ماهي الخيارات المتاحة للمعارضة الإرترية بعد سلام الشرق ؟

بقلم : سليمان يبتيت محمد 

 

كان يوم السبت  14/10/2006م  يوماً استثنائياً  في تاريخ نضالات أبناء شرق السودان ، حيث احتضن القصر الرئاسي في أسمرة  ذلك الحدث الهام وسط حضور دبلوماسي كبير ، تقدمه الرئيسان السوداني والجيبوتي ، إلى جانب رئيس الدولة الراعية للاتفاق ، وبحضور الأمين العام للجامعة العربية ، ولفيف من المسؤولين العرب والأفارقة والمهتمين بالشأن السوداني ، وقد وقع الطرفان على الاتفاق الذي يقضي بتقاسم  الثروة والسلطة والترتيبان الأمنية . وبهذا الاتفاق تكون الحكومة السودانية قد طوت ملفاً مهماً ووضعت  حداً للاحتراب الذي دام عقداً من الزمان .

 وبموجب هذه الاتفاقية  يكون النظام في  أسمرة قد حقق ما كان يصبو إليه دائماً حيث كان يتوق لأن يكون له دور وبأي شكل كان  في حل معضلات السودان المختلفة، خاصة بعد تغييبه في الاتفاقيات المبرمة بين الحكومة السودانية ومعارضيها في كل من نيفاشا وأبوجا ، اللتان أفضتا إلى المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها الرئيس البشير . كما أنه بالنتيجة يكون قد وضع حداً فاصلاً لتردي علاقاته مع السودان، ورمى بكل ثقله نحو التطبيع الكامل مع الجارة السودان، الأمر الذي يمهد لتصحيح الأخطاء المتراكمة، وإزالة كل المعوقات والعوائق التي كانت تعترض إقامة علاقات طبيعية بين البلدين.

هنا يبرز التساؤل ما مصير المعارضة الإرترية التي تتخذ من السودان مقراً لها أو منطلقاً لأنشطتها السياسية إزاء المستجدات الأخيرة ؟ الإجابة بكل صراحة ذكرها رئيس وفد التفاوض الحكومي مصطفى عثمان إسماعيل في تصريحه  لجريدة الشرق الأوسط اللندنية ، بتاريخ 16/10/2006م  والذي جاء فيه “وليس من المعقول أن تكون هنالك علاقات طبيعية ومتطورة بين البلدين وتكون هنالك معارضة سودانية تعمل ضد السودان من داخل الأراضي الاريترية أو معارضة اريترية تنطلق من السودان، هذا غير وارد” .

 وبناءً عليه تكون مسوغات العودة لحالة الاحتقان والمد والجزر التي كانت تطبع علاقات البلدين، غير واردة إن لم تكن في حكم المستحيل، وتنتفي معها مبررات بقاء المعارضة على الأراضي السودانية.

لا يستقيم مطلقاً في المنطق السياسي ، أن يقدم أسياس على خطوة كهذه دون أن يكون لها ثمن ، فبغض النظر عن تدفق البترول السوداني إلى إرتريا ، والوعود بالاستثمارات  فيها، ورفع مستوى التجارة البينية ، وانسياب السلع عبر الحدود –  وهو أمر محمود قطعاً لجهة أنه يعود بالخير العميم  على شعبنا بالداخل – لا بد أن يكون قد تقدم بطلب تحجيم أو إنهاء ملف المعارضة الإرترية بالسودان ، لأن ذلك من شأنه العودة بالعلاقات إلى المربع الأول وهو الأمر الذي تجاوزه البلدان بتوقيع الاتفاقية التي لعب النظام دور الوسيط فيها .

 وليس بإمكان الخرطوم القيام بدور مماثل لما قامت به أسمرة ،والتوصل إلى اتفاق سياسي  بين الفرقاء الإرتريين ، لسببين : أولهما أن الفصائل الإرترية لا تمثل هاجساً بالنسبة لنظام أسمرة ،  إذ أنها لم تقم طوال تاريخها في المعارضة  بعمل يهدد مصالح أسمرة ، ولم ُيسجل لها القيام بعملية نوعية واحدة يمكن أن تكون سبباً لانتزاع اعتراف سياسي من أسياس وإجباره على التفاوض مع معارضيه . عكس جبهة الشرق التي وجدت كل أنواع الدعم المادي واللوجستي  من قبل نظام أسمرة وهو ما أهلها لكي تنتزع حقها في المفاوضات .

وثانيهما: أن السودان نفسه ليس حريصاً على إزعاج جاره بفتح ملف كهذا، حتى ترسو سفينة السلام في الشرق على بر الأمان وإن مؤقتاً.

فما المخرج إذا ؟

إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، وإن منطق الاستجداء ، الذي تتسم به طبيعة التنظيمات الإرترية ، بمختلف تكويناتها ومشاربها ، سوف لن يجبر أسياس على الخضوع لمنطق التفاوض والحوار ، وإذاكان البعض يراهن على جنوح أسمرة للسلم ، ويستبعد خيار العمل العسكري في مواجهة النظام  فهو واهم، وعلى فرض استجابة النظام لمنطق العقل والحوار ، فإن ذلك سيكون من منطلق اليد العليا ، والنظر بدونية للمحاور ، وإن جادت بشيئ فسيكون بمثابة عطية المزين ، والدخول فرادى ، في مشروع ( هقدف )   الكبير وهو ابتلاع الوافدين الجدد وإغراقهم في وحل الفساد .

