قراءة فى العقل الارترى

عمر جابر عمر

هذه محاولة لمعرفة وفهم تركيبة ومكونات العقل الارترى – ما يختزنه وما ترسبه من قيم ومفاهيم

سنحاول معرفة ما هوا عام ومشترك وما هو جزئى وخاص بكل اقليم اومنطقة او طائفة

سنناقش بعض القيم والمفاهيم مثل الرمز (الرموز) – الوحدة الوطنية – النظام ( الدولة ) ومعرفة اسباب الاخفاقات السياسية وتاثير الثقافة على المواقف السياسية

العوامل الموثرة فى تكوين العقل الارترى هى :

1- الموروثات – ابا عن جد وما ترسب فى وجداننا من عادات وتقاليد

2- التعاليم والمؤثرات الخارجية – الدين اولا ثم الثقافة فى مجملها عبر البحر الاحمر (الجزيرة العربية ) وعبر البر ( السودان واثيوبيا)

3- التجارب المشتركة وهى قليلة

*الاستعمار الذى وحد البلاد جغرافيا واداريا (ايطاليا- بريطانيا – اثيوبيا )

*الحركة الوطنية بانقساماتها وتوجهاتها

* الثورة المسلحة – بصراعتها وحملاتها التعبويه ومواجهاتها مع الاحتلال

والعقل الارترى بداية هو جزء من العقل البشرى وتطوره ومكوناته الانسانية  العامة ونهاية هو نتاج للبيئة المحلية الجغرافية والثقافية والعوامل الاقتصادية والاجتماعية الاخرى

لن يكون (اسيرا) للماضى وان حمل منه بعض الموروثات ولن يكون (تائها ) فى تفاصيل الحاضر وان حاول التعامل والتعايش مع الواقع ولكنه يبحث دائما عن المستقبل وما يمكن ان يحمله من وعود وامل فى خلق حياة افضل وان تصبح ارتريا مكانا اكثر استقرارا وامنا وسلاما ورحلة البحث هذه هى ما يظهر فيها الاجتهاد بكل اشكاله والوانه – الامر الذى يتطلب بداية التعرف على الاخر  ومعرفة دوافعه ومطامعه ومن ثم الاعتراف بذلك الاخر كشريك كامل

كل ذلك ينطلق من الاقرار بوجود تنوع ثقافى وتعدد عرقى واختلاف دينى والتعامل مع هكذا واقع يفرض (التنازل ) عن روح التفرد والانفراد ويتطلب القبول بحلول مشتركة للتحديات التى تواجهه المجتمع ككل لان المواجهات الداخلية والصراعات الثانوية لن تحقق النجاح لاى طرف ولن تضمن التعايش فى وطن واحد وموحد

وسيواصل (العقل الارترى ) تطوره والتعلم من تجاربه والاستفادة من تجارب الاخريين

سنبداء تناول بعض المفاهيم والقيم والتى تشكل بعض المكونات للعقل الارترى


الحلقة الاولى

 * الرمز الوطنى

قد يكون الرمز (شيئا) ماديا مثل العلم – الوطن – او حيوانا مثل الجمل الذى اصبح شعارا للدولة _ وبغض النظر عن الا تفاق او الاختلاف فى التصميم او الالوان فان العلم يظل رمزا وطنيا يجد الاحترام من جميع الارتريين

المشكلة تبدا عندما نطبق ذلك المفهوم على الافراد

السؤال : من هو الرمز الوطنى فى البشر ؟

هل هو من كان ام  يمكن ان يكون (كائن حى ) ؟

بعبارة اخرى هل هو من الماضى ام انه جزء من الحاضر ؟؟

الرمز هو من يتمتع باعجاب وتأييد مجموعة من الناس تبدأ بالاسرة والاصدقاء وتمتد الى القرية والعشيرة ثم تمتد جغرافيا – اقليميا ووطنيا – حتى تصبح عامة تحظى بتأييد الاغلبية

قد يكون الرمز اجتماعيا وثقافيا او رياضيا … الخ

وقد يكون سياسيا يعبر عن اراء ومواقف الاخرين

انه رائد فى مجال معين وسباق فى اتخاذ المواقف وموفق فى اقناع الاخرين بما يدعوا اليه

وقد لا يكون الرمز فى فى بداية الامر  معروفا او مقبولا من الجميع خاصة اذا كان المجتمع  منقسما فى ولائه وانتمائه وغير موحد فى اهدافه _ وهو الحال الذى كان عليه الارتريون فى فترة تقرير الممصير  1942- 1952 .

