قــطوف أرتــريـة (5)

Nagash06@maktoob.com

النخب السياسية الارترية

كيف تفكر وكيف تعمل ؟!(1)

للحديث عن اى نخبة سياسية لا بد من الحديث اولا عن المجتمع الذى يفترض ان تنتمى اليه هذه النخب،بإعتبارها مرأة لمجتمعها، والرؤية التى تحمله النخب السياسية،وكيفيت تصرفها فى السياسة العملية،ومدى نجاح هذه النخب وفشلها،يعبر حقيقتاعن مدى تطور المجتمع الذى هى جزء منه،واى مجتمع يعطيك من النخب السياسية،وفق ثقافته ومكوناته ورصيده التاريخى،ومدى تطوره الاجتماعى والحضارى،وما له من التراكم فى التجربة السياسية والفكرية.

ومن الواضح ان المجتمع الارترى،يتكون من مجموعات اثنية وإجتماعية متقاربة ومتباعدة،معظمهم من سكان البادية والريف،وقليل منهم من سكان الحضر والمدن،ومن الناحية الدينية اغلبهم من المسلمين والمسيحين وقليل منهم وثنيين،ووسائل المعرفة عندهم شبه معدومة خاصة اذا وضعنا فى الاعتبار ان جميع اللغات الارترية لا ترتقى لتكون وسيلة المعرفة العالمية عدا اللغة العربية التى كثرى أعداءها بدأ من المستعمرين وانتهاءا بنظام هقدف الذى تربع على السلطة ظلما وعدونا، ولكل هذه الاشياء بصماتها على الانسان الارترى فى الثقافة والتفكيروفى الرحمة والقسوة،وفى الايثار والانانية، وفى الغفلة والانتباه،وفى الاتفاق والاختلاف،وفى الانبساط والانقباض فى العلاقات العامة وغيرها. وفى كثير من الاشياء،وكل هذه الامور تتحكم فى الانسان بالارادة او دون ذلك،ومايجعل هذه الاشياء اكثر تأثيرا فى تصرف الانسان هو ضيق الثقافة وقلة الوعى السياسي الشامل وإنعدام النظرة الموضوعية للاحداث التاريخية والفعل السياسي.

وغياب الدولة الوطنية فى التاريخ الارترى القديم والحديث،ساهم بشكل واضح فى تخلف المجتمع وعدم مواكبته للتطورات الحضارية والسياسية حوله، بل ظل المجتمع الارترى قابعا فى وعيه التاريخى الخاص به اكثر من بحثه عن مصالحه السياسية والاقتصادية،،ولعل نفس هذاالنهج هو الذى ادى الى الاختلاف الواضح فى مسألة تقرير المصير فى اربعينيات القرن الماضى.والذى اوصل الوطن الى نتائج كارثية،وكل ذلك نتيجة غياب الارث السياسي الوطنى فى المجتمع الارترى،دون ان يعنى ذلك غياب الادراك السياسي لهذا المجتمع بصورة كلية،بدليل انه بدأ يدرك منعى الوطنية لمجرد تحديد الخريطة من قبل المستعمر الايطالى فى بداية القرن المنصرم،والذى وصل الى ذروته عام 1941م عند ما بدأ المجتمع الارترى ينظم نفسه فى الاحزاب السياسية والتى كان ينقصها الكثير فى الرؤية والمناورة السياسية بما يتفق مع حجم القضية وتعقيداتها المحلية والدولية.

صحيح ان الشعب الارترى كان يقاوم الظلم والاضطهاد والمستعمر منذ فجر التاريخ،الا ان كل تلك المقاومات كانت بفضل تحريض من بعض القادة الكرازمين والذين كان لهم تأثير قوى على مجتمعاتهم المحلية،او بفضل مخزون الوحى الذى يأب الظلم والجور، اكثر منه نتيجة النظرة الكلية والشاملة للوعى السياسى.بما ان المقال عن النخب السياسية وليس عن المقاومة الوطنية،يجدر بنا العودة للحديث،عن النخب السياسية بشكل دقيق من خلال التركيز على النخب فى فترة الاحزاب الوطنية،وفترة الكفاح السياسي السلمى،وفترة الكفاح المسلح والى يومينا هذا.

اولا: فترة تقرير المصير:

ان فترة تقرير المصير اتسمة بإنفعال شديدت الحساسية مما ادى الى ان السياسة الارترية تنقسم على نفسها متأثرة بالخلفية الثقافيةوالدينية،مما ادى الى تأسيس حزبين رأيسين فى البلاد واحزاب صغيرة اخرى.

