عملية بيشا دلالات صمود وتحدي

أ/ محمد عثمان

لم تخل الساحة الارترية من قبل الاستقلال وبعده أو تصفو لقوى التطرف الطائفي والإقصاء رغم سعيهم لذلك وتمنيهمBisha وهو الدور الذي مثلته الشعبية وأعوانها دون ارتياب فقد كان تواجد قوات المجاهدين على أرض آبائهم وأجدادهم  يسهد ليل الرفاق ويقلق نهارهم عبر تواجدهم المستمر غير المستتر في السهول والوديان من غير أن يأبهوا بآلة النظام الحربية أو يرعووا لممارسات الشعبية واستعراضها  بكل ما أوتيت من قوة في معاركها التصفوية والدموية  التي خاضتها مع الحركة في المحاور المختلفة  للقضاء عليها إلا أن محاولاتها باءت بالفشل الذريع وذلك لعدة أسباب يمكن أن نجملها فيما يلي :

أولا:  التزود بصدق التوكل على الله سبحانه  والتوجه المنهجي الخالص من شوائب الشرك والهوى  الآخذ نحو تحرير العقل والضمير من نوازع البدع والخرافة وسائر الأفكار الهدامة والمناوئة لصحيح المنقول والمعقول وغرس معاني التضحية والفداء في سبيل إصلاح مناحي الحياة علي هدي من الدين والإقلال من بهارج الدنيا وزينتها في إلتفاتة راغبة في حصول الفوز بنعيم  الدار الآخرة وهي معاني جليلة تنعطف نحوها قلوب العارفين تلكم التربة والأساس الذي شيد عليه بناء الحركة الإصلاحية في أول عهدها كتربية أخذت  تغذي بها منسوبيها وهو سر تفوق المجاهدين على عدوهم في النزال ومحفز هام في تسابق الشباب نحو الشهادة في سبيل الله وهم في مقتبل الأعمار في شجاعة نادرة أذهلت من نازلوهم في ميادين القتال ومن الصعوبة بمكان أن تواجه من هو أشد حرصا علي الموت منك على الحياة فقد كان ذلك من أهم عوامل الثبات والنصر في كثير من مواقع النزال والوقائع والملاحم  الجهادية رغم التفاوت الكبير من حيث التسلح والبون الشاسع في الدعم  الفني واللوجستي بين الفريقين .

ثانيا: إصرار أكيد وعزيمة بالغة لثلة من السابقين ممن تمحوروا حول هذه الفكرة وامتطوا جيادها ورفعوا لوائها وتصدروها للبذل والعطاء بالمهج والأرواح دون مبالاة بما يمضي من زمان وأعمار وما يصيبهم في سبيلها من أذى أو يعترض طريقهم من بلاء تضييق وخذلان وهو ما تؤكده مقامات الصبر على رحى المعركة فيما طالته من شخصيات وكوادر ممن كان لهم قدم سبق وصدق في  تأسيس العمل الإسلامي والجهادي مضوا إلى الله في صمت مهيب ولم تضن بهم حركة الإصلاح رغم حاجة العمل إليهم في حاضره ومستقبله ولسان حالهم يقول :

تهون علينا في المعالي نفوسنا *** ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر

ثالثا : إن حركة الإصلاح وليد شرعي من رحم هذا الشعب الجسور الذي قهر كل الجبارين من المتغولين علي أرضه فهي هبًة إبن عقول  ونجدة حر ثائر مسئول جاءت في زمانها المناسب وسياقها الطبيعي تغالب الظالمين والمعتدين ولم تكن قوة تجهل الشعب والأرض كما كان يدعي النظام وأبواقه كلما ألحقت به صفعة بالغة .

رابعا : شكل المجتمع لها محيطا آمنا بمختلف فئاته بالرغم من جبروت النظام وغلوائه وتعسفه وإرهابه وتهديده لمن يتعاون معها بالاعتقالات العشوائية والتعذيب والتغييب والقتل والتنكيل لأدنى شبهة ودونها لكن الشعب سلك واديها لأنه  كان وما زال يتطلع لقوة تخلصه من محنته فوجد في الحركة ملاذا ومتنفسا خفت بها وطأة النظام عليهم حيث أعاق وجودها في الساحة  الكثير من سياسات النظام القائمة على الكنس الكامل لكل ما يتصل بالثقافة الإسلامية والعربية بغية إظهار البلاد بالوجه الإفريقي المسيحي التغريناوي الأوحد في مغالطة عجيبة وعاجزة.

خامسا : اكتسبت الحركة من خلال تواجدها على الأرض طيلة هذه المدة الصبورة في مواجهات مفتوحة ومتكررة مع جيش النظام خبرة وافرة في فنون إدارة المعركة ميدانيا وعمليا فأدركت العديد من ثغرات وهنهم فاخترقت الكثير من حصونهم ومعاقلهم و ظلت تركز على نقاط ضعفهم فصارت تلحق بهم خسائر فادحة  في الأرواح والعتاد دون أن تصاب في صفوفها بكبير أذى .

