قــطوف أرتــريـة. الحلقة(4)

بقلم : أحمد نقاش

Nagash06@maktoob.com

الحلقة (4)

الصراع الصومالى والاستقطاب الاقليمي

((فى ظل رؤية تاريخية))

إن منطقة القرن الافريقي تعتبر تاريخيا من أسخن مناطق العالم فى صراع الثقافات وتلاقى المعتقدات وتقاطع الحضارات،ولعل الموقع الاستراتيجى لهذه المنطقة وقربها من منابع المعتقدات والاديان وإطلالها على اهم الممرات الدولية مثل مضيق باب المندب،وما له من علاقة مباشرة لهذا المضيق بالخليج العربى وقناة السويس المصرية،ومنئى العقبة وإيلات في شمال البحر الاحمر، جعل من المنطقة قديما وحديثا من بؤر التوتر شديدة الحساسية والالتهاب،وكانت دول المنطقة وما زالت فى سيرورة دائمة من التوتر وعدم الاستقرار وخاصة المثلث الاثيويى،والصومالى،والارتري.

وسكان القرن الافريقي هم خليط من الجنس الحامى والسامى،وقليل من الزنوج،ميالون بفطرتهم الى الروحانيات،والغيبيات،والميتافيزيقا والتعصب الشديد لما يؤمنونا به لدرجة التضحيات بمصالحهم الدنيوية والانية.

وقديما تاثرت المنطقة بالمعتقدات الفرعونية ذات الطابع الوثني والايمان بالطبعيات،وبقيى السكان على هذا الحال الى ان جاءت تباشير الدينات السماوية الى المنطقة وخاصة الدين المسيحى الذى دخل اليها فى وقت مبكر ليستقر به المقام فى قلب مملكة الاكسوم التى تكونت فى القرن الاول للميلاد من عدة ممالك صغيرة أنشأها المهاجرون الساميون من اليمن فى عهد سبأ وحمير فى هضبة تجراى وارتريا بعد ان اختلطو بسكانها الاصلين الذين كانوا يحترفون الزراعة،فى مقابل القبائل البدوية الرعوية المحيطة بهم .

فى منتصف القرن الرابع للميلاد تحولت مملكة اكسوم الى مملكة مسيحية بعد ان اعتنق ملكها (عيزان ) الديانة المسيحية على ايد المبشرون العرب السوريون،الا ان القبائل البدوية المعادية للمملكة منذ نشأتها لم تعتنق هذا الدين الذى اصبح الدين الرسمى لعدوتهم التاريخية واللدودة .وبتالى ظلت مملكة اكسوم فى عداء شديد وصراع مرير مع تلك القبائل شديدة البأس من قبائل الصومال وارومو وقبائل العفر وأساورتا،وأبناء سمهر والجبرت وكذالك قبائل البجة التى انتهت مملكة اكسوم على ايدهم.الا ان هذه القبائل لم يكن لديها اى مركزية او تنسيق فى صراعها مع المملكة، بقدرما كان كل طرف يحارب على طريقته فى الدفاع عن مناطقهم بشكل تلقائ، مما جعل كل ذلك للحيلولة دون تحقيق حلم حكام اكسوم من ان تصبح مملكتهم مملكة بحرية،وظلت المملكة محاصرة فى الهضبة الى ان اجتحاتها بقوة قبائل البجة التى قضت علي وحدتها فى القرن الثامن الميلادى.

وعندما جاء الدين الجديد فى مكة المكرمة انعكس بشكل سريع الى القرن الافريقي ودخل الدين الاسلامي السواحل الارترية عبر قرية معدر فى منطقة دنكالية ومنها الى مملكة النجاشى الذى اعطى حق اللجوء السياسي للمهاجرين الاوائل من اصحاب الرسول محمد(ص). والجدير بالذكر إن القبائل البدوية التى ظلت فى عداء شديد مع مملكة اكسوم ودينها الرسمى سرعان ما لبت نداء الدين الجديد الذى جاء به المهاجرون الاوائل من خيرت حوارى خاتم النبين محمد(ص) وكأن هذه القبائل وجدت ضالتها فى هذه الدعوة الشمولية والوحدوية دواءا شافيا لما كانت تعانيه من الشتات والضعف رغم كثرتها،وبتلك النقلة النوعية أضافة هذه المجتمعات عنصر قوة جديد فى معادلة الصراع فى القرن الافريقي .وبعد حين من الزمن قامت فى المنطقة إمارات إسلامية فى كل من الصومال واثيوبيا وارترياوكذلك مملكة فونج الاسلامية فى شرق السودان وغرب ارتريا.

