قصة قصيرة : ( الكوكب المُحتَضر )‏

علي هلال عجيز

أشارت مجسات الإستشعار داخل المركبة الفضائية عن ظهور جسم هائل علي مسافة ليست بالقريبة ، توجه ربان المركبة بنظره  إلي شاشة حاسوب عن يمينه ، قرأ إحداثيات المكان ليتأكد من عدم وجود عطل بأجهزة المركبة ، أخبر مساعده بأن هناك أمر غريب ؛ لم تسجل أي مركبة فضائية من قبل وجود شئ هنا ، لا كوكب ولا نجم كبير ، لم تسجل الوكالة الدولية حتي بقايا كوكب منفجر .

سبح بعقل الربان ومساعده العديد من الأفكار ، ما العمل ؟ قال المساعد ، جاءه الرد سريعا في شكل إتصال من المركبة إلي وكالة الفضاء بالأرض ، أجري الربان إتصالا أخبرهم فيه بما ظهر أمامه على شاشات الحواسيب المتطورة ، تجادلوا في إحتمالية كونها نيازك ، أكد الربان أن الجسم الهائل يظهر كقطعة واحدة هائلة و ليس في شكل أجزاء ، بعد نقاش طلب مدير الوكالة من قائد المركبة عدم الخروج عن مسارهم و إكمال مهمتهم إلي الكوكب الأحمر .

مرت بضع ساعات و الربان في حالة صمت هائل ، كان قد أعطى لمساعده مهمة القيادة بعدما فرغ من الإتصال بالأرض ، تعلقت عيناه بشاشة الحاسب طويلا ، شرد بأفكاره إلي إمكانية وجود كوكب غير مستكشف ، هز رأسه نفيا و تبسم قليلا محدثا نفسه : ولما لا ؟ سيكون مجداً كبيرا لي حينما يعرفنى أهل الأرض بالمستكشف الكبير ، لكننى في مهمة باهظة التكلفة إلي مكان محدد ، لن يسمح لي أحد بالخروج عن مساري . صالت الأفكار برأس الربان وجالت ، تشبثت فكرة كونه رجل العام علي مجلات العالم بعقله .

الظلام شديد كظلمة قلب فرعون ، الفضاء ممتد إلي ما لا نهاية ، تمر الدقائق مَرَّ جمل يحمل هرما علي قلب الربان ، عبثاً حاول أن يقتل فكرة الهبوط علي المجهول ، كلما إقتربت المركبة من الجسم وكلما صار أكثر دقة علي أجهزة الإستشعار كلما عزم الربان علي فكرته .

إنظر هناك ! صرخ المساعد ، جعل ربانه يستفيق من أفكاره ليغرق بنظره في المستحيل حين يتحقق ، كنت أعلم قالها الربان بملء فاه و أخذ يضحك كأنه يشاهد (ايدي ميرفي ) في فيلم ( شريك ) ،  كنمر جائع إصطاد لتوه فريسته الغالية برقت عيناه وقال لمساعده سنهبط عليه ، علمت أنه كوكب منذ البداية .

وقعت الكلمات في قلب المساعد وقع السهام المسمومة ، قال : ولكن يا سيدي ! عاجله الربان بأن إستلم قيادة المركبة من الطيار الآلي الذي ولاه المساعد القيادة قبل قليل ، قال لمساعده في حزم  : لا تكن غبيا كمن يجلسون وراء المكتب في مقر الوكالة علي الأرض ، هذة فرصتنا لنستكشف كوكبا جديدا يخلد أسمى و اسمك علي مر الزمان ، إنه التاريخ يا بني ، سَتُكتب أسماؤنا بحروف من ذهب بجانب كل المستكشفون و العباقرة و الأبطال ، تمتم المساعد وهو يبتسم : أتمني ألا أُكتب بجوار (جورج بوش الإبن ) في خانة الأغبياء ، لنفعلها يا سيدي .

خرجت المركبة من مسارها تلقاء المجد ، توجهت بأضوائها العملاقة تلقاء الكوكب الجديد ، خفت سرعتها تدريجياً ، كان من السهل رؤية أحد الأقمار التابعة للكوكب و الذي لم يبخل بنوره علي مولاه ، إضطربت المركبة بشدة حينما عبرت الغلاف المحيط بالكوكب ، تهيأت جيداً للهبوط و قَلت سرعتها جداً ، لامست الكوكب في سلام ، توقف صوت محركاتها ، هدأت أنفاسها وساد الصمت .

جهز الثنائي أنفسهم بالداخل ، لبسا بدلاتهم المخصصة لتحمل الحرارة ، البرودة و الضغط  ، تأكدوا من إمكانية التنفس بداخل الخوذة ومن وجود كمية أكسجين كافية ، و هبطا بعد أن فتحت المركبة بابها و نزل منها مدرج صغير إلي الكوكب .

له جاذبية لا تختلف كثيرا عن الأرض و إن كانت أقوى بقليل ، أبيض كثلوج سيبيريا ، دافئ كحضن أم ،  نظر الثنائي حولهم في كل مكان ، أذهلهم مشهد البكارة في المكان ، كل شئ جميل و مرتب ، التربة و الكثبان و الجبال و النباتات كلها من رسم بيكاسو .

