ماذا ستكتبين عني يا ابنتي؟

قبل اسبوعين تقريبا سألني أبي سؤال مفاجئ
(ايش ح تكتبي عني اذا مت ؟ )
كان سؤالاً مباغتاً لم احسب له حساب تحشرج صوتي وانهمرت الدموع وأنا أراه يتبسم ويقول لي (انتي زي جدتك بكاية ) يقصد جدتي مؤمنه رحمها الله لكنه كان مصراً أن يسمع مني إجابه لسؤاله فقلت بصوت يملؤه البكاء أنك رجل بأُمّه رجل وطني حر تحب وطنك حبا خالصا أفنيت عمرك كي تراه حراً ثم أكملت وأنك رجل محب لأهلك تبتغي رفعتهم وان تراهم في مقدمة الصفوف علماً ومكانه وسكتُ حينها فقد كان ذلك كل ما جادت به افكاري عليّ في تلك اللحظه .

وأقول الآن كان أبي رجلاً صادقاً قوياً لا يخشى في الحق لومة لائم حينما يؤمن بشيء كان يستعين بالله أولا ثم يبذل كل ما يستطيع لتحقيقه ولقد كان إيمانه بوطنه عظيما وبذل لأجله كل ما يستطيع .
كان يحكي لي كيف بدأت الثورة عند أهل الغربيه ويمتدح شجاعتهم كم كانوا بواسل ورجالا أحراراً ويحكي لي عن مدرسة حرقيقو ومناقب صالح كيكيا رحمه الله وعن شجاعته وحبه للدين ويستطرد بعدها قائلا أنه بعد ذلك قام ابناء الساهو و أوصلوا الثورة إلى بلاد الساهو وكان يقول لي (الساهو ما انتظروا الثورة توصلهم راحوا وجابوها إلى أرضهم)
وكنت أسأله حينها من هي القوميه التي دفعت الثمن الأكثر في سبيل التحرير؟
فيرد بحماس وصوت مرتفع والله كل الشعب الارتري بكل قومياته بذل اغلى ما يملك ولا سبيل للمزايده بينهم ويكرر لا مزايده بينهم الجبر والتقري والساهو والعفر وباقي القوميات الكل ادى دوره والكل بذل والكل تفانى لتحرير البلاد .

كان عندما يحكي لي عن إرافلي تملأ الابتسامه محياه كان يرى في إرافلي تتمثل الجنة الدنيويه ويقول ارافلي لا تتبع قبيله الكل هناك يعيش بألفه متحابين الساهو والتقري والعفر وكل من يسكن إرافلي ينتمي لتلك العائله الكبيره ثم يصف لي حارة آل قاضي ودكاكينهم كأني أراها امامي وهو يحكي لي قصة طريفة تدور بين جدي عثمان ديهيشي وجدي محمد علي قاضي رحمهم الله جميعا ثم ينتقل لحارة آل معر وكيف انهم يسكنون بجوار بعضهم البعض ويسرح معي في الحكايا عن والده وأصحاب والده و أشعر في تلك اللحظه أني عشت في إرافلي عمراً طويلا و أنا تلك التي لم تر وطنها قط حتى تشربت حب إرافلي من أبي .

ولقد كان أبي عاشقا للأدب الساهاوي يحب كل ما يحتويه الادب الساهاوي قصصا وشعرا وأمثالا وعندما يريد أن يستشهد بقصة أو مثل يقول لي (والله الساهو خطيرين )وذلك تعبيرا منه عن حكمتهم وشدة بلاغتهم اللغويه .

