مساهمة في اثراء المناقشات في المؤتمر العام لجبهة الإنقاذ الوطني الأرترية

الجزء الثاني:
في الجزء الأول  تناولت الحديث حول اربعة قضايا من مجمل المواضيع الستة التي يمكن ان تطرح نفسها امام المؤتمرين  .
في  الجزء الثاني اختتم مساهمتي المتواضة بطرح وجهة نظري تجاه الموضوعين  المتبقيين .
.خامسا:الدين والمجتمع والدولة:
الارتريون يدينون بالاسلام والمسيحية، ما عدا نسبة قليلة جدا.
فهذا الأاقرار وحده لا يكفي ترجمة الواقع الديني وانعكاساته على سائر مجال الحياة في بلد ما ، ليس لأن بعض الصراعات تأخذ (مثلاَ)  صبغة دينية مع ان الأسباب الحقيقية تعود الى دوافع اجتماعية، او  التداخل احيانا بين الأنتماء الديني والانتماء الاثني واللغوي والأقليمي، ولا يمكن بالطبع، تجاهل هذا الأمر بل هو في غاية الأهمية ونحن بصدد تحديد جوهر  ظاهرة سياسية او اجتماعية تحديدا موضوعيا.
لكنني اود تحديد الأنتماء الديني وكما هو على ارض الواقع.
وبمعنى آخر … يندرج تحت الأسلام او المسيحية مذاهب عديدة.
ويكفر احيانا كل مذهب سائر الأطراف، ولا تتردد بعض المذاهب في التحالف مع اتباع  اديان اخرى لمواجهة مذاهب اخرى تنتمي الى الدين الذي تنتمي اليه كما اتضح  في تحالف بعض الطرق الصوفية المصرية مع الأقباط المسيحيين.
ولازلنا نتابع الصراعات الدموية بين اتباع السنّة والشيعة في العراق وباكستان.
هذه المعطيات تفرض علينا القاء الأضواء على خارطة الواقع الديني في ارتريا.
ولنبدأ بالأسلام في ارتريا.
منذ حوالي الخمسين عاما الماضية كان التفسير الصحيح للأسلام هو اعتبار المذاهب الأربعة ( الحنفية –الشافعية – المالكية والحنبلية) ، هي المراجع الأساسية والوحيدة مع سيادة المذهب المالكي في المناطق الغربية وسيادة المذهبين  الحنفي والشافعي في المناطق الشرقية.
والأنحياز الى الطريقة الصوفية الميرغنية.
وكان ينظر الى اتباع الأمام محمد عبد الوهاب، او كما يطلق عليهم خصومهم “الوهابيون” على انهم خارجون من الإجماع الديني.
وبمعنى اخر كان يشك بإيمانهم بأن الإسلام الصحيح كما يفسره شيوخ المذاهب الأربعة  وشيوخ الطرق الصوفية، وفي مقدتهم السيد علي الميرغني.
لكن سنة الحياة تفرض التغيير والتطوير .. فإرتفاع التعليم والتقدم التكنلوجي  يفتح الأذهان ويقرب المسافات بين البلدان ويفتح المجال امام انتقال الأفكار الى خارج الحدود، اضافة الى الفرص التي اتيحت  امام الشباب لمواصلة  التعليم في المعاهد الدينية في المملكة العربية السعودية والمعاهد  السودانية.
كما اتيح المجال امام اتباع انصار السنة، كما يحب ان يطلق عليهم انصار الأمام  محمد عبد الوهاب/ لدعم المعاهد الدينية في المناطق الغربية في ارتريا ،… كما بدأوا ينشطون في بعض المساجد في اسمرا.
وهكذا بدأنا نعيش حراكاً مذهبيا ذو ملامح جديدة.، واصبح المفهوم القديم في موقف الدفاع.