سادسا : استطاعت الحركة أن تحصر معركتها مع النظام فقط دون أن تتعدى إلى أي من مكونات الشعب الارتري وهو ما جعلهم يتفاعلون معها  ويحموها بما في ذلك الشق الآخر الديني لما بينت له منهاجها ولما لمسه من فعالها الساري علي البر والقسط بينهم فلهم معها حكايات ومواقف تدل على السماحة والعفو عند المقدرة على الأخذ ولذا لم تنزلق الحركة عن خط سيرها رغم استفزازات النظام وسياساته الداعية لإحداث فتنة طائفية بين مكوناتنا الوطنية ببناء الكنائس في أرض  المسلمين وفي أماكن لا يوجد فيها أصلا من يعمرها عبادة  ونشر ثقافة التفسخ والخلاعة لإضعاف وازع الدين في النفوس ليسلس لهم القياد  والتضييق الواضح على الثقافة الإسلامية والعربية عبر استهداف مؤسساتها القائمة بإغلاقها ومنع التراخيص لمن يرغب في إقامة جديدة منها وحبس القائمين عليها دون صدور دسيسة منهم أو اقتراف جناية تمس بأمن النظام اللهم إلا ممارسة حقهم الطبيعي في إتباع تعاليم دينهم وقيامهم بما كلفوا به من الشعائر العبادية وهدي الدين الظاهر  .

سابعا: توازن الخطاب السياسي لحركة الإصلاح  وتماسك الفكرة قطع الطريق أمام النظام وأعوانه وأخاب رهانهم من أن يحققوا نجاحات في مضمار حصارها أو عرقلة مسارها الإصلاحي الهادف لإقامة نظام راشد ومسئول عن سلامة الوطن وأمن المواطن بغض النظر عن دينه أو عرقه فهي في تواصل إيجابي مع كافة قوى المعارضة الوطنية بسائر توجهاتها وتشكيلاتها وتعتمد نحوها نهج المجادلة بالحسنى البالغ للدخول معها في أحلاف سياسية وأطر تضامنية إنطلاقا من قناعة مفادها أنها قوى وطنية وتلتقي معها في هدف تسعى له الحركة وهي عميلة التغيير والإصلاح المنشود في البلاد فهي قوى مكملة ومعضدة بفعالها في هذا الاتجاه ونظرا لذلك يجمل بها أن تحترم قناعاتها ما دامت تبادلتها إجلالا في تعبيراتها لأن عملية النجاح أو الفشل السياسي لكيان ما مرهون حالا ومستقبلا بوجود أرضية للفكرة المعينة ورواجها في سلاسة تماسكها مع إدراك مقومات التكليف والتمكين المشروط بتكامل جوانب الإعداد السليم الآخذ بالقدرة على سلامة التعاطي مع قضايا الوطن و حاجة المواطن  وحسن مخاطبة تطلعاته وأشواقه في الحياة الكريمة التي يرنوا لها  ببرامج ممكنة التطبيق والتحقيق والتنهيض بعيدا عن التحليق في فضاءات أحلام مجهولة التأويل ومستعصية التنزيل وهو مضمار الرهان الكبير والاختبار الرهيب المنتظر لكل قوانا الوطنية منفردة ومؤتلفة بمختلف أيدلوجياتها ومنطلقاتها وهو بُعد يجب إدراكه  وينبغي تأمله وتحمله لإقامة نظام سياسي يستند على الرضى والتوافق ويزاول تعميق ثقافة الحوار والسلام بين سائر مكوناتنا السياسية والاجتماعية .

وتأتي عملية( منجم بيشا) ضمن الفعل الطبيعي والمنطقي لأداء واجب المقاومة والمدافعة الذي أدخلنا فيه النظام بسبب سياساته الرعناء وإن كانت تندرج  تصنيفا في جملة العمليات النوعية التي تقوم بها قوات المجاهدين  في سياقات التصدي لحماية  مخزون البلاد من الثروات الطبيعية الكامنة في باطن الأرض حتى  لا تطالها أيدي السرقة والنهب لأنها ملك شائع لسائر الشعب وقواه الوطنية المغيبة عن تصريف شئون البلاد مع اعتبار مراعاة الحق والنصيب للسكان الأصليين في المنطقة وهو عرف معمول به في كثير من البلدان خاصة إذا كانت المنطقة التي يتم الاكتشاف فيها ضمن المناطق الأقل نموا سيما وأن البلاد بمجملها تعاني من حالة تخلف عامة اللهم إلا ما كان من منشآت تركها المستعمر بمختلف حقبه وهي لا تفي بحاجة البلاد التي تحتاج إلى نهضة شاملة في بنيتها التحتية وغيرها في كل أقاليمها حواضر وبوادي وهو أمر لا يمكن الوصول إليه إلا في ظل نظام عادل يعتمد على سياسات التنمية الشاملة والمتوازنة وذلك ما نفتقده في حاضر النظام الحالي .

