مدينة أغوردات في ذكري حريقها الخامس والثلاثون

كرار أبوالفتح

الثلاثاء 23/3/2010

عجيب امر هذا الصندوق الذي نحمله فوق أعناقنا وغريب سره يعرض علينا أشياء بإلحاح قد مر علي حدوثها زمن ليس بالقصير نشاهدها كشريط سينمائي عبر الشاشة الفضية كحدث قض طري، ويستعصي علينا إذ نحن طلبنا منه أن يعرض علينا حدث نرغب مشاهدته وتذكره وان كان قريبا في مجرياته، وان عاودنا الطلب وكررنا الرجاء حتي أنه قد يخيل الينا أن تلافيفه قد أصيبت بنوبة فيروزية أثرت علي ذاكرته.

وتسلطه هذا من خلال عرضه ورفضه بدون ابداء قرائن يذكرنا مع الفارق بالحاكم بأمر الله الفاطمي الذي حرّم الملوخية علي الشعب المصري باعتبار أنها للخاصة وليست للعامة ولكي يبرر هذا المسلك قلب “خاءها كافاً” فأصبحت “ملوكية وليست ملوخية” وكأنه شاعر يبدل بعض الكلمات بأخري لكي يستقيم له المساق والوزن.

وصندوقنا هذا يعرض لنا اشياء بدون مسوغ ويعدل ماشاء له التعديل ويحجب عنا اشياء وان أغمضنا أعيننا للتذكر والتشخيص.

أصوغ هذا ولا سيما ونحن الآن نستقبل في هذه الأيام حدث جلل عايشنا احداثه وواكبنا وقائعه منذ ثلاثة عقود ونصف تعاقبت علي مجريات حدوثه ولا زالت مرارة مذاقه عالقة في أفواهنا وآلآمه وأحزانه لم تجاف وجداننا ضاربة بجذورها في أعماق أعماقنا، وكما أسلفت مرة إذ نسي شعب هذه المدينة أشياء في محطات حياته مهما كان دورها وتأثيرها في مجريات حياته بحلوها ومرها فانه لا ولن ينسي مساء يوم الأحد 9/3/1975 الأسود الدامي الذي أحال المدينة الي خراب ودمار جعلها تسبح في بركان من الدخان الأسود عمّ كل ارجائها ولهيب ناره تلتهم كل بيت وطلقات العدو من فوهة أسلحته بشتي أنواعها تخترق أجساده غير عابئة بالجنس والعمر من نساء وشيوخ وشباب وأطفال هؤلاء جميعاً أخذوا الي حتفهم حين غرة وهم آمنون في منازلهم قابعين فيها أو عائدين اليها وبدون سابق انذار أو ارتكاب جرم وجدوا جنوداً مدججين بأسلحتهم ينهبون ويقتلون ماشاء لهم القتل حتي دور العبادات لم تسلم من دنس أفعالهم فقد أطلقوا عنان أسلحتهم علي من كان فيها فقتلوا من قتلوا وأثخنوا جراح من شاؤا، وحتي الشيخ في مسجده وبين طلابه لم يسلم من فعلتهم النكراء هذه.

غرقت المدينة في ذلك المساء في بحر من الدماء والخراب وتحجرت الدماء في المقل من هول المصاب الكل موتور ومكلوم وهو غير مصدق بما حدث، وماهي الا سويعات وقد خلت المدينة من كل قاطنيها فحملوا ماقل حمله ووزنه وغلي ثمنه تاركين وراءهم كل ممتلكاتهم غير عابئين بذلك سوي النجاة من هذا اللهيب والتقتيل، ولم يتخلف فيها سوي بعض من الشباب والرجال لدفن قتلاهم وإستجلاء ماحدث ومسبباته، لم يعلم البعض إن الذي حدث من قتل وتدمير هو ثمن لقتل عميل لايساوي شروي نقير.

