قــطوف أرتــريـة الحلقة (13)

بقلم : أحمد نقاش

شعرت معاوية بين امريكا والنظام الاريترى

الى متى ؟!(3)

تم تحرير اريتريا عام 1991 بفضل التضحيات التي قدمها الشعب الاريتري عبر اجيال متلاحقة منذ باكورة المقاومة التاريخية التى سجلها الشعب الاريتري فى النصف الاول من القرن التاسع عشر فى معركة (روبروبية) التاريخية على بعد 45كلم جنوب الشرق من مدينة مصوع ضد الغزو الاثيوبي،وكانت حق المعركة الوحيدة التى هزمت فيها قوات رأس الول شر هزيمة منذ احتلالها لاجزاء كبيرة من التراب الاريترية.وتم الاستقلال السياسي الكامل عام1993 عقب الاستفتاء الذى اجمع فيه الشعب بكامله لصالح الاستقلال.

وامريكا كانت من اوائل الدول التى اعترفت بنتيجة الاستفتاء والدولة الاريترية الوليدة، وكان ذلك يوم 27/4/1993وفى نفس العام تم التبادل الدبلوماسي بين الدولة الاريترية والولايات المتحدة الامريكية،واصبح لامريكا حضور دبلوماسي مكثف فى عاصمة البلاد اسمرة،والنظام الاريتري اصبح مرضيا عنه فى مختلف مؤسسات الادارة الامريكية بما فيها المنظمات الغير رسمية، وتم غض الطرف عن مساوء النظام فى تلك المرحلة التى تمثلت فى حملة اعتقلات واسعت النطاق التى قام بها النظام عقب استقلال البلاد ضد اساتذة المعاهد الاسلامية فى كل من مدينة كرن المقاومة ومدينة قندع الصامدة وغيرها من المدن،دون خطيئة ارتكبوها..”وما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد”سورة البرج(8)

والعلاقة بين امريكا والنظام الاريتري اخذة تتطور بواتئر سريعة حتى اعتقد النظام الاريترى انه اصبح رجل امريكا ليس فى اريتريا فحسب بل فى القرن الافريقى وشرق افريقية عموما،وبالفعل بدأ يزعج نظام الخرطوم الذى كان فى مواجهات حضارية وفكرية مع الولايات المتحد الامريكية وحكومة السودان حاولت عبثا ارضاء نظام افورقى فى اسمرة،اشبه ما تكون بمحاولة يائسة لإنتزاع الابن عن الاب دون جدوى وقدمت له تنازلات لا يصدقها العقل السياسي ولا يبررها المرجع الفكرى والعقائدى وقدموا له المعارضة الاريترية بما فيها الاسلامين على طبق من الذهب وتلك كانت خطأ المعلم التى اعطت النظام الاريترى الفرصة الذهبية لتقوية قبضته على الشعب الاريترى دون صعوبات تذكر،هذا التساهل من النظام الاسلامى فى الخرطوم،فى مقابل التشدد من الحاكم المسيحى فى اسمرة كان على عكس ما حدث فى نهاية القرن التاسع عشر عندما قدم الملك (يوهنس) التنازل للمهدين من اجل محاربة الايطالين الا ان الحكومة المهدية فى امدرمان رفضت التحالف مع (يوهنس) ضد حلفائه العقائدين،تمسكا بنصوص القرآن دون تأويله،او دون مبالغة فى فقه المنفعة الجزئية،وبالفعل لم يتأخر الملك (يوهنس) فى اظهار عداءه الحقيقى ضد مهدى السودان ووجه جيوشه اليه الا ان الجيش المهدى حقق نصرا كبيرا وقتل فى تلك المعركة الملك (يوهنس) وتلك الحادثة كانت لمصلحة قومية (امهرة) التى سيطرة على الملك فى اثيوبيا ـ مصائب قوم عند قوم فوائد ـ هكذا كانت حكمة الاجداد فى امدرمان افضل بكثير من حكمة الابناء فى الخرطوم الذين لم يدركوا الصراع داخل اريترية على حقيقته لان الصراع الداخلى فى اريترية يستعصى فهمه من على بعد او من خلال قرءات مؤلفات تاريخية التى لم تستطيع الولوج الى اعماق هذا الصراع التى تختلط فيه الثقافة مع السيكلوجية،التاريخ مع المصالح،والغريب فى الامر ان (افورقى )اصبح يدرك بغريزته الحادة حلفاءه الحقيقين فى السودان على المستوى المجتمعى،فى الوقت الذى عجزة النخب الحاكمة فى السودان التميز بين حلفائهم الحقيقين من الوقتين الاضطرارين فى اريترية على المستوى المجتمعى والثقافى والتاريخى رغم ما يحملونه من الدرجات العليا فى العلوم السياسية التى لم تتح للنخب الحاكمة فى اريترية،ولعل تفكر الغريزة احيانا اصدق من تفكر العلوم المكتسبة المجردة من كل الغرائز.ـ ولله عجائب فى خلقه ـ ومن هنا يتوجب على الاستراتيجة السودانية أن تعيد قراءة الاوضاع سواء ما يتعلق بصراع الاريترى الاريترى،او ما يتعلق بصراع الاريترى الاثيوبى،من اجل مصالحهم القطرية فضلا عن مصالح حلفائهم الحقيقين فى القرن الافريقى وان تكون لهم دراسات شاملة بخصوص المنطقة فى مختلف جوانبها ( تاريخيةواجتماعية وسيكلوجية وثقافية وسياسية ) وان تكون هذه الدراسة ميدانية وعملية اكثر منها نظرية فى المكاتب المكندشة وان يستعينوا بأبناء تلك المناطق _اهل مكة ادرى بشعابها_ وامن السودان اصبح اليوم مرتبط مباشرتا بالحراك السياسي فى القارة السمراء خاصة القرن الافريقي اكثر منه بالشرق الاوسط،هذا الاخير الذى يجد الاهتمام الاكبر من النخب السياسية الحاكمة فى السودان بحكم الثقافة والتأثير اكثر منه بحكم الواقع الملموس.

