مركز دراسات القرن الإفريقي : محاضرة داخلية عن الإتفاق المبرم بين الحكومة الصومالية والمحاكم الإسلامية

في إطار الورش الداخلية حول قضايا الساعة عقد مركز دراسات القرن الإفريقي محاضرة داخلية حول الإتفاق المبرم بين الحكومة الصومالية الإنتقالية والمحاكم الإسلامية، واليكم ملخص لما دار في المحاضرة.

تمهيد:

     شهدت الساحة الصومالية خلال الشهرين الماضيين أحداثاً دراماتيكية قلبت كل التوقعات وقراءات المتابعين، حيث دارت معارك منظمة وبوتيرة متسارعة في الجنوب الصومالي بدءً من العاصمة مقديشو التي لم تذق طعماً للاستقرار منذ انهيار حكومة محمد سياد بري، المعارك التي دارت في العاصمة وما حولها كان طرفاها التحالف من أجل السلام ومكافحة الإرهاب والمحاكم الإسلامية وخلال فترة لم تتجاوز الأربعة أشهر أعلن قادة التحالف من أجل السلام ومكافحة الإرهاب استسلامهم وتسليم أسلحتهم لقوات المحاكم، ليبدأ فصل جديد في تاريخ الصومال الحديث بتمكن المحاكم الإسلامية من فرض سيطرتها على العاصمة والمدن المجاورة لها، ودخولهم في حوار مباشر مع الحكومة الصومالية الإنتقالية للتفاوض حول مستقبل الصومال.

وللتعرف على نتائج المفاوضات التي استضافتها الخرطوم وقراءة المستقبل الصومالي في ظل التطورات الحالية استضاف المركز الدكتور/ محمد أحمد الشيخ علي، الباحث والمتخصص في الشأن الصومالي وقد حضر المحاضرة المصغرة أعضاء المركز والأستاذ / يونس عبد الله رئيس مجلس إدارة المركز،و كل من المركز الإرتري للخدمات الإعلامية ومركز الخليج للدراسات والإعلام وإعلام التحالف الديمقراطي الإرتري.

       في بداية اللقاء تحدث الأستاذ محمود عثمان إيلوس مدير المركز مرحباً بالضيوف والحضور، وأشار إلى عمق العلاقات الشعبية الصومالية الإرترية معدداً المواقف الصومالية الشجاعة في دعمها للثورة الإرترية.

ومن ثَّمَ قدم الدكتور / محمد أحمد الشيخ علي المحاضر بجامعة إفريقيا العالمية

بدأ الدكتور حديثه بخلفية عن نشأة المحاكم الإسلامية، وفيها أشار إلى أن الجيل الحالي من قادة المحاكم هم الجيل الثالث، وقد ظهر الجيل الأول مع بداية التسعينات من رجال الدين الفقهاء كبار السن، وانحصر عملهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

   وظهر الجيل الثاني من المحاكم الإسلامية مع بداية العام 1995م وطوروا في مجالات عملهم، وتميزت المناطق التي كانت تحت سيطرتهم بالهدوء والاستقرار حتى أن كثيراً من المنظمات الخيرية والإنسانية أسست مقارها ومراكزها في المناطق التي تسيطر عليها المحاكم الإسلامية طلباً للأمن، ولكن الغرب وخاصة الإتحاد الأوربي عمل على محاربة المحاكم وقدم الدعم لأمراء الفصائل حتى استطاعوا إضعاف المحاكم.

    وكادت المحاكم أن تختفي بشكلها الهيكلي والمؤسسي المعروف وذلك في فترة حكومة الرئيس عبد القاسم حسن صلاد الذي وعد بتنفيذ برامج المحاكم، خاصة وأن قيادات المحاكم كانت ممثلة في تلك الحكومة.

    وفي الفترة التي ضعفت فيها حكومة صلاد المولود الشرعي لمؤتمر عرته في جيبوتي، وقيام منبر جديد للحوار الصومالي الصومالي في كينيا ظهرت ظواهر جديدة لم تكن منتشرة في الصومال سلفاً وهي ظاهرة اختطاف الصوماليين لبعضهم البعض، وقد اشتهرت منطقة أو حي سيسي بالعاصمة مقديشو بكونها مركزاً لإخفاء المخطوفين ووكراً للمجرمين.