وعلى الصعيد المسيحي …. الأرثوذكسية ذات جذور تاريخية عميقة في المرتفعات الأرترية…. وكان المذهب  المسيحي الوحيد حتى بداية التدخل الأوروبي في القرن الأفريقي… كانت الإرساليات  او بعثات التبشير للمذهبين، الكاثوليكي والبروتستاني ، الطلائع الأولى  للوجود الأوروبي في ارتريا، اضافة الى مغامرين قلائل يشكلون روادا لبعض المصالح التجارية الأروبية.
وظلت الكنيسة الأرثودكسية قوية حتى الستينات وكانت اهم عوامل نفوذها:
1 – الإرتباط العضوي بالكنيسة الأرثودكسية الأثيوبية، والتحالف القوي مع القصر الأثيوبي
2 – نفوذها القوي في معظم الريف في المرتفعات الأرترية.
وظلت الكاثوليكية قوية في مواقع نفوذهالا سيما في مناطق ” الزنعدقلي: و “البلين”.
كما ظلت البروتستانية محافظة على مواقعها لا سيما فيى منطقة “المنسع” وبعض احياء العاصمة “اسمرا” وضواحيها.
وتنامت قوة الكنيستين، البروتستانية والكاثوليكية،بدعم الكنائس  الشقيقة في اوروبا وامريكا.
لكن رياح التغيير بدأت تتسرب، وبالتدريج، الى حصون الكنائس الثلاث.
وهكذا بدأنا نشاهد تنامي حضور مذهبي جوهوفا او شهود يهوة و ” بنطي”  في صفوف الشباب في بعض المدن الأرترية، كما نلاحظ تنامي اعدادهم في صفوف الشباب في بلدان  المهجر.
وما دمنا بصدد التعرف بخارطة  الواقع الديني في ارتريا، فلابد  من الأشارة الى بعض المسائل الجديرة بالملاحظة:
1 – الكنيسة الأرثوذكسية الرسمية ، ودار الأفتاء، في الجانب الأسلامي، خاضعتان تماما لسيطرة النظام الدكتاتوري.
2-  ليس هناك حائط صيني يحول دون تغلغل مذاهب دينية جديدة الى ارتريا.
لن نستغرب اذا شهدنا طلائع تبشر للمذهب الشيعي. من كان يصدق منذ سنوات قلائل  ان يجد المذهب الجعفري انصاراً له في السودان ويكون “جبل اولياء” في ضواحي  الخرطوم احدى قلاعهم….، ويرسل الشيعة في السودان طلاباَ الى حوزة “قم” في ايران!
وما الذي يمنع النظام الدكتاتوري الذي نجح في خلق علاقات خاصة مع ايران من  اتاحة المجال امام المذهب الجعفري لينشط في صفوف المسلمين الأرتريين لخدمة  اجندته؟
ونشير في هذا الصدد الى حقيقة جديرة بالملاحظة.  اعني بإنتشار المذهب الشيعي في السنغال ونيجريا وغيرها من بلدان غرب افريقيا  عبر التجار اللبنانيين والأمر ليس قاصراً على المذهب الجعفري ….. بل  مذاهب اسلامية غير تقليدية …… او المعروفة في الواقع الأرتري.
ونشير في هذا الصدد ما يحدث في اثيوبيا …. فقد حدثت مؤخراً اضطرابات في اديس  ابابا نتيجة لبدء نشاط مذهب ” الأحباش” الذي انشأه المهاجر الأثيوبي ” عبدالله الهرري” في لبنان منذ سنوات ليست بالقلائل، واصبح له نفوذ ديني  وسياسي.
التحديات التي يمكن ان تواجه المذاهب المسيحية في ارتريا في المستقبل لن تختلف كثيرا عن تلك التحديات التي ستواجه المذاهب الإسلامية ، فالإذاعات  ومحطات التلفزيون ومواقع الأنترنت لمختلف المذاهب  المسيحية في اوروبا وامريكا اصبحت في متناول العديد من الإرترين المسيحيين في المدن الإرترية .. كما ان نشطاء المذاهب الجديدة يكثفون جهودهم في صفوف الشباب  الإرتري في المهجر.
