كرن تحتسب إلى الله أحد مثقفيها الأوائل من عشاق الأدب العربي السيد هاشم حسن مهري

في شهر صفر 1434هـ الموافق ديسمبر 2012م، ودعت كرن محتسبة إلى الله أحد مثقفيها الأوائل السيد هاشم حسن مهري ــ رحمة الله عليه ــ كان ذلك في إمارة (دبي ) بعد أيام أمضاها طريح الفراش تحت المعالجة الطبية.
قليل من يعرف الفقيد هاشم حسن مهري من الأجيال اللاحقة، فهو من جيل الأديب الإرتري الراحل عبد الرحمن سكاب، ومن ألصق أصدقائه به، أكتب عنه اليوم بعد رحيله بصفته أحد المثقفين الكرنيين الذين ارتبطوا بالأدب العربي، وتذوقوا شعره ونثره، واغترفوا بنهم من معينه العذب، من الذين يتحتم علينا تقديرهم وتكريمهم أحياء وأمواتا، احتراما وتكريما للأدب العربي ورسالته.
عرفته ــ رحمه الله ــ عن قرب، بعد أن جالسته، وحاورته، في أكثر من مناسبة جمعتني به، واستمعت إليه؛ وهو يحدثني عن مسيرة الأدب العربي في كرن، وعن رواده الذين تصدروا صفوف عشاقه، من أمثال الشاعر عبد الرحمن سكاب، وعن الكتب التي قرأوها، وعن الأشعار التي حفظوها، وعن مناهج النقد الأدبي التي تعرفوا عليها من خلال المجلات التي ظلت تصل كرن وقتها من القاهرة، والخرطوم، يتداولونها فيما بينهم، ويتدارسونها في حلقاتهم الأدبية.
نشأ الفقيد هاشم حسن مهري ــ رحمه الله ــ في بيت كان أحد رجالها قاضيا شرعيا لمدينة كرن، وهو جده القاضي الشيخ محمد نور مهري، والد أبيه حسن مهري رحمة الله عليهم جميعا.
في هذا البيت كانت بداية رحلة هاشم حسن مهري مع الأدب العربي، وعلاقته ببعض علوم الشريعة الإسلامية، وتعرفه على عدد من مراجعها.
أحب الشعر بشغف، إلا أنه لم ينظمه، كانت له محاولات نظم الشعر، غير أنه لم يترك أثرا، حدثني أنه كتب قصيدة، إذا ما وجدها بين أوراقه سيزودني بها، إلا أن مرضه وتردده على المستشفى لم يمكانه فيما يبدو لي من البحث والتفتيش عنها، ولهذا لم تصلني منه.
قال لي عن مسيرته التعليمية: إنه قرأ القرآن في خلوة ( شيخ أدم ) رحمه الله بالقرب من منزلهم، والد الاستاذ السجين محمد شيخ أدم ــ فك الله أسره ــ وهي الخلوة نفسها التي قرأ فيها زميله الأديب عبد الرحمن سكاب رحمهما الله معا وشيخهما رحمة واسعة، ثم التحق بعد ذلك بالتعليم النظامي إلى أن غادره مبكرا  إلى المجال الوظيفي ثم التجاري حتى استقرت حياته في دبي التي وافته فيها منيته.
سألني عن ابن شيخه الاستاذ محمد شيخ أدم وقال لي: إني حضرت حفل زواجه، فهو ابن شيخي الذي علمني القرآن، أين هو؟ وكيف هو؟ فقلت له: اختفى ولا يدري أحد أين هو؟.
قبل أن أبعث بكتابي ( كرن .. الأصالة والتراث ) إلى المطبعة لإصداره، بعثت به أولا إلى السيد هاشم حسن مهري ــ رحمه الله ــ طالبا منه قراءته وإبداء ملاحظاته عنه، فقرأه من غلاف إلى غلاف ثم هنأني عليه شاكرا جهدي فيه، بعد أن زودني بمعلومات ذات أهمية تتعلق بالنشاط الثقافي بكرن.
ها هو الآن الكتاب قد صدر بعد أن طبع في القاهرة، وكم تمنيت أن يكون هاشم حيا ليصله الكتاب مطبوعا، ولكن هي الآجال تأتي في حينها، ولا تستأخر ساعة أو تتقدم، فقد اختاره ربه إليه قبل صدور الكتاب بأيام، وليس كل ما يتمناه الأمر يدركه.