   ولمعالجة مشكلة الاختطاف والحد منها أسس الخريجون الصوماليون وخاصة خريجو الجامعات السودانية رابطة للخريجين ترأسها شريف شيخ أحمد الذي درس جزء من تعليمه الجامعي في السودان وأكمل الباقي في ليبيا.

  وأسس الخريجون أنفسهم محكمة في منطقة سيسي بقيادة شيخ شريف وذلك لمعالجة مشكلات الاختطاف والسرقات التي كانت ترتكز في هذه المنطقة من العاصمة مقديشو، وبذا ظهر الجيل الثالث من المحاكم الإسلامية، وهذا الجيل يختلف عن الجيلين السابقين له من حيث أعمار قواده ومن حيث الفكر والفهم العام.

    واجه الجيل الثالث من المحاكم نفس المشاكل السابقة التي عانى منها الجيلين السابقين له، حيث عمل قادة الفصائل على إجهاض عمل المحاكم، ولكن المعارك التي استمرت لأربعة أشهر فقط قضت على قادة الفصائل وأخليت منهم العاصمة مقديشو ومن قواتهم بعد أن ظلوا يسيطرون عليها لما يقارب الـ 17 عاماً.

   ويقال أن المحاكم الإسلامية بدأت المعارك بـ 10 سيارات محمول عليها سلاح (الدوشكا)، في حين أن أحد قادة التحالف وهو موسى سودري كان يمتلك لوحده عشرة أضعاف ما عند المحاكم الإسلامية من السلاح.

  ويذكر أن الشعب الصومالي وقف مع قوات المحاكم الإسلامية وساندها وقدم لها الدعم ، حتى أن رجال الأعمال الصوماليين الذين يمتلكون قوات خاصة دعموا بها المحاكم.

   وبإستيلاء المحاكم الإسلامية على مدينة جوهر، وإعلان قادة التحالف من أجل السلام ومحاربة الإرهاب انهزامهم واستسلامهم دخل الصومال مرحلة جديدة لم تتضح صورتها النهائية بعد.

   وفي جانب الحكومة الصومالية الإنتقالية فقد رحبت في بادئ الأمر بإندحار قوات التحالف ولكن بعد الإنتفاضة الشعبية إلى شهدتها بلدة بلدوين قرب الحدود الإثيوبية وترحيبها بالمحاكم الإسلامية واستيلاء المحاكم على مدينة جوهر تغيرت لغة الحكومة تجاه المحاكم الإسلامية.

  أما المجتمع الدولي والإقليمي، فأمريكا وبعد انهزام التحالف الذي دعمته، فإنها دعت دول أوربية وإفريقية وكونت لجنة أطلق عليها ( لجنة الإتصال الدولية) ودعت إلى تدخل دولي في الشأن الصومالي.

   وفي السودان فقد دعا الرئيس البشير رئيس الجامعة العربية إلى عقد حوار بين الحكومة الإنتقالية والمحاكم الإسلامية وقد عقد الحوار الذي استمر لأربع ساعات في  يونيو 2006م.

وفيما يخص الحوار فقد بين الدكتور /محمد أحمد أن وفد المحاكم الإسلامية تقدم برؤية للحل تتكون من (9) بنود تتلخص في الآتي:-

1-  الإعتراف المتبادل.

2-  الكف عن الحملات الإعلامية والعسكرية.

3-  إجراء حوار غير مشروط.

4-  محاكمة مجرمي الحرب.

5-  الدعوة لسلام شامل.

6-  نداء مشترك يوجه إلى الشعب الصومالي.

7-  ضرورة تراجع البرلمان الصومالي عن قراره المطالب بتدخل قوات أجنبية.

8-  عدم رفع حظر دخول السلاح عن الصومال.

9-  مراجعة ما صدر من قرارات وتكوينات هيكل الحكومة من أجل إشراك المحاكم.

وتم الإتفاق على البنود الـ6 الأولى في حين تم تأجيل مناقشة البنود الثلاثة الأخيرة إلى اللقاء الذي سيلتئم بينهما في 15 يوليو 2006م في الخرطوم العاصمة السودانية.

كما أشار الدكتور /محمد احمد إلى ملاحظات عامة حول المفاوضات والوفدين:

1-  الحكومة لم تأت برؤية محددة أو ببنود للتفاوض، بل جاءت لتستمع وتقييم موقف المحاكم.

