مساك العصى من الوسط .. وسمة المثقفين فى دائرة (التفاوض الاجتماعى)

حامداود محمود

كثيرا ما تحدثنا،عن اننا دائما نضع الاعتبار للاخر(الاعتراف) به دون مقابل، ونثبت الحقائق كما هى، اى كواقع منظور ومحسوس و ملموس ، اى نحاول ان نتعامل مع الواقع بمنطقية وصدقية خالصة، وهذا الواقع الذى ارتضيناه لم يات سدا، انه نتاج نمط سلوكى طبيعى متجذر فينا، وكنت قد ذكرت فى مقال سابق، ان ثقافتنا او سلوكنا، نابع من علاقتنا بالاقتصاد، اى (محور الارتكاز) وكنت قد اشرت الى مكونات هذا السلوك.

وقد عرجت الى هذه الحديث،  فى محاولة لمقاربة هذه المقولة، (امساك العصى من الوسط) وهو تعبير شائع، يستدل به لفض النزاع بين خصمين او التوسط او الوسطية فى النية والفعل ،والى ما ذلك من مدلول، وهو ايضا يوازى احد اركان عقيدتنا الاسلاميةالسمحة من قول نبينا محمد (صلع)  خير الامور اوسطها. وهو ايضا ياتى  كمحاولة تتبع تساؤل وردنى من احد الاخوة  يتحدث عن المثقافتى/ الاستلابى.

لا علينا ،فان المصطلاحات والتعبيرات المستجدة، تعج باللغة العربية ،حتى اننا لاندرى ايهما يدل على المقصود.

على كل، حاولت ان اجد الاجابة، ضمن هذا الفضاء الرحب من العلوم التطبيقية منها والفلسفية التاملية فى علم الاجتماع، انه بحر متلاطم، لكن هل ارجع خائبا، هل استطيع ان ابحر فى مسار يسعفنى الى بر الامان ،واجد ضالتى فى الاخير، لقد قلبت (وشغلبت) عدد من الاوراق والكتب، ومواقع الانترنت، وكنت ازداد تيها وبعدا عن مسارى. وقد قال الرئيس الامريكى جون كندى ( كلما زادت معرفتنا، زاد جهلنا)

المهم، النزوع الى الفهم فضيلة، وتمرير المعلومة فضيلة اخرى، وهذا يسمح لى ان اقول الثقافى هو السلوكى، وان لم يكن،فالشبهة بينة ،(حيث أنّ جوهر الثقافة هو في حقيقة الأمر، ليس إلاّ تفاعل الأفراد في المجتمع بعضهم مع بعض، وما ينجم عن هذا التفاعل من علاقات ومشاعر وطرائق حياتية مشتركة). هكذ يقول المشتغلين بعلم الاجتماع. فالتغرنيا ثقافتهم ولنا ثقافتنا. وعندما ناتى للمقارنة نجد ان تكويننا اقرب للعطاء والبذل والعفاف والمجاملة ونجد اننا اكثر انسانية وانفتاحا على الجديد وعلى الاخر،والسمة الغالبة عندهم،هى الاستيلاء ،الاخذ، الانانية ، والاقصاء، ورغما عن هذا ،لم يكن من المستحيل التعايش بيننا،لكن الحقيقة انهم من ارادوا هذا المنحى التناحرى، وهم من بدؤا، يريدون ان يسودوا، وتسود ثقافتهم، بل الجشع اعماهم من البصيرة، وتعمقوا فى سلبنا كل شئ، وهذا فى الاساس ،ما يمليه عليهم مكونهم الثقافى/السلوكى (الانطوائية القومية).

وحقيقة ،لم نفكر ابدا ان ننتزع عنهم تشكيلتهم ، بل وقد قابلنا سلوكهم، بنوع من العواطف والتنازل والوسطية وحينا السطحية والاستسلام، كما نرى اليوم  من امثلته فى بعض من مثقفينا ، نفعيين كانوا ام ملتبسين ،من الذين لم يخرجوا من الصدمة (الحضارية ) كما يقولون، فكان ذلك مدعاة للأسف. وهؤلاء ليسوا اول و اخر الركب ، بل ان كل محطاتنا ،اكدت اننا ارتضينا شراكتهم ،بقلب سليم ، ولم ندرى ان العاقبة وخيمة، لكن الحمدالله ،سوى كان بسبب البادئ كان اظلم او بنعمة الوعى والانفتاح اكثر، اصبحنا نعى ضرورة التخلص من طغيانهم الى الابد.

