق علاقات دائمة تحقق التواصل فيما بينها, ويمنح التزاوج بين القبائل منزلة رفيعة ويعد بمثابة مشاركة حقيقية بينهم, والزواج ظاهرة اجتماعية معقدة تتماثل وتتنافر مع أصول كل قبيلة, فالبنت غالباً لابن عمها وهو نظام كان في الماضي متفق عليه بين أهل الحباب يعرف بزواج القربى وكذلك زواج المقايضة, وفي زواج توجد شروط وتقاليد القبلية ملزمة, ويساهم الأهل والأقربون  في تنظيمه وفق أوضاعهم المتعارف عليها وفي حدود يرسمها شوم القبيلة ويلتزم بها الجميع , ولكن هذه الظاهرة قلت الآن. وكما هو معروف كل قبيلة محدده مهرها سلفاً سوى كان بالبهائم أو المال ولا يشدون عن عرف الجماعة والنظام يطبق على الغني والفقير وفيه أشياء ملزمه وفورية وأشياء قابله لتأجيل يتم الاتفاق عليها أمام الحضور. وتستمر حفل الزواج من 7- 10 أيام ويغني الشباب والفتيات أعذب الأغاني ويعرض الرجال بالسيوف, وتتمحور حوله منظومة من الطقوس والأعراف والعادات والتقاليد والقيم الدينية والاجتماعية السائدة في ما بينهم.

  لكن ظهور “الحداثة” والصناعة” غير الموازين وقلب الأوضاع. ونصبت الجبهة الشعبية مواجهة كبيرة ضد الأسرة والقبيلة والدين فانكمشت نطاقها وتمحور أفرادها ونشأت نماذج من الاتجاهات ومظاهر السلوك من اعتراك الأفراد بعضهم مع بعض وكذلك نتيجة تفاعلاتهم مع البيئة الشعبية التي يعيشون فيها, تبلور من هذه المظاهر السلوك والقيم التي تمر بها إرتريا اليوم. وكان شعار الشعبية منذ المؤتمر الأول يقول” ثقافة جديدة لمجتمع جديد” وصفت فيها قيم الشعب الإرتري بالجمود وعدم قابلية للتطور وساهمت دعائم أخرى في إضعاف علاقات الناس وتحولت إلى علاقات مادية نفعية, ذهبت بها لصالح ثقافة التغرنية الذي يحسب لها هذا التطور والتأثير العميق في أفراد وحيات الناس مع بعضهم البعض, بالإضافة تعرض الأسر شريفة منهم إلى كوارث اجتماعية ونفسية وأخلاقية. منه ما حدث بسبب تحديد سلطة الرجل مع زوجته وبناته وتعرف الدولة على أوضاعه الاقتصادية وموقعه الجغرافي وإخلال بوظيفة تسوية المنازعات القبلية التي كانت تربطهم بالماضي, وكان فيها وسائل عديدة ومفيدة تستدعي تطويرها واستخدامها. وإنني لست من دعاة التمسك بكل قديم ورفض كل حديث ولا أدعي بأن الدول النامية لا تعاني من مشاكل التخلف ولكنني أقول بأن التخلف لا يرتبط بالضرورة بالمظاهر التقليدية القديمة فليس كل قديم متخلفاً وليس كل عصري متقدماً. فالتخلف أحياناً يعكس حالة ذهنية نجدها في الوقت الحاضر في مجتمعات الدول النامية دون أن تكون جزءاً من تراثها.

 والحال في الخارج بعد تطور الحياة واتساع نطاق الثقافة وجدنا الناس تيسوا كما بعدت مواقعهم الجغرافية وولدت أجيال لا تعلم ما لهم وما عليهم فتلك الوحدة المتماسكة قد أضحت من أطلال التاريخ. واليوم أبناء الحباب تتولاهم ساوا بأشراف تربوياُ وأخلاقياُ مختلف عن تربية جدودهم العمالقة, ثم يعملون في بالثقافة والقيم والمفاهيم والقناعات السائدة في أرض المرتفعات الإرترية. والكل أمام موجهة تطغي وتهيمن وتفكك روابطهم, تخلوا قصراً لماضيهم أو إستبدالوها بمواقف سهلة بالاتصال بالثقافة  التغرنية مما أكسب إنسان هذه الأرض مزيداً من اتجاهات وقيم المرتفعات التي تساعد في تكوين عقول تسهم في تقبل الأنماط الفاسدة لثقافة 70 مليون إثيوبي,  وهي ظاهرة لا يمكن أن يعود في ظلها الحباب أو غيره  من  روابط الاجتماعية .                                    

آن الحباب شعب اشتهر بالحفظ والسماع ولم يكن للتدوين أي أثر في شؤونهم ولم يألفوا الكتابة والكتب وكانت هذه إحدى الأسباب وراء أتلاف العديد من الكتب المهمة والقصص الحبابية الشيقة فقد فيها الحباب الكم الهائل من الشعر والأقوال والمأثورات والأساطير, وعادات الأعراس والزواج وحق الضيافة والحماية, وشيوخ أهل الحباب مازالوا يقدموا معلومات شاملة وفريدة من نوعها عن تاريخ المنطقة وأصولها وأنسابها وهجرتها والترابط القائم بين القبائل وعند متابعة أعرافهم وعاداتهم ومراقبة حياتهم داخل القبيلة ولإتحاد الحبابي  تجد أشياء من المعقولات في تعامل

الأخلاقي وأعمال تراثية ضخمه فيها لذة فنية  ومحكومة بأعراف والمثالية وثوابت الجماعية لا يمكن الخروج عنها.كان الحباب قد أرسي قيماُ أخلاقية مثل احترام الصغير للكبير, ومراعاة الذوق والأدب في التصرفات, والسلوك المضر بين أفراد المجتمع, ومحاولة كل فرد تحسين صورته بما يليق به بين الناس, وبسبب انسجامه الناس مع مورثهم الثقافي فشلت الجهود الأوروبية التي بذلت بهدف تنصير المنطقة, ولكنها انتقلت إلى مناطق أخرى في البلاد. واليوم انقلب عليهم برميل أزفت وضاع هيبة الحباب ومكانته بين الناس. وللأسف فسد هذا الذوق ولم يوجد له متابع بل تفككت كل التوافق الحيات الإرترية وتسببت بشعور عدم الأمن  وزاد  من مشاكل الناس لقد تغيرت التركيبة الاجتماعية في موقعها وأجيالها فأفرزت الحاجة إلى فهم جديد وقاد ذلك بدوره إلى تناحر أبناء الحباب في مختلف المقاصد والاتجاهات والمصالح مع العلم  لا أحد يريد آن يرى تضعف الروابط وتراحم ولا أحد يفضل التفكك بين القبائل بعد وجود هذا الاتحاد. ومن عام 1948  يوجد ذهنية وأنا على يغين تعمل بطريقة غير مقصودة خصوصاُ كلما أرادت أن تعيش حالتها المنطقية والقبلية والمذهبية الصغيرة تطر أن توجد لها فواصل وتباعد وهمي لأصولها فالأنساب والأحساب والقبائل والعائلات معروفة لا تختلط تواريخها ولا تضيع تفاصيلها فكل فرد من الحباب له قبيلته ولا ينسى  جذورها ومكوناتها فالناس يحفظون التاريخ الذي لم يكتب ولكن قد تختفي تفاصيله الدقيقة والعديدة.

والحباب لم يختار قبائله بحرية تامة ولا يمكن ذلك  بل  تشكل نتاج تجاور امتزج فيه الدم بما فيه الكفاية بدماء أبناء المنطقة الو حده وآلفة  وأحلاف وأعمال مشتركة من كل أبنائه كانت تزاد لذاتها وتبهج كل زائر للمنطقة بوجهها الصافي وأنغامها وأشعارها وبطولتها وكرمها وكان كل شيء ينبع من هذا الروح ينشر الأنس في كل مكان فهو بيت جميل ملئ

بالحجرات الرحبة التي تتسع لكل الضيوف أثاثه التكافل ولتراحم والتعاطف ولانتماء وهو عمل ممكن أن يخدم القطاع الأكبر من الناطقين بالغة

تغري ليكون من حق الجميع أن يمتزج فيه أو ممكن أن يوثق علاقات القبائل ببعضها ومهما كانت الظروف هناك ثمة دما يحن لبعضه قد تتيح فرصا أفضل في المستقبل أمام استحقاقات القومية القادرة على صياغة الوحدة بينها. علماُ زمن الملوك  وسيطرة قد  اختفى واستبدلت الولاء من أفراد إلى أرض الحباب  وإتحاد الجامع لكل القبائل  للوصول  إلى فكرة  القومية الو حده  لتفرق لقضايانا الكبرى التي تستخف بالقيم. ولكن مسائل الخصوصية القبلية واللامبالاة وانعدام المقاصد المجتمعية والجماعية ازدادت المسيرة العامة صعوبة حينما نحتك بأوساط من شبابنا غرست فيهم معتقدات متنافرة تسد منافذ التكافل والتضامن وتترك أصحابها محلقين بعيد بأفكار المشوهة.

 وفي نصف من القرن الماضي تغير اسم الحباب إلى اسم الساحل للأسباب مازلنا نجهلها ولكن بتأكيد ليس أرض ساحلية كما اسم الساحل اسم واسع يشمل السمهر ودانكالية وشأنها في ذلك شأن المناطق الإرترية تسما بشعبها هناك حماسين وأكلي قوزاي وسراي وسمهر ولابد من القول أرض الحباب كما تذكر في كل كتب التأريخ وهو ثاني الأقاليم من حيث الأتساع وامتدادها الإستراتيجي وبقبائلها الكثيرة  تمثل منطقة القرار الإرتري في المستقبل.ولكن  للأسف ترك موضوع  الحباب واسمها لقبيلة بيت أسقدي وحدها تكافح فيه وتقاتل عليه.

 وفي الحقيقة أن كلمة الحباب معناها قد يتجاوز علمنا الأول ويحتاج تحقيق مكتملاُ من قراءة الوقائع وأحداث الجزيرة العربية ورمزها وقبائلها وهي كلمة تمتد جذورها إلى عصور موغلة في القدم ولم يكن غريباُ منطقة الساحل(الحباب) بحكم موقعها الجغرافي في شمال شرقي إرتريا أن تحتوي ‘على آثار الحضارات القديمة  بسبب مجاورتها لأقدم موطن الحضارات العربية والإنسانية غير أن هذا الرأي ينتظر المزيد من الدراسات وما عثرنا عليه غير كاف لإعطاء صورة عن تلك المرحلة عما نستطيع أن نسميه بالتاريخ الكامل للحباب ولكن تبدو الإسم استمرار لحكم قبائل القحطان الذي كان قائماُ في الجزيرة العربية انتقلت مع قبائلها إلى موطنها الجديد في إرتريا بعد أن تغيرت عليهم الأحوال المناخية والصراعات القبلية التي جعلت استمرارهم هناك مستحيلا. ويميل إلى هذا الرأي صاحب الكتاب” العرين بلاد قحطان ماض وحضارة “الأستاذ/ محمد بن سعد النهاري في مقابلة له مع, الشيخ سعود بن جراب بن حسن الحبابي. يقول فيها:(العرين بلاد قحطان 100-101)

 الحباب وهم حاضرة وبادية ومنهم أجزاء في تهامة, وكذلك منهم في دولة قطر والإمارات العربية الشقيقة, ويتصفون بصفات حميدة كباقي قبائل المملكة العربية السعودية, ومنها الشجاعة والكرم. وهم من قبائل لقحطان الحالية . وقبائل القحطان الحالية هي( العرين بلاد قحطان81):

 أولا: قبيلة عبيدة

ثانياُ: قبيلة الجحادر

ثالثاُ:قبيلة الحباب

رابعاُ: قبائل رفيدة

خامساُ قبيلة سنحان

سادساُ قبيلة وادعة

وعرب قحطان وهم أكثر القبائل قدماُ, وقد كانوا معروفين وذوي أحوال مزدهرة قبل الإسلام بفترة طويلة (( في العصر الجاهلي) وقد هاجر بعض من بني قحطان إلى مصر إذ يذكر المسعودي المؤرخ أنهم سكنوا أسوان. ويمتلك بنو قحطان مزارع ممتازة وكثيراُ من سلالات الخيول الجميلة, كما أن إبلهم ذات الأعداد الهائلة غدت مضرب المثل في شبه جزيرة العرب.