كان يرتكز صراع القرن الافريقي قديما على الجزية والرعي والزراعة،تغير هذا الصراع بعد دخول الاديان الى صراع الثقافات والحضارات وهذا بدوره اضاف الى الصراع البعد الاقليمي والدولى مما جعل من الوضع شديد الحساسية والتوتر.ما من صراع فى القرن الافريقي والا انعكس صداه بشكل سريع الى الدول القريبة والبعيدة،وهذا ما يتضح لنا من التاريخ القديم والحديث.وهناك قاعدة عجيبة فى القرن الافريقي تلاحظ من استقراء تاريخ الصراع السياسي كما تلاحظ فى كثير من بقاع العالم مفادها:”إن لهذه الصراعات الثقافية والدينية حدود طبيعية ينبغي ان لا يتجاوزه اى من طرفى الصراع” والتوازن هو الاصل فى المنطقة والاختلال هو القاعدة الشاذة تحدث فقط فى بعض محطات تاريخ القرن الافريقي ونحن البشر قد تكون لدينا مساحة محدودة نلعب فى إطارها اما اذا تجاوزنا ما هو معطى لنا قد تتدخل عناصر خارج ادراكنا البشرى لتحافظ على إرادتها فى التوازن.ولعل هذا بتحديد ما يلاحظ من استقراء صراع التاريخ السياسي للقرن الافريقي، كل ما حاول أحد اطراف الصراع تخطي ما هو معطى له، واراد الاخلال فى التوازن الذى اراده الله لتلك المنطقة، تنقلب الاحداث رأسا على عقب دون سابق إنذار…_ ولله فى خلقه شؤون_ هل يدرك حكام القرن الافريقي هذه الحكمة التاريخية، فضلا عن الرؤية الثاقبة التى اهداها الفيلسوف الالمانى (هجيل) للبشرية جمعاء حينما قال :(إن العقل الكلى هو جوهر التاريخ وبتالى فهذا العقل هو الذى يتحكم فى احداث العالم عن طريق التاريخ نفسه،فكل حدث من احداث التاريخ إنما جرى وفقا لمقتضيات العقل الذى يموضع الاحداث العالمية لتحقيق هدف محدد،وما البشر فى نظر هذا الفيلسوف إلا ادوات لتحقيق اهداف العقل الكلى- الذى فى مفهوم شعوب القرن الافريقي هو (الله) كما هو فى الاية الكريمة :((لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض)) من اجل استضاح هذه المسالة يمكن ان نذهب الى بعض محطات تاريخية فى القرن الافريقي:

* عندما قام الملك (لبنادنقل)بهجوم كبير على الامارات الاسلامية امارة عدل وزيلع،وحقق فيها انتصار فى اوائل القرن السادس عشر،كانت تقوم الحملة البرتغالية بهجوم مماثل على الامارات الاسلامية فى كل من جزيرة دهلك ومصوع وسواكن فى اشارة واضحة لتدخل العنصر الخارجى فى صراع القرن الافريقي.

الا ان هذا الفعل سرعان ما وجد رد فعل قوى معاكس له فى الاتجاه ومساوى له فى القوة،وظهر فى امارة عدل وزيلع امير قوى والذى عرف فى التاريخ ب (الامام احمد قران) التف حوله جموع المسلمين فى القرن الافريقي وحقق بدوره انتصارا ساحقا لم يسبق له مثيل فى تلك المنطقة والعنصر الخارجى كذلك لم يكن بعيدا عن الصراع والاتراك العثمانيون كانوا الى جانب الامام احمد الذى لم يريد بقاءهم طويلا فى بلاده.والامام عند ما بالغ فى رد فعله وتوسع شمال تمت هزيمته بمساعدت القوات البرتغالية التى دخلت بسلاحها النارى الى المنطقة.

