معـركـة تـقـوربـا وحديـث النهايـات!

بقلم/ كـرار هيـابـو (أبو علي)

hiabu1_k@yahoo.com

وْرحِـي  مََقـا ِبيْـت  سُـسَـان ْ  أربَعْـتن  تقــوربـا  عَبـَاي  حَــادي!

 

صورة  لوجوه  بعض من أفراد جيش التحرير …

تقول: (15 مارس يوم جيش التحرير)،،،

هي صورة … وهي لوحة، ثلاثية اللغة،

العربية والتيجرينية .. و.. الانجليزية… رأيت الصورة.. وقرأت التعليق.. ونظرت الى الصورة مجددا… الى الوجوه المتراصة صفا كالبنيان المرصوص.

15 مارس 1964م  يوم  معركة تقوربا …  يوم  جيش التحرير الأرتري….

كانت معركة مثل أي معارك يخوضها المتحاربون وجها لوجه.. ومن خلف الدفاعات، من داخل الخنادق والحفر، ومن فوق البيوت والقلاع.

لكنها كانت استثنائية، وفريدة ، لانها كانت الأولى، وكانت صعبة، مواجهة غير متكافئة في معركة حقيقية بكامل فصولها، من كـر وفـر، تقدم وتراجع، زحف وانبطاح، هجوم وانقضاض واكتساح.

كانت تقوربا أول الأشياء في الحرب، حرب التحرير الأرترية الطويلة، رجال قليلون  ومعهم قليل من العتاد والعدة، وكثير من الإيمان والعزيمة، ايمان بالقضية وعدالتها، وعزيمة على العمل والتضحية والفداء، خاضوا المعركة الشهيرة، معركة تقوربا، استبسلوا بجدارة، وواجهوا العدو المدجج بالسلاح بشجاعة منقطعة النظير، حتى نال من نال منهم شرف الشهادة. من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه فمنهم من قضى نحْبَه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، 

انها معركة تقوربا التاريخية التي خاضها الرعيل الأول من الثورة الأرترية، براعم الثورة حينها. وقد انتصب المقاتلون في وجه العدو وخاضوا المعركة كأولى تجربة وواقعة أولية تسجل باحرف من نور كباكورة عمل عسكري حقيقي بين الثورة والعدو. كان عملا يتطلب خططا  تبدأ من فكرة، فكرة المعركة، والهدف منها، القوة المطلوبة لتنفيذ العملية، وقوة الإسناد، العيادة المصاحبة والفريق الطبي، وقوة الاستخبارات التي ترسل العيون لإختراق مواقع العدو وكشف استعداداته، وجمع  وتقديم المعلومات التي تساعد على تحديد ساعة الصفر.

في تقوربا المكان والزمان، لم يكن هذا كله ممكنا، ولم يكن متوفرا، لكن ذلك لم يعطل العملية، عملية المواجهة ثم الهجوم. كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.

انتهت معركة تقوربا، لكن معارك التحرير لم تنته.

 في ’ ربدة ‘1 تدربنا على الفنون الجميلة، فنون القتال، وتعلمنا اصـول السياسة والتسييس، السياسة التي تنفع الناس، سياسة الإقتصاد، وسياسة الزراعة، وسياسة الحوار، وكتاب (الرفيق)2 الذي تزودنا  به يعلمنا حوار الرفيق للرفيق. كنتُ اتباهى بين زملائي بالرقم المميز لعنواني، وكنت أعيد تكرار القلم على الظرف، فأكتب .. الأولى.. الثانية…الثالثة…الرابعة، سهل الحفظ، حتى أمي التي كانت تجهل العربية تحفظه عن ظهر قلب كحفظها للقرءان وأدعية الصلاة، وكان العنوان للمجموعة الأولى التي انتمي اليها في الجيش، والفصيلة الثانية والسرية الثالثة والكتيبة الرابعة! واللواء….؟ بلاش.. طيب الله ثراه رفيقنا.

