غياب الدستور في إرتريا وآثاره السلبية على المجتمع

إعــــــلام

التحــــــــالف الـــديمقراطي الإرتـــــري

22.07.2006  

من المتعارف عليه دوليا أن أي دولة من دول العالم ، وأيا كان شكل الحكم فيها ، كان ملكيا أو عسكريا أو ديمقراطيا أو دكتاتوريا أو شموليا ، فلابد من أن يكون لها دستور بمثابة المرجعية القانونية والضابطة لكل مناحي الحياة ، حتى ولو قنن بما لا يتضارب ومصالح تلك الأنظمة .

إذن الدستور هو الوثيقة التي تسن على ضوئها القوانين في كل بلدان العالم ، كما أنه المرجعية القانونية الذي على أساسه يعرف المواطن ماله من حقوق وما عليه من واجبات. 

وعلى هذا الأساس طرح موضوع صياغة الدستور في إرتريا في وقت مبكر بعد التحرير وقد كلفت مجموعة من الأساتذة والقانونيين بهذا العمل ، وبالفعل تم إنجاز مسودة الدستور  وتسليمها لرئيس النظام أفورقي ، غير أنه وضعها في أضابير مكتبه . ومنذ ذلك الحين ظلت بلادنا تحكم بلا دستور ولا قانون ، ولا يستند أفورقي لأي شرعية حتى يمكث في سدة الحكم حتى يومنا هذا .

بالطبع غيب رئيس النظام هذا الدستور متعمدا لأنه وبعد إطلاعه عليه تضاربت كثير من بنوده مع أفكاره القمعية والتي لا تقبل الآخر ولا تعترف بحقوق الإنسان ونتيجة طبيعية لهذا التفكير أصبحت البلاد تحكم بلا قانون ، والقانون الساري فيها هو قانون الغاب .

واستنادا على هذا أصبح كل مسئول في النظام يستغل منصبه حتى وصل بهم الحال للتدخل في شئون وزارة العدل وتسييرها ، حتى عبر عن امتعاضه ” طعمي بيني ” رئيس المحكمة العليا آنذاك من تدخل الشخصيات النافذة في النظام في قرارات المحاكم وشئونها أمام مؤتمر دولي عقد قبل خمس سنوات تقريبا في فندق ” إنتركونتيننتال ” قائلا بصريح العبارة أن تدخل مسئولي ” هقدف ” في شئون المحاكم حال دون استقلالية القضاء في البلاد . وكرد فعل من النظام حيال ذلك الموقف تم تجميد وفصل السيد ” طعمي ” عن منصبه كرئيس للمحكمة العليا.

وبحكم غياب الدستور والقانون أصبحت الدولة تحكم من خلال قرارات تصدر في شتى مناحي الحياة ليس هذا فحسب ، بل أصبحت تتضارب هذه القرارات مع بعضها البعض ، وأصبح المواطن في حيرة من أمره ولا يدري مع أي منها يتعاطى . وفي الأخير توصل ـ أي المواطن ـ إلى أن هذه القرارات مزاجية ويمكن أن يكون قد أصدرها الرئيس وهو في حالة ألا وعي وربما في أماكن السهر الذي اعتاد عليها .

 ولم يقتصر هذا الإستغلال على كبار المسئولين في ” هقدف ” بل كل المسئولين وخاصة قادة الجيش الذين أصبح لكل واحد منهم إمارته التي يحكمها وله فيها سجونه وعسكره ومحاكماته الوهمية ، يسجن من يشاء ويضطهد من يشاء وينزع ممتلكات المواطنين وآراضيهم الزراعية والسكنية ، ويعيث في الأرض فسادا تحت مرأى ومسمع النظام ولا يتحرك أحد قيد أنملة لمساءلة ومحاسبة أي من هؤلاء .