* فى منتصف القرن السادس عشر قام حاكم الهضبة الارترية (اسحاق بحر نقاش)والذى كانت عاصمته دباروا فى اقليم سراى الارترى،بتحالف مع اتراك العثمانين،ونائب مصوع من اجل طموحاته التوسعية فى المنطقة، الا ان ملك امهر (صرصا دنقل)إستطاع هزيمة التحالف وقتل (اسحاق) ثم قام بتدمير مسجد وقلعة الاتراك فى دباروا واللتين كانتا ترمزان الى عربون الصداقة والتحالف بين الاتراك واسحاق بحر نقاش،هذا الاخير الذى سمح للاتراك ببناء مسجد فى عاصمته دباروا، فى الوقت الذى كان يحرم مسلمين الهضبة من الجبرت والساهو من حقوقهم الدينية والثقافية.وما قام به حاكم الهضبة الارترية يشير بكل وضوح على ان الضرورات تبيح المحظورات فضلا على ان الصراع على السلطة يتجاوز الانتماء العقائدى والثقافى ولو كان ذلك لحين من الوقت.

*فى نهاية القرن التاسع عشر حاول الملك (يوهنس) فرض سيطرته على القرن الافريقى تحت احادية الثقافة وزحف بجبروته شمالا الى ارتريا وكذلك الى حدود السودان،مهددا بالقتل والانتقام لكل من لا يقر بالمسيحية دينا له ولاسرته،مما اضطر الكثير من مسلمى تجراى وارتريا التظاهر بأنهم مسيحين وضاق بهم الحال فى إخفاء اسلامهم والصيام سرا والسحور فى الظلام حتى اقترن دعاء الفرج مع ذكر الله فى السن العباد،وكانت الاستجابة من رب العباد اسرع من توقعات البشر،وجاء الدراويش من جيوش مهدى السودان لاعادت التوازن فى منطقة القرن الافريقى،وانتصرت جيوش المهدى على جيوش (يوهنس)وأتوا برأس يوهنس الى حاضرت امدرمان،وعادت حرية الاعتقاد الى شعوب القرن الافريقي بأسره .

*وفى العصر الحديث جاء امبراطور اثيوبيا (هيلي سلاسي) المدعوم من الدول الغربية على رأسها امريكا وإسرائيل،وجاء الى البحر الاحمر ليسبح فى الشواطئ الارترية ظنا منه انه حقق الحلم التاريخى الذى استعصى على اباطرت اثيوبيامن قبله،الاان التاريخ ما كان ليتوقف من اعادة التوازن،وجاء القائد الشهيد محمد إدريس عواتى،مفجرا ثورته مؤكدا على ان العقم غير ممكن فى تربة القرن الافريقي،وكانت الثورة وكان الانتصار.

*ثم جاء العقيد (منجستو هيلي ماريام) على اثر الانقلاب عام 1974م مستفيدا من الاضطرابات فى المنطقة الا انه استمر فى نهج سلفه فى ظلمه لشعوب (ارتريا،وتجراى واغادين،واروموا،وبن شنقون) دون ان يعترف بحقوق اى واحد منهم واستمرت الثورات فى عموم القرن الافريقي،وحققت هذه الثورات انتصارات كبيرة اقتربت من الهدف لولا تدخل حكام الاتحاد السوفيتي والقوات الكوبية لصالح التلميذ الشيوعى الجديد،ضد التلاميذة الشيوعين القدامة فى كل من الثورة الارترية ومحمد سياد بري فى الصومال،ولعل الخلفية المسيحية لحكام موسكوا هى التى لعبت الدور الاكبر فى تفضيل منجستو الماركسي على محمد سياد برى الماركسي وامثاله فى الثورة الارترية.