المسلمون لاسباب تاريخية واجتماعية اتخذوا من حامد عواتى رمز للنضال الوطنى بعد ان قاد المقاومة المسلحة .

المسيحيون لم يقتنعوا بذلك اول الامر ايضا بسبب مواقف النخبة التى كانت توجه حركتهم وتحدد مواقفهم .

وللمسيحيين ايضا رموزهم وان لم تجد التأييد من معظم المسلمين (راس تسما- ولد آب ولد ماريام… الخ)

ولكن هنا يبرز خلط عام فى مفهوم الرمز الوطنى .

حامد عواتى لم يخرج وحده بل خرج ومعه نفر من الرعيل الاول دفعوا حياتهم ثمنا لما امنوا به

لم يكن من اجل فئة او طائفة معينة بل باسم الوطن كله والشعب عامة .

هل يمكن ان نعتبر هؤلاء الرعيل (رموزا) وطنية؟

وماذا عن قيادات حركة التحرير وجبهة التحرير ؟ والقائمة طويلة لا تنتهى .

الرمز هو من اتخذ موقفا يعبر عن الاخرين وشغل موقعا يمكنه من التوجيه والارشاد وضرب المثل على التفانى والاخلاص والتضحية فى سبيل ما امن به لنأخذ مثلا : قيادات الرابطة الاسلامية – كانت كثيرة ولكن من وقف فى الواجهة  واعلن بصوت عال نيابة عن الاخريين محليا ودوليا (الامم المتحدة ) كانا فارسين اثنين اثنين هما ابراهيم سلطان وعبد القادر كبيرى.

وهو موقف سباق فالمطالبة باستقلال ارتريا كانت تتطلب جرأة وشجاعة  وبعد نظر .

ومن عارض انزال العلم الارترى فى البرلمان كثيرون ولكن ادريس محمد ادم بحكم كونه رئيسا للبرلمان عبر عن ذلك الموقف ودفع مقابل ذلك ثمنا تمثل فى تجريده من وظيفته ثم لجوئه الى الخارج وتاسيس جبهة التحرير واستحق بذلك وصف (الرمز) وماذا عن الاخرين ؟

انهم رواد وقيادات وطنية وبحكم المواقع والادوار  التى لعبوها .

ان كل رمز هو قائد وطنى وليس بالضرورة  ان كل قائد وطنى هو رمز وطنى !؟

الاعتراف بهذه الحقيقة يضيف ويتسع بقدر ما يتم تحقيق نجاح على الارض لتطبيق ما تم التبشير به – بالاضافة الى وجود وفاء والتزام من الاجيال اللاحقة وانعكاس ذلك على الاعلام والمناهج الدراسية للدولة .

اما اذا كان ولى الامر لا يهتم بالتاريخ بل يكون ما يقرره هو ما يريده هو التاريخ الرسمى للعباد والبلاد عندئذا تختفى الرموز ويصبح الحال كما هو  الان فى ارتريا .

الخلاصة : لكل فئة او قرية او اقليم الحق ان يكون لها رمزها ولكن عندما نريد تصعيد ذلك الرمز الى مستوى الوطن كله فان علينا اتباع مقاييس ومراعاة معايير جديدة حتى يقتنع بها الجميع او الاغلبية .

ان يكون ما اتى به ذلك الرمز او بشر به جديدا (مثل الاستقلال المسلح) وان يكون ذلك الرمز معبرا

عن طموحات وتطلعات الاكثرية ثم وهذا هو المهم ان يكون الرمز ثابتا على المبدأ- مدافعا عن الشعار حتى يتحقق او يسقط دونه.

العقل الارترى منقسم  الان حول تصنيف وتحديد تلك المعايير وبالتالى تسمية  الرموز بصورة مشتركة.

الوقت وعمق وتجزر التجربة المشتركة ستوحد ذلك المفهوم فى العقل الارترى وليس هناك حدود لعدد الرموز- فالمستقبل واسع ومجالات الابداع متعددة والشعب الارترى (ولاد) لم يصب بالعقم .

الحلقة القادمة : الوحدة الوطنية

======================

الحلقة الثانية :

الوحدة الوطنية

كتب كثيرا وقيل الكثير عن الوحدة الوطنية ويبدو ان الاتفاق على المضمون والمعنى والوسيلة لم يتم بعد اول شرط من شروط تحقيق الوحدة الوطنية هو التعرف على الاخر – اى معرفة الاخر من هو وماذا يريد وكيف يفكر .

ثم يتبع ذلك الاعتراف به وقبول ما يطالب به – اى القبول به شريكا فى السلطة والثروة .

