كارثة بركان (نبرو) تعرى أخلاقيات النظام المشينة

بقلم: علي عبد العليم

30/6/2011م

ثار بركان (نبرو) من فوهة على قمة الجبل البالغ ارتفاعه أكثر من (2216) مترا، وألقى بحممه الملتهبة وطمر بها مناطق واسعة، تأثر من جرائها العديد من القرى على النحو الذي عدّده بيان التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر المنشور بالمواقع، وتلقيت نسخة منه على بريدي الالكتروني.

إن سحب الرماد البركاني غطت سماوات المنطقة لارتفاع (15) كيلو متر، وحدّت من تحليق الطائرات في الأجواء، وسببت خسائر لشركات الطيران.. ولكنها في الوقت نفسه كشفت عن أخلاقيات غريبة وتصرفات مشينة للنظام تجاه المتضررين من غضبة البركان من أهلنا العفر..

إن حكومة الجبهة الشعبية يبدو أن المواطن هو آخر اهتماماتها، هذا إن كان أصلا ضمن اهتماماتها، لو كانت حكومة الخزي والخذلان تضطلع بأدنى واجباتها تجاه المواطن لاستجلبت أجهزة استشعار للهزات الأرضية والزلازل التي يعقبها انفجار البراكين الخامدة كبركان (نبرو) الذي سبق وأن ثار عام 1861م، مما يعني أن حرّاته الخاملة يمكن أن تنشط وتعاود الانفجار مرة أخرى، وهو احتمال وارد كان يجب التعامل معه من جيولوجي النظام والمعنيين..

إن شح الإمكانات مبرر غير مقبول في مثل هذه الحالة، لأن بإمكان النظام استقطاب عون المجتمع الدولي والتعاون مع مراكز رصد الزلازل والبراكين في المنطقة، مثل اليمن ودول الخليج، للتنبؤ واستشعار حدوثها .. ومن ثم اتخاذ التدابير والاحتياطات اللازمة للحد من الخسائر خاصة في الأرواح.. بينما كان محصلة الإهمال وعدم الاكتراث من النظام خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات ونزوح واسع الى مناطق أخرى داخل القطر وخارجه ومعاناة إنسانية ينفطر لها القلب !!.

إن عجز حكومة (الشعبية) عن التنبؤ بموعد ثوران البركان، نتيجة لشح الإمكانات الفنية أو لجهل لن يعفيها عن المسئولية تجاه مواطنيها في المنطقة، فكيف إذا كان التجاهل متعمدا، ومع سبق الإصرار والترصد، بدليل إجلائها لجنودها عن المنطقة قبل بدء البركان انفجاره بعشر ساعات، ثم إغلاقها المنطقة في وجه وسائل الإعلام ومنظمات الإغاثة..؟!. حيث جاء في البيان السالف الذكر:( وأكد المواطنون في إفاداتهم أن نظام الشعبية الدكتاتوري قد قام بإجلاء قواته العسكرية التي كانت متمركزة بالمنطقة قبل عشر ساعات من وقوع الكارثة دون أن يخطر القاطنين بالأمر. ويعتبر هذا الفعل دليلاُ قاطعاُ على نوايا النظام وتعمده إبادة السكان الأصليين لاستبدالهم  بآخرين كجزء من سياسته الإلقائية الرامية إلى إحداث التغيير الديمغرافي بالمنطقة…. وأعلن النظام إغلاق المنطقة في وجه الكل، مما حال دون وصول وسائل الإعلام و منظمات الإغاثة إليها لتوصيف الوضع أو للوقوف على حجم الأضرار البشرية والمادية التي لحقت بالسكان أو تقديم المعونات اللازمة للمتضررين)!.

