قراءة على قراءة أيلول

بقلم : محمد هنقلا

“الفن اعلى قيمة من الحقيقة “
نيتشه

 

أى عمل لا يمكن أن يتطور الا وفق منهج معرفى، أى من خلال مرجعية معرفية ترشد هذا العمل ويجب ان يتبع العمل متابعة نقدية حتى تكشف العوائق المزروعة أو الناشنة بذاتها. فهل انتبهنا الى هذا المهام قبل البدأ بالعمل؟ أم توكلنا على الله قبل أن نعقلها ؟ أعنى بهذا الكلام الحقل الادبى والنقدى منه بشكل خاص.

ألابداع يعنى التجديد ، والادب الارتري بدأ يتجدد على صعيد الانتاج ودخل الى مرحلة الحديقة المزهرة من مرحلة العشب التى تحدث عنها الاخ عادل القصاص وهذا واضح وملموس فى الساحة الابداعية مما يوكد لنا دخول الادب الارترى مرحلة عقل الكتابة بامتياز.

 اذن اين يقف النقد من التطور السائد من حيث الانتاج؟ هل يقوم بمهامه كما يجب؟ ام تخلف كثيراً عن أداء واجبه فى الساحة الابداعية . واذا كان هناك تخلف فى الاداء ما أسباب هذا التخلف؟ نريد من هذه التساؤلات طرح المزيد من التساؤلات حتى نضمن استمرار النقاش نحو التساؤلات بعيداً عن اللغة المصممة والاجابات الجاهزة التى تقود الى اليقين وتخدير الحس النقدى.

النقد لا يسبق الابداع بل يولد نتيجة حاجة الابداع اليه ويساعد القارئ والمقرؤ من خلال ملأ فراغات النص وتوضيح الوان الصورة التى يحملها النص الاجتماعية، واللغوية، والتكنيكية، وحتى يكون هكذا يجب أن يتسلح بأدوات نقدية مستفيداً من تراث النقد العالمى ، اى من كل انواع الفنون، وهكذا تساهم القراءة فى التغير الواعى من خلال تجذير الحس النقدى وهذا الاخير لا يتجذر بذهنية يقينية او بلغة مصممة سلفاً بل عبر ذهنية متسائلة.

 بعد هذه المقدمة نعود الى التساؤلات التى ذكرناها فى المقدمة ، ونقول اين يقف النقد الادبى الارترى من التطور الابداعى السائد ؟ وهل يقوم بمهامه كما يجب ام تخلف كثيراً عن اداء واجبه؟ وما اسباب التخلف ان كان هناك تخلف لهذا النقد؟ كل هذه التساؤلات القلقة لا تنتمى الى الواقع , لان الواقع لم ينتج بعد رؤية نقدية متخصصة او محترفة او هاوية .

وهذا لا يعنى غياب المحاولات هنا وهناك، والسؤال المهم كيف نعزز هذه المحاولة ونحولها الى تجربة نقدية تراكمية متينة بالمعرفة، ويتم ذلك من خلال قراءة تنتمى الى الشك وليس الى الاحكام القطعية.

 وحتى يفعل  فعله هذا  التراكم،  يجب الاستفادة من القراءة الاولى التى سبقت غيرها فى هذا المجال  ونبدأ من حيث انتهت الاولى حتى تساهم القراءة فى هذا التراكم دون التوهم ببراءة الاختراع او لباس زى الاكتشاف ، اكتشاف الدنيا الجديدة للنقد الادبى .

الاستاذ عادل قصاص* كتب عن الادب الارترى المكتوب باللغة العربية مقال مطول و كشف فى هذا المقال ابعاد تأثر الادب الارترى المكتوب باللغة العربية بالادب العربى وركز بشكل خاص على الشعر والقصة واهمل الرواية لأنها لم تكتمل ساعتها الصورة كما هى اليوم، المهم ليس الاتفاق او الاختلاف حول طبيعة الرؤية بل المهم التعرف عليها ثم الاستفادة ان كانت هناك فائدة أو تجاوزها ان لم تلبى طموح القراءة الحديثة ونقول هذا من اجل تذكير أولائك الذين كتبوا او يكتبون فى هذا الشأن، لانه مهم معرفة الكتابات الاولى المتصلة بالمادة التى يتم اعدادها، حتى نتجنب لف البكرات بشكل منفصل دون اى رابط،وثم تجنب اعادة ما هو منتج كما هو حاصل ، وهذا الاسلوب من الكتابات لا يساهم الا فى زيادة الكساد وهذا الاخير ” الكساد ” بدأ يطفح على السطح ليعلن ولادة معاقة للقراءة النقدية وايضاً فى قراءة تاريخ الادب الارترى المكتوب  باللغة العربية، فان مقال الادب الارترى المكتوب باللغة العربية  المنشور فى موقع ايلول انه على تناص مع مقال عادل القصاص بامتياز ، ورغم هذا التناص هناك تجاهل للمقال، واقول تجاهل  ولا ادرى لماذا هذا التجاهل؟  وان كان يجهل لماذا استعجل فى الكتابة قبل ان يلملم ما يجب لملمته من المعلومات،اذن والتجاهل واضح، ويظهر ذلك فى غياب اسماء مهمة من المقال مثل حامد ضرار ، ادريس ابعرى ، عبد القادر عبد الصمد ، وهذا الاخير يعتبر الرائد الثانى فى كتابة الرواية بعد سعيد ناود ، ثم ياتى محمد عمر الشيخ والكهال…الخ.المفروض الانسان الذى يؤرخ يجب  ان لا يتسرع ويكثر البحث عن المعلومة واعتقد ان المعلومات فى هذا المجال لم تكن معقدة حتى ننسى هذا ونتذكر ذاك. هذه الملاحظة هى بخصوص الكتابة التى تقوم بارشفت الادب، أما بخصوص النقد سوف اتوقف عند صالون ايلول الثقافى والكيفية التى قرأ بها رواية رائحة السلاح.

