كيف نتوحّد (3)

من قلب الأحزان

هل لي أن آتيكم واعظاً اليوم؟! ونحن في حالة الحزن العميق لتتابع الفقد تلو الفقد والحزن فوقه الحزن فيصبحان آلَمَ وأقسى على أنفسنا الضعيفة وعقولنا الواهنة التي لم تتدبّر حتى بديهيات الحزن والتصرّف حين حلول المصائب. لن أنافقكم حين أقول أنّني بالفعل قد عجزت عن قول كلمة واحدة يوم أن فارقنا إلى جوار ربه أبانا الذي كان بمثابة البوصلة لجميعنا في الإستمرار في المواقف حيث عاش الثبات في انتمائه لجبهة التحرير الإرترية حتى النهاية، وعاش ساعيا لمساندة مجتمعه حيثما وجد له أثر، وبفقده اليوم لا جدال أغلقت سفارتنا في مصر حيث لنا الكثير من المصالح الدائمة.

ونحن غرقى همومنا التي لاتنتهي وعجزنا عن الفعل الضّروري لإسترداد كرامتنا حين أُصِبنا بداء الجُبن في غمرة الكسل عن العمل والبُخل بكل شيء بالرغم من أن أمامنا دَينٌ ضخمُ نُسدّدُه لأمتنا التي تم قهر رجالها واستُرِقّت فتياتها من قبل الفئة الباغية، وحين حلول الحزن العميق لفقد آخِرُ من كان يستطيع أن يروي لنا كلّ الحكاية، ماضيها وحاضرها ويستشرف لنا مستقبلها، تذكّرت حديث الرسول (ص) الذي إستعاذ فيه من الهمّ والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال (ليس نصّاً منقولاً).

ألا تروننا أحوج بالفعل لأن نقرأ ما كان يستعيذ منه النبي (ص) ونقيسه على أنفسنا لنبحث عن مخرج لنا من بحر الظلمات العميق الذي نحن فيه، وهل هناك كلمة واحدة في هذا الحديث لاتنطبق علينا اليوم، أم أنّنا إخترنا أن يكون بأسنا بيننا شديد وقلوبنا شتّى. ألا ترون حالة الإستنفار العاطفي التي تغرقنا بعد كلّ فجيعة.

أليست هذه حالة من حالات الإتحاد التي يمكن البناء عليها؟

دعونا نحاول فعل شيء من هذا القبيل اليوم

بما أنّ الله سبحانه وتعالى الحَكَمُ العدل دائماً وبما أنّ حكمه عدلٌ أبدً فقد أراد أن يُرينا رسالات الألم والحزن بوضعها الطبيعي محملة بالشّمولية واليقين بالبداية المشتركة لكل مجتمعنا فبعد يوم فقط من رحيل  أخلص من ناضل لإستعادة الحقوق في الماضي والحاضر العم سليمان آدم، قبض اليه روح عبده المخلص لأهله وقضيته بنظام التفرّغ ومن موقع شديد الخطورة على حياته ومن معه، إلّا أنّه رآه موقع العمل الواقعي فناضل من أجل تحرير شعبه من الإستعمار الأجنبي وإستمرّ في نضاله ضد النظام الهمجي الذي يسود بلادي وبلادكم حتى إختار الله جواره وما أحسنه من جوار!!! كان هذا الثاني المناضل كريم المحيا والممات ابوبكر سليمان، الوفي والمؤمن بقضية شعبه الذي كان يعمل لصالحه بكل صبر وتفاني حتى آخر لحظة من حياته من أجل التغيير الديمقراطي، ساعياً نحوه ضمن وسطٍ كلّه ربّما كان متآمراً على كلّ أنشطته ومن ثمّ على حياته شخصيّاً.

أصبح الفقد فقدين!! والألم تكرّر في جيلين من الوفاء والإخلاص للقضية الضائعة والشّعب المُشرّد!!

تركانا نبكي ماضينا وحاضرنا سويّاً وكأنّ الألم قد أتى ليعلّق مستقبلنا بين ضفتي نهر هادر تهاوى جسره الذي كان يربط ذاك الماضي بهذا الحاضر فأصبحنا أمام عشرات الإختبارات الصّعبة:

أولها كان الوقوف يداً واحدة أمام الألم، وليس أدلّ من أهمية ذلك أن نفقد رمزين كان أحدهما يمثل جبهة التحرير الإرترية من المهد إلى اللحد والآخر تسلم الرسالة من سلفه فأبلغ في النضال ضد النظام الجاثم على كلّ أمل لنا في المستقبل، ثمّ أنّ مبلغ علمي كان الفقيدان على تواصل لاينقطع حتى آخر أيامهما في دنيانا الفانية.