 والحباب ينقسمون إلى فرعين كبيرين هما .

1-  آل مسلم. ومنهم

1- الرشدة: وهم آل جبران وأل علي وآل فاضل وأل حيدر وأل الشريف.

2-  وهم آل جميل: وهم آل حميدان, وآل زيد ومن آل زيد: آل العبد الزهرة.

3- :آل  جميح , وآل ناصر, وآل ملحان,وآل حسناء.

ب- الهوجة: ومنهم:

1:-آ ل زربة: وتنقسم قبيلة آل زربة إلى أفخاذ:آل شنان, وآل حثيث, وآل سالم, وآل الكحلا, وآلمالك.

2-  آل غراب

3-  آل الجابر

 كما أن هناك بعض الألفاظ تنطق بها قبائل العرين بشكل مختلف وهي ألفاظ مشتقة من أصول كلمات عربية. ومثال ذلك(العرين بلاد قحطان 152)

الكلمة                        معناها

1-الأوثان                  نصب من حجر علامة للحد.

2-أقلط                      تفضل.

3- سرح                  أي: ذهب لعمله في الصباح.

4- راح                   أي: عاد من عمله في المساء.

5- جبا                   إهداء وتكريم.

6- حقو                   الحقو هو الخصر.

7- دقل                  أقبل (إقبال الشيء).

8- قطب                 اقبض أو امسك.

9- أنخش               دخل بينهم خفية.

 وبلاد قبائل الحباب ومساكنهم هي: الأمواه وظهران الجنوب, وقرية ملحة, وقرية راحة, واللجام ,وخراف وحجان, والبلس. والخنقة, ومرمى الحباب, ونحوت آل برمان, والخوايس, والبياض, وتود, والحمرة, وأودية: ملاح, ورشاد, والفرع. وتجاور قبيلة (يام) في( الشمال الغربي) ويشاركهم إخوانهم من القبائل المجاورة. ويحدهم من الغرب قبائل عبيدة وبنو بشر, ومن الجنوب قبائل وادعة ومن الشرق قبيلة يام من الشمال إخوانهم الجحادر في تثليث. وفي حوض وادي تثليث الأوسط يقع إلى الشمال مباشرة وادي تثليث وهي اليوم محافظة وتلتقي فيها أهم روافد مجرى الرئيسي أي العرين وطريب, ويطلق على وادي طريب بعد كتنة اسم وادي”جاش” حيث يسير مسافة 15 كم باتجاه الشمال الشرقي ثم الشمال في منطقة قاحلة إلى أن تظهر المصاطب الرسوبية والخاضعة للزراعة من جديد, فتمتد بشكل متقطع مسافة 15 كم أخرى فتصل الحوض الأدنى لوادي “جاش”وتحدث مؤلف كتاب  الذخيرة في مشجرات وأنساب قبائل الجزيرة الأستاذ /على بن شداد آل ناصر في جريدة الجزيرة 5 يناير 2004 العدد 42 بالتالي:  في بداية ذكر عن مهد الشعوب العربية وأصولها وأسباب نزوحها من جنوب جزيرة العرب وذكر بأن علماء الآثار والأبحاث الأثرية قالوا بأن عدد موجات الهجرة خمس كان أخرها وأقواها الفتوحات الإسلامية في القرن الأول الهجري, ولا ريب أن سبق هذه الهجرات هجرات عربية قديمة قبل التاريخ امتدت إلى أفريقيا والبلقان واسبانيا وموجات العرب المهاجرة نحو وادي الفرات والنيل منذ عصور بابل ونينوي وفراعنة مصر وغيرها من الهجرات. ثم تطرق المؤلف إلى الحضارة العربية ودورها في العمران والزراعة والثقافة وبعض الوقائع والمفاخر العربية. وهذا الرؤية تحتاج إلى الباحثين وتقدير من العارفين كل فترة وكل زمن فيها والظروف التي تشكلت منها مختلف القبائل ولصعوبة البحث فيها الآن, قررنا أن نكتب الحباب كما نعرفه نحن في إرتريا والسودان  وهو اسم قديم يطلق على الأرض توجد بين إرتريا والسودان ومملوكة لعدة قبائل تتبع هذه الأرض تخصهم وتميزهم وتربطهم بمصالح مشتركة وهو عنوان يستدل به على قبائل معينة كان لها إدراك لذاتيتها الفريدة ومصيرها المشترك بوعيها المبكر وكانوا أقوياء بقناعتهم وتماسكهم ووحدتهم فقد تشربت الحباب هذه الأفكار من الماضي البعيد وتوطدت في أذهان الناس مفاخرها التاريخية وهي كتجربة تاريخية فريدة قل مثيلها بين الشعوب وصفحة عزيزة مهمة في تاريخ المنطقة.

وصار أسم الحباب حماية وضمانة إضافة إلى كونه اسما وعلامة وهوية لقبائل الحباب وكمحيط واسع دوماُ يؤمن بكل القبائل  كمرجع لكل الناس لكي تنتسب إلى سلسلة الأسماء والقبائل المعروفة كعلامة دالة لمعرفة عضويتهم في إتحاد الحباب. ولكن إذا عجزوا عن كشف سلسلة النسب فاء نهم يخرجون من نظامهم ويصبحون خارج نظام القبيلة, والقبيلة هي الأساس الذي يتحرك فيها كل التصور وهي الوحدة النظامية  في حياة أبناء الحباب كما إنه يقبل الحباب الولاء للقبيلة والإتحاد ويراها من أفضل السبل وأعم فائدة في الفهم الصحيح لخصائص الحباب وأصوله جامعاُ وشاملاُ وتعطيه خيارات متعددة للجماعات والأفراد ليعيشوا معاُ في إطارهم الواحد وأصلهم الأول الذي هو النواة الأساسية الذي تكونت منه الحباب. وكانت القبيلة بمثابة العماد التي وحدت وقوت هذا الشعور بمساهمة من كل قبيلة في غرس القيم العالية التي نعيشها اليوم ولو كان الحباب ملك لقبيلة واحدة في النمو لفقد توجهه وبعده ولاندثر , ولو لم ترتدي قبائل الساحل(الحباب) اسم الحباب لها لما بقيت ثقافة الحباب وتاريخهم إلى يومنا الحاضر علماُ بأن أرض الساحل(الحباب) كانت مفتوحاُ على مصراعيه للتفاعل الثقافي والحروب والغزوات لأن أقوى ضمان للبقاء والمحافظة على وجودهم يحتم عليهم خلق كيان صلب يقاوم كل الأخطار المتربصة بهم ويؤمن التعاون والوئام فيما بينهم

وظلت تاريخ الحباب لا تنتهي ذكرها الحسن حتى يومنا هذا مما يجعلنا نحس إنه مازال محفوظ بحفظ الله, سبحانه, وباعتزاز من ينتمي إليه ومحبة الناس له وعلى أساس ما تم وضعه من الجدود الأولين, وهل من العدل أصحاب الخواص الضعيفة أن يصطادوا في ماء عكرته دماء سالت من قبل,وخيول وجمال خاضت تلك المنازعات وبكل إيجابياتها وسلبياتها أفضت إلى هذا الإتحاد. ونحن اليوم نتساءل بعد 57 عام من الانشقاق هل يكون لأصحاب الخواص الضعيفة من زاعمات وأعيان, الذين لا يصلحون قدوة جمعهم حضور في نفوس وعقول جمعهم بعض هذا الفشل الكبير, ؟ ماذا فعلو بنا طول هذه المدة؟ وعلى هذا التساؤل هل يصلح شيخ القبيلة المضطرة الذي اضطر أهله وقبيلته للقبول به بعد موت أبيه مع معرفتهم بأنه لا يستحق المشيخة, وإنه غير مؤهل لها والصحيح هو أن يختار للإتحاد قيادي بتشاور أصحاب الحل والعقد شيخهم باقتناع وحماس لأنه يحمل صفات القيادة لإتحادهم الكبير وقد يكون هذا واحداُ من أهم الأسباب التي جعلت النزاع محتدماُ بينهم بالإضافة إلى عوامل وأسباب أخرى. وعلينا أن ندرك بأن الاتحادات القبلية الكبيرة تخضع قبائلها لعوامل متباينة تشكل طبيعة علاقات أفرادها وأعمالهم وتوجهاتهم. ويعود اختلاف هذه العوامل إلى التكوين الاجتماعي لها وهو ما يعني اعتماد معايير معينة تكون أساساُ تبنى عليه جميع شؤون المجتمع. وبما أن قبائل الحباب كلهم ناطقين بالغة تغري ومسلمين فان الفوارق بينهم تكاد تكون قليلة إن لم يكن لا وجود لها ولكن هذا الأمر لا يمنع من إبقاء بعض القبائل على مقاييس أخرى كنوع من الخصوصية والذاتية التي تؤمن بها انطلاقا من خلفية اجتماعية مترسبة وتبعا للتركيبة البشرية التي تكون القبيلة والأفكار التي ترسم دروب أفردها إلى جانب معيار الشريعة الإسلامية وإذا سلمنا بمعيار الشرع كأساس لحياتنا وعلاقاتنا فيجب أن نعرف أن العادات ولأعراف والتقاليد القبلية لها دور لا يخفى على أحد في بعض القبائل كما إننا لا نستطيع أن ننكر أن هذا الدور لا  يقتصر على المشاركة مع الشرع وأن يكون جنبا إلى جنب معه أو امتداد له لتحقيق الشمولية المنشودة والتكامل الذي نهدف إليه وعلينا أن نحترم العادات الحبابية التي تشكل حياة قبائل معينة من الحباب وتنظم علاقاتهم وجميع أمورهم.

