لنبدد المخاوف كي ننطلق معا

نحن الآن نعيش في حراك محموم وتفكير جدي للتخلص من نظام اسياس المتهالك المهتريء الذي صار وبفضل تصرفاته الرعناء يشهد العد التنازلي في كل أموره فسيطرته على الوضع ليست كالسابق وتعاطيه مع الأوضاع حوله كذلك ليست كالأول لقد انكفأ حول ذاته ولم يعد في إمكانه التحرك للأمام لان الطرق كلها قد سدت فشعبنا بالداخل والخارج بلغ من كرهه له مبلغا وسوء الأوضاع تتفاقم حتى في أساسيات الحياة كالماء والكهرباء والمواصلات والتردي في الخدمات الصحية والتعليمية والتذمر الحاد في وسط العسكريين الذين وصلوا إلى فقدان الأمل في تحسن أوضاعهم فقد صاروا يأخذون منه الوعود فقط .

ونتيجة لذلك بالإمكان القول إن كل الأسباب التي تؤدي إلى انهيار وزوال الأنظمة قد توافرت وهي الفساد ، والفقر, والظلم , الاستبداد ،

فالفساد شيء طبيعي أن يكون موجودا في ظل نظام لا يستند إلى دستور أو قانون نظام يعتمد على منهج امني بحت هدفه إحكام السيطرة على كل مفاصل الحياة المعيشية والسياسية والاقتصادية فمظاهر الفساد تتمثل في عدم وجود محاسبة للسلطة المتنفذة التي تتصرف في المال العام كيفما يروق لها ولا توجد ميزانية مكشوفة تعرض على المواطنين عبر الصحيفة الوطنية الرسمية وغير الرسمية التي أصلا  لا وجود لها  ولعدم وجود المحاسبة فان كل من هو مقرب من الرئيس تطال يده أي شيء  لأنه ليس هناك ما يخشاه وقد أظهرت العديد من الوقائع التي كشفت مدي تغول أقطاب النظام في نهب المال العام وممارسة التجارة على المكشوف احتكارا للسوق من اجل بناء ثرواتهم وأمجادهم  فالرشوة قد صارت على وضح النهار والموظف من أي مستوى يتعاطى الرشوة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لان ما يتقاضاه من اجر لا يكفيه ليعيش يوما واحدا وكذلك راجت تجارة التهريب مع دول الجوار برا وبحرا وبتواطؤ من قبل الحكومة وصارت هي الطريقة الوحيدة للحصول على العملة الصعبة .

أما الفقر فحدث ولا حرج حيث أن الحكومة غير قادرة على توفير العمل للمواطنين والمساحة التي يتحرك فيها المواطنون في ممارسة مهنة البيع والشراء محددة مع وجود المضايقات الظاهرة على الذين يعملون في مجال الاستيراد حتى إن العديد منهم ترك العمل في هذ ا المجال ، أكثر المواطنين يعيشون تحت خط الفقر ويعتمدون في تامين احتياجاتهم المعيشية على ما يجود به أقربائهم في الخارج وبالرغم من أن الحكومة تتذرع بأنها قد استلمت السلطة والبلاد خزينتها صفر وتضيف إلى ذلك سببا آخر تجعله شماعة لفشلها الذريع  وعجزها في توفير الحد الأدنى للمعيشة للمواطن وهو المشكلة الحدودية مع الجارة إثيوبيا وصارت تقول بأنها تعيش حالة طوارئ وفي وضع استعدادي للدفاع عن سيادة الوطن لان إثيوبيا تستهدف إعادة السيطرة على البلاد  وهي في الحقيقة ذرائع غير مقبولة تماما لأنه في الأساس هدف الحكومة على أي وضع يجب أن تسعى في توفير متطلبات الحياة للمواطن  .