الاعتراف بالاخريين اقرار التنوع الثقافى والتعدد العرقى والاختلاف الدينى

ففى الوقت الذى تفرض البيئة ذلك التنوع والتعدد والاختلاف هناك ما هو مشترك لا يمكن تجاوزه او تجاهله – اعنى الجغرافيا السياسية ووجود مصالح مشتركة .

الوحدة الوطنية تصبح مطلبا شعبيا ملحا عندما يكون هناك انقسام فى المجتمع يهدد المصلحة المشتركة , قد ياخذ ذلك الانقسام  طابعا طائفيا او اقليميا او عشائريا – وقد ياخذ مظهرا سياسيا .

كان الانقسام الاول فى ارتريا حول تكوين الوطن عندما انقسم الارتريون بين مؤيد للاستقلال ومطالب بالوحدة مع اثيوبيا – بالرغم من ان الاختلاف كان حول هدف سياسى الا ان الاصطفاف والتمحور اتخذ طابعا طائفيا )مسلمون ومسيحيون

لم يكن ذلك لان المسلمين اكثر وطنة وانهم يمتلكون بعد النظر ولكن العوامل الثقافية والجغرافية والاجتماعية وموقف اثيوبيا المنحاز للمسيحيين لتحقيق اطماعها الاقليمية وتأثير  الكنيسة على الموقف المسيحى بصفة عامة – كل ذلك وغيره اعطى الانقسام السياسى طابعا  طائفيا الا قلة قليلة هنا وهناك .

وبعد انحسار تلك العوامل الخارجية وتخلى اثيوبيا عن وعودها كان لابد للمسيحيين من العودة للعمل المشترك وكان اللقاء (الاتفاق) على حركة تحرير ارتريا

الانقسام الثانى – كان حول الثورة المسلحة – المسلمون نفد صبرهم وتدهورت اوضاعهم وبدأوا الكفاح المسلح – وتحفظ المسيحيون فى البداية ولكن ممارسات النظام الاثيوبى خاصة منقستوا دفعت بهم الى الالتحاق بالثورة

الانقسام الثالث كان بعد احتكار الجبهة الشعبية للسلطة وعزلها وتهميشها لكل ما يمثل المسلمين

وهنا تردد المسيحيون ايضا فى معاداة النظام ولكن مع مرور الوقت اقتنعوا بان هذا النظام لا يحقق لهم كل توقعاتهم وامالهم فانضموا للمعارضة

ماذا نفهم من تلك التجارب ؟

اذا اعطيت الاولية للخاص (اقليميا وطائفيا) يحدث الخلاف والانقسام واذا اعطيت الاولوية للعام والمشترك تحققت (الوحدة الوطنية ) لنستعيد تجربة كل فئة منذ عام 1961 وحتى 1975 كانت جبهة التحرير فى تركيبتها وقياداتها (اسلامية خالصة ) – رغم ذلك كان الانقسام والصراع (السياسى والعسكرى ) على اشده والجبهة الشعبية كانت فى تركيبتها وتوجهاتها مسيحية وحكرا لابناء المرتفعات – ولكن الخلاف برز وتمت الاعتقالات والنفى والعزل من داخل النظام نفسه لماذا حدث ذلك ؟بسبب غياب العدالة والمساواة وشعور الاخريين بانهم محرومون من المشاركة .

تحقيق الوحدة الوطنية  فى جوهرها يعنى حل الخلاف السياسى حول التعايش المشترك ولا تعنى ان ينصهر البعض ويذوب فى الاخر فى السودان كان الخلاف طائفيا وعرقيا وثقافيا (شمال وجنوب ) واتخذ طابع مسلحا حتى تم الاتفاق (الوفاق) بين الطرفيين ولكن ذلك لا يعنى ان جون قرنق (سلفاكير) اصبح شماليا او ان عمر البشير جنوبيا .

فى اثيوبيا اتخذ طابعا مسلحا ايضا ومكوناته قومية (عرقية  وثقافية ) ارومو – تقراى – عفر .وفى الصومال اتخذ طابعا عشائريا (التكوين ) ومرة اخرى كان الاقتتال وسيلة لتصفية الحسابات فى ارتريا لم تشهد قتالا طائفيا لان الصراع بين ما هو مشترك وما هو خاص لم يحسم وكان يرتفع ويتراجع مره بعد اخرى خاصة مع تدخل وازدياد العوامل الخارجية (عربية واثيوبية وامريكية )

الخلاصة: التحديد والترتيب –

تحديد الاهداف والوسائل وترتيب الاولويات وما هو مشترك

طى صفحة الماضى دون تمزيقها والتصالح مع الحاضر والتفاؤل بالمستقبل

البحث عن وفاق وطنى يحقق التعايش السلمى والتفاهم الاجتماعى من خلال التعرف على الاخر والاعتراف به .