الاعتقاد السائد في كثير من المجتمعات وخاصة القبلية منها أن العلاقات بين الأفراد تبنى على مدى قوة رابطة الدم فقط وإلغاء جميع الاعتبارات الأخرى وإذا كانت العادات والتقاليد والأعراف قد لعبت دورا كبيرا في تأصيل هذا الاعتقاد فاءن البعض ينطلق من رؤية دينية حسب وجهة نظره اعتمادا على فهم خاطئ للآيات الكريمة التي تدعو إلى التكافل الاجتماعي بدءا بالأقرب فالأقرب والأحاديث الوردة في هذا الشأن:

فمن مبادئ الشرع إنه دعا إلى التكاتف بين الأفراد بما يحقق الشمولية والمساواة بين الجميع والتحقيق ذلك حرص على البدء بالأسرة فالأقربون فالجيران.. وهكذا حتى يعم المعروف . لأن صلاح الفرد صلاح للأسرة التي ينتهي إليها وصلاحها صلاح للمجتمع بشكل عام فإذا كان التوجيه القرآني يقول  ” الأقربون أولى بالمعروف” فان ذلك لا يعني الإحسان إلى الأقارب فقط ولكن يعني التدرج إلا أن الفهم الخاطئ لهذا التوجيه حصره في نطاق ضيق معتبرا أن التوجيه هنا  يعني الحكم بمزيد من الخصوصية والانغلاق.

كما  أن الفهم الخاطئ يظهر مرة أخرى في عدم معرفة المعنى الحقيقي للحديث النبوي الشريف القائل ” أنصر أخاك ظالماُ أو مظلوماُ ” فمن يعتمد العادة  منهجا يغيب عنه  أن الحديث يدعو إلى زجر الظالم ونهيه عن ممارسة الظلم مهما كانت صلة قرابته وإذا طبق ذلك يكون فلن يكون هناك مظلوم وهذا يحقق النصرة التي دعا إليها الحديث وعدم الفهم هنا يدفع المرء إلى اعتبار أن المناصرة هنا تعني مساعدة الأخ الظالم على ظلم الآخرين وانتقام له إذا كان مظلوماُ نظرا لأن التقاليد تقول : أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب.

والملاحظ أن تطبيق هذا الاعتقاد الخاطئ يتجاوز المحيط الضيق أو الخصوصية السابقة التي تنطلق من التكافل الاجتماعي ليأخذ بعداُ أكثر في النصرة غير المرغوبة, لأنها ذات مجال أرحب وأوسع للفخر بالقبيلة وانتماء إليها. وهو ما يذكي العصبية بأشكالها المتعددة التي تتعدى أثارها العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد إلى اعتناقها منهجا ينظم كل أمرها الخاصة والعامة. وتستفحل الأمور وتكون كل القبيلة دخلت في نفق طويل وتتسع المشكلة وتصبح المجال مفتوحاُ لكل المعترضين وهنا يتدخل الوجهاء لحلها أو تبقى كما هي معقدة وربما يكمل الأحفاد ما بدأه جدهم يتطلب حلها وقتا أطول بين معادلة القبول والرفض والشهود الذين يقفون على الأبواب بانتظار الإدلاء بشهاداتهم من مبدأ الفهم الخاطئ لمعنى النصرة. وهذا الذي نبحث له علاج.ولكن العفو ضروري وهو من شيم الكرام قديماُ وحديثاُ يتم بعض تشخيص المسببات يأخذون عليهم العهود عبر مشايخهم حتى لا تتكرر مرة أخرى. وفي الحباب توجد أروع صورة لمعادن الرجال من أجداد الحباب كانوا يعفون حتى لا يثور الدم بين أبناء القبائل فيقتتلوا في مسائل لا تسمن ولا تغني عن الجوع  وكانوا أوفياء لمن لذا في حماهم  ونذكر منهم بهت حقوص  الذي حل ضيفاُ إلى الرجل الشجاع كنتباي حامد وشرح له توجه السياسي واقتنع بها كنتباي حامد وكان  معه كريماُ ومضيافاُ وشهماً, وهو رجل من طراز نادر وفارس سليل المجد رفض الخضوع للاستعمار الإيطالي وبرز في مقاومة الاستعمار وإعطاء الحباب الملامح الوطنية, وعندما عرفت إيطاليا إنه تأهب لمنازلة الإيطاليين حاشداً جيشاً عرمرماً لهم وهو و صديقه بهت حقوص وبيت أسقدي وطينعي دقلي ينحدرون من تجمع قبلي واحد في أكلي غوزاي على الهضبة وكانت الحباب تعرف هذا التقليد وشكلت وحدة لمقاومة إيطاليا وقد قاوموا مقاومة بطولية ضد إيطاليا وكانت إيطاليا مسلحة من رأسها حتى أخمص قدمها تمكنت من  أسر كنتباي حامد في سجن نخرة في جزيرة دهلك ودفن في إمبرامي. وسرعان ما تمرد جزء كبير من الحباب ضد إيطاليا ونزحوا  باتجاه الشمال إلى طوكر حتى حلايب داخل السودان وينظر إلى هذه المواقع كمناطق تقليدية لمضاربهم يهاجروا إليها في مواسم الشتاء وتشكل مركز شبه دائمة للقبيلة المنتقلة  ومنهم أقل ترحالاً في السهل وفوق التلال. في ألغينا ومابأ ونقفة وكبكب, وقد مرت الحباب بفترة حرجة للتكيف مع الإستعمار الإيطالي  بدأ ينهار فيها نظامها وادارتها المحلية نتيجة لنزاعات عديدة انتقلت فيها السلطة من يد إلى أخرى أضرة في ولاء الناس وبدأت العلاقات تبنى فيها من جديد ولم تعد في حاجة بعض القبائل لهذا الإتحاد , بدأ كل شيء يتقطع من روابطه  وماضيه والمقطوع ينضم إلى بعضهم البعض, وأن أصل المشكلة يمكن تتبعها من هنا عما نستطيع أن نسميه بداية الخلاف.

 أما فترة الإستعمار البريطاني جعل التناقضات بين القبائل أكثر حدة لتعزيز مخططاته على توجه الناس ولم تكن الحباب راضي بذلك. ويقول الشهيد عثمان صالح سبي في مقدمة كتابه وثائق الخارجية  الإيطالية حول احتلال إرتريا المجلد الثاني ترجمة ونشر  البعثة الخارجية لجبهة التحرير الإرترية قوات التحرير الشعبية صفحة رقم 14-307 يقول: ومن المفارقات العجيبة التي حدثت عند الاحتلال الإيطالي ورود مندوبين عن عدد من القبائل والمناطق من مختلف أنحاء إرتريا تطالب الحماية الإيطالية, باستثناء منطقة الساحل التي اعترضت على الاحتلال الإيطالي لخضوعها للنفوذ الروحي والسياسي للدعوة المهدية تحت راية عثمان دقنة, قائد شرق السودان المشهور. ويقول الكولونيل ساليتا على مذكرة وزارة الحربية الموجهة إلى وزير الخارجية بتاريخ العاشر من مارس-آذار1885القبائل التي طلبت حمايتنا لها هي قبيلة الحلنقة وقبيلة سبدرات وقبيلة القدين وقبيلة بني عامر وتقيم هذه القبائل في المناطق الممتدة من سنحيت إلى كسلا. وإن قبولنا حماية القبائل المذكورة يقتضي منا احتلال كرن وإرسال قوة إلى السودان الجنوبية. وقد سبق أن أطلعنا الحكومة على طلبات هذه القبائل وجوابنا المعمم عليها, ورجونا سيادتكم تحديد موقف الحكومة ورأي مجلس الوزراء بهذا الشأن لنتمكن من تحديد موقفنا هنا.   والقبائل التي تقيم في المناطق من سواكن إلى مصوع أصبحت موالية إلى عثمان دقنة ومن غير المحتمل أن تطالب حماية حكومتنا لها. أما القبائل التي تقيم في جنوب مصوع , وهي قبائل ساهو. والتي تزعم الحبشة بأن لها حق السيادة عليها. أي على القبائل المذكورة, وتنهب قراها. هذه القبائل تدعيها مصر, وقد يعني قبولنا تقديم الحماية لها احتمال تعرضنا لبعض المشاكل مع الملك يوهنس(يوحنا) ملك الحبشة. إلا أن الموضوع اخذ شكلاً جديداً الآن, وذلك بسبب توقع احتمال وقوع نزاع بين روسيا وانكلترا وتأثير ذلك على تجميد العمليات التوسعية في أفريقيا, وبالتالي تأثيرها على احتمال تأخير تنفيذ الحملات الإنكليزية على الخرطوم من جهة ولحين تسوية الوضع المصري بالطرق الدبلوماسية بدلاً من اللجوء إلى العمليات العسكرية. فان ذلك سيقتصر على تقدم قواتنا لوحدها أو بالاشتراك مع القوات الإنكليزية من سواكن إلى بربر. لا ضعاف قوة القبائل الموالية لعثمان دقنة وينتج عن ذلك العودة إلى الهدف الأول من احتلالنا لمصوع, إلا وهو ألا اكتفاء حالياً باحتلال المدينة والمنطقة المحيطة بها لأهداف تجارية . ويفضل خلال هذه الفترة الامتناع عن التلميح عن نيتنا التقدم نحو البقوص حتى لا تثير المشاعر الحبشية. وقد طلبنا منكم بخصوص هذا الموضوع اقتصار استعداداتكم على الأعمال الدفاعية لتحصين مواقع قواتنا في مصوع, بحيث يمكن الدفاع عن المنطقة بعدد قليل من القوات. واليكم الوثيقة التي رفعها المستر بورتال إلى ملك الحبشة .

” أن صاحبة الجلالة الملكة فكتوريا, رغم شعورها بالأسى العميق للمذبحة التي ذهب ضحيتها 450 إيطالياً التي اقترفها الراس الولا في كانون الثاني(يناير الماضي 1887 في دوجالي, فأنها تأسف كثيراً لرؤية صديقها, صاحب الجلالة الملك يوحنا, في حالة حرب مع ملك إيطاليا.

” ونظراً لأنها شديدة الاهتمام بتجنيب الحبشة. إن أمكن, ويلات مثل هذه الحرب, فاءنها سألت حكومة إيطاليا ما هي الشروط التي تجعلها تعيش بسلام وصداقة مع الحبشة, وتوقف ألا استعدادات لحرب عظمى. ولقد أجاب ملك إيطاليا بأنه شديد الرغبة والاهتمام باء حلال السلام, وبأن يكون على صداقة وعلاقات تجارية مع الحبشة. ووعد بأن كل الاستعدادات للحرب سوف تتوقف, ولن تحدث أية أعمال ‘عدائية من قبل إيطاليا إذا وافق صاحب الجلالة الملك يوحنا على الشروط التالية:-

1-  ” الاعتراف بالحماية الإيطالية للقبائل العربية الاساورتا والحباب.

2-  ” أن تبقى سحاتيSahati   وويا Wia مناطق إيطالية تحيط بهما منطقة تبعد مسيرة يوم كامل.

3-  ” لتلافي أي منازعات في المستقبل, تحدد حدود الحبشة بقواميع تبنى على مسافات منتظمة. وتمر بخط حدود يقرره لاتفاق بين  الحبشيين والايطاليين, بالتنسيق مع انجلترا التي سوف ترعى مصالح الحبشة. وتصبح قندع مدينة حدود تابعة للحبشة.

4-   تبقى سنحيت يحتلها الطليان.

5-  توقع معاهدة سلام وصداقة وتجارة بين الحبشة وإيطاليا.

وتأمل الملكة فيكتوريا شديد الأمل – ولها شديد الثقة. بأن صاحب الجلالة الملك يوحنا سوف يعطي سفيرها- بدون أي تأخير. موافقته على هذه الشروط, وأن جلالته سوف يحفظ للحبشة بهذا نعم السلام والتجارة ولازدهار.