1- حزب الوحدة مع اثيوبيا (اندنت) وكل نخبه السياسية كانوا من ابناء المسيحين،واهدافهم الرئيسية هى تحقيق المصالح القومية والفردية الضيقة،ولم تتسع عقولهم لتشمل مصلحة الوطن ككل،وتلك كانت مرحلة،وتلك كانت قدرتهم العقلية فى التفكير السياسي والتى جعلتهم يخدمون السياسة الاثيوبيا اكثر من مصالحهم التى سعوا من اجلها.

2- حزب الرابطة الاسلامية،وكل نخبه السياسية كانوا من ابناء المسلمين،واهدافهم الرئسية كانت تحقيق الاستقلال الوطنى الذى اعتقدوا فيه انه يؤمن مصالح شعبهم المسلم على وجه الخصوص ومصالح الشعب الارتري بالعموم.وهؤلاء النخب رغم سلامة الفطرة فى النظرة الوطنية الا انهم لم يدركوا الابعاد الدولية فى قضيتهم الوطنية وان ادركوا لم يتعاطوا معها على المستوى المطلوب بدليل انهم لم يسعوا لكسب ودى القوى الدولية المؤثرة على الاحداث الدولية فى تلك المرحلة،وكما انهم لم يضعوا عنصر القوة اساس لتحقيق مطالبهم اذا دع الضرورة لذلك،وتلك كانت مرحلة،وهذه كانت قدراتهم فى التعاطى السياسي.

اذا كان هناك شئ يميز النخب السياسية الارترية فى فترة تقرير المصير،يمكن القول ان تلك النخب بشقيها المسلم والمسيحى كانت لصيقة بشعبها،وكانت تتلمس حاجته الثقافية والدينية وبتالى يمكن ان نطلق عليها بانها كانت نخب سياسية تمثل هوية شعبها الى حد ما،ولعل سر توازن الميزان السياسي بين طرفى الصراع فى تلك المرحلة يرجع الى قدرة احتواء كل نخب لقواعدها الجماهيرية بصرف النظر عن الوسائل التى اتبعتها من اجل ذلك،وهذا التوازن فى القوة هو الذى اجبرة المجتمع الدولى الى اتخاذ قرار الاتحاد الفدرالى الذى اعتبروه بمثابة حل وسط يرضى اطراف الصراع الوطنى، لم يكن وحدة كاملة كما ارادها حزب اندنت واثيوبيا،وكما لم يكن الاستقلال الوطنى الكامل كما كانت تسعى إليه الرابطة الاسلامية التى كانت تقود الكتلة الاستقلالية.وفى كل الاحوال كان الاتحاد الفدرالى هو المدخل الاساسى الذى مكن اثيوبيا من ابتلاع الوطن كله، وكما كان فى الوقت نفسه المدخل القانونى القوى للثورة الارترية فى المحافل الدولية لكسب التأيد لحق الشعب الارترى فى تقرير مصيره الوطنى.

ثانيا: مرحلة النضال السياسي :

بدأت هذه المرحلة بتأسيس الخلايا السرية تحت مسمى(حركة تحرير) والتى كان من اهدافها الرئيسية، توعية المواطنين وتأطيرهم فى العمل السياسي حتى تنضج فكرة التحرر الوطنى قبل استخدام السلاح بإعتبار التنظير السياسي هو الركيزة الاساسية للنضال الوطنى،الا ان الاحداث تصارعت لتسبق مخطط النخب السياسية للحركة،وتم تأسيس جبهة التحرير الارترية اى اعلان الكفاح المسلحة،وتم اجهاد الحركة السياسية بقوة الحركة المسلحة وتلك كانت بمثابة خطيئة ادام التى ما زالت تلاحق الفكر السياسي الارتري الى يومينا هذا،بمعنى ان منطق القوة هو المتقدم فى سياستنا على منطق الفكر والحوار،منذ ذلك التاريخ لم تخلوا الساحة الارترية من العنف والتسلط والقانون الذى يتحكم فى السياسة الارترية الى اليوم هو قانون القوة وليست قوة القانون.

فى الحلقة القادمة سوف نتحدث عن النخب السياسية فى مرحلة الكفاح المسلح مرورا بفترة الانشطارات التنظيمية،والاتجاهات الاسلامية، والحكومة والمعارضة معا…

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=40663

نشرت بواسطة في فبراير 24 2007 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010