أما الحديث عن الظلم في البلاد وهو شيء طبيعي مع نظام يحكم بمزاجه وهواه دون وجود مرجعية دستورية دون وجود كفالة قانونية للمواطن تضمن له المطالبة بحقه والتقاضي أمام القضاء ، فالنظام وانطلاقا من معرفته بأنه يمسك بالسلطة دون رغبة من الشعب وبالتالي يتخذ من الشعب على أنهم أعداءه  ظنا منه أنهم متى ما وجدوا فرصة سيعملون على إسقاطه وعليه صار يراقب عليهم تحركاتهم وكل من توجس حوله انه قد يكون ضد السلطة يتم اعتقاله وسجنه وبالتالي صارت السجون كثيرة جدا في البلاد ويمكث فيها السجناء  مدة غير محددة لأنه ليس هناك محاكمات كما أن هناك العديد من المواطنين قد انتزعت منهم بيوتهم التي يملكونها بالإضافة إلى توزيع الأراضي انتزاعا من أصحابها الأصليين بحجة أن الأرض ملك للدولة ويتم كذلك ترحيل قسري لأهالي بعض القرى إلى مناطق أخرى  كذلك تم معاداة كل ما يتصل بالدين من ملاحقة الدعاة والملتزمين وإقفال المدارس الدينية الإسلامية وتدخل النظام في الشئون الدينية الإسلامية كانت أو المسيحية .

أما الاستبداد فمظاهره تتمثل في الاستمرار في إذلال الشعب الارتري والاستحكام بالسلطة وغياب حتى هامش الحرية ويطال الاعتقال والقمع ليس لمن يعترض على النظام إنما حتى الذي يتوجس منه انه خطر على النظام حتى ولو بصمته  , وصار اسياس هو الذي يمسك بكل الخيوط التي تدار بها الدولة وحوله مجموعة من الذين يثق بهم يعينوه على تنفيذ أوامره وصار تنظيم الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية مجرد صنم ليست له روح  فلم يعقد أي مؤتمر منذ عام 94م فالنظام والدولة صارتا بيد حفنة من العصابة يرأسها اسياس ولذلك كان هروب العديد من المسئولين في مستويات مختلفة لإحساسهم بأنهم أصبحوا أدوات  في يد الديكتاتور اسياس ، والوزراء في الحكومة هم يؤدون ما يرد إليهم من تعليمات من مكتب الرئيس وبالتالي اسياس صار فرعون بحق وحقيقة فهو الذي يفكر في مصلحة الوطن والمواطنين ليس هذا فحسب بل يفكر في شئون العالم بأسره ويرسل إليهم الحلول المثلي وهذا ما ليس بحاجة إلى تدليل حيث أن المقابلات التلفزيونية التي يجريها بنسبة 90% يركز فيها حديثه حول الأحداث الدائرة بدول الجوار والعالم في تجاهل تام للداخل حيث يحاول إقناع العالم بان ارتريا هي أفضل من العديد من الدول الأفريقية.

وما تقدم من توضيح على توافر العناصر التي تؤدي إلى انهيار الأنظمة وسقوطها هو جزء بسيط جدا وأنا أزيد على ما تقدم بان هناك عنصر مهم جدا وقد توفر حاليا وهو تدهور صحة اسياس الذي وان اخفت الحكومة على الجماهير وكعادتها حقيقية وضعه الصحي إلا إن الشيء المؤكد هو انه في وضع مقلق جدا  لمن حوله وهو غير قادر على التركيز على سير الأمور في حكومته كما كان في السابق والدليل  قلة اجتماعات مجلس وزرائه حيث أن هذا المجلس ليس له اجتماع دوري إنما يعقد جلساته بدعوة من اسياس  بالإضافة إلى ذلك فان حضوره في المناسبات العامة قد قل ويقال بأنه حتى عقد قران زواج ابنه أبراهام لم يحضره بنفسه بل وكل وزير إعلامه على عبده لإنهاء مراسمه .