ولاننسى من تجاربنا ، تلك المفاهيم والممارسات والاتكاءات/ والانكفاءات، باسم اليساريين، او الثوريين الحالمين، التى كانت تبحر فى الخيال، بعيد عن عمق الواقع وضروراته ومتطلباته، تحت راية المثقفيين والمستنيرين ،اذ حاولت نقل تجارب فلسفية ،ابان موجة التحرر والاشتراكية العالمية، كما حدث حين تم استيراد البعثية ، وحزب العمل الذى نحصر تكوينه فى قمة هرم جبهة التحرير النخبوى ، فى حين استخدم الحزب السرى فى الشعبية لعزل النخبة عن القاعدة ،والذى استنفد غرضه ببناء تحكم بوليسى لفئة التغرنيا المسيحية.

ولازال هناك البعض منا(بدون تاويل وتهويل) يعمل على ترسيخ روح العجز والإتكالية والإذعان،  بانهم أقوى منا، ممن يرون انه يمكن العمل الان، سويا مع فلول التغرنيا، لاسقاط المجموعة الارهابية، التى تسيطر على زمام الامور فى الوطن، وانه بدونهم لا يمكننا الانتصار. لو افترضنا ،ان هذا الرهان لربما قد يكون صحيحا ، ياتى تساؤل منطقى، وهو،عن ماهية الضمانات؟ ، بان سقوط افورقى وجماعته سيحل الاشكال، (طبعا بالتاكيد سيسقط وقريبا ان شاء المولى) اقول هنا، لو كنت على دراية كاملة، لا ياتيها الشك ،بان هذا تكتيك مرحلى، واننا نستخدمهم مطية لاغراضنا ،واننا سنقف فى طابور، مقابل لطابورهم،وسنرتجع المسروق (ابو ام رضوا)، لقبلت بهذه الفرضية السرابية. وبدون حرج ،اوكد لاهلى الطيبين ،بان هؤلاء القوم ،ومتى سقط النظام، سيرفعون رايته من جديد ،ويتبرؤون كالعادة من شراكتهم ووعودهم. واقول تكرارا، ان تصحيح اختلال التوازن،لايكون الا بفرض ارادتنا الجمعية ،غير المجزءة ،سوى عملنا معهم ام لم نفعل. وهنا قد تداعت الى ذاكرتى طرفة مضحكة تقول:

ذهب مرة مريض رهاب من الدجاج الى طبيب نفسى، الذى استطاع فى نهاية المطاف ،من اقناعه بانه ،فعلا انسان وليس  حبة ذرة.

ثم قال الطبيب : الان انت قد شفيت، وتاكد لك انك انسان.

فقال المريض : هذا صحيح والله، انا فعلا انسان،..

ثم اردف المريض متسائلا : لكن من سيقنع الدجاجة باننى لست حبة ذرة؟!!!

لا يمكنك اصلا فرض طريقتك واسلوبك ،وايضا ثقافتك على الاخرين، مالم يرضى الطرف الاخر، ذلك، بتلقاء انفسه، اى عن طريق الاستلاف او التبنى، اوالاستحسان. ومن ثقافتنا وسلوكنا،الانصاف/ العدالة/ الرحمة/ قبول الاختلاف/ المساواة . وهذا ما حدى بنا ان نرفض الرضوخ لهذا الاجبار والاكراه والاستلاب.

وبعيدا عن اللفظي واللغوى، لتعريف المثقف والمثقفين ، فان المصطلح ،هو فى مداركنا الان، بين (الدال والمدلول)، ما نشير به بوضوح، الى الوعي بالأشياء، خاصة الاجتماعية والسياسية،ومقداراتساع الفهم بها، وعليه اعتدنا ان نطلق معنى المثقفين،(الفئة المستنيرة)، على الذين يستطيعون استيعاب المكونات والمعطيات والتعامل معها، من ثم خلق الاستنتاج الفكرى الايجابى، فى معالجة القضايا والاشكاليات. وعلى هذا الفهم ،نجد ان المثقف هوالمستقى والقارئ للمعضلات ،هو ايضا المنتج للحلول والمعالجات، وايضا هو المفسر والشارح لهذا الانتاج ،وايصاله بسلاسة الى المتلقى ،الذى قد يتفاعل ايجابيا او سلبيا.