من يجالس هاشما ويستمع إليه يعرف أنه قارئ فطن، يقرأ بنهم ونباهة، علاقته بالكتاب قوية ومتينة، وذاكرته في استحضار المعلومة واستدعائها سريعة، قلت عنه في كتابي ( كرن .. الأصالة والتراث ) : السيد هاشم حسن مهري أخذ ما قدر له أن يأخذ من بطون التراث الثقافي العربي، فأصبح قارئا متذوقا للآدب العربي وموصولا برواده، وهو من جيل الأديب الإرتري عبد الرحمن سكاب، ومن أقرب أصدقائه في كرن، جمعتهما الثقافة العربية، ووحدة الرؤية الفكرية، إذ كانا يجلسان معا الساعات الطوال، ينهلان من كتب الأدب العربي، ما استطاعا إلى ذلك سبيلا، وبهذا أضحى السيد هاشم مثقفا حذقا، إذا ما جلست معه أمتعك بحلاوة حديثه، ورصانة تعليقاته، وأدهشك بغزارة معلوماته، ويظهر لي أنه يتابع الإصدارات العلمية بشغف، وقد أهديته بعض الإصدارات الإسلامية، فما كان يمل من قراءتها، ويذكر لي عند مهاتفته أنه قرأها من أول صفحة فيها إلى خر سطر في آخر ورقة.
إلى جانب هذا الاهتمام الأدبي كان هاشم ــ رحمه الله ــ وطنيا مرتبطا بهموم وطنه ومشكلاته السياسية، مثله مثل جيله، لم يبعده ويفصله انشغاله بالأدب العربي عن الهم الوطني، بل كان ارتباطه بالأدب والأدباء حافزا له في الانخراط ضمن النشاط الوطني، حيث كان أحد الأعضاء العاملين في حركة تحرير إرتريا، كتب عن نشاطه أولئك الذين كتبوا عن هذه الفترة من تاريخ السياسة الإرترية.
وكان رحمه الله رياضيا يلعب كرة القدم ضمن فريق (الأهلي) الذي لعب فيه كل من السيد عبد راجي، والسيد محمد نور فرج، والسيد أحمد أبو عكاز ولعيبة آخرون ذكرتهم في كتابي ( كرن .. الأصالة والتراث ).
وفوق ذلك كله كان ــ رحمه الله ــ متدينا، موصولا بالله، ملتزما بأصول شريعته، راكعا، ساجدا، عارفا بحق ربه عليه، بارا بوالديه، يصل رحمه، ويتفقدهم في الأعياد والمناسبات، التزم العقيدة السلفية منذ أن كان شابا في كرن، يكره الخرافة والبدعة في الدين، ويلتزم السنة قدر المستطاع، كان رحمه الله متحررا من الخرافة، وكل ما له صلة بالخرافة، يتفقه على أصول العقيدة الصحيحة هو وصديقه عبد الرحمن سكاب ضمن مجموعة متدينة في كرن منهم السيد عبد العليم محمد، والسيد محمد كردي والد الأخ الصحفي مصطفى كردي، عرفت بمجموعة (الوهابيين ) لمجرد أنهم ما كانوا يرضون عن تلك الممارسات التي كانوا يرونها متعارضة مع تعاليم الدين.
على هذه الحالة من التدين النقي غادر هاشم ــ رحمه الله ــ الحياة؛ ليلقى ربه سليما من كل شائبة من شوائب الشرك والخرافة، فرحمة الله عليه في الخالدين، هكذا أحسبه، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا، وربك أعلم بمن اتقى.
رحم الله هاشما، وأسكنه فسيح جناته، وجمعنا به في جنة الفردوس يوم لقائه سبحانه وتعالى، على سرر متقابلين، وأعزي فيه أولا نفسي، ثم أخوانه في كرن، وخارج كارن، وعلى رأسهم الأح عبد الرحمن حسن مهري، وكل من له به صلة فرابة أو صداقة، كما أعزي فيه كل رواد الأدب العربي ومحبيه من الإرتريين في الموطن والمهجر، وكل الدعاة إلى الله من حملة العقيدة الإسلامية النقية من الإرتريين ومن أصدقائه من غير الإرتريين ممن رأيتهم يجالسونه.
وكتبه/ الدكتور جلال الدين محمد صالح
14/2/1434هـ
الرياض

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=28164

نشرت بواسطة في ديسمبر 28 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010