2-  المحاكم الإسلامية فاجأت الجميع بالبرنامج الذي طرحته، وكذلك بوفدها المحاور الذي تكون في غالبه الأعم من الأكاديميين والإعلاميين وقليل من رجال الدين.

3-  المفاوضات استمرت لأربعة ساعات بينما استمرت جلسة العشاء التي دعا لها الرئيس عبد الله يوسف وفدي الجانبين لخمس ساعات مما أسهمت في إذابة الجليد في العلاقات بين الطرفين.

4-  تغيرت نظرة الحكومة للمحاكم، وقد ظهر ذلك في التصريحات الإيجابية التي صرح بها وزير الخارجية الصومالي لـBBC عن المحاكم الإسلامية.

وهنا انتهى حديث الدكتور

*****

وبعد هذا الحديث فتحت الفرصة للأسئلة والمداخلات:

الأستاذ/ جمال همد – المركز الإرتري للخدمات الإعلامية:

1-  طالعتنا الصحف والقنوات الفضائية بأخبار ظهور شخصيات لها علاقة بالإتحاد الإسلامي مثل حسن ظاهر عويس، فهل هذا يعني أنهم ظهروا تحت غطاء جديد هو المحاكم الإسلامية؟

2-  لماذا التمسك بإسم المحاكم الإسلامية دون المسميات السياسية المعروفة كالحزب مثلاً؟

الأستاذ / حسن عبده جابر – مركز الخليج للدراسات والإعلام :

3-  كيف تفسر سرعة تطور الأمور وتقدم المحاكم الإسلامية خلال فترة لا تتعدى الأربعة اشهر، وهل هناك دعم من الحكومة الإرترية على الأقل لبعض رجالات المحاكم الإسلامية؟

الأستاذ/ ابراهيم صالح فار – إعلام التحالف الديمقراطي الإرتري:

4-  من خلال متابعتكم للوضع داخل المحاكم الإسلامية، هل تعتقدون أن هناك ثمة مشاكل وصراعات داخل المحاكم ذاتها؟

5-  ماذا عن التحالفات الإستراتيجية في الإقليم وتأثيرها على الأوضاع في الصومال؟

الأستاذ/ أحمد دين صالح – مركز دراسات القرن الإفريقي:

6-  حدثنا عن رؤية المحاكم لمستقبل إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرتهم الآن، وهل سيسلمون الأمر للحكومة الإنتقالية؟

7-  هل هناك اعتراف من الأمريكان بالمحاكم الإسلامية؟

الأستاذ / محمد عثمان محمد نور- مركز دراسات القرن الإفريقي:

8-  نود إلقاء المزيد من الضوء حول الموقف الإثيوبي من التحرك السوداني في الملف الصومالي.

إجابات الدكتور / محمد أحمد على أسئلة الحضور حسب تسلسل طرحها:

1-  في البداية أود أن أشير إلى ضرورة فهم تكوين المحاكم الإسلامية، فهي عبارة عن تجمع للمحاكم المكونة في كل قبيلة أو عشيرة، ومن اختارته قبيلته فهو الذي سيأتي ولا تستطيع المحاكم الأخرى الاعتراض على اختيارات أي محكمة فالشيخ / حسن ظاهر عويس تم اختياره من قبل محاكم عشيرته، كما يجب النظر إليه اليوم بنظرة مختلفة، فهو في سن تجاوز السبعين، كما أن الإتحاد الإسلامي قد تلاشى ولا وجود له، كما أن الكثيرين من الذين شاركوا في الإتحاد الإسلامي موجودون في ساحة العمل العام الصومالية، في المحاكم وفي الحكومة وهناك الكثيرون في إثيوبيا.

فالمسألة ببساطة هي أن الشيخ/ حسن ظاهر عويس والآخرين هم أفراد معروفون في عشائرهم ويحظون باحترام وتقدير كبيرين، فلذا يتم اختيارهم لتمثيل عشائرهم في المحافل والمؤسسات التي تنشأ.