 وفي ’ عليت ‘4 تدربنا كيف نعتقل بعضنا البعض، ونملأ السجن، البعض بالداخل، والبعض الآخر خارجه، الذين بالداخل طاقات مجمدة لو خرجت الى العمل لأسهمت في القتال، والذين بالخارج طاقات معطلة هدفها إبقاء الأولى جامدة، مقيدة دون حراك، اذن هو السجن والسجان، السجن الذي لايليق بالمقاتل.

وأول تطبيق للدراسة قمنا بإقصاء الآخر، وإلغائه، أذكر جيدا عندما بدأ مخزون ’العدس‘  وارد  ولدي داويت بالنفاد، قمنا بغزو ’حشنيت‘3 وكان لأهلها رزقا وفيرا وخزائن مليئة بالدراهم والمصوغات. كان لهم أجر معلوم نظير عملهم في التنظيم، وكنا نقول لمن يفكر في الذهاب اليهم ( نـ مشـطا  ز  وردكـم عـداقـا مَعْـدو كـ كنــدي قـزيئـومكـم وَي زوم نقـادو)

n mesheta z weredkum edaga ma’do kekendai geze’omkum wy zom negado

 

 أخرجناهم عن ديارهم بحجة أن الساحة لا تتحمل أكثر من (ربـدة) واحدة، و(عليت) واحدة، و(فورتو) واحد، ثم ألحِقْنا بهم قبل أن نهنأ بذلك الإنفراد في منظر لا يسر عدو. كانت لحظات مختلفة، لأول مرة تتساوى فيها القيادة مع القاعدة، القائد مع الجندي، القدامى مع (التعلمجية). كثير من الرفاق لم يخض في حياته النضالية معركة ولو بالصدفة، لأن مجال عملهم إقتضى ذلك، وكانت أجسادهم مترهلة من شدة الاسترخاء، وربما المعركة الوحيدة لهم كانت تلك التي بدأت يوم 28 آب/ اغسطس5. ومن يدري فلربما سبقونا بالإنسحاب الآمن ونحن في بداية الطريق من عملية الإنسحاب الكبير.

حين وصلنا  الى ’  تكُـلوباب ‘6 في نهاية الرحلة، القيت بآخر متعلقات جيش التحرير، وكانت صورة مصغرة للوحة تضم وجوها من الرفاق كتب عليها: 15 مارس يوم جيش التحرير الأرتري، وأذكر اني وضعتها تحت حجر أحسب انه لم يتحرك حتى الآن، حجر ضخم بحجم الصخرة لا يحركه انس ولا جان! آه … لو تعيدني الأيام الى تلك البقعة، وألتقط  لوحتي.

بعدها أصبحنا من رواد المقاهي المنتشرة في أحياء المدينة… جيب … كــندا  .. واح .. حد يا…. فيأتي النادل لينفذ الطلبات. وكنا نطرب لمغني البوب الأرتري ( نورالدين عبي) وهو يتألق في اغنيته الشهيرة: ( أكـمكـبـتي….لطليت طبطا… حلكا…. حلبا… شوووووخ … شخوووووخ ..).

 

على ذمة التاريخ:

  • التحية والإجلال للرعيل الأول في يومهم ذاك، في معركتهم تلك، وفي خندقهم ذاك.
  • التحية لأولاء الصبايا اللائي حملن هم الوطن وخضن غمار الحرب.
  • التحية لقائد معركة تقوربا المناضل/ محمد علي أبورجيلة وهو يستعيد شريط احداثها، متعه الله بالصحة.

 

 

 

1.     ربـدة:  موقع لهيئة التدريب

  1. الرفيق:  ماركس وأنجلس أو لينين
  2. حشنيت:  معـسكـر مجـاور لفصيـل منـاظـر
  3. عليـت:  موقع للسجن المركزي
  4. 28 آب/أغسطس:  بداية معركة التصفية
  1. تكلوباب:  قرية صغيرة على الجانب الشرقي من سفح جبل مكرام شرقي مدينة كسلا

 

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7544

نشرت بواسطة في مارس 16 2005 في صفحة مواقع تأريخية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010