ما هذة النباتات الخضراء ! صرخ الربان .

مازحاً قال المساعد : أعتقد أننا علي كوكب الأرض .
هل هنا حياة في هذا الكوكب ؟ لكن كيف ؟ في ذهول قال الربان .

هناك طريقة واحدة للتأكد يا سيدى ، أن نفعل هكذا ، وخلع المساعد خوذته .

ماذا تفعل يا مجنون إرتد الخوذة مجددا بهلع قالها الربان لمساعده .

مرت ثانية حتى هدأ قلب الربان عندما وجد مساعده يتنفس من هواء الكوكب الجديد ، و أخذا يتبادلان الأحضان و التهاني .

جاءت بسرعة فائقة ثلاث مركبات طائرة صغيرة الحجم يبدوا عليها التطور و حاصرت الثنائي البشري  ، أطلقت إحدى المركبات أشعتها السوداء بإتجاه الغرباء لتبتلعهم بداخلها و تعود إلي أدراجها .

إستفاق الغرباء وسط قاعة كبيرة و حولهم بعض الجنود يحملون أسلحة توحي بأنها فتاكة ، و عن يمينهم جلست بعض الكائنات الغريبة ينظرون إليهم في هدوء تام ، و عن شمالهم كانت قد وضعت شاشة عملاقة و علي الشاشة صورة مكبرة لكوكب الأرض و حولها بث مباشر من بعض عواصم الأرض .

كنا نعلم أننا سنلتقي بكم في وقت قريب و لكن لم أكن أعلم بأن اللقاء سيكون قريب ، قالها و هو يوقع بعض المستندات وقد جلس علي مقربة من الشاشة العملاقة .

قام متوجهاً بكلامه إلي الثنائي البشري : لا أريدكم أن تخجلوا من السؤال الذي قارب علي الموت فوق ألسنتكم ، إسألوا ، هيا ، حسنا ، تريدون أن تعرفوا من نحن ، ما هذا الكوكب العجيب ، كيف تفهمون حديثنا ، كيف تنفستم هواءنا ، سأجيبكم ، ولكن شاهدوا معي أولا هذة المشاهد من كوكبكم ، أشار إلي الشاشة .

بإشارة من يده ، بدا الحزن يطل من الصور المعروضة علي الشاشة ، حروب و نزاعات ، قتلي و دم ، دمار وخراب ، بيئة و هواء ملوثين ، استمر العرض لفترة ليست بالطويلة  و الكل يشاهد .

قال الفضائي صارخا للثنائي البشري : هذا أنتم ، كوكب محتضر ، بسببكم . إننا نراقبكم منذ ملايين السنين ، أنتم في إفك وضلال يا أهل الأرض ، لقد أهنتم كوكبكم و نحن ذاهبون لنخلصه من عذاباته .
كان الربان و مساعده مذعوران مذهولان من كلامه وبادره الربان قائلا : من أنت لتحكم علي كوكبي بالموت ؟ ، هل أنت مقتنع بإبادتنا من أجل ما تدعي أنه حفاظاً علي الكوكب! ، من أعطاك هذة السلطة ؟ .

حاول المساعد تلطيف الحوار فقال مسرعا للفضائي  : عفوا يا سيدي لقد جئنا في سلام ولا نقصد إساءة ، و بدلا من عقابنا الذي أعتقد أنكم قادرون عليه إذ يبدوا أنكم متطورون جدا ، بدلا من ذلك علموا أهل الأرض من علومكم و ثقافتكم ، إتركنا نرجع إلي كوكبنا لنكون همزة وصل . قالها المساعد في خبث.

ضحك الفضائي و قال : حدث أن أرسلنا إليكم من يعلمكم فسخرتم منهم و أعدمتم البعض و أتهمتم الكثير منهم بالجنون ، و استطرد قائلا : لا تعجل في العودة إلي الأرض ، كوكبنا يسير بإتجاهها بفضل إختراعاتنا ، سنأخذ كل الصالحون من أهل الأرض علي كوكبنا ، سنترك الأشقياء المفسدون و ستجذب مركباتنا العملاقة كوكب الأرض من مداره لتقربه من الشمس و نثبت مكانه في نفس المدار كوكبنا نحن . ألم أقل لكم أن هذا الكوكب شبيه الي حد كبير لكوكب الأرض ، ألم تتنفسوا فيه بسهولة بدون أجهزة ، ألم تشاهدوا النباتات الخضراء ، إننا نسمي كوكبنا الأرض البديل . إنتهي كلامي معكم ، تحفظوا عليهم لحين وصولنا إلي وجهتنا .و قال بكل قوة : إلي الكوكب المحتضر .

.

” الخيمة الملعونة ” عندما يكون الرحيل حتمياً »

rahil

قصة قصيرة بقلم : علي هلال عجيز تألمتْ الجبالُ السبعُ المحيطةَ بمدينة ” تبيجيا ” من أصوات الموسيقي الماجنة المنبعثة من تلك…

ديسمبر 24 2015 / المزيد 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=36221

نشرت بواسطة في ديسمبر 31 2015 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010