فبراير الهضبة بين المأمول والمذموم

بقلم / ود سعيداي

 

تدور عقارب الأيام وتزف إلينا موعداً آخر للحوار الوطني، لقاء الأحبة الذي يتوقع انعقاده في الشهر القادم من هذا العام الجاري الميلادي. هذا اللقاء الذي يحتضن كل فئات الشعب الإرتري، ممثلاً في وفوده التي تسعى لإضفاء نوعا من الطمأنينة لأهله، وإفشال كل مخططات “أس يأسٍ” الرامية لتقويض حركة المعارضة هنا وهناك… ولأجل إنشاء آليات جديدة تقوم بتفعيل دور التحالف إقليميا ودولياً، وتسليط الضوء أكثر مما هو عليه الآن على جرائم “فرعون ذو الأوتاد” التي يرتكبها بحق شعبه الجواد.

في هذه الأثناء يحضرني في هذا الشأن، المقولة الشهيرة لأحد مؤسسي حزب الأمة، ورئيساً للوزراء في الفترة (1956- 1958) السيد عبدالله خليل رحمه الله، قبيل استقلال السودان، وعقب قرار البرلمان 19/12/1955، بالاستقلال عندما قال :

(( أن أبناء السودان حين يجلسون إلي بعضهم بعضا فإن كل مشاكلهم سيحلونها ويقبلون على بعضهم متصالحين)).

وبينما يرتب أهل الشأن السياسي الإرتري دواليب أعمالهم، وتجهيز حقائبهم، للإقلاع من كل حدب وصوب، والهبوط  على الأرض الإكسومية، تتوجه عيون الشعب وكلها أمل صوب الهضبة الإثيوبية “أديس أبابا” وهي تستقبل أمراء الأحزاب والحركات والمجموعات الإرترية. وهو ما يطلق عليه الآن “التحالف الديمقراطي الإرتري”، تحالف الأخيار في الخير ضد زمرة الأشرار الذين سرقوا علبة الرسم من حقائب أطفال المدارس- التي تحتاج إلي مدارس- عندما أرادوا رسم صور الرعيل الأول بجوار لوحة الوطن. ولسان حال هؤلاء وغيرهم من الأحرار يردد:

يارُب فجر تزول الحجب برؤيته *** وترسم أقلامنا فجراً بأزهار

أجل .. أن أبناء إرتريا العظماء الذين قارعوا الاستعمار، أرضا وسماءً، هم جديرون بتطريز ثوب الديمقراطية وما يتناسب مع أجسام أفراد شعبنا الكريم. وهنا أود أن أؤكد أنني لست ضليعا في علم السياسة، أو خبيراً في الوجهة الأكاديمية، وقد قيل وسيقال الكثير في هذا المضمار من بعض الزملاء، وغيرهم من أهل الاهتمام بالشأن الإرتري بمختلف مشاربهم، ولكن ودّ قلمي أن لا يبخل حسب قدراته الكتابية المتواضعة، وبما أتيح له من وقت، وهو يرى لصوص الوطن تألهت في بلادي. و غرست بذور الفتنة في كل وادٍ، وجعلت زمام الأمر في أيدي كل سفاك فاسد.

وهنا أتذكر قول الشاعرة العراقية ريتا :

إلي متى يظل الإنسان الصادق

ضميراً مستتراً

وتظل الأقزام المشبهة بالأفعال

تنصب وترفع ما تشاء ومتى تشاء

بالإضافة إلي بعض الأصوات التي ناشدت هذا القلم البسيط، بنثر مفرداته المتواضعة عبر النوافذ الإعلامية المتاحة. ولهؤلاء، كل الشكر والتقدير، وهذه مسئولية كبيرة سائلين الله التوفيق رغم تصادمات الأولويات في هذا الزمن العصيب. ومن باب >> كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته<< ندرك أن القلم راعٍ، مسئول عما يكتب، فالكلمة اليوم أصبحت سلاحا

من أسلحة العصر، وأداة من أدوات النشر. فإذا صلح استخدامها، صلح العصر وسلم النشر، أما إذا ساء استخدامها، ساد المكر، وانتشرت سياسة القهر، وعندها .. لا شجر ولا وتر ولا بشر!

إذن .. من هذا المنطلق يأتي الاكتراث بما يجري وسوف يجري في الشأن الإرتري. وفي تقديري .. أن هذا الحوار الوطني المرتقب .. يحلق بنا إلي حيث لا أمنيات تخيب، ولا تساؤلات تستعصى على المجيب، إذا أمتطى القواد صهوة العقلانية، وأشاع روح الاعتدال والاتزان لمواقفه الإنسانية قبل السياسية.

ومن هنا .. يزداد قلبي عشقا للحق يزداد– ولصوت العدل القادم بين ثنايا القواد، يعول الكثير وأنا من بينهم على لقاء فبراير وما يحمله من تباشير، إذ يتطلع الجميع إلي الموضوعية في التحليل، والاستشهاد الموثوق في التدليل. فالرؤية الإستراتيجية السليمة لها مردود طيب، أولها اصطلاح الذات مع الذات، وأوسطها نفور لغة الحوار عن الحدة والقصور، وآخرها استحضار الماضي، وقراءة الحاضر، واستشراف المستقبل، ثم بروز ثقافة الجدل وقبول الرأي الطيب. وأن الإحكام اللغوي لدى مفردات المواثيق والعهود المكتوبة بالعربية، هو صمام الأمان، وخير دليل لأولئك الذين يرتدون عن عروبة الوطن، ولا سيما

نثر كلمات التقريب التي من شأنها إنتاج أفكار تضمد الرضوض التي أصابت النسيج  الاجتماعي في تلك الرقعة المسماة “إرتريا”. تقول الأديبة السودانية رباح الصادق:

“أن الحياة حطب لنار المثل العليا ما أتفهه إن لم يشتعل لها وما أنفعه إذا بها احترق”.

وفي المقابل، يتوجس صناع الوقود، حراس البارود، من بروز ثقافة الإقصاء التي لا تبقى ولا تزر، و تجاوز الجدل السياسي حدود الهدوء، فالضحية الشعب .. والمطعون .. الوطن,, وعندها .. لا قرى ولا حضر!

وربما الانغلاق والهروب من رؤية عيون الشعب، مفاده دعم منهج الوصايا، وتدمير آلية المساءلة، وهضم حقوق الثورة الإعلامية. وهذا بدوره يغرس بذور الغوغائية، فيكثر التهريج والتجريح والتبخيس، وحينها تعلو رايات المؤامرة لا المجاهرة والمناورة لا المثابرة كما يقول رواد السياسة.

 

للتعليق

Saeedai@maktoob.com  

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7053

نشرت بواسطة في يناير 27 2007 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010