أشانجي- 8 كانون الأول (ديسمبر 1887)   التوقيع : ج. ه. بورتال  وهكذا فأن إيطاليا قد انتزعت بصورة تدريجة أرضي أكثر من أرض المنخفضات وخلقت بطريقة مصطنعة في عام 1890 إرتريا

ومجلة بلادي السودانية في عددها السابع عشر الصادر مايو/ يونيو1998 تقول  كان أول قرار أتخذه كتشنر خلال أسبوع عقب معركة كرري هو إعادة فتح سوق أم درمان بينما يسعى الإيطاليون على عهد استيلائهم على إرتريا أن يصلوا مصوع بسوق أم درمان عبر خط حديدي يربط بالشبكة الحديدة السودانية.

 ونعود إلى موضوعنا  ونقول كانت للحباب عهود مع القبائل المتعاونة والمتماثلة لهم تسمى “قلد” وهو احترام متبادل في حدود المكان لذي استقرت فيه كل قبيلة تتبادل مع قبيلة أخرى أحوال الحماية والتقدير لرأس القبيلة وارتباط معهم بما يشبه الحلف.

الحرف اليدوية

الحرف اليدوية في بلاد الحباب كانت احدي المصادر الرئيسية للدخل عند السكان إلى جانب الزراعة وتربية الماشية ولقد كانت تمثل من جهة أخرى اكتفاء ذاتيا لهم وسدا لاحتياجاتهم البسيطة في قديم الزمان ,أما الآن فقد اندثر معظم هذه المهن نظرا لانتقاء الحاجة الفعلية إليها وارتفاع دخل الأفراد ووجود الورش والمصانع الحديثة ويسعدنا فيما يلي أن تواصل الحديث عن بعض هذه الصناعات   مثل دباغة الجلود وسوف يكون حديثنا في هذا الصدد  كذلك عن مهنة النجارة . ساعد توفر الأشجار المتنوعة والماشية والعاملين في دباغة الجلود في بلاد الحباب   يقومون  بصنع بضع أدوات خشبية كانت أم جلدية متنوعة الأشكال والأغراض لأجل سد حاجاتهم وحاجة غيرهم من السكان البلاد ومما كانوا يقومون بصفة , أدوات الحرث والري وأدوات رفع الماء من الآبار أو الأدوات المنزلية المتعددة كاالطيشو والشيمت (البطانية) أو في عملية التعمير والبناء وبيوت مرتفعات أرض الحباب تشبه مرتفعات إرترية مبنية من الحجر والأسقف من اجذاع الأشجار الكبيرة تسمى” نيحس”  وتوجد في داخل البيت والأبواب والنوافذ دقة في التصميم ومن رسوم ونقوش جميلة تظهر واضحة للعيان على بيت العروس , هذا ومن الجدير بالذكر أن مواد تلك الصناعات الخشبية كانت تستخرج من خامات المنطقة الطبيعية مثل أشجار ذات الجودة العالية والمقاومة للعوامل الطبيعية كما إنها مطاوعة للحفر وتصنع منها الكثير من الأدوات المنزلية وكذلك بعض أشجارها كانت تستخدم بمثابة الصابون اليوم .وكانت الغابات والأشجار مزدهرة ونمت معها المنحوتات الخشبية في المنطقة. وهو نشاط اقتصادي غير منظم, كان بيع الخشب ولا يزال علاً مزدهراً في هذه المناطق وكذلك تجارة بيع الفحم النباتي بدلاً من ذلك’ فآلاف الهكتارات تجرد من أشجارها للبيع في مراكز المدن الإرترية حتى أصبحت المناطق حول المدن والقرى  التي كانت مجاورة للغابات خالية من الأشجار والشجيرات ومن ثم  كان لزاماً على نساء وأولاد الريف أن يسيروا مسافات أبعد إلى حيث الجبال والأودية ذات الغطاء الشجري الكثيف للحصول على الأخشاب. وعندما يقطع جامعوا الأخشاب, الأشجار ذات الحجم الأكبر للحصول على جذورها وأخشابها لا يتبقى لحيوانات الرعي سوى النباتات الأصغر حجماً في المنطقة. وهذه النباتات غالباً ما تنتهي بنهاية الموسم ولا تستقر غير عام واحد ولا توفر للمراعي سوى أسابيع قليلة. وكانت هذه العوامل المسببة لتدهور المراعي فآلاف الهكتارات قد جردت من نباتاتها وكانت السرعة التي تجتث بها الأخشاب تفوق الخيال ويرجع ذلك إلى وجود الجبهة الشعبية التي استوطنت هذه الأرض من عام1970  قد قضى تقريباُ على كل الخشب وتلاشت الأشجار في المنطقة بسبب الكثافة العالية من المقاتلين وارتفاع الطلب على الخشب لطبخ والتدفئة وركزت الثورة على الأشجار الكبيرة لجودتها لدفاعات الأرضية, وأدى نمو المدن الكبيرة إلى تزايد الحاجة إلى خدمة من نوع جديد وهي بالتحديد توريد الخشب. ومنذ حوالي خمسون عام والسيارات تحمل الأخشاب وأكوام الفحم وكانت من المناظر المألوفة وجزءً من الحياة اليومية للناس وما حصل لا بد إنه كان استمرار لعادة عمرها آلاف السنين ترتب على ذلك هذا الدمار الذي انتهت فيه موارد الحباب وتغير وجه الحباب وتحولت كثير من أجزاؤه إلى شبه الجافة وإلى أرض قاحلة , وحصلت فجوة اقتصادية كبيرة, عن غير قصد من الإنسان الإرتري . والناس يذكرون المراعي الغنية بعد سقوط الأمطار حين كانت الأرض الحباب يغطيها بساط من النباتات ذات النكهة الطيبة والأشجار المعمرة ,  ومازال إنسان المدن حينما يزور هذه المنطقة يتحول إلى جامع للحطب لقتل ما تبقى فيها, من النباتات والحيوانات البرية وانقرضت الحيوانات المحلية بفعل شركة إنكودي ,الكوماندوس والمجاعة والأمراض وفقدت الغطاء الأخضر في المراعي وتصحرت الأراضي التي أزيلت منها الأشجار. وبدأت الحباب تعتمد السمن والحليب بدرة المستورد من الخارج  وبعد أن كانت المنطقة مكتفياً ذاتياً, اليوم تقع المنطقة تحت ضغط كبير للحصول على الأخشاب والماء النظيف تصعد جبلا وتهبط واديا على الدروب المتعرجة كالأفاعي للحصول فقط قليل من الحطب, كما انخفض دخلهم قياساً بالماضي وفرضت عليهم نمطاً استهلاكياً يفوق قدرتهم على الإنتاج والشراء, الكل يعاني من ضغط بيئي وسكاني, والحال كما كانت عليه في زمن الاستعمار والعواقب مخيفة. تمزق فيه الحباب وفقد توازنه وضاقت بهم الحيات وتفككت الأسر وترتب علية أنواع من التفكير وسلوك تفرد إرادتها على الجميع .هكذا قادنا الخطر الأول إلى الخطر الثاني دون رأي ولا موقف منا.

 ما زال استغلال جمع الأخشاب مستمراُ بكامل قوته لصالح الدولة بما يمثل إنتاج ضخم قيمته الملاين. وكل الأخشاب الذي تدخل إلى المدن الكبيرة هي قادمة من أرض الحباب وبركه عبر مدينة كرن تراها تتكدس أمام نقاط التفتيش وداخل المدن الكبيرة, والنتيجة هي استنزاف مفرط لهذه الموارد تتطابق مع تلك الذي كانت تقوم بها القوات الإثيوبية في المنطقة سابقاُ.

أن مستقبل إنسان المنطقة مهدد بشكل عام بسبب انتشار الفقر, فبسببه تتعثر الكثير من أحلام المستقبل وتزول الطموح في الوصول إلى مستوى أبناء المرتفعات خاصة فيما يتعلق بالاحتياجات الأساسية مثل التعليم والصحة والمأكل والمشرب والمواصلات,وكل المستعمرين لم يكفلوا للمنطقة هذه الحاجات الضرورية لأسباب نجهلها,ولكن هي أسباب محرجة لدولة ومؤسفة لنمو غير المتساوي في بلادنا. وفقر المنطقة كما نراه هو نقصاُ في كل شيء وندرة في الفرص وتهميش متعمد  لطبقة من المجتمع الإرتري تاريخيا, تتمثل في حرمانها من الوظائف, وإبعاد الخدمات الاجتماعية عنها بجانب عدم توفر الإمكانيات المادية لم يقتنوا شيء يمكن أن يدعمهم في المستقبل حتى الآن.كما أن سعر الغذاء في ارتفاع متزايد أصبح يتشابك مع قضايا سياسية وحزبية هي الأخرى تؤدي إلى مزيد من الفقر المدقع في البلاد.وهذا شيء مخزي تضغط به الدولة الفقراء أصلاً, مما يجعل الجوع ووفاة الرضع ,والأمراض منتشر بينهم.  لم يكن رجل الحباب البدوي مربوطاً فقط في الأرض كما هو شأن المرتفعات الإرترية ولم تكن مصالحهم في الحياة والمواقع على دارجة واحدة. كانت لهم مراعي في أرضي واسعة واسمها ليس دومنيالي بل هي أرض ملك لقبائل معينة معروفة لدى الناس فهي سنة مخصبة وقد تجدب سنة أخرى فإذا أجدبت غادرها إلى أرض أخرى ففي الحباب الأرض تنسب إلى القبائل وهذا الإقليم بذات يستند على خلفية غنية من تأريخ سكانها, وهو الإقليم الأم لمعظم قبائل سمهر وسنحيت وبركه. ولا يصلح اليوم لصوص الأراضي أن يستعملوا كلمة دومنيالي كأرض ليس لها مالكون.  وللمعلومة صك هذه الأراضي هو قبائلها وكانت الأرض تكبر وتصغر وفق العرف القبلي تتوارثها الأجيال وتشهد فيها أطراف عديدة. واني أشفق على من تعرض للسرقة الدولة.  وكلما أرى أرض المنخفضات أصبح ثروة يتزاحم الكثيرون على امتلاكها واستثمارها بنشاط مدعوم من أبنائهم في الخارج ومباركة الحكومة أن ينهبوا ويمتلكوا في أرض بركه والسهول الشرقية مشددا  الحكومة لهم القوانين على أصحابها الأصليون  وتعجزهم  بل قضت على مشايخهم وأعيانهم وأنشئت نخبة جديدة أخذت دور العلماء وأعيان البلد تسما زوبا صبغة أرضهم بالطابع المسيحي . وتحكم كل نشاطهم مما أصبح نصيبهم في الأرض والعلم والوظيفة صفر فبقيت مناطقهم خارج سلطة الدولة في معظم العهد الاستعماري وعلى أطرافها السياسي, تاركة بصماتها الاستعمارية علينا من تخلف وفقر ومرض, ونعم المرتفعات بالاستقرار الذي كان العامل الرئيسي لتراكم الثروة في أيديهم ولاحتكار وظائف الحكم الإدارية. واختل التوازن السياسي والاقتصادي في البلاد نتيجة استمرار الروابط الخانقة لهذه المناطق.