والقضية تكمن فى الدور الذى سيلعبه هذا المثقف، وهنا لابد لنا التنويه ،الى ان كل مثقف ،لا يعنى انه قادر على استيعاب المشكل وحله، بقدر ما هناك من نسبية بين ما يتم من انتاج فكرى وحجم المعضلات والحقائق على ارض الواقع ، لذا ،لا بدّ من إبراز الوظيفة الاجتماعية / السياسية لهذا الإنتاج، ولا سيّما أن المنتجين ينتمون إلى فئات من المثقفين، يؤدون أدوارا قد يعونها أو لا يعونها لصالح أصناف أو طبقات اجتماعية معيّنة، ويكون حالنا تجاه المثقفين ،باعتبار، انهم واسعى الاطلاع،فاننا نضع الثقةعلى ان الناتج السياسى/ والاجتماعى لابد ان يكون منصفا او على الاقل مرضيا . وفى الحالة العكسية ،فانهم اى المثقفين، اما لضرورات الاخذ بالتجريب(نظري أو مثالي) او بهدف استغلال فرص معينة، او ربما الرضوخ والمجاملة والانسلاخ او نتيجة لوصولهم لتقييمات غير مؤكدة اوغير مدعمة علميا وواقعيا ،قد نجدهم ضلوا السبيل،و هذا ما نجد فيه تسميه المثقف المكابر او التجريبى او التائه او النفعى، والنزق، ومن هنا تاتى خطورة المثقف حين يحاول تبنى مواقف انسلاخية ( يتبراء من ماض او الهروب من واقع او استحسان ثقافة وسلوك الاخر)  والركون نحو الوسطية هو( الوسطية تعنى التنازل او تجاوز هنا وهناك ،بهدف انهاء الوضعية باى ثمن كان). التجريبى  ( اداء دور معين بوعى او بدونه للوصول الى نتيجة غير ناضجة او غير مرضية ،وامساك العصى من الوسط ،للحفاظ على ماء الوجه) النزق (الخفة والاستعجال فى كل امر او فعل).

طبعا ،ان المثقف حين يستخدم منهجا معينا، لا يمت بصلة للموضوع المراد قياسه،بالضرورة سيخرج بنتيجة ،لا صلة لها بالموضوع الاصلى، وبالتالى يخدع نفسه والغير. مثلا حين يتفاكر المثقفون من جهتين مختلفتين ،ووجدوا انفسهم قد توصلوا لحل منطقى (مجازا) ، تجد ان هذا الاستنتاج او هذا الحل غير كاف او مرفوض من قبل الحقيقة الواقعية، ومن الذين خلفهم ،كمجتمعاتهم او فئاتهم. والسبب قد يكونون اتكؤ على منطقية المجاملة والمهادنة، وليس بمرتكزات المصارحة والشفافية والمصداقية ، والاسس السليمة ( اتمنى ان تسود المكاشفة والصراحة مؤتمر الحوار الوطنى المزمع اجراءه قريبا).

وارجو ايضا، فى محاولتى هذه،ان اكون قد اسهمت او وفقت فى  قراءة حال واقعنا ، وحالة ثقاقفتنا المرفوضة والرافضة، ودور المثقفين وتفاعلهم مع قضايانا المصيرية.

————————-

* احد الكتاب المتخصصين يقول: المكونات الثقافة وعناصرها وهي على العموم كما نعرفها اليوم التكوين التربوي للإنسان وهي النشأة وهي البيئة وهي المجتمع وهي أنماط السلوك والعادات وهي المعتقدات الروحية وهي القيم العالية وهي الأساطير والحكايات وهي الأعراف التي استقرت عليها المجتمعات وهي كل ما نسمعه ونراه منذ أن بدأ عقل طفولتنا يعي الأشياء.

* ” الانطوائية القومية ” تعني أنّ الانسان يفضّل طريقة قومه في الحياة، على طرائق الأقوام الأخرى جميعها.

awedgaddi@gmail.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=3260

نشرت بواسطة في مايو 7 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010