مرة أخرى حول التحالف الوطني

قبل عام وقليل قابلت عددا من الشباب وعلمت أنهم أرتريون. وبعد تبادل التحايا والأحاديث الودية دعوتهم ليشاركونا العمل المعارض، إلا أنهم وبسرعة تحلقوا حولي وأمطروني بأسئلة نقدية لتنظيمات المعارضة الإرترية. أكدت لهم بأنني لست مسؤولاً سياسيا ولست عضواً في أي منها وإنما مجرد مواطن عادي أتألم لما يجري في بلدي وأحلم بالتغيير إلى الأفضل. كانت بعض أسئلتهم حادة ومستفزة من نوعية ما الفرق بين المعارضة والنظام؟ أجبتهم وقلت إن الفرق بين النظام والمعارضة هو كالفرق بين الأرض والسماء النظام يقتل والمعارضة تدعو لإيقاف القتل. المعارضة تؤمن بتداول السلطة والنظام يحتكر السلطة. قالوا لكن المعارضة لا تمارس الديمقراطية ولا تتداول السلطة في داخل تنظيماتها ولا تسمح بإعطاء الفرص للدماء الجديدة. تلعثمت ولم أتمكن من إجابة السؤال الأخير، ربما لأن فهمي للبناء التنظيمي ضعيف كما وصفني أحد الإخوة الأفاضل في تعليقه على مقالتي الأخيرة التي دعوت فيها برحيل التحالف. قبل مغادرتي لهم جددت دعوتي وقلت لهم بامكانكم أن تأتوا وتصلحوا ما ترونه اعوجاجاً. قالوا اذهب أنت وافعل، ومارس النقد، لكننا متأكدون لن تنتصر! قلت وأنا أقرأ تعليقات بعض الإخوة على مقالتي الأخيرة وصدقت نبوءتهم (أقصد أولئك الشباب) قبل فترة من الزمن أيضاً كنا أربعة أفراد رتبنا لقاءاً مع شخصية عربية نافذة تبوأت مسؤوليات عليا في بلدها، أعددنا بعض الوثائق التي تدين رأس النظام ورتبنا ما سنتحدث عنه في لقائنا معه. انتظرنا الرجل في القاعة التي خصصت لنا وبعد فترة دخل علينا هو وبعد السلام مباشرة بدأ بالحديث هو واختصر المأساة التي يمر بها الشعب الإرتري في كلمات موجزة لكنها كانت جامعة مانعة. ذهلنا من معرفته لدقائق الأمور. تحدثنا جميعاً ووضعنا أمامه تفاصيل الكارثة الحاصلة في إرتريا لم نشعر أننا زودناه بجديد لأنه كان محيطاً بكل تفاصيل نظام “أفورقي”. لكننا خرجنا بانطباع بأنه يتابع المعارضة الإرترية دون أن يقابل القائمين عليها. في نهاية اللقاء وقبل أن نخرج قال لنا يا جماعة عليكم أن تصححوا عملكم المعارض أولاً وبعدها ستجدون الدعم من كل الأخيار. فهمنا بأنه نقد لعمل المعارضة الإرترية. أشفقت على ذلك الرجل وأنا أقرأ بعض التعليقات على مقالتي الأخيرة.