والحباب شعب وجد في مرحلة من التاريخ يصارع كل الثقافات من حوله ونتيجة لهذا الصراع توغل إلى  حلايب في أرض السودان اليوم غزوا مصوع وسيطر عليها كنتباي حامد وهذا ليس فيه جدل يعرفه الحباب كله, والرواية التي كتبها الأستاذ محمود لوبينت تغلف الحقيقة وتنحاز لصالح النائب  وأعطاه أكثر مما حصل في تاريخ,  وقلل الكثير من شأن كنتباي الحباب بطريقة لا ترقى إلى مكانته التاريخية, وبصراحة لست وحدي فالكثيرون من الناس يعرفون أن أحد لا يستطيع ضرب كنتباي مهما كان شأنه  ببساطة لأن في تاريخ الحباب الجراح لا تندمل ولا تلتئم ولا تبرأ إلا بالدماء , وهناك كثيرون طالبوا الحباب النسيان والتوقف عن الغزو والإحساس بجراحات ولم ينجوا. والحباب طارد كل من حاول الوقوف في طريقه فبعده بل تباعه أين ما ذهب يطارد فلوله لأنه لا  يتعرف بالهزيمة أبداً ولا أحد  كان يختلف من بيت كنتباي أن تاهتز مكانة الحباب. وكان الحباب الأكثر ميلاً للحرب في أمور الدنيا كلها, يعلنها ليجرف في لعبة السيف عمالقة الأرض من حوله, وعاش الحباب مستغلاً  لا يعرف الاحتواء والخضوع مهما ما كان نوعه, لا أدري كيف سقطت ذلك من ذكرة الإستاذ محمود لوبنت ليقول أن الحباب كان خاضعاً لإدارة بيت نائب ليقع في حقل الألغام بفتح هذا الموضوع الذي سوف يفضح المستور ويكشف أموراً عديدة قد تكون مثيرة للجدل. وإليكم هذه الدراسة وهي جملة من الأدلة التي جمعوها باحثين في شأن الحباب من كتبات العصور القديمة تناولت تاريخ ودراسة هجرة أسقدي وتحليلها بقدر كبير من الأهمية لمعرفت العام الذي هجر فيه أسقدي من المرتفعات إلى أرض الحباب والقوم الأوائل لذي وجدهم في رورا حباب من القبائل الإرترية. وهي دراسة موضوعية مستقلة أجريت من قبل 6 باحثين أجانب  مفادها أن مملكة الفنج التي إنهت إلى حالة مزرية بفعل غزو أسقدى لمواقعها وأطرت أن تخلوا مكانها له دون مقاومه تذكر لأسباب  مازالت مجهولة. وفي كتاب السودان المعاصر لدكتور زاهر رياض في صفحة 14 يقول عن سلطنة الفنج: إنه لا يستطيع أن يقول شيئاً مؤكداً عن أصل الفنج وإن كانوا يدعون أنهم نسل الأمويين الذين استقروا هناك منذ 132 هجري حين هرب مروان الثاني آخر خلفائهم إلى مصر حيث قتل. بينما أمعن من معه في السير حتى دخلوا السودان واستقر بعضهم في شرقه ولكن هذا أقوال لا يستند على أساس تاريخي. وهناك من يقول أنهم أتوا من الغرب وتغلبوا على الشلوك الذين كانوا يقطنون أعالي النيل الأبيض وتقدموا إلى سنار محطمين مملكة علوة المسيحية.

وفي قول روبيني Robini  أنهم استمرار لحكم سابق كان قائماً في الشرق حول طوكر وانتقلوا إلى الموطن الجديد بعد أن تغيرت الأحوال المناخية في الموطن الجديد وصار الاستمرار هناك مستحيلا. ويميل إلى هذا الرأي أيضاً الأستاذ الشاطر بوصيلى والذي يقول  إنهم من أصل عربي هاجروا إلى شرق أفريقيا في القرون التالية لظهور الإسلام حيث استقروا لفترة أخذوا بعدها في التحرك نحو الشمال متتبعين مشارف المرتفعات الاستوائية حتى انتهوا إلى منطقة لملم قرب طوكر الحالية حتى إذا كانت نهاية القرن الخامس عشر دخلوا منطقة الجزيرة. وإليكم المقال كما ورد بالغة الإنجليزية.

 

لقراة المقال باللغة الانجليزية اضغط على الرابط ادناه  -المحرر

 

THE HABAB TRIBE

BY

 

O.G.S. CRAWFORD

Editor of Antiquity

         

 

ترجمة النص بالعربي

 

قبائل الحباب

بقلم/ أو. جي.اس. كراو فورد

محرر العصور القديمة

 

                              هذا المرفق جدول لسلالة النسب ودمج لقراءات مختلفة من المصادر التالية:

 

1. ملف نيوبولد:     484,  ii يتضمن قائمة الأسماء المباركة تعرض أسلاف الشيخ محمود إلى 54 جيل من عدنان إلى نوح ولم تشير إلى مصادر هذه القائمة.

 

2.  في الصفحة 317لسلسلة النسب من سلالة حسن ابن هداد وقائمة أسلافه إلى أن يصل هبتيس, كما ورد في كتاب تاريخ الحباب للكاتب سي.اش. توم سون.

 

3. في الصفحة 318ـــ20: في كتاب تاريخ الحباب وفق رواية حسن كنتباي محمود الذي عاش لمدة 8 سنوات في ارض اكلى قوزاي حينما اكتشفها: كتب ذلك في يناير من عام 1932

 

4. جيسبي سيبتو: في كتابه viaggio e missione cattolica (rome, 1857), 160.

 

5.  Carlo Conti Rossini: Note sul Sahel Eritreo, Rivista degli Studi Orientali, Vol.VI (Rome, 1914), 381 هذا يتطابق مع الآخرون ولكنه يهمل الأجيال التي تقع بين حدمبس بئمنت.

 

6.  هانو ليت مان: Bemerkungen uber Islam in nordabessimien:Der Islam I, 1910, 68-71.

 

بخصوص المذكور الإعلاء المصادر الثلاثة الأخيرة حتما اعتمد على المصادر الأولى الثلاثة ومن المحتمل على بعضهم البعض أما المصدر الثالث يحتمل اُعتمد على الاثنين الأوائل إلى هنا ويوجد عل الأقل ثلاثة مصادر مستقلة وربما أربعة وهي مرضية لأنها كلها متماسكة.

 

يتخذ عام 1920 كعهد كنتباي محمود والذي كان حي ( ولكن عزل) في عام 1932 قمنا بتجربة بسيطة بواسطة تقديرنا للأشياء الميتة إلى ما وراء 30 أجيال من التاريخ وعليه توصلنا لنؤرخ العصر1680 كعهد كنتباي هبتيس, والعصر    1500كعهد اسقدي والعصر  1200 لزوديتو.  وفيما يتعلق باسقدي التقدير المتوسطي كما يتوافق مع مصادر مستقلة هو في عام 1482 ولذي ذكر في “”un altro Singnore chiamato Aschadi وهذا الزعيم القبلي كان قد قابلة سيريانو بعد ثمانية أيام من مغادرة أخر يدعى سيون سيربا: وهذا يبدو لتعني (شوم) منطقة سرايئ ومن الأضمن تعرفها مع دبا روا, والتي هي مقر إقامة الزعيم أو عاصمة بحر نقاش. ولأن مانسفلد بار كنس شدت انتباه منطقة تدعى أسقدي, شمال غرب اكسوم.وكانت جزء من مقطعة شيرئ وإذا كان يتعين علينا أن نأخذ حوالي ثمانية أيام مسافة تمثل 80 ميل من التضاريس الوعرة في منطقة شديدة الانحدار في بلد صعب للغاية ولكن نستطيع دون ذلك أن نوازن بين أسقدي ما نسفلد بار كنس و اسقدي سيريانو( هنا من الأشياء المألوفة تماما استعمال أسماء لزعماء القبائل البارزين في أسماء المناطق) الموقع ليس هو بضبط ومع ذلك مهم لغايتنا الحاضرة والتي تثير في 1482 أسقدي لم يهاجر بعد باتجاه الشمال إلى أرض الحباب الحالية هذا الرحلة لي سيريانو تمكننا أن نؤرخ تكوين قبائل الحباب ليس ببعيد من بعد, 1482كما يتوافق بشكل مناسب مع التاريخ الذي يقول (القرن 1500) كما حدد مسبقا على انه كان عهد أسقدي على أساس التقديرات للميت.   

 

مدونات سجلات السودان

قبائل الحباب

 

 

والعرف العشائري تضع موطن أسقدي الأول أكلي قو زاي ولذي يدعوها ليجين كلوقوزاي (Kollo Gouzay )  في تغري ( والمقصود هناالمجاوره لتغراي)- ولكن لم تكن وما كانت أبدا في أرض اكلى قوزاي المجاورة لتغراي وبناء على نفس المؤلف يقول كان له ثلاثة أبناء وهم أبيب,  تكليس وتماريام, وهم الأساس الذي تكون منه الحباب ( ليت مان يجعل هؤلاء أبناء الثلاثة لمفلس, كأنهم أبناء أسقدي) فعلا أسماهم تشير إنهم كانوا يدينوا بالمسيحية. وبناء على تفسيرات ليت مان تكليس تعني تكلي يوسوس, أي نبتة عيسى وهبتس تعني هبة عيسى وتماريام تعني هبة مريم.

 

روسيني يسجل وصول أسقدي إلى منطقة الحباب في حوالي النصف الأول في القرن السادس عشر. التاريخ يستند على الافتراض لتقديرات الميت فقط. ثم استقر على الهضبة (روره) في مكان يدعى لابا وهو اسم رافد وادي عنسبا يقترب من جهة الجنوب لمنطقة أسقدي بقله. بقرب بقايا خرائب لمنطقة تزرتزيرا Tzertzera) ( حيث عاش الفونج. وكانت لأسقدي العديد من النزاعات مع قبائل الفونج في الأغلب تكون مثل تلك المناوشات المألوفة عند البدو والتي تدور حول المسائل الماشية. وعندما جاء أسقدي هناك وجد البلو والفونج كمحتلين للمنطقة: ولكن عند وصوله آخذو الفونج في التحرك باتجاهات أخرى و بقى منهم عائلة واحدة فقط. علمان البلو جاؤ من بركة, ومازال توجد لهم بقايا قليلة في المنطقة.

 

كلتا هذه رواية بالتأكيد اعتمد كل الاعتماد على ما ترويه الذكرة العشائرية التقليدية من قبل المؤلفين والذي كان شخصيات مألوفة في هذه المناطق يبدو قرروا أن يتوافقوا مع الأشياء الرئيسية إلى حدا ما بدلا من أن يشوشا فيها ولكن جهة مستقلة, كتبت في يناير, من عام 1932 وفقا لروية أملاها لهم كنتباي محمود تقول بأن أسلاف الحباب, هم من زود أبوسهل, هاجرو من اكلي قو زاي   في أيام الفتوحات الإسلامية. لاحقا تمكنا من احتلال نقفة و روره.  أسقدي ابن بئمنت جاء إلى روره في منطقة تدعى انديلال وكان معه أخيه باحيلاي وشكلا قبائل. ثم تقاسما المنطقة فيما بينهم وعملوا معاهدات مع البلو والباريا.( هذا يبدو يتوافق مع المرجع لبلو والفونج في رواية السابقة) هؤلاء كانوا من قبائل بركة وتصاهروا معهم.( أما بقية القصة لا تهمنا هنا.)