ان الدفن في صباح الغد كان في شكل جماعي نسبة لكثرة الشهداء وقلة الأعداد من الرجال والشباب والخوف من تكرار ماحدث، ولقد أصبحت هذه الأحداث معلماً حياً لكل الأجيال تذكرهم بذلك الحدث خاصةً من لم يعاصروا وقوع الجريمة ولم يشاهدوا مسرح أحداثها حين وقوعها.

هذه المدينة فقدت في ذلك المساء فلذات اكبادها وزهرة شبابها وشبانها فحري بنا نحن الباقون أن نرفع أكف الضراعة سائلين المولي في ذكراهم أن يتغمدهم بواسع مغفرته وأن يدخلهم فسيح جناته ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذه المدينة التي هي دوماً قلعة للصمود والتحدي لكل صنوف الأنظمة القمعية والطاغية علي مر العصور والأزمنة تحطم أمام صمودها وفوق قلعتها كل أسهمهم ونبالهم وسائر أسلحتهم وهي دوماً سباقة لتقديم أعز مالديها في القضايا الوطنية.

واليوم للأسف بعد أن رحل العدو أبدل البلاد بمحتل من بني البلاد ولكنه يحمل سماً زعافاً ينفثه في الشعب وبين جنباته حقداً مميتاً ولا عجب ولا استهجان من مثل هذا الصنيع من هذا النظام لأنه وضع لبناته الأولي في صرح تنظيمه متبنياً مثل هذا الأسس والأهداف التي أرتكز عليها عندما أستصدر مذكرته التي اصدرها في نوفمبر 1975 والتي جاء فيها المبادئ التي سوف ينفذها في المنخفضات من التوسع والهيمنة وبناء القري من خلال المهجرين والاستيلاء علي المنازل والأرض من خلال فرمانات وتسهيلات للإستثمار لسدنته ومتابعة سياسة الأرض المحروقة وتضييق الخناق علي المواطنين لإجبارهم وإجلائهم من الأرض لصالح سياسة الاستيطان وخلق أمر وواقع جديد.. كل هذه الممارسات التي يطول شرحها لم تكن نتاج وصول الجبهة الشعبية الي سدة الحكم بل هي نتاج ذلك المخطط الذي صدر في تلك الصحيفة السوداء كسواد مساء يوم الأحد في تلك المدينة ومن المفارقات أن يكون الحدثين في عام واحد. كأن الجبهة الشعبية كانت في وفاق مع المستعمر لكي يحرق هذه المدينة ويدمرها ويقتل أبنائها وشعبها والآخر كان يخطط لكي ينهب أرضها ويشرد شعبها ويأتي بآخرين لكي يحلوا محلهم ويستولوا علي عرضهم وأرضهم وكانت الجبهة الشعبية تخطط لتكمل ماتبقي من صنع المستعمر الإثيوبي وما أقترفته يداه وكأن شعب أغوردات مكتوب عليه أن يعيش لكي يتجرع السم مرات ومرات.

ودون الإسهاب والاسترسال في هذا الصدد فإن ابناء هذه المدينة قد أصبحوا غرباء في ديارهم بعد أن سرقت ممتلكاتهم وأنتهكت أعراضهم وسبيت بناتهم وزور تأريخهم فهم مطالبون أكثر من أي وقت مضي أن يكونو أمام حلين لا ثالث لها، أولاهما: أن يرضوا بهذا الظلم والضيم الواقع عليهم ويعيشوا خائفين أمام الآخرين وهذا مالم أعهده فيهم. وثانيهما: أن يقفوا أمام هذا المخطط الذي أستهدفهم توسعاً ونهباً وتهميشاً وسلباً لكل مستحقاتهم وعمره هو عمر حرق مدينتهم وهو التأريخ الذي وضع فيه النقاط فوق الحروف وتحته في تلك المسودة السوداء كسواد مساءهم المشئوم الذي عاشوه وتكبدوا آلآمه لوحدهم منفردين.

وليس هذا تحريضاً بل تذكيراً.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=2760

نشرت بواسطة في مارس 23 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010