الا ان ثورات شعوب (ارتريا،وتجراى،وارومو،وبن شنقون،واغادين) استطاعت ان تجعل نظام الدرق فى مزبلة التاريخ،الا أن أكثر تلك الشعوب التى ساهمت فى الانتصار على الدرق، المحسوب على (قوميةالامهرة)،لم تحقق اهدافها المنشودة فى العدل الثقافى والعقائدى فضلا عن حقوقها الاقتصادية،والسياسية، والاجتماعية،مما جعل الحدث مجرد تقليب الاوضاع دون اى تغير حقيقي كالتى كانت تحلم به الشعوب فى كل من اثيوبيا،وارتريا،واغادين،ذلك نتيجة لتدخل الخارجى فى ترتيب الاوراق الجديدة فى القرن الافريقي. لذا إن بذرة العودة الى انفجار الاوضاعى فى القرن الافريقي ما زالت قائمةوفى اى لحظة من لحظات التاريخ،بإعتبار اساس استقرار هو العدل والمساواة الذى لم يجد طريقه الى المنطقة حتى هذا اليوم.

هذه المحطات التاريخية التى هى قيد من فيض تؤكد على حقيقة واحدة الا وهى ان للثقفات والمعتقدات فى القرن الافريقي حدود طبيعية ينبغى على الكل ان يقر بها ويحترمها.وعلى الساسة فى هذه المنطقة ان يدركوا هذه الحقيقة،وان يقروا بحقوق كل منهما على ارضه فاليتركوا كل شعب يعالج قضاياه الداخلية بطريقة التى تناسبه دون تدخل من اى طرف اقليمى او دولى.وان كان لابد من التدخل فاليكون فى اتجاه الخير والسلام والاستقرار،ام التدخل عكس مسارات الاشياء وتياره العارم قد يدخل المنطة بأسرها الى دوامة الحرب والهلاك والذى عانت منه شعوب القرن كثيرا،واذا كان لابد من الثمن يدفع فى صراع الحضارات،ينبغى على هذه الشعوب ان لا تدفع اكثر من حجمهاالطبيعي فى ميزان الحضارات العالمية وليس من الحكمة ان تهلك شعوب لحسابات استراتيجيات اخرى،وعلى القادة ان يجنبوا شعوبهم كوارث الحروب بالحكمة والدبلوماسية الهادئة،لان اوضاع دول القرن متشابه ومتشابكة وكلها على شفا الانزلاق نتيجة غياب العدل والمساواة واعطاء كل ذى حق حقه.

وما يحدث فى الصومال اليوم من صراع شديد وتدخلات دول الجوار من هنا وهناك،ليس ببعيد عن هذه السيرورة التاريخية التى ذكرنا بعض المحطات منها_وما اشبه الليلة بالبارحه_ إن الحرب فى الصومال ليست جديدة،والشعب الصومالى يعانى منها منذ ستة عشر عاما والدول المجاورة والعالم بأسره يتفرج،وعندما برزت قوة جديدة تحت شعار اسلامى وتحول ميزان القوة لصالحها،وبدأت ملامح عودة الدولة الصومالية المفقودة منذ عقد من الزمان الى الواقع الصومالى،وبدأت المركزية المصحوبة بالامن والسلام والاستقرار فى المناطق التى سيطرت عليهاالمحاكم الاسلامية قامت قائمة العالم والدول المجاورة ولم تقعد،مثل منظمة الايقاد لمنطقة شرق افريقيا،ومنظمة جامعة الدول العربية،وهيئة الامم المتحدة والدول الغربية ،فضلاعن التقارير الدولية والصحفية التى تشير الى التدخل المباشر لكل من اديس ابابا،ومن ورائها بعض عواصم الدول الافريقية فى الجوار ذات الثقافة الغربية فى بناءها الرسمى،متخوفتا من الاحداث الجديدةفى الصومال، قد يكون لتخوف هذه الدول ما يبرره وفق رؤيتها السياسية ومساراتها الايدلوجيةوالتى قد تنتمى الى عوالم زهنية خارج القارة السمراء. الا ان هذه التخوفات لا تعطى الشرعية لوءد خيارات الشعوب فى الدول المجاورة،بل يفترض فى مثل هذه الامور المعالجة الهادئة والدبلوماسية الحكيمة، بعيدا عن الزهنية التاريخية والمؤثرات الخارجية والتصنيفات العابرة من البحار.لان شعوب المنطقة هى وحدها التى ستدفع فاتورة الحرب.وفى عوالم السياسة والتاريخ لا يدرك كل ما يتمناه المرء فى لحظة زمنية معينة،إنما الامور تؤخذ بروية.