في الأسبوع الماضي كتبت مقالة نافذة للتحالف الوطني ودعوته أن يترك المكان للمجلس الوطني. لم أتحدث عن شخص بعينه أو تنظيم محدد، بل على جسم فضفاض وعام هو التحالف. وقد تم تجريد المقالة من عموميتها وشخصنتها ليسهل الانقضاض على كاتبها ومن ثم البعث برسائل مبطنة تمارس التخويف على كل من يفكر بالنقد وإبداء الرأي في المستقبل. قرأت كل التعليقات، لكن معظمهم تعمدوا التجريح والتقريح ووضعوا أقلامهم جانباً واستلوا سواطيرهم. ولم أجد من بين من علقوا من يأخذ بيدي ليدلني على إنجاز واحد للتحالف حتى نبقي عليه. أحدهم وصفني بأن فهمي للبناء التنظيمي ضعيف ومسافة رؤيتي للأمور قصيرة، لأنني أبديت وجهة نظري حول التحالف وأنا أسأل وماذا عن تلك التنظيمات التي أبدت الرأي نفسه في اجتماع التحالف الأخير؟ هل هي أيضاً فهمها التنظيمي ضعيف ورؤيتها قاصرة مثلي؟ مع العلم أنها تنظيمات وأنا فرد. احترمت بعض التعليقات لأنها ناقشت الموضوع بعيداً عن التجريح واحترت أمام بعضها الآخر عندما أحسست بأنهم فقدوا البوصلة. أحدهم قال إن التحالف صمام الأمان ولا أعرف أي أمان يقصد! التحالف لا يستطيع أن يفرض نفسه على الواقع الإرتري بإعتباره الجهة الأبوية للمعارضة، في نهاية الشهر المنصرم عقد مؤتمر للشباب الهارب من الجيش الإرتري في منطقة – شيري – الإثيوبية وكان التحالف آخر من يعلم ولم يشارك في المؤتمر. قبل ظهور التحالف كانت هناك تنظيمات تمارس العمل المعارض وتسبب صداعاً للنظام وهو في أوج قوته. جاء التحالف وكل مسمياته السابقة فابتلع تلك التنظيمات وأدخلها في أحشائه وأخرجها من ساحة الفعل، ففقد العمل المعارض عنصر القوة وفقدت الجماهير الإرترية الأمل فيه. نصب التحالف خيمته ودخلها الجميع وجعل من نفسه جهازا لفض المنازعات بين المتخاصمين من أعضاء التنظيم الواحد فيقبل بدخول كبيرهم ويبعد صغيرهم، لا نعلم المقاييس المتبعة في تحديد الصغير من الكبير لكننا على الأرض وفي الأداء لا نرى فرقاً. لم نمتشق سيفاً ولكن قلنا رأياً نؤمن به، لا نحتكر الحقيقة، ولا ندعي الكمال فتلك ميزة خص الله بها نفسه. لكننا لا نقبل بالحجر ومصادرة الرأي وفرض الوصايا ليحدد لنا البعض كيف يجب أن نفكر، ولا نعتقد بأن التحالف هو من سيحمي حقوقنا ونحن مجردون من أي قوة. علينا أن نعيد الثقة بأنفسنا ونعيد بناء تنظيماتنا ونقرب بينها ومن خلالها نستطيع أن نفرض شروطنا ونعيد حقوقنا. أحد الإخوة الأفاضل كان أكثر من أساء إلي وفي تعليقه على مقالتي قال إن المجلس الوطني أبوه هو التحالف وأنا أقول حتى هذه اللحظة لست متأكداً من هو أبوه. لكن الأمر في اعتقادي لا يحتاج إلى جدال ولا حتى أن نحمل المولود الجديد إلى أحد مراكز فحص الـ “DNA” وإنما نستطيع أن نتعرف على أبيه من خلال سلوكه الظاهر. فإذا كان يتمتع بالحيوية والنشاط والعطاء، فأبوه هو الشعب الإرتري وحينها سيرفده شعبنا لكل أسباب الديمومة والانتصار. أما إذا تميز بالخمول والكسل وعدم الإنجاز، فأبوه هو التحالف ووقتها على الدنيا السلام.

قبل الختام أقول يمكننا أن نتحاور ونختلف لأننا أمام أزمة معقدة لكن التجريح والإساءة وممارسة الأستاذية، وتحريف الكلمة عن موضعها ومقاصدها سيوسع الهوة بيننا، وسيخلق مرارات يصعب التخلص منها مستقبلاً. لهذا علينا أن نصوب بهدوء من نراه مخطئاً.

في الختام لا بد من الشكر لمنارة الحرية “فرجت” وهي تفتح لنا فصولها لنتعلم في رياضها حروف الهجاء الأولى في دروس الديمقراطية وفي أثناء التلقي ربما نسيء إلى الديمقراطية وإلى أنفسنا لكننا في خاتمة المطاف سينضج فكرنا ويشد عودنا وستبقى “فرجت” قبساً يضيء لنا ويرشدنا إلى الطريق القويم.

عبد الرحمن محمود

Abdali0101@yahoo.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=22474

نشرت بواسطة في أبريل 26 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010