في مثل هذه الكوارث الطبيعية تتعاضد الجهود المحلية مع الجهود الدولية، وتتسابق الدول الصديقة في تقديم المساعدة درءا للأضرار، وتقليلا للخسائر، ومدا ليد العون لإغاثة المتضررين، وتخفيف المصاب عنهم.. ولكن قبل هذا على الدولة المتضررة المبادرة بإعلان المنطقة المنكوبة منطقة كوارث، وإرسال النداءات والمناشدات الى المجتمع الدولي، وإفساح المجال أمام إعلامها والإعلام الخارجي للوقوف على حجم الأضرار والمعاناة والاحتياجات المطلوبة لإغاثة المتضررين.. الأمر الذي لم تفعله حكومة الشعبية، مما ضاعف من معاناة المتضررين وفاقم من مأساتهم..

فالواضح أن حكومة الشعبية الطائفية حصلت على المعلومة قبل أكثر من عشر ساعات، وكرست جهودها لإنقاذ جنودها وتعمدت تجاهل المواطنين من العفر، ولم تكلف نفسها مجرد التحذير لهم ليأخذوا حذرهم، ويستغلوا وسائلهم الخاصة للابتعاد عن محيط الخطر!.

هذا التصرف من الحكومة الطائفية يصنف في خانة الجرائم ضد الإنسانية، ويحق للعفر أن يفسروه بأنه استهداف عنصري ضدهم بغرض التطهير العرقي، خاصة وأن للنظام سجل حافل بالممارسات التمييزية والإبادة الجماعية، (كقتله بعضا من أهلنا الكوناما بالغاز داخل حاويات معدنية)، وسياسات التغيير الديمغرافي في أراضي المسلمين في المنخفضات والمرتفعات والساحل الشرقي والآن جاء الدور على مناطق العفر!.

صحيح أن النظام الدكتاتوري ما كان على قدر المسئوليات الملقاة على عاتقه تجاه الوطن والمواطن، وهمه الأوحد كرسي السلطة، ولم ينهض يوما بواجباته وفق ما تقرره المسئولية التعاقدية بين الدولة والمواطن، ولم يهبّ قط لنجدة رعاياه والدفاع عنهم وهم يعانون في الشتات وبؤر النزاعات المشتعلة كليبيا وفي مخيمات اللجوء في تونس، ومعسكرات التعذيب والاغتصاب في سيناء، والضياع في مالطا وجنوب أوروبا.. كل ذلك لم يحرك تجاهه ساكنا، ولكن تجاهله المتعمد لمن هم تحت سلطته وفي نطاق سلطانه الإقليمي، وتحت سيادة التراب الذي يخضع لحكمه!.، يتركهم بلا اكتراث أو رحمة ليواجهوا الموت الزؤام وبدم بارد، وأعصاب ثلجية تشبه أعصاب أعتى السفاحين منذ العصور السحيقة.. فهذا ما لم أجد له تفسيرا مستساغا منذ أيام، وقد أعياني التفكير فيه!.

كنت أحسب أن صفات الخسة والنذالة والخذلان، وانعدام النجدة والنخوة والمروءة والشهامة و.. صفات مقصورة على الكائنات البشرية، حتى اطلعت على تصرف حكومة (الشعبية) المخزي هذا ، فأيقنت أن الحكومات يمكنها  الاتصاف بكل هذه الصفات أيضا وبامتياز!.
‏ هذا السلوك أيا كانت دوافعه مستهجن ومحل إدانة من كل ذوي الضمائر الحية، لأنه صادر من منطلقات طائفية وعقلية إجرامية لا تعرف إلا القتل والسحل والقمع والكبت.. وللأسف هذه الممارسات التمييزية الاقصائية تغذي الشكوك في نفوس الضحايا، وتضعف الثقة، وتهدم جدار الوحدة الوطنية، وتضع الوطن برمته في مهب الريح، وربما أطاحت به للأبد!.

