لكم عيدكم ولي عيد

بقلم:  أبو فايد  

عيد بأية حال عدت يا عيد :: بما مضى أم لأمر فيك تجديد

جاء العيد والكل يريد أن يخلص إرتريا من الدكتاتورية ،ويقود الشعب إلي شاطئ النجاة ، ويعيد اللاجئين إلي ديارهم ، ورفات الآباء والأجداد إلي مسقط رؤوسها ، ومن أجل ذلك الهدف تأسست أحزاب وجبهات وحركات تجاوزت الخمسة عشر حزبا وجبهة ، وتمخض اجتماع (كاسل) عن 4+1 واختلف الحزب “أ” مع الحزب “ب” ، وأصدر حزب كذا بيانا يشجب فيه البيان المدسوس عليه ، وتأجل اجتماع التحالف إلي ما بعد العيد حتى لا يكدر صفو فرحة الصائمين .

جاء العيد والكل يدعى انتسابه إلي عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وإبراهيم سلطان وعبد القادر كبيري وحامد عواتي وعبد القادر إزاز ومحمود حسب ، ويفاجأ كل المدَعين كما فوجئنا بأن لا صلة لهم البتة بأولئك الرجال العظام ، فالتحاليل المعملية لدم المدَعين أثبتت بما لا يدع مجالا للشك زيف ادَعاءاتهم وبطلان ما ذهبوا إليه . جاء العيد وما زلنا في معسكرات اللجوء صابرين محتسبين ، نتلقى الحر والقر بأسمال بالية ، ونتجرع مرارة الأمراض ببطون خاوية .


 

 

جاء العيد ولا زال آلاف الأرامل والشيوخ يبحثون عن مأوي وملبس ومأكل، تركوا ديارهم خاوية خالية يحنون إليها في ألم مكبوت ، وينظرون إلي الأفق الغائم عله يرجعهم إلي مرابع الصبا وملاعب الطفولة ، هناك في حنايا الوديان ، وفي انحراف الظل للجبال في المساء .

جاء العيد والشهيد أحمد سعد ما زال يغني في البرزخ ” للحزانى البائسين”

من أجل من زاق الضنا

من أجل أطفال لنا قد شردوا خلف العراء

 ويبعث بتحاياه وآماله”لبلاد الصامدين” ويرسل عبر ضوء القمر بلسما “يداوي كل جرح في نفوس اللاجئين” ، وروحه من البرزخ تنادي “

وغدا حتما نعود فوق هاتيك الروابي

ويسقط البؤس الذي سحق الجموع مدى السنين

لا لن أهاب من الطغاة الغاصبين

لم يمت صوت الضحايا الكادحين

لم يمت صوت ألوف اللاجئين .

جاء العيد وقد زاد علماؤنا ومفتونا كل ينادي بأصوات خافتة وأخرى مرتفعة وثالثة بين هذه وتلك ، كلها تعيد على مسامعنا قوله تعالي ( إنما المؤمنون اخوة ) وتعلمنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) من أجل ذلك رفضت الجاليات الإرترية في العالم دفع الإتاوة 2% لـ ( هقدف ) وحولتها بالإجماع إلي صندوق عون اللاجئين .

جاء العيد والشعب الإرتري يعود بالمئات والآلاف ، فالبلاد في مطلق الحرية ، واحتفالات تكريم العائدين علي قدم وساق ، وليس علي المواطن من رقيب سوى بضع مئات من العيون وبضع عشرات من الآذان ، ولهذا كله اغتنمت شركات الخطوط العالمية الفرصة فرفعت من ثمن التذاكر ، وأغرت الدول الأوروبية عبثا الإرتريين علي البقاء حتى لا يسبب رحيلهم خللا في النسيج الاجتماعي ، لكنهم أصروا علي الرحيل بل اضطر بعضهم علي اختطاف طائرة حتى لا يحرموا من نصيبهم لا سمح الله من حفل تكريم العائدين .

جاء العيد !!!!  جاء العيد !!!!

أما أنا فقررت أن أختفي في سرداب بيتنا المهترئ وأختي الصغيرة انزوت عن الأنظار حتى لا يشمت عليها بعضا من أطفال معسكرنا الذين رغم أجسامهم النحيلة ووجوههم البريئة البائسة فإنهم قد حظوا ببعض من القطع الجديدة لعلها أرسلت لهم من بعض الأقارب في السعودية أو باع آباؤهم علي مضض آخر مايملكون. فأنا وأختي ليس لنا إخوان ، الاثنان ماتا في حرب التحرير ، وأختي المتزوجة مات عنها زوجها في معركة حشنيت تاركا لها طفلين ، وأبي توفي في موجة الملاريا التي اجتاحت معسكرنا في التسع والتسعين ، وأمي المسكينة نهشتها الأحزان ومصائب السنين ، وجدتي مقعدة ضريرة تنتظر الرحيل ، يالها من امرأة ! كم تحملت من عذاب الدنيا وأحزانها وبؤس الأيام وشقائها ولم أسمع منها يوما أنينا ، رابطة الجأش صابرة محتسبة تردد دائما (إنا لله وإنا إليه راجعون) هذه المرة فقط لمست في صوتها الخافت حزنا تعاند إخفاؤه ببسمة تلاشت في أخاديد وجهها المجعد ، ووالدتي التي باعت خاتم زواجها لعلاج أختي من الملاريا تحاول إقناع جدتي المصرة عبثا علي بيع أغلي تذكار عندها ( حجل زواجها ) لعل ثمنه يبعث الفرحة في أختي الصغيرة سعيدة .

والدتي أضعف من أن تخفي حزنها قرأته في صوتها، وفي قطرات دمعها التي سالت في خدها وفي حجل جدتي الذي فارق معصمها لأول مرة منذ ستين عاما وكأنه يقول أزفت الساعة وحان وقت الرحيل .   

جدتي التي تتظاهر بالتماسك رفعت يدها النحيلة حتى بدا ثدياها من تحت الأسمال وقد لامسا صرتها ، ووضعتها برأفة بالغة علي رأسي ، ثم قالت بصوت مقطع كالأنين (عرفة مكة وجدة هب إتا ونسأ ..) .

كنت أتمني يا عيد عندما أراك أن أرقص أمامك كما يرقص أقراني في العالم وأن أنشد أناشيد وداعك، وأزور أقربائي وجيراني وأنا أقول (معايدين مسالمين) .

كنت أتمني يا عيد أن أخرج في استقبالك علي تخوم قريتي وأن ألبس جديدا يظهر نعمة الله عليَ .

كنت أتمني أيها العيد أن تسمع معي صرخة البؤساء المظلومين ، وأنات الفقراء المحرومين ، وأن تشم معي رائحة الفقر والحرمان والبؤس ، وأن تتحسس مع أمثالي من اللاجئين عمق الجراح وأبعاد المأساة ، وأن تنقل إلي الملايين من أبناء جلدتي في العالم أفرادا وجبهاتا وأحزابا الذين يهاتف بعضهم بعضا مهنئين ، ويقيمون الحفلات مستبشرين ،صرخة ألم من طفل بائس يقبض علي الفقر ، ويتوسد الحرمان المهين يقول فيها ( لكم عيدكم ولي عيدي ) !!!!

    abofaieda@yahoo.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=5821

نشرت بواسطة في نوفمبر 13 2004 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010