مجلس الأمن القومي الارتري


فتحي عثمان


“إذا استبد القهر بالدولة بدأ فيها الترف والفساد، فإذا حصل ذلك أسرع إليها الهرم وزال سلطانها وتعرضت للغزو والاستيلاء”.
ابن خلدون، المقدمة
الحديث أو السؤال عن مجلس الأمن القومي الارتري الخرافي يشبه الحديث عن المستحيلات السبع وهو ما يعرف ب “سَبُع مستِنكِر” في أدب لغة التقرايت؛ وأحد هذه المستحيلات هو الدجاجة ذات الأثداء التي ترضع صغارها. أيضاً الحديث عن هذا المجلس يشبه كذلك الحديث عن الفائز الارتري بجائزة نوبل في الاقتصاد. مع أن الاحتمال الأخير وارد، ولو بعد حين، لكن ظهور مجلس أمن قومي في ظل الطغيان الراهن هو “ثامن المستحيلات”.
ارتريا منذ استقلالها منذ ثلاثة عقود لم تعرف مؤسسات حكم، وهذا أمر معروف لا ينكره ناكر، حتى حكومة البلاد، ممثلة في مجلس وزرائها، لم تجتمع منذ عام 2018.
اليوم تمر البلاد بمهددات مصيرية تجعل الحديث عن السياسات الدفاعية أمراً يتقدم عما سواه. فوطن بلا مؤسسات هو وطن يديره الطاغية كيف شاء، والطغاة شرط الغزاة. فما تمكن غزو إلاّ بسبب طاغية جائر، ودروس التاريخ بهذا الخصوص مبذولة للغادي والرائح وهم عند ذهابهم غير المأسوف عليه لا تبكي عليهم الأرض ولا السماء.
اليوم، نأمل أن تكون طبول الحرب التي يقرعها أبي أحمد مجرد (نفخة من نفخاته العنترية). فنحن لا نريد ارتريا مهددة بغزو أو اثيوبيا مفككة الأوصال. فالأوضاع في المنطقة، وفي ارتريا تحديداً، رغم سوؤها وقتامتها أفضل بكثير من حرب غشوم وفتنة تدوم لا يتمناهما عاقل مهما فاض به الكيل.
ولكن ما الذي يمنع الحرب؟
إن موانع القانون الدولي ومؤسساته، كما يتصورها بعض الواهمون، فإنها لا تحمي خيمة في العراء ناهيك عن بلاد. فالحرب نار تحت الرماد متى ما نفخ فيها اشتعل اوراها. لهذه الأسباب فإن طرح الأسئلة الكبرى يصبح مهمة ملحة، ففي بلد تنعدم فيه المؤسسة والتشاور تصبح الحرب لعبة في يد الطاغية. وهو في تيهه وغيه ما سمع حتماً بمقولة ابن مروان الناصحة: “الرأي قبل الجيش، فإن أصبت الرأي فتحت لك أبواب النصر”. ففي ظل غياب “مجلس أعلى للدفاع الوطني” سيمسك الطاغية بكل خيوط الحرب، تماماً كما مسك بها قبل ذلك حتى طلب منه أصحاب الاختصاص من ذوي الخبرة العسكرية التاريخية في الثورة الارترية التنحي والخضوع للمساءلة عن إدارة الحرب في أعقاب التراجع الكبير في القدرات الدفاعية للبلاد في سنة 2000. فما كان منه إلاّ أن زج بأولئك المعارضين في غياهب السجون.
الأسئلة حول قدرات البلاد الدفاعية وهي في الدرك الأسفل من كل نواحي التنمية يدب كما يدب النمل في الصدور؛ بينما يحاول مخدرو الوعي والذين يبشرون بقرب تفكك اثيوبيا بأن الأمور كلها تحت السيطرة، جاهلين بأن أثيوبيا المفككة إنما هي حريق في جلباب دول الجوار كلها. ويمضون في القول بأن المعتدين سيدفعون الثمن أضعافاً مضاعفة، ولكن لا يكلف أحدهم نفسه بأن يقول لنا كيف. ومع تكاثر المصائب تكبر الأسئلة في الأحشاء كالحمل الحرام صعب حمله، وخطر طرحه، ومعيب وضعه. وهذا هو الحال في بلاد أسلمها الطاغية للضعف والذل والهوان وأمام ناظريها تتجمع سحب الظلام.
في هذه الحلكة الدامسة يخرج علينا مسؤول يحسب نفسه كبيراً ليقول لنا، في اجتهاد عبقري، بأن أباطرة اثيوبيا طالما حلموا بالوصول إلى البحر، فما الجديد في هذا القول الذي يعرفه الطفل قبل الكبير؟ المطلوب اليوم ليس المحاضرات عن التاريخ والجغرافيا والسيادة الوطنية، بل الإجابة على كيف يمكن الرد على يتبع نفس خطوات هؤلاء الأباطرة.
حروب اليوم أصبحت موائد لكل طفيل إلاّ أن (الاتصال بصديق) لن يجيب عن سؤال المليون. أي حرب شؤم تندلع غداً إنما بذرت بذورها الشريرة وسقيت في رحم حرب الحليفين أبي أحمد وأفورقي، وهو أمر أشرنا إليه غير مرة لا لسبب إلاّ لسبب واحد وجوهري وهو أن الحليفين كانا يحاربان لغايات متعارضة في أصلها ستدفع بهما عاجلاً أو آجلاً لرفع السلاح ضد بعضهما بعضاً؛ فكان من الطبيعي أن تتباين مساراتهما ولو بعد حين، وهذا ما يؤجج نار الحرب المقبلة وتكون الموانئ والوصول إلى البحر هي مسوغات وشعارات للحرب.
فهل تنفصل قضايا وشئون الدفاع عن الوطن عن مجمل الضعف والمرض اللذان ينهشان في كبد البلاد اليوم؟

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47705

نشرت بواسطة في سبتمبر 21 2025 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. يمكنك ترك رد او اقتفاء الردود بواسطة

رد على التعليق

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010