3 –  هناك نشاط سري لأتباع البهائية في  بعض المدن الأرترية، يلجأون الى السرية خوفا من المجتمع اكثر من خوفهم من  النظام الدكتاتوري، وبدأوا نشاطهم منذ سنوات ليست بالقليلة …. ولهم  ارتباط بمراكز البهائيين لاسيما في مصر.
4 – هناك تداخل بين الإنتماءات الدينية والإنتماءات الأثنية واللغوية والإقليمية
5 – هناك تباين شاسع في الأمكانيات والنفوذ بين الكنائس المسيحية الثلاث  ومؤسساتهم من جانب، ودار الإفتاء وسائر المؤسسات الإسلامية من جانب آخر.
هذه  هي الملامح الأساسية للواقع الديني الراهن في ارتريا.
في ظل هذه المعطيات كيف نتوصّل الى  مقاربة موضوعية. وتحديداً كيف تتوصّل  القوى الوطنية الى رؤية مشتركة لمعالجة دور الدين في المجتمع والدولة  الديمقراطية التي تناضل من اجل اقامتها.
الدين لله والوطن للجميع
هذا هوالشعار الذي رفعته البورجوازية المصرية الوليدة في القرن التاسع عشر. وتجلى تجسيد هذا الشعار في اقدام علماء الدين، الإسلامي والمسيحي على تنظيم الإجتماعات الحاشدة في المساجد والكنائس لأستنهاض الجماهير.
كان في مقدمة هؤلاء الإمام محمد عبده، ذلك العالم المجدد الذي  قال: “رأيت في اوروبا اسلاما ولكنني لم اجد مسلمين” ، اعجابا بسيادة القانون في فرنسا الى حد كبير مقارنة بالأوضاع في بلدان الشرق.
لم يكن هذا العالم مجددِاً في المسائل الفقهية.، ….بل كان مجدِداً ايضا في  العمل السياسي. فحينما اصبح عضوا في قيادة احدى احزاب الحركة الوطنية  المصرية وكُلِف بكتابة الدستور أصرّ على التأكيد بأن الحزب ليس له دين  محدد….
لا يعني ذلك بالطبع، انه كشخص اصبح لا دينيا ، فالكل كان يعرف مكانته  الدينية، ولكنه اراد ان يؤكد ان حزبه السياسي حزب وطني يضم المصريين من  مختلف الإنتماءآت ويناضل من اجل تحقيق اهداف وطنية عامة لا يختلف عليه  المسلمون والمسيحيون –
ونحن في ارتريا، احوج ما نكون الى تبني هذا الشعار.
وهذا يعني ضمن ما يعني … اعتراف كل طائفة بوجود وحقوق الطوائف الأخرى.
والإيمان بضرورة التعايش، وضرورة مشاركة الجميع في السلطة والثروة وخلق المناخ  السياسي والإقتصادي والإجتماعي الذي يشعر فيه كافة الإرتريين، بمختلف انتمآءاتهم ، بان هذا الوطن هو وطن الجميع.
ونحن كقوى ديمقراطية ، تتصدى للمعضلات التي تواجه  النضال من اجل اسقاط  الدكتاتورية  واقامة البديل الديمقراطي، مطلوب منا ان نقدم مقاربات واقعية  لتلك المعضلات، وفي مقدمتها مسألة دور الدين في الدولة والمجتمع، في وطن  يتميز بالتعدد الديني واللغوي والإقليمي ….. بإعتبار ذلك شرطا ضروريا  لحشد الطاقات، المادية والمعنوية، لتحقيق الهدف الأساسي.
لا يتسع المجال للمضي قدما في التطرق الى كافة ابعاد هذه المسألة.
لهذا سأقدم خطوطا عريضة للمعالجة الواقعية لمسألة الدين في المرحلة الراهنة التي يمر بها النضال الأرتري – حسب وجهة نظري:
1- التأكيد على حرية المعتقدات الدينية. ويجب ان نؤكد هنا – في هذا الصدد- على رفض موقف النظام الارتري الذي يقسم الأديان، ومختلف المذاهب الدينية،  الى اديان ومذاهب معترف بها، واخرى غير شرعية.