    

سيبتو المبشر والذي عاش لبضعة أعوام في المنطقة عرف المنطقة وسكانها جيدا ويمكن بمقدره أن يتكلم لغتهم صرح بقوله بان الحباب لم يتفقوا بشأن موطنهم الأصلي على وجه الدقة منهم من يقول انه في طنعي دقلي في أكلي قوزاي, وآخرون يعتبرونه في تدارار في منطقة الحماسين(ومن هذا تتضح لنا إنهم يمزجوا تدرار اكلي قوزاي والتي تبعد37 ميل من الجنوب الشرقي من العاصمة أسمرا.) على أي حال إنهم جاؤ حتما من هذه الأماكن ومعهم الكثير من المؤشرات أسلافهم (antenati) كما وجد سيبتو أسماء مثل بحر نقاش, وعدي بارو ودباروا, ومثل كرم- مداس, (Karm-medas) طالو ق, (Taluq ): جميجان  Giamman-oi  جانوهوي   Giann-oi حدمبس, بئمنت. وفي منطقة انديلال وجد سيبتو شيء جدير بالاعتبار (Graandissime ) بعض أثار وخرائب لمدينة دولة اباسينيا مع بقايا لكنائس ولأديره” e aleme lettere dmrizione شوهت من قبل المسلمون. واستنتج سيبتو بان المدينة كانت شبيه بمثل ليحايحا (Liha-yeha ) في تغراي ويؤسس اعتقاده هي أيضا كان لها الحروف الحمرية أما رفيقه ومرشده محمد فكاك(Muhammad Faqaq) وأيضا يدعى ناود انه يصر ويقول عنها بان انديلال نفسها كانت تماما مثل بقله حيث لا يوجد شيء يرى أو يلاحظ غير حظائر المواشي أو قرى بمثل تزرتزيرا المهدمة. أما الأماكن الثانية ولأحدث عهدا كانت قرية واسعة ومهدمة وفيها العديد من أكوم الحجارة القبور(sepolehri a biea) سيبتو ذكر بان كلمة الحباب يرجع اسمها لكلمة جمع لأسم شخص يدعى حبيب, وهذا الحبيب كان الأب لطه مريم. سبيتو لغته لم تكن مضبوطة وكذلك في معناها أحيانا مبهمة.  ولكن كتابه يحتوي الكثير من المعلومات القيمة. كونه الأوربي الأول الذي يكتشف المنطقة ومن خلال التعاون مع مانسفلد بار كنس تمكن من المرور إلى الأجزاء الجنوبية في عام 1843.

 

           الإيطاليون وضاعوا علامات في أطلال انديلال على 400,000 خريطة آخذة لإرتريا ( في صفحة 2, نقفة) 19كلو متر شرق جنوب الشرقي من قرقر,وكذلك يشمل 8 كيلومتر من تزر يره  شمال من جهة الشرق لندلال كلتا الموقعين صور من ارض مرتفعة حولأي 10الى 15 كيلومتر شرق من عنسبا التفاصيل الكاملة عنها كانت نشرة بقلم كنت رؤسني.

 

التاريخ التقليدي للحباب مهم لعله يؤكد نظرية واحده وهي أصول الفونج أما الآن يتحدثون عنهم على إنهم قبائل بدو حصر دورهم مع البلو وليس كحكام ومماليك لهذا الأسباب من المحتمل يعكس لنا أحداث كانت قد أخذت مكانها قبل ظهور تلك المملكة نؤرخ تاريخ هذه الأحداث وتم تقديرها على أساس حسابات للأشياء الميتة على نحو يقترب ليوافق من المرجع المعاصرة لأسقدي وهي ليس بأكثر(أن لم تكن بضبط) ولن تتعده عام 1500   

 

وكلمة أسقدي ليس كلمة من أصل جئز أو أمهرية من المؤكد أسقدر( Asgadr) كان اسم قائد عسكري لراس سيلا كريستوس في حرب الجالا في عام, 1618ولأسم أعتبر من قبل Dill Mann دلمان كاسم شخصي اشتق من الكلمة ألإغريقية أي المحكمة.  Exedra (أعتقد بأن كلمة أسقدي وأسقدر هي تعني نفس شيء)     

 

تأتي التأكيدات المثيرة فيما يتعلق بالتقاليد الحباب من المقاطعة الأثيوبية شيري في تغراي. وشيري منطقة تتوسط الأرض المرتفعة بين نهر مأرب من الشمال ونهرتكأزي من جهة الجنوب: وتحددها من جهة الشرق مدينة اكسوم التاريخية المعروفة و من تجاه الغرب تحدد مدينة عدي هيابو الواقعة في الحدود الإرترية.وعلى الجزء من شمال الغربي لشيري بقرب من عدي هيابو,توجد تلك المنطقة التي ذكرة إعلاء ومازالت تسما منطقة أسقدي. التقاليد ولأعراف المحلية التي سجلت عن طريق الرحل جوفيني الئرو Giovanni Ellero والذي مات كأسير حرب ضاعت معه المعلومات التاريخية التي يعلمها المؤرخ عن هذا الجزء من العالم يعتبر موته خسارة كبيرة لدراسات الأثيوبية التاريخية, مازلت تذكر أصل اسم أسقدي كحفيد ما لرأس طيغينا, هذا المسيحي الذي غادر موطنه في منطقة عقامي في العقد الأول من القرن السادس عشر وبرفقة مسلم يدعى عبد الله. بعض من أتباع رأس طيغينا استقروا في ماي دكما (Enticcio ) وكذلك في منطقة حسبو بقرب من اكسوم أما رأس طيغينا والبقية ذهبا إلى الأبعد غربا نحو عدي هيابو أما ابنه زارأبرؤخ كان له سبعة أبناء: وهم أسقدي طقاي, ولذي اتخذ له تلك المنطقة المسمى باسمه حاليا. والثاني هو ريدا طمبله وأحفاده هؤلاء الذي يعيشون في منطقة عدي نفاس(addi-neccas )

أما الأخوين ادقحي و أسيبي استقروا في عدي هيابو وللأخوة الباقون وهم زهمان, أقام في ميدباي Medbai Tabor, أما أتوشيم وجدوا أحفاده في منطقة دمبي أراقاي, ومنتشرين في قرى كثيرة في منطقة سكلاكلكا.  Sclaclaca

أما تدأي, عاش في عدي قعداد, وتاسدا, سكن منطقة ماي قسكلا وما حولها. Mai Gusccla وأشهر العائلات الكبيرة في شيري اليوم يرجع سلالتها إلى هؤلاء الأبناء السبعة عبر تتبع إثناء عشر أو أربعة عشر من الأجيال مضت. 

 

هنا نحتاج للملاحظة, أولا تجدون برفقة هذه قائمة للأنساب وسلالات استمد تماما من مصادر مستقلة ومن مناطق أخرى, اثنا عشر جيلا بضبط تفصل أسقدي من كنتباي محمود( 1920). كما أن موطن جد أسقدي هو في منطقة عقامي على الحدود الذي يتاخم أكلي قوزاي لذلك وبناء على الأعراف العشائرية الأخرى بما يخص أصول أسقدي توجد روايات شفهية وجدنا فيها أوجه التشابه بينها: زارأبرؤخ خال أسقدي حسب قائمة الأنساب وسلالات التي معي بتأكيد هو نفسه زارأبرؤخ والد اسقدي بناء على التقاليد المتبعة في شيري أما عدي قعداد أي( قرية قعداد) مازالت تتذكر وتحي مناسبات أخي أسقدي قعداد.

 

 التاريخ الذي اقترحه الئرو متأخر قليلا أما يوميات الرحال سيريانو تؤكد بان أسقدي كان موجود أصلا في عام 1482 حتى ( كما يمكن) كان حينها للاسم مضمونا عامة وليس فردية أما هجرة رأس طيغينا كانت ضرورية يفترض دامت على الأقل جيل قبل عام 1482. في كتابي مملكة الفونج (في الصفحة 150 ) وضعت هجرة أسقدي الجماعية نحوى الشمال وتأسيس الحباب في حولأي عام1500 مستندا على ما قدمه هذا المقال من براهين والحجج وما بني عليها ولكن في الوقت الحاضر ينظر إلى تقديرات الميت إلى حد ما متأخرة, ومشكوك في دقتها لاعتمادها بشكل أساسي على الافتراضات وكان قد ذكر سيريانو بطبع بان ذلك مجرد تقدير تقريبي ولكن إذا كان أسقدي حيا في عام 1482 وهو ليس ببعيد عنها يفترض وسط هؤلاء رؤساء الجماعات الهمجيون الضيق الأفق ما كان أن يتمتع بحيات طويلة و لن تكون موفقة مثل هذه الهجرة بقيادة رجل عجوز.

 

أهمية هذه الأحداث المترابطة بنسبة لنا في السودان يمكن أن تكثف لنا بان هجرة أسقدي نحوه الشمال ربما هي التي أرغمت الفونج فعلا في رحيل من موقعهم أم شيء أخر.؟ التقاليد والعرف المورثة تقول بعبارات كثيرة فعلا تسبب في ذلك أما بخصوص تاريخ    1500 هو الأنسب فترة التي تتمشى تمام معه.

 

نقطة أخيرة تحتاج التوضيح وهي أحد إخوة أسقدي يسما أتو شيم وبنا على التقاليد مقاطعة شيري الكلمة تشير بما يشبه عدي أو عدي شوم تتكون من كلمتان تعنيان قرية وزعيم قبيلة ولأن وعلى الطريق سيريانو الذي كان يجب أن يتبعها خريطة (اسمرا) بمقياس 1,000,000  وضعت علامات  في قرية تدعى عدي شوم Adi-scium Ascale وتقع شمال نهر مأرب ( السيد دريك ماتيو تحقق من الاسم مؤخرا ). وكلمة Ascale,  شكل من, أو أخطاء لكلمة أسقدي ؟ ونتساءل هنا إذا يوجد أي تفسير في التقاليد العشائرية المحلية لأصل عن هذه الاسم؟ كما نؤكد بأن القرية ليست في شيري ولكن هي في سرايئ تماما في الجانب الحدود الإرترية.

 وفي جريدة الخرطوم الثلاثاء 10  فبراير2004 الموافق 19 ذو الحجة 1424 هجري  صفحة رقم 7  كتب الأستاذ / محمد جميل أحمد  تحت عنوان بيان في تاريخ الحباب الجذور الغائبة. واليكم المقال كما ورد في الجريدة.

 تكشف الكتابات التاريخية .القديمة والحديثة بمصادرها المختلفة. والدراسات الاستشراقية للإنجليز والإيطاليين وصولاً إلى الأبحاث والقراءات الآستعادية الجديدة عن التباسات غامضة حول تعدد الروايات التاريخية بخصوص أصول الممالك والكيانات القبلية التي ظهرت كبدايات مؤسسة لشكل السودان المعاصر. كالسلطنة الزرقاء والكيانات الأخرى في شرق السودان الموغلة متاخمة للحدود الإرترية. وبالرغم من الأسباب التاريخية العديدة التي تحيل على هذا الالتباس. إلا أن هناك قدراُ لعبت فيه الايدولوجيا التاريخية لطلائع مؤرخي السودان الحديث, بنفوذها السلطوي,دوراً كبيراً في تهميش وإلغاء القيمة التاريخية لكيانات سودانية أخرى. كان يمكن أن تشكل نسيجاً تاريخياً أكثر متانة لهوية السودان الحديث. والحال أن ذلك الإلغاء للأصول التاريخية الأخرى هو الذي يعبر عن نفسه اليوم. في الالتباس والهشاشة اللذين تتعرض لهما هذه الهوية حالياً بحسب الدكتور عبد الله على إبراهيم والعل في القراءات التاريخية الاستعادية للدكتور جعفر مرغني رئيس معهد حضارة السودان ومن قبله كتابات بروفيسور يوسف فضل. مدير جامعة الخرطوم ساقاً, عن تاريخ ممالك السودان الشرقي ما يكشف عن ردود الفعل على ذلك ا لاتجاه التاريخي الذي برز كسلطة منهجية في مقررات التعليم السوداني.