الغرض هنا ليس الدفاع عن الرواية بل الكيفية التى تمت بها القراءة، القراءة تختلف على حسب النص المقرؤ والذاكرة الثقافية للقارئ وكما يقال كل نص يحتوى قارئه ولا توجد اى قدسية للنص تحميه من دنس القراءة، فالقارئ يفكك النص ويشكله حسب ثقافته ومنهجه . لان بعد ان يغادر النص مؤلفه يصبح ملك القارئ ولهذا يخضع لمزاج منهج وثقافة القارئ.

يقول د/ حسن حنفى* مهمة الاديب التعبير والتصوير والتاثير ومهمة الناقد الفهم والتطوير والتغيير. وحتى يفهم النص يجب ان يتسلح الناقد بمرجعية معرفية ووفق هذه المرجعية يتعرف على تكنيك السرد واللغة المستخدمة فى النص المقرؤ ، وتكشف القراءة النقدية عبر هذا الطريق موطن الخلل ان كان هناك خلل او موطن الابداع  وعبقرية الكاتب، وعبر هذه الجدلية تتقدم الكتابة السردية افقياً مستفيدة من كل انواع الفنون وهكذا تساهم فى تغيير الوعى الاجتماعى من خلال تجذير الحس النقدى  وهذا الاخير لا يتجذر بذهنية يقينية بل بذهنية متسائلة ، اذن كيف كانت القراءة ؟  يقول الدكتور على حرب* ” لم يعد النص مجرد ناطق باسم المؤلف او مجرد مرآة تعكس الواقع ، بل اصبح هو نفسه واقعة” وضمن هذا الفهم يجب ان يقرأ النص السردى وليس كحقيقة تاريخية نبحث فيها التطابق بين الظل وصاحبه، الى جانب هذا يجب ان نحدد المنهج الذى نقرأ من خلاله النص حتى لا نتيه  فى غابة النص فهناك مناهج نقدية عديدة يجب ان نتبنى منها وفق حاجة والية التطور عندنا اما ان نشرع خارج اطار المنهج يدخل بنا هذا النوع الى دائرة المشافهة وليس الى عقلية الكتابة .

اذن غابت عن  صالون ايلول الثقافى القراءة النقدية ذو المرجعية المفاهمية  ولهذا لم تعطى الاحكام ثمارها كما اريد لها معرفياً. بل سقطت القراءة فى دائرة الاحكام اليقينية وحتى تتجنب هذا كان المفروض ان تقوم القراءة بالخطوات التالية.

اولاً : تعريف الرواية بشكل نظرى وفق النظريات النقدية الحديثة او القديمة بما يخدم منهج القراءة والتطبيق للصالون. لان اختلاف تعريف الرواية والاختلاف فى قراءتها سببه يرجع فى اختلاف الخلفية الفلسفية والمنهجية وهذا الاختلاف  لا يعنى ان الرواية جنس ادبى لا تعريف له بل هناك تعريف لرواية ويتم تعريف الرواية على حسب المرجعية الثقافية للناقد او القارئ العادى ، وان التعريف للرواية وفق المنهج الذى نؤمن به لجنبنا الغموض والالتباس لو وظفناه كما يجب فى القراءة.

ثانياً: استخدام المرجعية ، كل الاراء لم تستخدم مرجعية معرفية باستثناء المحاولة المرتبكة للاستاذ عبد الرزاق فكانت كل الاوراق تنطلق فى قراءتها من احكام تنتمى الى المشافهة اكثر منها الى ذهنية الكتابة . مثال تقديم الاسم على الرواية ، ما العيب فى ذلك وما هى المرجعية النقدية التى يستند فيها صاحب هذا القول حتى ناخذ به كعيب او نواقص على الرواية . أعتقد لا شى.