ومن عايش الوضع على هذا النحو يصل إلى حقيقة أن هنالك اتفاقا ما بين القادة ورئيس النظام ليفعلوا ما يحلوا لهم وينهبون ما يشاؤن شريطة أن يحموه من غضبة الشعب . وبذلك فإنهم ليسوا حماة الوطن ، وإنما حماة النظام في مواجهة أية مقاومة وطنية . ونتيجة لذلك أصبح قادة الجيش في إرتريا من أثرى الأثرياء على حساب حرية المواطن وممتلكاته .

وهنالك حادثة توضح إلى أي مستوى يمكن لمسئولي النظام استغلال مناصبهم وخرق القانون نهارا جهارا ، وهي أن عقيدا بالجيش أعجب بإحدى فتيات حي ” ماي جهوت ” بأسمرا ولكنها لم تتجاوب معه ، وعندما أخبرت أسرتها سرعان ما تحركوا لتزويجها من أحد أقاربها ، وعندما علم ذلك العقيد بذلك ، ما كان منه إلا أن أخذها عنوة يوم خطبتها أمام الملأ من بيتها ولا زالت تعيش معه في معسكر الجيش بـ ” غانيو استيشن ـ دندن ” وأنجبت منه حتى الآن بنتان . وأذكر هنا أيضا شخصا أعرفه جيدا لا أريد ذكر إسمه ، حيث اختفى فجأة عن الأنظار وظهر بعد ما يقارب العام والنصف فسألته عن سبب غيابه بعد أن عانقته ، فقال لي بأنه كان معتقلا في معسكر الجيش بـ ” قحوتا ” التابع للجنرال ” وجو ” فسألته عن سبب اعتقاله فرد علي بأنه لا يعرف شيئا ولم يتم التحقيق معه عن أي قضبة طيلة هذه الفترة ، وكل ما أعرفه أنه وقبل اعتقالي بيومين تقريبا صدمتني سيارة من الخلف عندما كنت أقود سيارة الجهة التي أعمل لديها وبالطبع لم أكن المخطئ حسب قوانين المرور ولكن الذي صدمني برتبة كبيرة في الجيش فأصبح يتوعدني ويهددني وعندما ذهبنا إلى مكتب المرور وأثناء تسجيل بياناتي من قبل شرطة المرور أخرج بدوره ورقة وقلم وسجل اسمي ومكان سكني ، وبعدها بيومين وفي الخامسة فوجئت بأناس ملثمين ربطوا عصابة سوداء علي عيني وأدخلوني أحد السجون لم أكتشف أنه بمنطقة ” قحوتا ” إلا بعدج إطلاق سراحي .

من الطبيعي أن شعبا خرج من الاستعمار حديثا وأنهكته الحرب لما يقارب النصف قرن أن يتوجه للتنمية والاستقرار حتى يتوفر له الأمن والرفاه والطمأنينة . لكن في واقع الحال وفي ظل نظام أفورقي من المستحيل أن ينام أحد من أبناء شعبنا بالداخل وهو مطمئن في منزله . لانه ببساطة يمكن القبض عليه واعتقاله دون أي جريرة ورمية في السجون الكثيرة التي سخر النظام كل إمكانياته لبنائها ، ليس هذا فحسب ، وإنما حول أيضا المباني السكنية والمؤسسات الحكومية إلى سجون ليبلغ عددها قرابة الثلاثمائة سجن يقبع فيها أكثر من أربعمائة ألف من المعتقلين دون محاكمات ، ولا يعلم أحد حتى مواقعها . والأسوأ من ذلك لا يمكنك أن تسأل أي جهة إذا اختفى لك شخص وإلا يكون مصيرك هو نفس مصيره . وهؤلاء المعتقلين ليس لهم جرم ارتكبوه بل أكثرهم من سجناء الرأي والبعض منهم لا يعرف ما هي جريمته .

فتلك هي إذا أبسط النتائج التي أفرزها غياب الدستور والقانون في إرتريا وأصبح أبناء شعبنا الأبرياء ضحيته في ظل نظام لا يعترف بأدني حق من حقوق الإنسان التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية وتكفلها الأديان والأعراف الإنسانية .  

  

  

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6982

نشرت بواسطة في يوليو 22 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010