 وبالرغم من تلك الالتباسات التي تكتنف روايات الأصول التاريخية لتك الممالك والكيانات إلا أن نفس تلك المصادر تحيل أصولها إلى منطقة واحدة كأصل بعيد وغامض. وهكذا بدأ ذلك الرأي المهموس عن أصول الفونج الحبشية الإرترية مسكوتاً عنه حتى ظهرت كتابات ووثائق مهمة أنتجت أراء جديدة لا عن الأصول الحبشية لتلك الكيانات فحسب. بل عن الدور المركزي الذي لعبته إثيوبيا التاريخية( التي هي بخلاف دولة إثيوبيا المعاصرة) في هذه المنطقة. مما حدا بالمرحوم عبد الهادي الصديق إلى كتابة دراسته المتميزة بعنوان ( السودان تحت أضواء جديدة) بجريدة الخرطوم.

 ربما كان هذه التوطئة ونحن بصدد بيان في تاريخ الحباب( لا عن كتابة هذا التاريخ). مدخلاً ضرورياً للكشف عن جذور غائبة لهذه القبيلة / السلطة. التي لعبت دوراً كبيراً في تحولات شكلت مفاصل تاريخية في هذه المنطقة. ذلك إنه ربما غاب عن الكثيرين من مؤرخي هذه المنطقة( منطقة الحدود الشرقية للسودان) أن التاريخ المرجعي للسلطات السيادية فيها يعود للإمبراطورية التاريخية للحبشة. التي كانت تمتلك مصدراً عريقاً للحضارة والنظم. وعليه كانت هذه الهضبة هي المصدر الرئيسي للهجرات التي استقرت في منطقة الساحل الشمالي الممتد حتى داخل السودان. أي أن القبائل العربية التي هاجرت للساحل الغربي من البحر الأحمر( بعد الهجرات الأولى لقبائل سبأ وحبشات والأجاعز الذين أسسوا مملكة أكسوم التاريخية) كانت تتوغل حتى تصل إلى الهضبة الحبشية ومن ثم تعيد انتشارها في الساحل ولعل هجرة الصحابة رضوان الله عليهم الذين ها جروا إلى منطقة تقراي أكبر دليل على ذلك.

 وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نفسر هجرة الفونج من الحبشة إلى سنار وهجرة البلو إلى مصوع ومن بعدهم بقليل هجرة أسقدي بن بئمنت مؤسس سلطة الحباب وأخيه بحايلاي بن بئمنت مؤسس سلطة بيت بحايلاي في طوكر وأشهد وجنوب طوكر. وعلى ما يذكر مستر كرافورد رئيس تحرير مجلة انتكويتي التاريخية في وثيقة ( السودان في مدونات ) الموجودة بدار الوثائق السودانية. إذ يشير بصورة واضحة إلى ذلك التزامن  التاريخي الذي ظهرت فيه سلطنة الفونج في سنار ومملكة البلو في القرن الخامس عشر. ومن خلال البحث عن الأصول الغامضة للفونج يتعرض كرافورد إلى سلطة قبيلة بيت أسقدي التي لعبت دوراً بارزاً في إجلاء الفونج من منطقة ” إندلال ” إلى سنار كما أجلت في نفس الوقت البلو إلى مصوع. ويؤرخ كرافورد العام 1480 لظهور أسقدي مؤسس سلطة الحباب في الساحل في الوقت الذي كان يؤسس فيه بحايلاي الشقيق الأصغر لاسقدي سلطنة القبلية على طوكر وأشهد ومقدام وصولاً إلى عقيق. وفي هذا الصدد لعب لقب” بحر نقاسي”  الذي يعني ” ملك البحر ” حيث كان يلقب به زعماء أبناء أسقدي دوراً كبيراً في خضوع منطقة الساحل تاريخياً لنفوذ الهضبة الحبشية وهو نفوذ استمر قروناً طويلة يمتد إلى القرن الرابع الميلادي الذي اشتمل من هضبة الحبشة حتى جنوب أسوان كما هو مذكور في وثيقة اللوحات الثلاث التي عثر عليها البعثة الألمانية عام 1905 م ( 1) ويشير ج.ك. تريفاسكيس إلى أن هناك اختراقات متأخرة كانت تستقطب ولاء السلطات القبلية في السواحل السودانية والإرترية التي ( وقعت تحت سلطة عائلات كانت تتمتع بعطف ملوك الفونج والأباطرة الإثيوبيين) ( 2) وكان أبناء بحايلاي هم أول من بدل هذا الولاء الحر مع ملوك الفونج وبهذا كانوا أول من يؤسسوا شكلاً من الولاء الحر مع ملوك الفونج  وبهذا كانوا أول من سودنوا شرق السودان في حدود منطقتهم حيث قامت بلدتا طوكر وأشهد تخليداً للمؤسس بحايلاي ” توكول” و” أشهد ” فطوكر أخذت اسمها المحرف من اسم توكول بن بحايلاي. حيث أن اللفظ الصحيح لطوكر هو توكر ( كما يستعمله المؤرخ المرحوم محمد صالح ضرار  مؤرخ شرق السودان ) بينما ظل اسم ” أشهد” كما هو دليلاً على المأسوية لسلطة بيت بحايلاي في الساحل على أيدي العجيلاب القادمين من منطقة ملهيت كناب بالقاش. هي التي سجلت ذلك الغموض حول تاريخهم العريق الذي لم يبق منه إلا ” شرم بحايلاي ” وكلمة شرم تعني الحوض في لغة التجري التي يتكلم بها قبائل الحباب وبني عامر. وهي تحمل نفس المعنى في اللغة العربية كشرم الشيخ أي (حوض الشيخ) وهو حوض كبير يقع غرب عدوبنة طوله مائة متر أنشأه زعيم بيت بحايلاي لكي تصب عليه كل القبائل من حوله ألبان نيا قها ومواشيها بمناسبة زواج بنته. وكذلك بقيت سيوفهم النادرة التي ترجع إلى أيام الحروب الصليبية كما يذكر محمد صالح ضرار. وبيت بحايلاي اليوم فرع من قبيلة الحباب ومما يعضد وجاهة الرأي القائل بعودة اسمي توكر وأشهد إلى ابني بحايلاي “توكول وأشهد” (وهو رأي الأستاذ والباحث في تراث شرق السودان: الفنان إدريس الأمير) ما ذكره المؤرخ الرحالة العربي أبو القاسم بن حوقل صاحب كتاب صورة الأرض الذي زار منطقة شرق السودان وجنوب طوكر في القرن الرابع الهجري عندما تكلم عن أحوال البجا في هذه المنطقة فقال: ( لا قرى لهم ولا مدن إلا ما ينقل إليهم من مدن الحبشة. ومصر والنوبة) (3) وعن مصب نهر بركه الذي ينتهي في دلتا طوكر قال: (أن وادي بركه يجري من بلد الحبشة مجتازا على بازين ” أي ماراً بمنطقة قبائل البازا”  وأخذاً إلى ناحية البجا وينصب بين سواكن وباضع “مصوع” في البحر المالح) (4) أي في نفس مدينة طوكر الحالية وعليه يفيد هذا الوصف الدقيق لمكان مدينة طوكر إنها لم تكن موجودة في القرن الرابع الهجري أي قبل ظهور بحايلاي في القرن الثامن الهجري ولقد طرأ هذا الولاء الجديد للفونج على أبناء أسقدي في مرحلة من تأريخهم.كما يدل على ذلك الطبل الأكبر لنحاس الحباب ويسمى “منصورة ”  إذ يرى بعض العارفين بتاريخ القبيلة أن نقارة ” منصورة” تعود إلى أيام مملكة الفونج. وطبول النحاس في قبائل السودان تعتبر رمزا على عراقة القبائل التي تمتلكها كالهدندوة والحباب. وكذلك من سمات العراقة في سكان شرق السودان وقبائلهم وجود امتداداتهم البجاوية في إرتريا التي تقع فيها ثلاث من ممالك البجا القديمة كما يذكر الأستاذ الباحث محمد سعيد ناود. وهي: ( 1- مملكة بقلين التي تقع في خور بركه 2- مملكة جارين التي تقع في السواحل الجنوبية حتى جبل رورا بقلة و3 مملكة قطاع التي تبدأ من نقفة حتى سمهر ) (5) فالكيانات القديمة للبجة كالالقدين. والسودرات والحفرة وبيت عوض والجاسة التي تم تحوير اسمهم زوراً إلى “الخاسة” وهم من اعرق قبائل البجة القديمة كما ذكر ابن حوقل( وهم اليوم قبيلة منقرضة إلا من بعض الإفراد ويسمون هاسا طوكر) كان لها امتداداتها بين إرتريا والسودان في تلك العصور الغابرة تماماً كالكيانات القبلية المعاصرة لكل من الحباب وبني عامر والهدندوة وغيرهم. وبالرغم من أن نظام الرئاسة في الحباب يخضع لتقاليد أبوية بخلاف نظام بعض قبائل البجا والنوبة الذين يعتمدون على نظام توريث ابن البنت أو الأخت للملك بينهم. ومن خلال هذا النظام تمكنت طبقة الحدارب وهي الطبقة العربية من أمهات بجاويات, من الرياسة على قبائل البجة. كقبيلتي بلي وجهينة قديماً والاتمن “العثامنة” أبناء عثمان بن عجيب المانجلك في القرون المتأخرة إلا أن الحباب بالرغم من اعتمادهم على نظام التوريث الأبوي كانوا يخضعون تقاليدهم الرئاسية لصراع القوي داخل القبيلة نفسها أي بين أبناء العمومة. وهكذا انقسم أبناء أسقدي من خلال الصراع الذاتي بينهم على الرئاسة إلى ثلاث قبائل كبيرة هي:  1- الحباب وهم ذرية هبتيس بن مفلس الذي لقب بحباب حينما كان يسمى في صغره حباباي لأنه كان يهوى أكل الحبوب كما هي مثل القمح والذرة. خلافاً لمن يزعمون أن اسم الحباب هو اسم للأرض فقط دون القبيلة. 2- عد تكليس  وتعني (آل تكليس)  وعد تيماريام وتعني (آل تيماريام). إلا أن الحباب كانوا هم الأكثر عددا حيث تمددت قبائلهم على طول الساحل حتى طوكر. وهذه النزاعات هي التي أدت في نهاية القرن التاسع عشر ضمن أسباب أخرى إلى هجرة الحباب إلى أقصى شمالي شرق السودان في منطقة ” درور” قرب حلايب بقيادة كنتباي محمود إلا أن طقس المنطقة لم يلائم حياتهم فاضطروا بوصية من تاج السر الميرغني للاستقرار بمنطقة “عيت” جنوب طوكر بينما بقى قسمهم الأخر في إرتريا تحت زعامة كنتباي عثمان بن هداد ابن عم كنتباي محمود. واللافت هنا أن هذا الحراك القبلي كان ضمن صراع النفوذ بين الإيطاليين والإنجليز في المنطقة. وحيث أن الحباب كانوا من سكان تلك المنطقة المتنازع عليها بين حكام إرتريا”الطليان” وحكام السودان “الانجليز” فقد كانت نتائج اتفاقية سايكس بيكو التي رسمت الحدود هي التي كرست انقسامهم. بيد أن لعبة النفوذ فيما يخص الحباب ككيان كانت أقدم من ذلك. أيام سلطة كنتباي حامد الذي كان يملك جيشاً قوياً مسلحاً ويملك منفذ بحرياً في تكلاي أي كان يقارب شكل الدولة فشكل بذلك قلقاً للإيطاليين الذين استغلوا عادة الصراع على الرئاسة بين الحباب مما أدى إلى نفي كنتباي حامد إلى روما وتعيين أخاه هداد حسن بدلاً عنه والذي لم تكن له تطلعات كنتباي حامد. لقد استطاع كنتباي حامد طوال فترة حكمه أن يتعامل مع جميع أطراف القوى من حوله كالإيطاليين والمهدية والأتراك بحكمة. وتمكن من عقد صداقة متينة مع كل من بهت حقوص ( بهت سقنيتي) والأمير محمد عثمان أبي قرجة أمير المهدية  ومع الأخير تقاسم معه واردات ميناء تكلاي.( وهي صداقة خلدت اسم كنتباي في أسماء أبناء أبي قرجة) كما استطاع كنتباي حامد أن يرسل ابنه محمد ضمن العمد والقبائل لمعاهدة عثمان دقنة. أن علاقة الحباب مع المهدية لم تكن علاقة ولاء بقدر ما كانت نوعاً من حسن الجوار مع المهدية التي كانت تخوض حرباً ضروساً مع الأتراك ولانجليز ويوحنا ملك إثيوبيا, ذلك لأن الحباب في ظل سلطة كنتباي حامد كانوا أشبه بالكيان المستقل من ناحية كما كانوا من أتباع الطريقة الختمية الميرغنية من ناحية أخرى.