يقول الدكتور حميد الحمدانى* ” يمكن اعتبار العناوين واسماء المؤلفين الموجودة فى الغلاف الامامى داخله فى تشكيل المظهر الخارجى للرواية ، فوضع الاسم فى اعلى الصفحة لا يعطى الانطباع نفسه الذى يعطيه وضعه فى الاسفل ولذلك غلب تقديم الاسماء فى معظم الكتب الصادرة حديثاً فى الاعلى” ، انتهى الكلام ووفق هذا الفهم كانت رواية رائحة السلاح ، تم تقديم الاسم على الرواية.

المثال الثانى :فى  كل الاوراق بأستثناء ورقة واحدة  ترددت عبارات الانتقال السريع والمفاجئ لرواية  بشكل مباغت

هذا الحكم ينتمى الى تكنيك السرد التقليد رغم عدم الاعلان عن تفسه بصورة منهجية فى الورقة المطروحة وان التباس المنهج كان احد عيوب القراءة فى الصالون الثقافى ، بمعنى اخر القراءة لم تحدد هويتها وزاوية القراءة التى من خلالها تنظر الى المقرؤ.

يقول الياس خورى* ” الكتابة هى وعاء وشكل ، والوعاء يغير الذى يحفظه ويعيد خلقه من جديد ” ان وعاء الرواية كان وعاء جديد وليس تقليدى ويجب ان نفهم ضمن هذا الفهم ان فن الثرثرة قد تجاوزته الرواية الجديدة عبر الاحاء والمجاز لهذا العالم المنطقى والغير منطقى فى ان واحد .

يقول حيدر حيدر* “يتشظى الزمن بارتجاعات وانكسارات مشتتة بين الماضى والحاضر والمستقبل” .

فان الرواية الحديثة تعتمد فى السرد تكسر الزمن والانتقال المفاجئ عكس الرواية القديمة حيث يتعاقب الناس ( الابطال ) كمياه النهر الجارى ويسيطر البطل فترة طويلة ،ووفق هذا الفهم الاخير بحثت احدى قراءة الصالون الثقافى عن حلقة مفقودة قائلة  ” هناك حلقة مفقودة لربط تلك كل الاحداث ” اعتقد هذا الحكم كسول ولم يتعب كثيراًعن البحث والتعرف الى مفهوم النقد رغم امتلاء الساحة الادبية بالانتاج الجديد والقديم.

الملاحظة الاخيرة التى سوف اكتفى بها هى ، كان المفروض الابتعاد عن المفهوم الاخلاقى، مثال مطالبة المؤلف سعة الصدر. عندما يغادر النص صاحبه يصبح ملك للقارئ ويقول عن هذا جاك دريدا موت المؤلف بالتالى لا يتطلب الاعتذارو يجب ان نتعامل مع النص كنص سردى ونبحث فيه الشروط التى تجعله نص روائى .

فى الختام نقول ان القراءة نصف الابداع واذا لم نقرأ او لم نفهم ما نقرأ يغيب الابداع ومع الابداع يتم ولادة النقد ، والنقد لا يسبق المنتج بل ياتى نتيجة ولادة الابداع  وتراكمه ليعطى بعد ودلاله لشغل هذا الابداع واعتقد ضمن هذا الفهم اتت قراءة صالون ايلول الثقافى، والقراءات الاخرى ايضاً الموزعة هنا وهناك …ودائماً البداية هكذا فيها عثرات وارتباك حتى ياخذ الشغل طريقه السليم عبر تراكم التجربة ، والطريق السليم هو الشك،

والقراءة الفاحصة،والمستفيدة من التراث المعرفى عبر ذهنية واعية، وعقل ناقد، وليس عبر لغة اليقين والاحكام المطلقة وعندمانجيد هذا النوع من القراءة ، قراءة تعزز روح التساؤل المبنية على المعرفة والمنهج ساعتها  تستطيع القراءة  ان تصل الى المكان، لم تكن فيه من قبل من حيث الوعى والتقدم .

الهوامش :

1 عادل قصاص – كاتب وقاص سودانى

2 د حسن حنفى – مجلة عالم الفكر    العدد 3/4  1995م

3 د. على حرب   صفحة 25 – هكذا اقراء ما بعد التفكيك

4 د. حميد الحمدانى  ص 65 ينبه النص السردى

5 الياس الخورى    مجلة الطريق العدد 3/4  1981م

6 حيدر حيدر ص 89 نفس المصدر السابق

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7280

نشرت بواسطة في ديسمبر 15 2006 في صفحة الصفحة الثقافية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010