2-       الناس في الصومال وعند حدوث المشاكل فإنهم غالباً ما يلجأون إما إلى القبيلة أو إلى الإسلام، وكل من يؤمن بالمشروع الإسلامي ويرغب في استقطاب مؤيدين لابد له من إختيار اسم ذي صبغة إسلامية، ومن هنا جاءت تسمية المحاكم الإسلامية، ولا شك بأنها لم تخطط في بادئ الأمر لأن تصبح قوة تدير البلاد، فلذا كان الإبقاء على الاسم، أما الآن ولماذا التمسك بهذا الاسم وهل سيحدث تغييراً ؟ فهذا ما ستبينه الأيام القادمة ، وبالتأكيد فإنه يحتاج إلى وقت ما.

3-  من المتوقع أن يكون هناك دعم إرتري، ولكن حسب متابعتي لم يكن الدعم الإرتري مباشراً للمحاكم الإسلامية، فالثابت أن الحكومة الإرترية كانت تقدم دعماً للقبائل الصومالية في إطار صراعها مع إثيوبيا، وقامت هذه القبائل بدعم المحاكم الإسلامية عبر السلاح المتوفر لديها، ولم يكن دعم الحكومة الإرترية مقتصراً على القبائل بل تعداهم ليصل قادة التحالف من أجل السلام ومكافحة الإرهاب وعلى رأس هؤلاء يأتي / محمد أفرح قانيري لأنه من أشد المناوئين لإثيوبيا.

4-  بالنظر إلى تكوينات المحاكم الإسلامية، فمن الممكن توقع حدوث مشاكل داخلية، ولكن وعند متابعة كيفية إدارة المحاكم ووفدها المفاوض وكيفية تكوينه فإن المراقب يستبعد وجود صراعات داخلية حالياً.

5-  من الثابت أن السودان على علاقة بالحكومة الصومالية الإنتقالية، وفي رأيي فإن السودان لا يرغب في أن تصبح المحاكم بديلاً عن الحكومة الإنتقالية.

كما انه حتى لحظة التفاوض التي جرت في الخرطوم لم تكن هناك علاقة تربط بين المحاكم الإسلامية والحكومة السودانية، ولكن غير مستبعد أن يتم تعاون بينهما في مقبل الأيام.

وبالنسبة لموقف المحاكم الإسلامية من إثيوبيا فإنهم أبدوا استعدادهم للجلوس مع إثيوبيا.

6-  بالنسبة لاستحقاقات المحاكم، فإنه يمكن الإشارة إلى أن المحاكم نشأت في مناطق قبيلة الهوية، فلذا من المتوقع أن يطالبوا باستحقاقاتهم في السلطة الاتحادية.

والمحاكم الآن تعمل على استتباب الأمن وبسط النظام في الإقليم، فعملوا على تشكيل إدارة إقليمية ببرلمانها.

7-  أمريكا لا تعترف بالحكومة الصومالية حتَّى، فكيف تعترف بالمحاكم الإسلامية‍‍، ولكنها تسعى للتعاون مع المحاكم من أجل القبض على أفراد مطلوبين لدى أمريكا.

والأمريكان وعندما التقوا قبل شهرين بقيادات عشيرة شيخ/ حسن ظاهر عويس لم يطالبوهم بتسليمه، بل طالبوهم بتسليم مطلوبين من جنسيات أخرى.

8-  بعد أن شعر السودان بعدم رضا إثيوبيا بتدخله في الشأن الصومالي سابقاً فإنه في مؤتمرات سابقة قام بالتنسيق مع الحكومة الإثيوبية في كل ما يخص الصومال، ولكن هذه المرة يبدوا أن الأمر مختلف إذ أن المبادرة ليست سودانية صرفة حيث يمثل السودان هنا الجامعة العربية وليس السودان لوحده.

وختاماً أشير إلى أن الرئيس عبد الله يوسف إذا رأى أن المفاوضات ستكون في مصلحته فإنه سيتمسك بها وفي آخر تصريح له ذكر (إذا أرادت المحاكم سلاماً فنحن له، وإذا أرادت حرباً فنحن جاهزون لها كذلك).

 

وفي الختام شكر الأستاذ/ محمود عثمان إيلوس الدكتور/ محمد أحمد، على ما قدم، وللحضور على كريم استجابتهم للدعوة والحضور، وأكد على حرص المركز على متابعة قضايا منطقة القرن الإفريقي.          

             

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6743

نشرت بواسطة في يونيو 28 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010