فكل ما ذكرته هو ليس اجتهادا إنما هي معلومات متوفرة لدي المواطن العادي في ارتريا ، حيث يعايشها ويلامسها في حياته في داخل الوطن وخارجه وبالمقابل فانه بالإمكان تحريض المواطنين ليتحركوا ويعلنوها صراحة من غير خوف أو وجل  نريد إسقاط النظام كما فعلتها  شعوب بدول المنطقة والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن تحريك الشارع بالداخل وتأليبه على النظام للمطالبة برحيله ، في اعتقادي الشخصي بان على القوى السياسية المؤطرة وغير المؤطرة أن تلعب دورا كبيرا بحيث تقنع المواطن البسيط  بأننا سنبني على أنقاض نظام هقدف  نظام يوفر العدل والمساواة يوفر العمل لكل مواطن ويبسط التعليم والخدمات الأخرى لكل بيت وكل قرية وكل مدينة وكل محافظة  وسيوفر حق المشاركة في السلطة وسيحافظ على ارتريا موحدة ويؤمن بأن ارتريا هي لكل الارتريين لأنهم جميعا قد رووها بدمائهم لتكون ارتريا اليوم مستقلة , ولابد من تبشير الفئات المظلومة التي تشعر بأنها قد ظلمت من النظام الاستبدادي القائم أكثر من غيرها  بأنها ستتمتع بكامل حقوقها وسيكفل لها الدستور الذي سيشارك الارتريون جميعا في وضعه ،  ستكون ارتريا دولة آمنة وجاذبة يعيش أهلها متحابين على اختلافهم الإثني والديني والثقافي والمناطقي لذلك ينبغي على القوى السياسية أن تتحدث وبدقة عن المظالم الواضحة الحاصلة في عهد اسياس مع وضع تصور للحلول المثلى حتى يثق المواطن بأنه ليست هناك عودة نهائيا لها وكذلك على القوى السياسية أن تتفق على وثيقة التعايش والمواطنة .

في هذا الإطار يمكن جعل مخرجات المؤتمر الوطني للتغيير الديمقراطي ومن خلال المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي بأنه المرتكز والمنطلق  لان هناك الميثاق السياسي الذي يعتبر الأساس للقيام بعمل مشترك وهناك أيضا خارطة الطريق التي تفصل شكل وأساليب النضال لإسقاط النظام وكيفية تسيير الأمور ما بعد سقوط النظام والفترة الانتقالية.

ولكن المشكلة هي بان  تصير هذه الأوراق والمخرجات  حبرا على ورق ويخرج بعض رؤساء التنظيمات ويتحدثون عن أشياء تهد كل ما اتفق عليه في ذلك المؤتمر ومن الأمثلة على ذلك ما يمس وحدة ارتريا أرضا وشعبا  واللغتين الرسميتين في البلاد  وغيرها من الثوابت  التي اتفق عليها أجدادنا من عشرات السنين  ولم تأتي بها حكومة هقدف .

وللحقيقة بان هناك ضباب كثيف حول ما ستؤول إليه الأمور  بعد سقوط النظام وما هو مصير البلاد وكيف ستدار وكيف ستكون طبيعة العلاقة مع إثيوبيا وكيف ستنتهي مشكلة الحدود  وما هي الضمانات  التي تبدد المخاوف وتضع مكانها الثقة والاطمئنان .

فإذا ما استطاع القائمون على المجلس الوطني الارتري للتغيير الديمقراطي باعتباره المظلة الحاضنة لمعظم القوى الارترية سياسية ومدنية من توضيح وإقناع الجماهير الارترية بالداخل والخارج وعملت على القرب منها والاستماع إليها والإجابة على كل تساؤلاتها بكل وضوح  وان يكون للتنظيمات السياسية التي وقعت على الميثاق السياسي الالتزام به وتعلن على الملا بأنها ملتزمة بكل مخرجات المؤتمر الوطني للتغيير الديمقراطي  وليس كما هو مستجد من فلسفة بان المجلس هو كيان إطاري مرحلي  والتحالف هو الكيان السياسي القيادي  حتى ما بعد سقوط النظام وبالتالي على التنظيمات السياسية أن تكون واضحة إمام جماهيرها والارتريين عامة .

فالنظام نتفق جميعا وبلا شك  بأنه  قد وصل إلى مرحلة ضعف لم يشهدها من قبل وبالذات مع رحيل كل مناصريه في المنطقة مما تسببت في تصاعد الضائقة الاقتصادية وليس هناك أدل على ذلك أكثر من أن تعيش البلاد في ظلام دامس حيث لا كهرباء علاوة على انعدام المياه الصالحة للشرب وأزمة المواصلات علاوة على تضخم سعر العملة المضطرد .

 ولكن مسالة إسقاطه لن تتم إلا  بقوى الارترية مجتمعة وبرؤية واضحة وموقف ملزم للجميع وليس هناك تنظيم أي كان قادر بمفرده على إسقاط النظام بمفرده وحتى لو فرضنا تم إسقاط النظام على هذا النحو فإننا لا محالة سنكرر نفس المشكلة وستؤول الأمور إلى ما لا يحمد عقباه .

 

أبو عبدالرحمن محمد الجبرتي

20/8/2012م

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=25300

نشرت بواسطة في أغسطس 21 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010