وشروع النظام في استغلال المعادن الكامنة في باطن الأرض وإعطائه حق الامتياز  لعطاءات التنقيب لشركات أجنبية ودخوله معها في توقيع اتفاقيات مجهولة غير مشهودة  دون أن يحقق ما يسبقها من شرائط إستحقاقها المتمثلة في تحقيق الاستقرار السياسي الموصل للوفاق الوطني والمؤدي للتداول السلمي للسلطة  وبسط الأمن والسلام لكافة المواطنين والعمل على إعادة اللاجئين وإطلاق الحريات العامة وإفساح المجال أمام الثقافة العربية والإسلامية وإطلاق كافة السجناء والمخطوفين على خلفيات سياسية وغيرها . قبل أن يتحقق ذلك وغيره من مطالب حركة الوعي الحقوقية العادلة التي راج تنويرها في الوسط الاجتماعي وأنفعل بها قطاع عريض يعد أي حديث أو عمل لاستخراج المعادن ومحاولة التعاقد مع الشركات الأجنبية ضرب من ضروب الوهم والنهب والسطو وٍلذا ستجري مقاومته بصورة شرسة من كافة الشعب وقواه الفاعلة بكل وسائل المناهضة المشروعة والممكنة وعملية منجم بيشا وما سبقها ولحقها من صور المقاومة في هذا المضمار مما يعرفه النظام حقيقة ولم يسلط عليه الإعلام لاعتبارات تخص أهل الشأن خير دليل على فشل عملية التنقيب في ظروف الإنفلات الأمني والانقسام الوطني الحاد الذي تعاني منه البلاد إثر استقلالها .

وتدل عملية منطقة بيشا التي تقع في عمق البلاد على مدى تعاظم قوة المجاهدين ووجودهم في الساحة وهو خطر يتهدد الشركات التي ورطها النظام في مهزلة تعاقد وخديعة دون قدرته لتأمينها وتنفيذ عملية كبيرة وناجحة بهذا الحجم وفي وضح النهار والخروج منها بسلام وأمان للقوة المنفذة فيه دلالة بالغة على هزالة النظام وهشاشته مما يستدعي أن تعيد تلك الشركات النظر فيما تم من تعاقد قبل أن تخسر الكثير من رأس مالها وتفقد خبرائها في ظل أوضاع أمنية بالغة الخطورة ومصائر غامضة لا يوصلها لأهدافها في نهاية المطاف هي لن ترجع بربح إلا بتوابيت منسوبيها من العاملين في المناجم وحطام آلياتها المدمرة .

كما تدل هذه العملية أنها خطط لها بعناية فائقة فهي ليست مندرجة ضمن فعل الصدفة أومن قبيل الهدف العشوائي  أو حادث معزول كما يدعى النظام في مثيلاتها لتغرير الشركات وصرف انتباهها عن المخاطر الأمنية البارزة والمحدقة بمجال التنقيب فكل استهداف حصل لأي شركة  مهما كان حجمه هو في تقديرنا مقصود  لذاته ومخطط له وهو إتجاه يتهدد النظام حقيقة في شل قدرته الاقتصادية المنهارة أصلا والذي يطمح أن يتعافى منها من خلال تحقيقه استخراج المعادن الكامنة وتصديرها ليعتمد على ريع هذه المناجم  وهو حلم بعيد المنال مادام يعتمد على سياساته الإقصائية الهادفة لإفراغ الأرض من أهلها وعزلها عن ثقافتها ومحيطها ومن ثم نهب خيراتها وذلك أمر دونه خرط القتاد .

وجملة ما في العملية من دلالة أنها توحي بأن البلاد تواجه أزمة أمنية كبيرة وخطيرة واحتقان سياسي متصاعد  وإن تمت مواراته من قبل  الحاكم جهالة بعواقبه  ومفادها أنه لن يستطيع أن يحقق أي تقدم بمفرده في مجال السياسة والإدارة والحكم وسائر قضايا النهوض بالاقتصاد الوطني ومشروعات التنمية الموعودة والمطلوبة لإعمار ما دمرته حرب التحرير من القرى والمدائن وغيرها من  مخلفات نزاعاته الأخيرة مادام يوقد ويواجه نيران حرب داخلية جديدة تساندها حملة سياسية وإعلامية مركزة تحد من نطاق علاقاته الخارجية وطيف سياسي يسعى لتطويقه يمتلك شواهد على الأرض تثبت فشل النظام سياسيا واقتصاديا وأمنيا  .

ختاما لكي يتحفنا المجاهد بمزيد من النصر وينطلق باطمئنان نحو أهدافه لابد من أن نضع في اعتبارنا جميعا تزويده بما يعينه في مسيرته لأنه كما نرى ونشاهد يحمل روحه في أكفه متحملا عن الجميع واجب ضريبة الدفاع عن القيم والأرض  وقد ترك من ورائه أسرة وصبية أكبادهم عليه من حسرة تتفتت فهم أمانة في أعناقنا جميعا لنوفر لهم مستلزمات العيش الكريم ونرتقي بهم في سبل العلم ونرويهم من ينابيع المعرفة . والبذل في هذا الاتجاه إنما يحسب لدى السائرين من ضرورات التغيير وذخر الآخرة  عند العارفين .

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=59

نشرت بواسطة في أكتوبر 20 2009 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010