إن هذه الممارسات الطائفية والعنصرية والاستئصالية.. توفر المبرر للمظلومين من ضحايا النظام الدكتاتوري، خاصة في الأقاليم المهمشة وقاطنيها من القوميات المسحوقة، لرفع سقف مطالبهم الى المطالبة (بحق تقرير المصير).. وما يجره من انتقاص التراب الارتري من أطرافه، وتشظي الوطن الى دويلات و(كونتونات) صغيرة متنافرة ومتناحرة، تعيد إنتاج أزمات بعض دول الإقليم، وتجسده في المسرح الارتري ( صوملة وسودنة وغيرها..)، أو ضياع الوطن كله لا سمح الله، وهو مصير قاتم، ونهاية سوداوية للدولة الارترية – إذا ما قدر لها أن ترى النور- لا يحب أي وطني غيور أن يشهدها بما في ذلك التنظيمات القومية، والتي ما دفعها لتلك المواقف المتشددة إلا ممارسات النظام الشوفينية والاقصائية، لذلك علينا جميعا أبناء الشعب الارتري تنظيمات ومنظمات وأفراد في الداخل والخارج العمل على تلاحم الصفوف وتماسكها وتراصها من أجل حشد الجهود كافة، وتجميع الطاقات جمعاء، للتعجيل بدحر النظام الدكتاتوري وإسقاطه ليستقر في قاع النسيان في غياهب التاريخ.. ومن ثم نحافظ على وحدة شعبنا وترابنا، وننعم بالبديل الديمقراطي الذي نرسيه بالتراضي والتفاهم.. فلا تمييز ولا عزل ولا ظلم ولا اضطهاد..

على أصحاب الأقلام الوطنية الحقة، استلالها للمدافعة في معركة الكرامة ضد الدكتاتورية، كشفا وتعرية لممارساتها، وتبيانا للمظالم، ومساعدة في ردها، ومواساة لأهلها، بشكل عام، ونصرة لأهلنا العفر على وجه الخصوص، وهم يواجهون الظلم السافر والتجاهل القاتل من النظام الدكتاتوري..

وانه ليسعدني أن أسهم بقلمي المتواضع هذا في الحملة الهادفة إلى إبراز معاناة ضحايا بركان (نبرو) من أهلنا العفر وغيرهم، وتوضيح احتياجاتهم من الغذاء والدواء والكساء والظل والفرش.. أجلاهم البركان الفائر عن قراهم الآمنة، وتضافر مع جور النظام الطائفي وإهماله المتعمد، ليرسم لوحة حزينة، تضج بالمآسي، وتنطق بالألم، شخوصها أهلنا الطيبين من المتضررين بمحياهم البائس ووجوههم المعفرة، وخلفيتها سحب رماد البركان كالإخطبوط ينسج كارثة إنسانية مهولة، لتكتمل عناصر الصورة وتنبئ بمصير قاتم يكتنف المنكوبين، والنظام متبلد الإحساس، غاض الطرف عن الكارثة وتداعياتها، كأنما هي في جزر (الوا ق واق) وليست في ارتريا، وضحاياها من كوكب آخر!.

ويسرني أن أضم صوتي إلى النداءات المرسلة لكافة أهل الخير والإحسان من أفراد وهيئات ودول.. لتهوي أفئدتهم الرحيمة وضمائرهم اليقظة الى ضحايا البركان، وتمطر أياديهم ندى وسخاء، لتدفع عن المتضررين جوعا ومسغبة، وتكسو منهم عريا، وتوفر لهم مأوى، وتجلب لهم دواء.. فـ(الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه).

وصبرا أهلنا العفر فان موعدكم النصر والظفر، يوم الفتح المبين بذهاب الطاغية اللعين، فينزاح الكابوس، وتهل بشائر الفرحة والسرور..

ومعا أيها الشعب الارتري البطل لمواجهة الكوارث الطبيعية والكوارث من صنع البشر.. والنصر حليفنا، والله معنا ولن يترنا أعمالنا ..

على عبد العليم: alialawe2000@hotmail.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=16062

نشرت بواسطة في يونيو 30 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010