صحيح ان السياسة السودانية قد تكون ادركت الاخطاء الاستراتيجية التى ارتكبتها فى حق المعارضة الاريترية،ولكن بعد ان تمكن النظام لاريترى من احكام قبضته الحديدية على الوضع فى اريترية،فضلا عن تمكنه بخلق حلفاء حقيقين له داخل قوى المعارضة السودانية من خلال ما قدمه لهم بكل صدق من الدعم المادى والسياسي،والتخطيط معهم لتحقيق الاهداف المشتركة بينهم.واللعبة السياسية اذن لا تختلف عن لعبة شطرنجى التى تجعل بنقلة واحدة عدوك فى موقف لا يحسد عليه،بل تجبره لوقت غير قصير ليتعامل معاك وفق خططك لا وفق ما يريد.لعل هذا ما حققه نظام اسمرة تجاه الخرطوم.فى الوقت الذى فشلت فيه سياسة الخرطوم فى خلق معارضة اريترية قوية لعدم وجود استراتيجية تغير الوضع فى اريتريا من الناحية النظرية وما بالك من الناحية العملية ولعل لهذا السبب لم تستطيع الخرطوم تجاوز قيادة المعارضة التقليدية القديمة بكل اشكالها لخلق قيادة شابة جديدة صاحبة رؤية جديدة فى الصراع الاريترى الاريترى.بل ما يدعو للعجب ميول سياسة الخرطوم الى من يحملون نفس ايدلوجية الجبهة الشعبية الحاكمة فى داخل قوة المعارضة الاريترية فى مشهد اشبه ما يكون كمن يستجير بالرمداء من النار.الحديث حول الرؤية الضبابية للسياسة السودانية تجاه اريترية قد يطول لعلى افريد له القول فى مناسبة اخرى، كى لا اخرج عن عنوان المقال.

عقب استقلال البلاد أصبح نظام اسمرة المرشح الامريكى لتحقيق الاهداف الامريكية فى المنطقة وفق الاستراتيجية المحددة له،والنظام الاريترى كذلك كانت له اهدافه الخاصة التى كان يريدها ان تتحقق من خلال علاقته مع الولايات المتحدة الامريكية وبالفعل اخذت العلاقة تتطور بين الجانبين وتمت تبادل زيارة مكثفة بين واشنطون واسمرا منها الرسمى ومنها غير ذلك.والكل كان يحمل فى جعبته اهدافه الخاصة ومطالبه من الطرف الاخر.

*هدف امريكا كان يتمثل فى :

– وضع اسس ديمقراطية وفق المفهوم الامريكي للنظام الدولة الوليدة بحيث لا تتناقض مع المصالح الامريكية

– نشر القيم السياسية والثقافية الامريكية عبر مختلف الوسائل فى البلاد

– ان يكون لنظام اسمرة دور اقليمى وفق ما تحدده الاستراتيجية الامريكية

– ان تستمر العلاقة الاثيوبية الاريترية كما كان مخطط لها بحيث تخدم المصالح الكبرى فى المنطقة

*هدف نظام اسمرا كان يتمثل:

– تحقيق وكسب اكبر قدر من المساعدات الاقتصادية والعلمية والسياسية

– ان يكون للنظام الاريتري دور اقليمى اكبر وان يكون مقدما على غيره فى المنطقة.

على ما يبدو الاهداف كانت تتتفق وتختلف،وان كانت تتفق فى بعدها السياسيى،الا انها كانت تختلف فى الرؤية والطموح،نظام الجبهة الشعبية فى اسمرا ان كان يريد ان يكون اليد الطولة لامريكا فى المنطقة،الا انه غير مستعد ان ينظر اليه كحليف من الدرجة الثانية وهو لا يريد ان يقدم عليه اى نظام اخر فى المنطقة وخاصة هؤلاء الذين يعتبرهم السيد (افورقى) تلاميذته فى العمل السياسي والنضالى.

ان كانت ترغب الادارة الامريكية مستقبل ديمقراطى لارتريا بإعتبارها المبرر النظرى للسياسة الخارجية الامريكية،الا ان نظام الجبهة الشعبية الذى نشأ تحت ثقافة ايدلوجية حزب واحد وقلب واحد كان ابعد ما يكون من الديمقراطية التى تريدها امريكا.