الرسالة هنا أيها الأحبة تبدأ من أحد أهم ما تبقى لنا من تراثنا وهو التوحّد حين الفجيعة، خاصة حين يكون الفقد بهذا الحجم وهذا التتابع. ولتكن هذه فرصة لنا لنرى مالم نر فينا  من قبل ، فقد حملت لنا الأحزان الصوت الخافت والتفكير والتدبّر بهدوء ورويّة. إذن هي فرصة أخرى للخروج من بطن الأزمة والإجتماع والإلتفاف حول مشروع وطني جامع يقفز بنا من بيوتات الفرقة والتشرذم التي صنع وهمنا إلى أفق العمل المشترك في إطار القضايا الجوهرية التي لا خلاف عليها، ولندع الأفكار والمشروعات الهلامية التي تنتزعنا إلى خارج نطاق التأثير المباشر على ساحة العمل.

أمّا الإختبار الثاني فيتمثّل في كيفية الخروج من حالة الحزن في وجهة جديدة نحمل من خلالها كلّ الرسائل التي حملها لنا الفقيدان في وحدتهما حتى في الموت، كونهما رمزين لجيلين وحالتي نضال بإخلاص من أجل وطن وشعب واحد. وضدّ عدوّ واحد مهما إختلفت التّسميات والأعلام. تلكم سادتي كانت دعوتهما المشتركة للعمل سويّاً في إطار مشروع وطني جامع، لا يستثني أحداً.

ليس هذا إلا استكمال لما سبق أن أشرت إليه فالمظالم واحدة والوسائل المقترحة أيضا متقاربة والنتيجة المرجوة كذلك، ثُمّ أنّ كل  واحد، منهم يلعب دوره بإتقان وفق جدول زمني واضح لهم ولا نرى نحن منه شيئاً، ولن تجد لنا أي حق في أجندة أي منهم فلو رأيت كيف يأكل إساياس ويبتلع من أرضنا وتراثنا كلّ يوم لما فرّقت بينه وبين تسفاطيون وكل من عارض النظام منهم مؤخرا أيضا لن تفرق بينه وبين تسفاطيون.

إذن نحن بين نظام غاشم ومعارضة غاشمة من جانب وبين شعب مغلوب على أمره ورموز غشيمة إدعت تمثيلها له. وعلى ذكر تسفاطيون (أمل صهيون) هل رأيتم كيف تمّ استقباله في دولة الصهاينة؟ هل رأيتم من يحاول التخريب عليه أو يتحاور معه بحدّة؟!. بناءاً على ذلك سادتي نحن أمام صورة أوضح مما نتخيل وتكامل أرقى مما نتخيل، ولا تنخدعوا باعتراض البعض على مشروعه فالتسفاطيونيون يرونهم منهم وسيعودون إلى حظيرة مشروعهم قريباً ومع بوادر نضج المشروع خاصتهم. وعليه لن تجد بينهم حروب تكسير العظام كالتي نعيشها من خلال كياناتنا القديمة الجديدة، مما يعني أنّنا نحتاج إلى وقفة نحقق من خلالها وحدة العدو إن لم نستطع تحقيق وحدة المشروع في هذه المرحلة على الأقل.

الإختبار الثالث (والذي لا أتجاوزه لأترك المجال لكلّ منّا للتفكير بشأن الباقي من الإختبارات) هو التفكير بتمعّن فيما كان الإثنان يناضلان من أجله وكيف أنهما كانا مكملين لبعضهما فتلك رسالة تلقاها ابوبكر سليمان من سلفه سليمان آدم وكأن الأسماء أتت لتدلّ على تتابع الأجيال المخلصة ولتترك لنا رسالة مفادها لقد عملنا سويّاً ومن لم يعمل بهذا الأسلوب المستّق سيخسر كلّ شيء ولن تتحمّل الأجيال القادمة مسؤولية ما يحاك لها جهاراً نهاراً في عصرنا الحاضر.

إن لم ننهض مرّة واحدة في إطار مشروع واحد سنتحمّل كامل المسؤولية لما سيجري لنا من دار إلى دار ومن حارة الى حارة ومن قرية الى قرية، وما وعدكم به تسفاطيون من حال الروهينقا ليس ببعيد، ألا هل بلّغت اللهم فاشهد.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=39519

نشرت بواسطة في فبراير 21 2017 في صفحة البشرى, المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010