إن المعارضة الإرترية التي أثخنتها الجراح تواجه مشكلات داخلية وخارجية عديدة،  فمشاكلها الداخلية تتمثل ، أولاً  في الغياب الكبير عن الساحة الإرترية ، والتخلي عن عمقها الطبيعي ، وهو خطأ استراتيجي كان له ثمنه الفادح ،  و إذاما أرادت أن يكون لها شأن  فعليها أن تتخلى عن شعاراتها ومقولاتها السابقة المبنية على مفهوم استحالة العمل من الداخل ، فالنظام أوهن مما تتصور ، وما لم تجد لها موطئ قدم في الداخل فالخارج لن يكون ملاذاً آمناً ودائماً لها ، حيث باتت كرتاً مستهلكاً  لدى من يقوم باستضافتها، يرفع عند الضرورة ، ويوضع بناء على مزاج المضيف ، دون تحقيق  أية مكاسب جوهرية على الأرض ،  كما أن ضعف البناء المؤسسي وغياب الشفافية لدى بعض فصائلها معضلة أخرى يجب الإسراع في حلها، وهي من الشروط الأساسية والضرورية  في تقديري للوقوف على أرضية صلبة لمنازلة النظام وتغيير ه ، و العمل على ضخ دماء وأفكار جديدة في شرايين فصائلها والانعطافة الجادة لإصلاح مكامن الخلل والاهتراء الذي عليه هذه التنظيمات ، لتتواكب والمرحلة الزمنية الراهنة،  لأن المرحلة القادمة هي مرحلة انفتاح سياسي ، وهي قطعاً تتطلب تغييراً في المنهج والشخوص وهو ما يعوز تنظيماتنا السياسية للأسف، فلعل ما أصاب جيراننا أن يصيبنا بعدوى التغيرات في الأفكار والمواقف وصولاً لسلام شامل وعادل يظلل سماء إرتريا .

أما مشكلتها الخارجية فتتمثل في ضعف النصير، فقد انفض عنها السامر حتى حلف صنعاء قد تنكر لها وأدار لها ظهر المجن .

فماهي الخيارات المتاحة للمعارضة على ضوء هذه المستجدات إذاً ؟

هناك طريقان لا ثالث لهما إما نكون أو لا نكون.

أمامك فانظر أي نهجيك تنهج      طريقان شتى مستقيم وأعوج

فعليها أن تختار إما أن تتحول إلى معارضة مدنية سلمية، تقنع بما يرمى إليها من فتات، وتترقب ما تأتي به الأقدار ، فلعل رياح التغيير تهب على النظام ، فيزول أو يموت أسياس فيسفر مقتله عن انفتاح !

 أو أن تكون على مستوى التحديات فتختار خيار المقاومة وهذه لها تبعاتها بلا شك ، والطريق إليها يمر عبر :-

  • ترميم البيت الداخلي للتحالف وتقوية عمده والبناء عليه على قاعدة برنامج الحد الأدنى، أو اللجوء لخيار إقامة المحاور في حال تعذر بقاء التحالف متماسكاً.
  • السعي إلى إيجاد بدائل أخرى أكثر أماناً ، بالاعتماد على الذات وعدم الركون إلى المتغير على حساب الثابت في قراءتنا  لقياس ترمومتر العلاقة بين النظام وجيرانه ، مداً وجزراً صعوداً وهبوطاً ، وسياساته الحربائية المتلونة التي لا يقر لها قرار .
  • تغيير قواعد اللعبة السياسية المعتمدة على التهدئة وخفض الجناح مع النظام، وإدخال عنصر جديد في المواجهة معه، ومباغتته، وتحقيق مكاسب على الأرض، لتقوية الموقف التفاوضي إن حصل.
  • نقل المعركة إلى العمق الإرتري ،( الهضبة ) ، انطلاقاً من أثيوبيا ، كونها الملاذ المتاح للمعارضة بعد تطبيع النظام مع السودان .

لقد ضيق سلام الشرق ، فرص بقاء هذه التنظيمات حارسة للبوابة الشرقية  للسودان، فعليها أن تبحث عن مهام أخرى وبدائل أنجع ، لأن الشعب الأرتري قد أيس من أي تغيير يأتي على يدها ، وأمامنا نموذج (الطالبان) الذي اقتلع الفصائل الأفغانية المتصارعة على كعكة السلطة بعد أن أزاحت الديكتاتور المدعوم من الاتحاد السوفيتي حينها ، وها هي المحاكم الإسلامية الصومالية  تعيد ذات السيناريو، وتحكم قبضتها على نطاق واسع من أرض الصومال ، وتضع حداً لأمراء الحرب المتشاكسون، فما لم تسارع هذه التنظيمات لأخذ زمام المبادرة ، وطرح بدائل عملية تنعش آمال الشعب  الإرتري في الخلاص ، فعليها أن تتوقع المفاجآت التي قد لا تكون في صالحها . لأن التململ والتذمر في صفوف المنضوين تحت ألوية هذه التنظيمات، سيقود إلى إطلاق رصاصة الرحمة عليها. ولات ساعة مندم . 

وكل عام وأنتم بخير ..

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6954

نشرت بواسطة في أكتوبر 21 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010