وارتريا لم تكن مكتوفة الايدىلما يحدث فى الصومال وخاصة فى ظل العداء الشديد بين ارتريا واثيوبيافى مسألة الحدود وغيرها من الامور المستورة،و التدخل الارترى له ما يبرره فى ظل الاستقطاب الاقليم فى صراع الصومال،واسمرا ليست ابعد من غيرها.الا أن تدخل ارتريا لصالح المحاكم الاسلامية،هو الذى اثارة شئ من العجب،والاستغراب، ومثل هذه التناقضات فى التحالفات السياسية ليست غريبة فى تاريخ صراع القرن الافريقي،والموقف الارتري الحالى هو اشبه بتحالف اسحاق بحر نقاش مع الاتراك ونائب مصوع ضد التوسع الاثيويى فى منتصف القرن السادس عشر. وليس حبا لحق المسلمين فى الصومال،لان من لا يراع حق اهل بيته فى حقوقهم الدينية والثقافية لايمكن ان يراعه فى غيرهم، ولكن لسياسة احكام ولتاريخ مسارات يوجه اليها ادواته من البشر.الا ان على المحاكم الاسلامية ان لا تامن، جانب النظام الارترى، وقد ينقلب ضدهم وبقوة فى اى لحظة،كما فعل مع ثوار ارومو إذا تغيرت الاحداث، لان الاستراتيجية الحقيقية للنظام الارترى هى اضعاف المسلمين وثقافتهم فى القرن الافريقي،وليس العكس.ومن الحكمة السياسية ان ننظر الى جوهر الاومور وليس الى اعراضها(إذا رأيت أسنان الليث بارزة**لا تظنن ان الليث يبتسم) كذلك من الطبيعي ان تدعم بعض الدول العربية التدخل الارتري،كما تدعم بعض الدول الافريقية الموقف الاثيوبي،وإن كان الدعم العربي لن يرتقى الى المستوى المطلوب كالعادة.

وجيبوتى ليست بعيدة مما يجرى على مرمى حجر منها،ومن مصلحتها استقرار الصومال وقوته،الا ان هذه الدولة الصغيرة التى تقع وسط دول غير مستقرة،تتصرف بحكمة سياسية مدروسة الخطوات،اولا بسبب وجود قواعد بعض الدولة الغربية فى اراضيها،وهذه القواعد التى تمثل سيف ذو حدين،من ناحية تمثل هذه القواعد حماية لهذه الدولة التى قد تكون فى حاجة اليه ضد الانظمة المتهورة فى المنطقة،من ناحية اخرى قد تشكل وجود هذه القواعد التى هى الحليف التاريخى لاثيوبيا دون حرية تصرف جيبوتى فى رسم سياستها فى القرن الافريقي بحيث يتلاءم مع هوية شعبها ومصالحه بعيدة المدى فى المنطقة. الا ان الدبلوماسية الجيبوتية حتى الان اسبتت حكمتها فى التعامل مع الاحداث المتلاحق فى منطقة شديدة الحساسية.