لقد كان كنتباي حامد يملك عقلاً استراتيجياً يتجاوز أوضاع المهدية إلى إمكانية الكيان السياسي المستقل. وربما لهذا السبب كتب تحت اسمه عبارة ” الزعيم الأفريقي” التي حماتها صورته في أحد متاحف برلين بألمانيا. إلا أن كنتباي اصطدم بالبيروقراطية التقليدية لسلطة بيت أسقدي. ذلك أن نظام السلطة في بيت أسقدي كان يخضع لتربية صارمة فالسلطة الجماعية والدموية أحياناَ للقبيلة لم تكن تترك لأي كنتباي الحبل على الغارب خارج التقليد الصارم مهما كانت قوته. وهو ما أدى أخيراً إلى تفتيت الحباب في ظروف الانتقال الإداري لقبائل الساحل الأخرى عنها. بل طالت هذه التحولات كيانهم الخاص. لقد كانت تلك العصبية المغلقة التي تستند إليها سلطة الحباب من طبيعة عربية قحة تقوم على الحفاظ على الدماء ولا تسمح باء راقتها إلا فيما بينها أي بين بني العمومة. وهكذا كلما انتصر كنتباي على أخيه بقتله ضم إليه صغار أخيه حتى يضمن نقاء الدماء!! لقد كانت الارتدادات الذاتية لفكرة السلطة تسمح بالارتقاء المحض في ذات الزعيم الذي لا ينتبه إلى خطورتها إلا عندما يصطدم بالقبيلة ذاتها. غير أن هذه العصبية الدموية كانت تقترن دائماً بنظام الفروسية من الشجاعة والنجدة وحماية الجانب يؤدي إلى خلع القريب وتجريده كما فعل بعض أبناء أسقدي مع أبناء عمومتهم الذين قعدت بهم الهمم عن القيام بواجب الفروسية تجاهم. وعلى العكس كانوا يقدمون من كان يتميز بالفروسية النادرة وان لم يكن منهم كعائلة عمدوي منها البطل المقدام( محمد نور شنقيرا )  وهذه القبيلة تملك صفات فروسية أهلتها للتحالف الوثيق مع بيت أسقدي ضمن تلك الشروط. لقد خلقت تلك التقاليد التي دامت أكثر من 600 سنة وجوداً متميزاً لبيت أسقدي في الساحل الذي شاطرهم فيه أبناء عمهم من بيت بحايلاي. فهم بهذا الاعتبار من أقدم الكيانات المتقدمة في ساحل ونحن لا نقول إنهم فقط كانوا وحدهم أو أن التاريخ بدأ بهم بل كانت قبلهم كيانات مارست أدوارها قبلهم في الساحل كالبلو وبيت بعشو والدقدقي. لكن للأسف أن التاريخ لم يحفظ لنا أخبارهم. ومن المعلوم أن النابتاب (زعماء بني عامر) ظهروا في الساحل بعد الحباب بفترة طويلة حسب ما يذكر  المؤرخ محمد صالح ضرار الذي اتفق مع  كنتباي حسين بن محمود على أن الحباب أو (عائلة أسقدي أقدم من النابتاب والعجيلاب في جهات سهول  مصوع والعقيق وتوكر إذ أن لهم ثلاثين جداً في الرئاسة, والنابتاب لهم أربعة عشر جداً والعجيلاب سبعة أجداد. وحضر الأخيران أي (النبتاب والعجيلاب) من المتمة والقاش واتفق معي على أن نعتمد لكل ثلاثة أجداد مائة  سنة) (6) أما من حيث النسب العربي لبيت أسقدي فبالرغم من إننا لانقطع قطعاً جازماً بذلك النسب إذ جرت دماء كثيرة غيرة ذلك النقاء العرقي السابق. لكن يبقى النسب الذي يلحق بالاب والجد حسب الشريعة والنظام الأبوي العربي.فخلافاً لما ذهب إليه كل من الدكتور عون الشريف قاسم في كتبه معجم القبائل السودانية. وما ذهب إليه المؤرخ محمد صالح ضرار من أن الحباب ترجع أصولهم إلى بني هاشم من ذرية الفضل بن عباس بن عتبة ابن أبي لهب. الذي كان أخضر وهو القائل:

وأنا الأخضر من يعرفني*أخضر الجلدة في بيت العرب

من يساجلني يساجل ماجداً يملاً الدلو إلى عقد الكرب  

 يرى الحباب أن أصولهم ترجع إلى بني مخزوم كما ذكر كنتباي حسين للمستشرقة ألمانية الدكتورة “هيرما” من أن جد الحباب هو عمرو بن هشام أي أبوجهل وليس أبالهب. كما ورد في شجرة النسب التي جاء بها كنتباي حسن بن كنتباي محمود من منطقة عدي قيح بإرتريا. وبالرغم من الدعاية الواقعية في خضرة الفضل بن العباس إلا أن أنساب الحباب لبني مخزوم كما هو مثبت في شجرة النسب له العديد من الأسباب التي تؤيده. وأن كان الأمر كما ذكرنا لا يفيد القطع . فالذي يفيد القطع هو الأصول العربية لكافة قبائل الساحل وجنوب طوكر أي بني عامر والحباب. وهي أصول تمتد في جذورها إلى الهجرات القديمة لقبائل جعز وحمير وحبشات واللغة التي تتكلم بها قبائل الحباب وبني عامر هي لغة عربية قديمة أو على الأصح احدي فروع لغة الجئز التي هي الأصل العربي الجنوبي القديم للغة التجري والتجرينية والامهرية. ومن انتساب الحباب إلى بني مخزوم ما ذكره الطبري من أمر المخزوميين الذين بعثهم عمر بن الخطاب في عهده إلى الحبشة بقيادة ود بن هشام المخزومي وما يؤكد ذلك:  الوثيقة التي اكتشفها المستثرق الإيطالي كوروللي عام 1941م وهي وثيقة تتحدث عن وجود دولة إسلامية قديمة في قلب الحبشة بإقليم شوا( الإقليم الذي تقع فيه مدينة أديس أبابا اليوم) كان تسمى بمملكة المخزومي (ولقد أسس المخزوميون دولتهم في عام 382 هجري) (7 ) ولقد تفككت هذه الدولة تحت ضربات المملك الحبشية النصرانية التي كانت تحيط بها . ويذكر صاحب كتاب ” أهل بلال” أن العائلة المالكة للمخزوميين بعد انهيار المملكة لجأت إلى مملكة تجراي الذين كانوا حلفاؤها. وبالرغم من أن بيت أسقدي في بعض رواياتهم إنهم انحدروا من منطقة إقليم تجراي إلا إنهم ينفون نفياً باتاً أية صلة نسب لهم بتقراي. وربما كانت هذه الروايات التي ينتسبون بها لقريش ( وبنو مخزوم بطن من قريش) في أخبارهم وأشعارهم وتراثهم الشفاهي تعود لتلك العائلة المخزومية التي عاشت في تقراي.

هكذا بدت تحولات هذه القبيلة العريقة عبر أقدار تاريخية قاربت في بعض مراحلها شكل الكيان السياسي المستقل يسندها في ذلك نظام سلطوي محكم وعريق زاوج بين البداوة والحضارة وشكل نمطاً متميزا لسيادة جماعية دامت أكثر من600 سنة. وتفككت بفعل تناقضات داخلية ومطامع استعمارية وصراعات نفوذ في المنطقة لم تكن مستقرة يوماً من الأيام.

ونحن نعلم أن كتابة تاريخ الحباب أكثر من هذا البيان الذي نحن بصدده. ولا يزال هناك الكثير من الحقائق حول تاريخ هذه المنطقة يقبع في المدونات التاريخية الإيطالية والإنجليزية التي لم تترجم حتى اليوم وكذلك في المدونات الحبشية الإثيوبية وكتابات المستشرقين التي تحتاج من أبناء هذه المنطقة القيام بترجمتها من مصادرها الغنية ومقارنتها بالمراجع التاريخية العربية القديمة ولآثار والتراث الشفاهي الغني للمرويات والأشعار والأخبار في لغة التجري للخروج على الأقل بصورة تقارب الحقيقة. وبالرغم من الجهود المقدرة والمشكورة التي قام بها مؤرخ شرق السودان الأستاذ/ محمد صالح ضرار رحم الله, والجهود والكتابات الإضافية التي أنتجها ابنه الأستاذ ضرار صالح ضرار أطال الله بقاءه- إلا أن كتابة تأريخ منطقة الساحل وجنوب طوكر وتاريخ كل قبيلة على حده. هو بالتأكيد أكبر من جهود الأفراد بكثير ذلك أن هذه المنطقة لايزال لديها تاريخ مسكوت ويحتاج إلى مزيد من الوعي والمعرفة والتجرد وجهود عملية جماعية كبيرة حتى نستطيع التعرف عليه بصورة أكثر عمقاً وشمولاً.

 

 

ملحوظة:

تم حذف المرجع لضرورات فنية

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8131

نشرت بواسطة في سبتمبر 14 2005 في صفحة جغرافيا. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010