قــطوف أرتــريـة الحلقة (15)

بقلم : أحمد نقاش

معركة روبروبية من ابرز المقاومة التاريخية

الموقع: منطقة روبروبية على بعد(45)كلم جنوب شرق ميناء مصوع.

التاريخ: وقعت المعركة تقريبا ما بين 78- 1879للميلاد

وما جعلنى اكتب عن هذه المعركة رغم قلة المعلومات بحوزتى عن هذه الموقعة هو تساؤل بعض القراء الكرام للمقال رقم(13) من قطوف اريترية التى ذكرت فيها معركة روبروبية فى معرض حديث عن المقاومة الوطنية فى اريتريا منذ قديم الزمان الى يوم التحرير،والاخوة عبرو عن قلة معلوماتهم عن هذه الواقعة التاريخية،وبالفعل قليلون هم من سمعوا عن هذه المقاومة الباسلة التى خاضها الشعب الاريتري منذ اكثر من قرنين ضد اباطرة حكام اثيوبية الذين كانوا دوما يحاولون احتلال شواطئ البحر الاريترى والاستقرار فيه،وكثير من المصادر التاريخية لم تعطى لهذه المعركة حقها من التوثيق قصدا او دون قصد،الا ان احداث هذه المعركة والافتخار بإستبسال المقاومين فيها محفوظة فى الرويات الشعبية وقصائدهم الشعرية، وأغانيهم الشعبية،ولولا الوضع المأساوى الذى يعيشه الوطن الاريترى اليوم لاستطاع كتابنا الوطنيون من خلال الدراسات الميدانية واللقاءات الشعبية لتأليف قرطاس يظهرون فيه عجائب المعركة والبطولات التى سجلتها المقاومة،بل عن كثير من المقاومات الشعبية التى سجلها الشعب الاريتري فى تاريخه القديم والحديث والذى لا نعلم عنه الا القليل القليل.

وفى هذه السطور سوف اسلط الضوء ولو كان قليل الاشعاع على هذه المعركة التاريخية التى قادها ابناء اساورتا معبرين بذلك عن كافة شعبهم الاريتري فى رفض الذل والاحتلال منذ فجر التاريخ.

ومعلوم بالضرورة إن اباطرة حكام اثيوبية كانوا يحاولون مرارا وتكرارا الوصول الى شاطئ البحر الاحمر من اجل السيطرة وتنشيط اقتصادهم عبر الصادر والوارد،وقبائل اساورتا الشديدة البأس بحكم موقعها الجغرافى بين اثيوبيا و البحر الاريتري وموانئه التاريخية مثل (عدوليس_ وخليج زولا_ومصوع)حالت بينهم وبين اطماعهم البحرية عبر سلسلة طويلة من المعاركة والمقاومة.

إن معركة روبروبية لم تكن الاولى من نوعها التى خاضها الشعب الاريتري منذ فجر التاريخ ضد اطماع اباطرة حكام اثيوبية لاحتلال شواطئ البحر الاحمر الارترية،بل كانت روبروبية ابرز تلك المعاركة التى سجلت فيها قبائل اساورتا اعظم انتصاراتها على العدو.

عام 1872 زحفت جيوش تجراى بقيادة (رأس أرآيا) للوصول الى البحر الاحمر الا انها وقعت فى كمين لجيوش اساورتا فى منطقة حداث وتمت هزيمة( رأس ارآيا) وجيوشه شر هزيمة،وغنمت قبائل اساورتا من هذه المعركة معدات حربية كثيرة مما ساهم فى تقوية قواتهم وتحسين وضعهم القتالى.وعند ما سمع (رأس الولا)احس بتهديد حقيق لحكمه الاستعمارى لمنطقة الهضبة الاريترية من خلال تمركزه فى قرية اسمرا انا ذاك، وبتالى قرر تأديب هؤلاء المتمردين_حسب قوله_ والقضاء عليهم الى الابد، وفى عام 1879 زحفت جيوش (رأس الولا )بقيادة (بلتا قبرو) وعندما وصلت الجيوش الاستعمارية الى منطقة (روبروبية )حدثت معركة حامية الوطيس،انتصرت فيها قبائل اساورتا على جيش( رأس الولا) ((كم فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)) الا ان (رأس الولا) الذى رأى فى الهزيمة انتقاصا من هيبته، قرر ان يقود المعركة بنفسه، وزحف مجدد الى روبروبية،الا ان جيوش اساورتا التى كانت فى كامل استعدادها الحقت به شر هزيمة وهرب (رأس ألولا)حافى القدمين ومن بقية معه ورجع الى معسكره فى اسمرا وهو يجر زيل الهزيمة والعار،وبالفعل لقد كانت كبرى فواصل المعركة التى تحقق فيها للمقاومة قوله تعالى :(( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم،وما رميت إذرميت ولكن الله رمى))”سورة الانفال17″ مقابل هذا النصر الربانى تكبد ابناء اساورتا خسائر كبير فى الارواح هذا ما يستنتج من مراقد شهداء المعركة واضحة المعالم الى اليوم فى موقعة روبروبية، وكان عزاءهم فى ذلك قوله الكريم ((وإن تكنوا تألمون وإنهم يألمون كما تألمون،وترجونا من الله مالا يرجون))وبالفعل ان هذه المعركة الفاصلة هى التى اقنعت حكام تجراى وغندر ان الوسيلة الوحيدة لتامين مصالحهم عبر البحر الاريترى تكمن فى توقيع الاتفاقية مع زعماء اساورتا،وكما تذكر بعض الرويات الشعبية إن حكام تجراى وغندر وسطوا حاكم منطقة (تخنداع) فى اكلى قوزاى الذى بدوره وسط ابناء اساورتا من المسيحين الناطقين بالتجرينية المجاورين له لتوسط عند ابناء عمومتهم لاجرا المفاوضات مع زعماء المقاومة، وبالفعل بدأت المفاوضات عبر هذه الوسطات بين رؤس تجراى وغندر،وبين المقاومة التى ادت الى توقيع الاتفاقية بين الطرفين يتم بموجبها دفع الضريبة الجمركية على البضائع الصادرة والواردة من والى البحر التى تمر عبر مناطق المقاومة – ولابد لها ان تمر بذلك بإعتباره المسار الوحيد الذى يؤدى الى منافذ البحر الاحمر انا ذاك – واقام بموجبها زعماء اساورتا منطقة جمركية فى (ماهيو) وكانت القيمة الجمركية على النحو التالى:

* حمولة جمل واحد مبلغ قدره واحد باطرة ريال.

* حمولة بغل واحد مبلغ قدره نصف باطرة ريال.

* حمولة حمار واحد مبلغ قدره ربع باطرة ريال.

* حمولة شخص واحد ملئ يدين من الحبوب.

والدخل الكلى لهذه المنطقة الجمركية كان يتم تقسيمه بين قبائل اساورتا فى تلك المنطقة وفق القانون الداخلى والعرفى المعمول به لتلك القبائل.واستمرت هذه المنطقة الجمركية حتى دخول الاستعمار الايطالى الى اريتريا،وعندما فكر الايطاليون شق طريق معبد للسيارات من ميناء مصوع الى مدينة عدقيح عبر مناق المقاومة ومنها الى اثيوبيا الا ان القوات المصرية التى سبقتهم فى المنطقة وخبرة طبيعة شعوب المنطقة نصحتهم بتغير شق الطريق عبر اسمرا ومنها الى عدقيح ومنها الى اثيوبيا رغم طول المسافة،ذلك لوجود مقاومة شرسة تجاه مناطق (حداس وماهيو وروبروبية) وعملا بتلك النصائح والملاحظات التى وصلتهم، إستبدل الايطاليون خطتهم وشقوا طريقهم عبر اسمرا ومنها الى عدقيح ومنها جنوبا البلاد، واتخذوا اسمرا فيما بعد عاصمة لهم،وعند ما استقر الوضع للاستعمار الايطالى إرتأ الايطاليون ان استمرار المنطقة الجمركية فى (ماهيو) تحت سيطرت زعماء اساورتا انتقاصا لسيادتهم فى المستعمرة الجديدة فى منطقة القرن الافريقي، وبتالى اراد الايطاليون مصادرة هذه المنطقة الجمركية الا انهم وجدوا صعوبة فى ذلك مما اضطروا الى التفاوض مع زعماء اساورتا لتخلى عن المنطقة الجمريكية مقابل مرتبات شهرية تدفعها الادارة الايطالية لزعماء اساورتا- بل اصبحت فيما بعد سنة عممتها الادارة الايطالية على كل زعماء القبائل فى اريتريا- وزعماء اساورتا قبلوا باتفاقية لسببين أساسين:

* ان المنطقة الجمركية فى (ماهيو) سوف تفقد اهميتها من الناحية العملية كلما حدث تقدم فى انجاز الطريق المعبد من ميناء مصوع الى اسمرا ومنه الى جنوب البلاد واثيوبيا .

* صعوبة مقاومة الاستعمار الايطالى الذى احكم سيطرته على السواحل الاريترية فضلا عن فارق كبير فى تواز القوة بين الطرفين، والحكمة كانت تقتضى تحقيق ما يمكن تحيقه من المكاسب فى تلك المرحلة.

هكذا كانت المقاومة من اجل الارض والعرض والهوية والممتلكات،لعل هذا ما يتضح لنا من القصيدة التى اطلقها شاعر روبروبية فى تلك الفترة قائلا بلهجته :

( حمرا .. حمرا .. حمرا وللو .. جهاديا اساورتا دالوا .. جنا سنا تقابلوا)المعنى على ما يبدو: ( حمرة .. حمرة .. حمرة جميلتى..مجاهد ابناء أساورت فالتقابلكم الجنة ) والشاعر هنا بدأ قصيدتة بكلمة (حمرة) وحمرة عند قبائل اساورتا اسم يطلقونه الى اجمل بقرة فى انعامهم والشاعر بدأ ابياته باسم البقرة بإعتبار الثروة الحيوانية فى تلك المرحلة التاريخية كانت من ابرز العوامل الاقتصادية التى تدور حولها المعارك كما هو حال البيترول فى عالمنا المعاصر،والدفاع عن الثروة الحيوانية واصحابها كان يستلزم بالضرورة الدفاع عن الارض التى تأوى المال والعباد،ام الدفاع عن الهوية كان واضح من خلال استخدام الشاعر لمصطلح (الجهاد) اى النضال بمعنه الاعتقادى والثقافى،ومن هنا يتضح ان الغازى كان على عكس ما اشارة اليه الكلمة من حيث الاعتقاد والثقافة والهوية.

هذه الكلمات التى اطلقها شاعر روبروبية او شاعر القبيلة قد خلدها الفن الوطنى قديما وحديثا،قديما كنا بنات اساورتا يتغنينا بهذه الكلمات الى عهد قريب بل الى اليوم فى عرينهن وبوادها،كذلك اجلال واعترافا بتلك المقاومة تغنى الفن الاريتري الحديث بذات الكلمات واللهجة مع شئ من التحويل والتحوير.

Nagash06@maktoob.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=40988

نشرت بواسطة في يناير 29 2008 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010