كان أبي متشربا لحب إرتريا وقومياتها لم يكن متحيزا او عنصريا لأي قبيله لكن كان للعفر في قلب أبي حبا خاصاً ويقول لي عاشرنا العفر و تصاهرنا معهم و وجدنا معهم خيرا كثيرا وعلاقة أسرتنا مع العفر ممتدة من جدي عمر ديهيشي واستمرت مع جدك عثمان الذي بنى على رصيد المحبه الذي تركه له والده بين العفر حتى انه عندما توفي جدي عثمان قال أحد سكان إرافلي( عثمان لم يترك أيتاما ولكن الذين تيتموا بعده أنا والعفر )وذلك لأن جدي عثمان كان يستقبل المسافرين العفر الذي يمرون بإرافلي في بيته من عمق العلاقات والمحبه بينهم وإن كان بيت جدي رحمه الله بيتاً مضيافا للجميع وبعد وفاته كان أغلبهم يسلكون طريقا مختلفا في السفر لا يمر بإرافلي بعد أن فقدوا سراج بيت الرجل الذي لايغلق بابه أبداً.
ما أكثر الحكايا التي كان يحكيها لي أبي عن قصص جدي عثمان في بلاد العفر منذ شبابه إلى ان انتقل أبي وأسرته الى أوسا بعد حريق إرافلي ومنها(ان السلطان علي مرح كان يقول احب ان اسمع العفريه من اثنين وذكر اسم رجل من العفر وجدي عثمان رحمه الله ) وذلك من شدة إتقان جدي عثمان للعفريه ،وكان إذا تحدث بالعفرية يلحق مع كل جمله مثل من أمثالها البليغه وعندما ذهب أبي هذا العام إلى أثيوبيا قال لي ذهبت وقرأت الفاتحه على قبر السلطان علي مرح رحمهم الله جميعا، لقد كان أبي يحب العفر ويحبونه حباً توارثه أباً عن جد.

ولقد كان أبي مؤمنا بالتعليم جداً وكان يقول لي إذا اغترب المرء عن وطنه يفترض أن يعود بإحدى ثلاث علم دنيوي نافع أو مال أو دين فالعلم يطور البلد والمال يبني والدين يربي الانسان ، لم يكن أبي ينتظر من تعليمنا أنا وأخوتي عائداً ماديا وإنما كان يقول دوماً علمتكم لأني أريد أن أضيف أعضاء فعّالين في المجتمع.
وفي التعليم كان يهتم كثيراً لتعليم البنات (الجامعي تحديدا) وكان يقول إذا تعلمت الفتاه تفيد زوجها وأبنائها وهكذا تبني أسرة واعيه في المجتمع.
كان أبي يؤمن أن نهضة المجتمع تكون بمشاركة جميع الأفراد في قضاياه وتوزيع الأدوار كل شخص بحسب ما يجيد و لم يكن يحب أبداً أن يتصدر المواقف بل كان يؤمن أن المجتمع الذي يعتمد على فرد يسقط بسقوطه ولكن المجتمع ذو الأفراد الفعاله كل شخص فيه يقوم بالدور الذي يجيده هو الذي تستمر نهضته حتى لو ذهب الأشخاص .
ولو عاد بي الزمن اسبوعين للوراء وسألني أبي نفس السؤال
(ايش ح تكتبي عني اذا مت؟)
سأقول له أنك كنت لي نعم الأب وخير الأصدقاء وأصدق المستشارين وبين ليلة وضحاها فقدت الجميع لقد كان أبي يراجع لي كل كتاباتي لغويا وفكريا ودينيا وهذه أول مره أكتب دون أن اجدك بجواري تلبس نظارتك وتجلس لتصحح لي وعندما بدأت أستقل بقلمي كتبت نعي وفاتك يا أبي ، طبت حياً وميتاً يا والدي الغالي.

                     د.عائشة عمرديهيشي 

8/10/2023

مواضيع ذات صلة:

بعض من كتاباته في فرجت

https://www.farajat.net/ar/?s=++++++++++++%D8%B9%D9%85%D8%B1+%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86+%D8%AF%D9%8A%D9%87%D9%8A%D8%B4%D9%8A&x=0&y=0

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=46942

نشرت بواسطة في أكتوبر 8 2023 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010