قبل العزاء

جهاز التعليم الارتري هذا الذي سارت بذكره الركبان، وتلك المؤسسة التي أنجبت أفذاذاً من الأكاديميين، وذاك الصرح الشامخ الذي لامس المعانات وتحسس الخطر وأخذ علي نفسه العهد أن يحارب في أعتي الجبهات وأن ينازل أخطر عدو وهو الجهل،

هذه المؤسسة التي كانت منارة يهتدي بنورها الحائرون في ظلمات الجهل، والمنارة التي شعت نوراً أضاء آفاقاً لم يتسني لها أن تري النور منذ عهدٍ بعيد فكان لهذه المؤسسة بعد الله الفضل في ذلك.

كم منا بدأ حياته الأولي علي أعتاب مدارس جهاز التعليم يردد الحروف الأبجدية كم منا وقف مصطفاً في طابور الصباح وهو يردد :

    أنا لن أعيش مشـردا *** أنـا لــن أظــل مقيـدا

      أنا لــي غــداً وغــدٌ *** سأزحف ثائراً متمردا

      أنا صاحب الحق الكبير *** وصانع منه الغـدا

        أنـا ثـورة كبري*** تزمجر بالعواصف والردي

       وطنـي هنـاك ولــن  *** أظـل بغيـره متشـردا

        سأعيــده وأعيــده   *** وطنـاً عــزيزاً سيــدا

     كم تكحلت أعيننا ورقصت أفئدتنا طرباً ونحن نستشرف المستقبل من بين ثنايا هتاف الكشافة في مدارس الجهاز الثانوية وهم يحملون الشعلة عهداً بأن تظل متقدة تبدد ظلام الجهل وتنير طريق المستقبل لوطن الأمجاد.

***

     شباب يناضل بالبندقية وينازل العدو كفاحاً، يباغته في عقر داره يلاحقه في كل مكان حتي في الأحلام صار له كابوساً يقض مضجعه كل حين … هل قرأتم  أو سمعتم عن مجموعة ( العقاب الفدائية ) هي من رحم هذا الشعب وقد جاءت بالمعجزات الخوارق وضربت مثالاً للتضحية والفداء.

***

     شباب آخر في ثغرة أخري ممسك بقلمه، منحني علي كراسته، متكئ علي جزع شجرة أو درج أو جالس علي البرش (  بساط من الزعف )  يتلقي العلم أو يستذكر الدرس، ويكابر علي الجوع والفقر والمرض وحياة اللجوء… شعاره:

أمشـي علي قدمـي     حافياً دون حذاء

واطوي علي بطني    جائعاً دون غذاء

أتحــمل المشـاق       من أجل إرتريا

 

     هذه ظلال من صور خلدها التاريخ في ذاكرتنا ولن تمحوها غوائل الأيام أو كيد الظلاّم ومن يريدون أن يمسخوا تأريخنا …. تأرخ الثورة …. ثورة الشعب.

***

     لكن وبعد كل تلك الانجازات ما هو حال جهاز التعليم اليوم أو حتي أين هو…! أين ممتلكات هذه المؤسسة التي كانت تضاهي ممتلكات وزارة تربية وتعليم في أي ولاية أو محافظة من محافظات السودان.

     جهاز التعليم الارتري في مدينة خشم القربة وحدها كان يملك من الامكانيات والممتلكات مالم تكن تملكه المحافظة والدليل علي ذلك عدد وكفاءة المعلمين الذين كانو يعملون فيه أضف إلي ذلك المؤسسة التعليمية سواء كانت ثانوية أو أساس  كانت مجهزة بأحدث المعامل والأثاثات، ورشة خاصة كانت تصنع متطلبات المؤسسة، مخزن السكة حديد الذي يسع شاحنة كاملة تدخله من باب وتخرج من آخر كان ممتلئاً بمواد البناء والمواد التموينية، حتي الداخليات كانت كأحدث ما يكون.

     أذكر عندما دخلت معهد جهاز التعليم الارتري سلموني ( سرير وملائتين ومرتبة وبطانية بجانب المنهج والدفاتر والأقلام  ) داخليات جهاز التعليم كانت تتكفل بإعاشة وعلاج الطالب في زمن كانت بقية المؤسسات لاتملك فصولاً دعك من داخليات بهذه الميزات.

هذا المعهد ( المعهد النموذجي لتحفيظ القرءان ) كان به عدد خمس عربات ( لوري ، تنكر مياه ، شاحنة دفار، لاندروفر، جيب )

أين ذهبت كل هذه الممتلكات … ؟ من المسؤول عن ضياعها … ؟

     سادتي:  هذه الأموا ليست ملكاً لتنظيم، أو جماعة، أو فرد إنها أموال الشعب الذي دفع ثمنها دماً، ودموعاً، ونحيب، وقد راحت هكذا في غفلة من صاحب الحق، وأصبحت كما يقول المثل السوداني: ( شمار في مرقة ) أين كانت تلك التنظيمات والحكومة التي تدعي حماية الشعب وممتلكاته، الم يعرفوا أن هذه الأموال قد إختفت دون أن يُعرف عنها شئ هل سألوا، أو بحثو عنها في أي مكان . اليوم وبعد مرور عشر سنوات علي ضياع هذه الممتلكات هائنذا وبإعتباري طالب من طلاب جهاز التعليم، ومواطن له الحق في هذه الأموال أسأل هذا السؤال … لست في مقام إتهام لأحد… بقدر ما أريد الحقيقة أن تبين لي ولسواي ممن تدور في أذهانهم هذه الأسئلة.