والسودان المعاصر ميال بحكم ثقافته السياسية الى قضايا الشرق الاوسط اكثر منه بمنطقة القرن الافريقي القريبة منه والمؤثرة عليه مباشرة،لذا ليست للخرطوم إستراتيجية واضحة المعالم فى القرن الافريقى، رقم ان السودان عنصر مهم عبر التاريخ فى صراع الثقفات فى القرن الافريقى وحفظ ميزان توازن القوة،كماكان دوره فى نهاية القرن التاسع عشر.وبسبب عدم وجود هذه الاستراتيجية،خرجت الدولة الوليدة فى ارتريا من الاستراتيجية الداعمة لسودان الى المعادية له،والحلفاء الطبيعين للاستراتيجية السودانية فى ارتريا اصبحوا تحت الاضطهاد الثقافى للنظام الارتري رغم كثرتهم،والسياسة السودانية عاجزة عن اعادة التوازن لصالحها فى ارتريا رغم العوامل المساعدة لها،فى مقابل محاولة النظام الارتري من العدم لخلق جيوب له فى السياسة السودانية _ولكل مجتهد نصيب_ ولنفس السبب نرى السياسة السودانية فى الصومال غير ذات فاعلية،بل نراها تتعاطف مع المحاكم الاسلامية على استحياء،حتى لا تتدهور علاقتها الجيدة مع اثيوبيا،وبالفعل قد لا يستطيع السودان فى ظل وضعه الراهن المحاصر من كل اتجاه نتيجة تراكم الاهمال فى إستراتيجيته الاقليمية واهمال المجتمعات التى تقع فى مجاله الحيوى من ذى قبل وعدم تقويتها فى الوقت المناسب،ان يلعب اى دور حيوي فى المنظور القريب.الا ان الفوران الذى تشهده منطقة القرن الافريقي قد يعطي لسودان مجال اوسع ان يعيد دوره التاريخى فى حفظ التوازن الاقليمي الذى هو فى مصلحة الجميع، ولكن على السياسة السودانية ان تميز بين حلفاءها الاستراتيجين والتكتيكين فى مجتمعات القرن الافريقي.وان تنتقل السياسة السودانية من التعامل مع الواقع السياسي فى القرن الافريقي الى خلق واقع جديد يساعد الى حفظ التوازن وحماية امن السودان الاستراتيجية،وهذا الاخير لايتحقق لسودان الا بنقل قضايا المعارضة فى القرن الافريقي من الملف الامن الى الملف السياسي والاستراتيجى وان تستعين فى خططها بالمثقفين والمتعلمين من ابناء المنطقة _لان اهل مكة ادرى بشعابها_فضلاعن الاية الكريمة(اسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون).

وجملة القول إن اى تدخل اقليمى او خارجى سوف يعقد من الوضع فى الصومال،بل قد يمتد الى دول الجوار،ويعيد منطقة القرن الافريقي الى التوتر وعدم الاستقرار،والشعار الاسلامى فى القرن الافريقي يجب ان لا يفهم كما يفهم فى منطقة الشرق الاوسط او غيرها بإعتبار الدين مكمل للنسيج الاجتماعى وترابطه،وليس له ابعاد ايدلوجية او عالمية او طموحات اقليمية،كما يحاول ان يصوره البعض لاغراض فى نفس يعقوب،والوحدة الصومالية واستقراره سوف تكون اقرب الى الواقع بواعظ الدين الذى يمثل العنصر الاساسي فى الوحدة الصومالية،فضلا على ان المجتمعات البدوية لا تقم لها دولة الاعلى يد نبي مرسل اودين متبع ولكل منطقة خصوصيتهاولكل شعب مورثاته وطبيعته وعلى العالم ان يحترم خصوصية المنطقة.

على قادة الصومال ان يرتفعوا عن المصالح الضيقة من أجل عودة الصومال الى الاسرة الدولية حتى يحقق هذا الشعب وحدته واستقراره وتقدمه ليلحق بركب الامم الاخرى،عليهم اذن ان يجنحوا الى السلم كافة،ويحقنوا دماء الشعب الذى سال طويلا. على دول الجوار ان تساعد الشعب الصومالى بالخروج من ازمته الحالية بدفع الجميع الى الحوار والوفاق وليس العكس

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=40701

نشرت بواسطة في نوفمبر 11 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010