كان يريد نظام اسمرا المساعدات الاقتصادية والتبادل التجارى مع امريكا وفق رؤيته الحزبية والمكسبية البحت،الا ان النظم المعمول بها فى دولة المؤسسات مثل امريكا لم يكن ليتناسق مع هذه الرغبة العجيبة والبعيدة عن المفهوم المؤسساتى.

إن كانت للولايات المتحدة الامريكية رؤية محددة للقرن الافريقي ووسائل تحقيقيها،على ارض الواقع،الا ان نظام اسمرا وان كان يتفق فى الرؤية العامة كان يختلف فى التفاصيل ووسائل تحقيقها كما هو الحال فى الصومال.

الا ان اكبر عقدة التى قسمت ظهر بعير فى العلاقة بين امريكا والنظام الاريترى هو الموقف الامركى المنحاز تجاه اثيوبية فى كثير من الاشياء التى تتمثل فى :

*اعتبار اثيوبيا الدولة المحورية فى منطقة شرق افريقيا وخاصة القرن الافريقي وفق تقسيم الادارة الامريكية القارة السمراء الى اربع مناطق محورية على رأس كل منطقة دولة كبرى يكون لها الدور الاكبر فى تنسيق وتنفيذ السياسة الامريكية فى المنطقة.

*انحياز امريكا تجاه اثيوبيا فى الحرب الحدودية بين اريتريا واثيوبيا وعدم ممارسة الضغط على اثيوبيا لتنفيذ قرار المحكمة الدولية النهائى على ارض الواقع،على الاقل كما يقرأه النظام الاريترى.

*حصول اثيوبيا على نصيب الاسد فى المساعدات الاقتصادية اكثر من اريتريا كما يراه النظام فى اسمرا.

وبالفعل عند ما بدأت الحرب الثانية بين اثيوبيا واريترية كان يتوقع نظام اسمرا ان تقف معه امريكا والمنظومة الغربية والدول الافريقية الى جانب عدالة قضيته،ظانا ان ما فعله من تنكر صريح للدعم العربى لارترية ايام حرب التحرير عقب استقلال البلاد ومحاولة عزل اريترية عن بيئتها الطبيعية وحلفائها الحقيقين متجاوزا بذلك حقائق التاريخ والجغرافيا انها سوف تغير من طبائع الاشياء وتشفع له عند هؤلاء ليكونوا عونا له على اثيوبيا التى لا ينازعها فى عمق ارتباطها بالمنظومة الغربية منذ ان استعان بها الرومان لانقاذ اصحاب الاخدود فى اليمن، الا من سفه نفسه.والسيد (افورقى) عندما تنكر للدعم العربى وحاول عزل اريترية من محيطها الثقافى كان يتصرف تحت ضغط الثقافة الاكسومية التى ينتمى اليها بحكم الميلاد لا كرئيس لدولة يحدد انتماءها التاريخ والجغرفيا والمصالح، جاهلا بطبيعة الاشياء التى تجبر الجزئيات ان تتبع الكليات وليس العكس،الجزئية الثقافية التى ينتمى اليها الرئيس كان من المفترض ان تخضع للكليات الثقافية التى يمثلها الوطن الاريتري ومصالح الدولة الوليدة فى المنطقة،وعند ما وقعت الواقعة لم يجد السيد (افورقى) من يلتفت اليهم الا هؤلاء العرب الذين تنكر لهم بالامس القريب فى مقدمتهم العربية الليبية التى قدمت له الدعم اللوجستى الكبير للجيش الشعبي الاريتري للدفاع الوطنى وخاصة فى مجال الدفاع الجوى الذى انقذ عاصمة البلاد من استباحت الطيران الاثيوبى الذى حققه فى الايام الاولى للحرب،هكذا تتغلب الحقائق على الاوهام، لم تجد اريترية من يقف معها الا العرب لانها حقائق الاشياء فى الصراع والتحالفات،والحليف لا يحدده الافراد والامزجة انما يحدده التاريخ والجغرافية والمصالح التى لا تبتعد فى كثير من الاحيان عن التاريخ والجغرافية والثقافة التى تتكون عبر التراكم الزمانى وليس عبر الولادة القيصرية التى يحاول بعد الافراد اصطناعها عكس التيار ومسارته الطبيعية.على الدبلوماسية الاريترية اذن عليها ان تتعرف على مكانهاالطبيعى فى منظومة العلاقات الدولية لتنطلق محصنتا به الى الاخرين لا ان تزاحم الاخرين فى اماكنهم التاريخية والطبيعية.

الحرب الحدودية الاخيرة بين اريترية واثيوبية هى التى اجبرة حركة العلاقات الامريكة الاريترية تجاه عدد تنازلى تتأرجح بين الشد والرخى الا ان شعرت المعاوية باقية حتى هذه اللحظة ولم تقطع بعد لاسباب عديدة وكثيرة…

نواصل فى الحلقة القادمة ….

Nagash06@makto

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=40990

نشرت بواسطة في ديسمبر 8 2007 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010