سؤال سيظل مكتوباً علي جبين الأيام:

أين ذهبت ممتلكات جهاز التعليم الارتري – بمدينة خشم القربة ؟

من المسؤل عن ضياعها ؟

 

     اليوم مدارس الصمود في مدينة خشم القربة- والتي كانت قبلة للمعلمين لما فيها من أجر عالي – وقبلة للطلاب لما كان فيها من بيئة تعليمية مثالية هي اليوم تكابد من أجل البقاء ممسكة علي جمر العهد القديم، تصارع الحاضر وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.

القراء الكرام:

  مدرسة الصمود للأساس اليوم بها ثلاث معلم فقط ( 3 معلم ) مقابل ثماني فصول( 8 فصول ) ويجب أن تدرُس هذه الفصول في اليوم ثماني حصص علي الأقل. لا تستغربوا فهذه حقيقة ….؟!

المدرسة التي كانت تجذب أكفأ المعلمين والذين بعضهم كان يأتي من مدينة كسلا فقط للتدريس في هذه المؤسسة هي اليوم خالية تماماً إلا من القليل من المعلمين. المعلم اليوم يتقاضي مبلغاً شهرياً يتراوح بين 60.000 – 70.000جنيه أي مايعادل 25 – 30 دولار، بينما أقل أجر في مكتب العمل بالسودان هو 200.000جنيه أي ما يعادل حوالي 100 دولار.

     الطلاب اليوم يجلسون علي الأرض  ونحن في القرن الواحد والعشرين وفي عصر العولة والإنترنت والكراسي الدوارة. المعلم ياطلاب وخريجي مدارس جهاز التعليم الارتري يذهب إلي المدارس الأخري في مدينة القربة بحثاً عن صندوق طباشير أو كراسة تحضير أو كتاب للمعلم ليحضر منه الدرس.

***

     البعض عندما تطلب منه المساهمة في حل بعض المشكلات يتتعلل بأن المؤسسة أصبحت تتبع للجبهة الشعبية لذلك أنا لا أساهم فيها …. عجبي من هذا العذر …. ياسيدي الجبهة الشعبية قد سرقت جهاز التعليم مثلما سرقت قبله نضالات شعبنا وثورته الفتيه، سرقت هذه المؤسسة وهي تعمل اليوم لوأدها لأنها تريد أن تغير التأريخ، وتطمس معالمه وتمحوها من الوجود، وجهاز التعليم الارتري أحد هذه المعالم البارزة، لكن هل نترك الجبهة الشعبية تدمر ممتلكاتنا وتمسخ تأريخنا… من المستفيد اليوم من هذه المدارس في معسكرات اللاجئين ؟ ألست أنا وأنت وبقية أهلنا الكرام… ماذا يضيرنا لو ساهمنا بدينار واحدٍ، أو قمنا بصيانة فصل، أو جدار، أو قمنا بتوفير وصيانة المقاعد والأدراج لطلابنا في هذه المدارس.

سادتي: فلنفرق بين معارضة النظام ومصالح الشعب والوطن، لننظر للخدمة التي تقدمها هذه المؤسسة بغض النظر عن من تتبع ومن ورائها.

 

الشهيد القائد / عثمان صالح سبي

الشهيد القائد / محمود صالح سبي

لايهم إن إتفقنا أو إختلفنا معكم في إجتهاداتنا السياسية… لكن ستبقي هذه المؤسسة شاهداً علي صدق نضالاتكم وعظيم تضحياتكم أنتم ومن كان معكم ومازال ممسكاً بمبدأ التعليم حق إنساني لكل الشعوب.

 

نــداء:

نداء للحكومة والمعارضة الارترية.

نداء لكل طلاب وخريجي مدارس جهاز التعليم الارتري.

نداء لكل المؤسسات والمنظمات الانسانية الارترية.

نداء لكل من يؤمن بأن التعليم حق مشروع لكل إنسان.

نداء لكل من يريد لهذا الشعب معني أن يعيش وينتصر.

   **  فلنساهم من أجل أن تظل مدارس جهاز التعليم تقوم برسالتها السامية وسط المهاجرين، تقدم خدماتها لكل الشعب الارتري بعيداً عن التصنيفات العرقية، والدينية، والسياسية.

  **   فلنساهم بدينار، أو نقوم بصيانة مرفق من المرافق، أو توفير معلم ولو لفترة مؤقتة، أو صيانة أثاثات الفصول، أو توفير معينات التدريس للمعلمين.

مدرسة الصمود هي أمانة في أعناقنا فلنسارع لإنقاذها قبل أن ينعي الناعي أعرق مؤسسة للتعليم وسط اللاجئين بمعسكرات القربة ويعلن عن إنتهاء العزاء بإنتهاء مراسم الدفن.

من غيرنا يعطي لهذا الشعب *** معني أن يعيش وينتصر

 

 

خلدون النقيب

Khaleder22@maktoob.com

 

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6790

نشرت بواسطة في ديسمبر 12 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010