الوحدة الوطنية تعنى الاتفاق والوفاق وليس التخلى عن مكونات وتركيبة المجتمع الارترى

ذلك هو قدرنا علينا ان تعامل معه بواقعية  وباسلوب حضارى .

لابد من وضوح وتحديد العلاقة الجدلية بين العام والخاص اوضاعنا كانت بين (طائفيا وثقافيا ) افضل من جيراننا ويمكن التعامل معها واذا كان شعار (حادى هزبى – حادى لبى )الذى ترفعه الجبه الشعبية  هو تحليق فى الفضاء ولا يستند الى قواعد راسخة من التعايش فان البديل ليس هو التمزق والاقتتال

============

لحلقة 3

السلطة الدولة

فى المناطق الاسلامية وكذلك فى المرتفعات المسيحية كانت السلطة بيد الادارات المحلية وبقيت كذلك حتى جاء الايطاليون واوجدوا ادارة موحدة وبقى من استعانوا بهم فى الادارات المحلية

كانت الادارة متاثره بالبيئة والتركيبة الاجتماعية فى كل منطقة – ففى المنخفضات كانت افقية وفى المرتفعات كانت رأسية

كانت قبلة المسيحيين فى معرفة الدولة نموذجا لهم هى اثيوبيا الامبراطورية – وبالنسبة للمسلمين (السودان والسعودية) ثم بعد الهجرة تعددت التجارب لتشمل الشرق الاوسط واوربا وامريكا …

جبهة التحرير كنموذج اسلامى لبنا الدولة مرت بمحطات وكانت مسيرتها افقية مثل السهول الارترية المنبسطة كانت سلسلة فى بدايتها الاولية مثل القطار وان تعرج فى احيانا الا انه يعود الى اتجاهه الاصلى

فى حين ان التطور فى حالة الجبهة الشعبية كان راسيا : تتلاحق وتترابط المراحل فى ايقاع موحد والن اختلفت نغماته صعودا وهبوطا وتتصل المراحل بحيث ان كل مرحلة هى مقدمة لما يليها وان بدت فى بعض الاحيان مظاهر الانفصال والتباعد الا ان ذلك هو مثل الفراغات التى توجد فى السلم بين درجة واخرى لا تمنع من يصعد ان يواصل تسلقه  ولا تؤثر على من يريد الهبوط الى المستوى الذى يمكنه من التقاط الانفاس واعادة الصعود

المسلمون فشلوا مرتين فى خلق نموذج مبكر للدولة التى يريدون – بالرغم من وضوح الرؤية لديهم الا ان التطبيق العملى برهن على اتساع الفجوة بين ما هوا خاص وما هو عام .

المرة الاولى  عندما طلب من الشيخ (على رادآى ) احضار قائمة موحدة تمثل المسلمين فى الحكومة الفدرالية – عجز عن احضار تلك القائمة فى حين ان (تدلا بايرو ) احضر قائمة المسيحين .

المرة الثانية عندما كان الامر بيدهم فى بداية الكفاح المسلح عجز المسلمون عن الاتفاق على صيغة واحدة موحدة  وخرجت بعض الفئات (سمهر – ماريا – ساحل ) والتحقت باسياس افورقى وتنظيمه الجديد .

ومن يومها والتوجه الاسلامى فى حالة تراجع ودفاع عن النفس ووجدت الجبهة الشعبية الارض خالية لها واقامت دولتها وطبقت شعاراتها .

ولكن الموروث الثقافى والتباين الاقليمى لعب دوره ايضا فى انهاء دولة  النخبة المسيحية – فالرمز  (الامبراطور ) اصبح الرئيس الثورى – وغياب مفهوم الديمقراطية ادى الى احتكار  السلطة وعدم وجود تجربة فى بناء الدولة  وضعف الموروث  الثقافى قاد الى الجهل والعجز  والاستمتاع بالسلطة بمعناها المادى والسطحى .

فى مرحلة العمل المشترك كان المناضل من ابناء المرتفعات الارترية يدافع عن اخيه امام المسلم من المنخفضات الارترية  ولان المعرفة لم تكن كاملة  كان ابن المنخفضات يقبل بالامر الواقع .

ولكن ما ان يدب الخلاف بينهم فان احدهما يتهم  بانه من (تقراى) ! ويحتار ابن المنخفضات ويحاول اجترار التجارب الماضية وتتعمق لديه الشكوك تجاه الاخر  


روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7057

نشرت بواسطة في فبراير 4 2007 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010