ويعني ذلك ضمن ما يعني ضمان حرية المؤسسات الدينية  تنظيم امورها الداخلية، دون تدخل الدولة.
والذي يعني ، في المقابل ، عدم تدخل المؤسسات الدينية في شئون الدولة. ويعني ذلك ايضاً حرية النشاط الدعوي
التبشير الهادف الى “تديين المجتمع” مادام متمسكاً بإسلوب الحوار وملتزماً بالدستور والقوانين واللوائح. 2- إحترام المقدسات الدينية. وهذا جزء لا يتجزأ من الإيمان بحرية المعتقد، والإقرار بالتعدد الديني في  الدولة الإرترية
3- التأكيد على ضمان المساواة بين الأديان. لا يمكن- في هذا الصدد- تجاهل واقع عدم وجود مساواة في نفوذ ومكانة المؤسسات الدينية
لاشك ان ذلك كان نتاجا طبيعيا لمخططات الإحتلال الأثيوبي، لاسيما استغلال  التناقضات الثانوية في المجتمع الأرتري ….. بيد اننا لايمكن ان نتجاهل  دور دولة الإستقلال في استمرار هذا الواقع.، اذ لم يُتخذ اية اجرءآت جادة  لتحسين الأوضاع .. وهذا الفشل جزأ لا يتجزأ من فشل النظام الحاكم في تبني مشروع وطني يعكس طموحات الجماهير ويعمل من اجل ترسيخ دعائم الوحدة الوطنية .
4- تنظيم الأحوال الشخصية طبقاً للمعتقدات الدينية. وتحديدا ما يتعلق بالزواج والطلاق والميراث، شريطة ان يكون ذلك طبقاً لخيار المواطن .. علينا ان نناضل دوماً لكبح جماح ا لتطرف ، اي طرف كان والعمل من اجل سيادة الواقعية والعقلانية لحشد كافة الطاقات من أجل تحقيق الهدف الرئيسي .
سادساً: العلاقات الخارجية:
يجب ان تعتمد السياسة الخارجية للمنظمات الساسية الإرترية المعارضة على المبادئ التالية:
القرار الوطني الإرتري المستقل.
الدفاع عن المصالح الحيوية للشعب الإرتري .
تعزيز السلام والديمقراطية فى القرن الافريقي .
لاشك ان برامج هذه القوى السياسية تؤكد على هذه المبادئ بطريقة او اخرى.
بيد ان المواقف  السياسية النظرية شيئ والواقع شئ آخر. فالقوى الأقليمية والدولية ليسو ” دراويش” الديمقراطية والسلام، بل يهمها خدمة مصالحها الأساسية.
وبلغة اكثر وضوحا تعتمد سياستها الخارجية على تنفيذ مخططاتها الاستراجية والتكتيكية … وتحدد الأصدقاء والأعداء وفقا لهذا المنطق
اذ ان المسألة اخذ وعطاء.
فماذا تقدم المعارضة الأرترية للقوى الأقليمية والدولية مقابل تلقي الدعم، المادي والمعنوي منها؟
صعب الأجابة على هذا السؤال.
او بتعبير آخر اعطاء اجابة مقنعة. ولكن يمكن الأشارة الى النقاط التالية:
–          وضوح الهدف.
–          التقاء ذلك الهدف مع مخططات القوى الإقليمية والدولية فى منتصف الطريق … على اقل تقدير.
–          وحدة قوى المعارضة.
–          بذل قوى المعارضة جهودا ملموسة للإعتماد على امكانيتها الذاتية.
بإختصار شديد يتطلب دائماً التحلي بالواقعية والمرونة … وليس هناك صداقة  دائمة … او عداوة دائمة ، ولكن المصالح دائمة في عالم السياسة.
عمر محمد احمد – روتردام/  اكتوبر 2012
…………………………………………

………………………………………

مساهمة في اثراء المناقشات في المؤتمر العام لجبهة الإنقاذ الوطني الأرترية » الجزء الأول:

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=26638

نشرت بواسطة في أكتوبر 26 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010