مفاتيح الحراك الوطني بين مطرقة العلمانية وسندان الوطنية(5)

هل حقاً يجهل البعض الضرورة التي تستدعي إعادة فك وتركيب البناء النظري للحراك الوطني وإضفاء التوازن والتماسك في حساباته الوطنية حتى لا تبنى على أرضية الظن والتخيل  بعيداً عن مستوى المعادلة  لتطبيقاتها ؟! ، أم أن ذلك ما يخشونه كي لا تباد التركيبة التقليدية التي إنتعشت تجارتهم من خلالها ؟!، فإذا كان هذا شأن أرباب المصلحة الذاتية فما بال أرباب التطبيل والصياح خارج إطار هذه المصلحة..؟؟ ، ألا يكفي ما سلطناه من أضواء لإزاحة الظلال التي تخفت أشباح هذه التركيبة من وراءها ردحاً من الزمان ، أم حقاً تريدون لهم إكمال مابدأوه متناسيين ماأصبح عليه حال الشعب الإرتري اليوم جراءهم ..!!؟، وهاأنتم تبيحون لمن يربطهم بكم صلة الأرحام ورباط التكوين القومي والديني الوصول الى السلطة ، لأنكم حينها ستصلون عبرهم ، فكيف إذن تحرمون غيركم من هذا الأمر المباح..؟؟..!! ، متجاوزين بذلك الحقوق السيادية المستحقة لجميع أبناء إرتريا (لمجرد رغبتكم المريضة في تقديمً أبناءكم و قياداتكم على الآخرين ) ، هذه هي الحقيقة التي يتخفى وراءها رفضكم لما سيتحقق عبر ملتقى القوميات، وماذلك إلا لمجرد أنكم لم تشعروا بأن لكم فيه نصيب ، وهذا لعمري جهل بالأمر وأي جهل ، فيا أخوتي الأعزاء الذين لازالوا يدورون خارج هذا السرب الوطني وفي حلقات مفرغة، إن الهدف الذي نرمي له ليس تقطيع المصلحة العامة أو تجزيئ المكاسب المستحقة بصورة تنافسية ينتزع الغالب خلالها نصيب الأسد ، بل هي (نظرية) أو قراءة إرترية لوضع الأسس والقواعد الأخلاقية التي تنظم الحراك الوطني بمجمله (قبل وبعد تأسيس الدولة القادمة) بماسيمنح المواطن الإرتري حقوقه السيادية المنتزعة منه (عبر النظرية السياسية الغربية وعبر الواقع التطبيقي (الإجرائي) لمؤسساتها (التقليدية) العلمانية) ، أما من يتخوف من فكرة تقرير المصير فإنما هو بذلك يعبر عن جهله لمكانيكية الأداء المنشود من هذه الخطوة التي ستمنح كل وعاء وطني (قومي ودين) قوة التجمع والتماسك والتئآلف فيما بينهم كوحدة عضوية تشعر بقبول المجتمع لها ووجود مكانة سيادية مخصصة لمكونها كباقي المكونات الأخرى، وهو إشعار تنظيمي بوجود إعتراف عام على أرض الواقع بأهمية هذا المكون (القومي والديني) وبحساسية حقوقه التنظيمية التي ينبغي أن تُحفَظ وتُصَان من قبل الدولة ، وبذلك يعمل الجميع إنطلاقاً من موقعه الجغرافي والديمغرافي والثقافي لتأسيس عمل وطني موحد يُتَوَّج بمؤسسات الدولة وقوانينها الحاكمة (بالعدل والإنصاف) وذلك من خلال آليات تنظيمية تعمل على أرض الواقع وليس كشعارات تتردد على أرض الواجهات الإعلامية الدعائية، هذا بالإضافة الى أنه لا يخفى على أحد أن شعار المرحلة اليوم ومواصفات البناء (الوطني) الحالي أصبحت لا تتطابق مع متغيرات وثوابت التحول الديمقراطي المنشود ومن الطبيعي إذن أن نعكس أمامكم حقيقة أنها لن تقوى على الصمود أمام رياح التغيير القادم ، وذلك حسب ماأوضحناه من قبل وبصورة مفصلة عبر الحلقات السابقة ، ولا يمنعنا ذلك أن نؤكد أنَّ من حاول إعتراض سير هذا التحليل يجهل أن سهامه المسمومة هذه لن تصيب سوى روح التغيير والإنتفاضة الحقيقية التي طالما إنتظرها الشعب الإرتري ، إذ أن تعليقاتهم تجبرنا أحياناً للكشف عن تفاصيل لم يحن الوقت بعد للإعلان عنها وفق الترتيب المفترض الإلتزام به حيث يُخشَى أن تتأثر بها خطوات قادمات كان من المزمع إكتمال نضجها على نار هادئة وتخطيط عميق، كما أنه والحق يقال أننا صَعُب علينا رؤية الحادبين على مصلحة الوطن يتخبطون بعيداً عن الهدف السامي الذي يرمي إليه ملتقى القوميات، صحيح أن الحكمة تقتضي الكتمان حتى توضع الأمور في نصابها وتبلغ الإستعدادات مرحلة تنفيذها ، لكن ماباليد حيلة وقد تطاول المعترضون واستفذوا فينا روح الشرف والإباء وهو مالا نستطيع الصبر على وخزاته والصمت ضيماً دون أن نرد عليهم ، وهذا هو دأب أبناء الساهو وديدنهم في التصدي لمن يتجاوز حده ، ومن ثم سيسعدنا كثيراً أن نرى الحادبين على مصلحة الوطن وقد أدركوا أن ملتقى القوميات الإرترية هو ليس كما يُردد ظناً وافتراءاً على لسان المغرضون ، ذلك لأن هذا الملتقى إن كتب له أن يدير العمل النضالي القادم سيرسم ملامح جديدة للخريطة الوطنية التي تشوهت اليوم بفعل إنعكاسات الأزمة القديمة المفتعلة من قبل المتصارعين حول تقاسم حقوق ومكاسب المجتمع الإرتري المستحقة (السيادية) ، هذا بالإضافة الى أن الواقع الجماهيري يبصم (بأصابعه العشرة) أنه لا وجود لأزمة بين مكونات المجتمع الإرتري ،ذلك أن الأزمة محصورة داخل دائرة من يؤمن بالثقافة الأجنبية (الدخيلة على العرف والمكون الإرتري الأصيل (القومي والديني))، ومتى ماتمكنا من إبعاد هذه الثقافة من منصة التوجيه ستفقد الأزمة مركز إدارتها وموضوع حراكها ، وستتحول من ثم الى مجرد إرث غربي يوضع على رفوف المكتبات لا علاقة له بمستقبل إرتريا، وهو الأمر الذي سيعيد المؤمنين به الى واقعهم الإرتري وسيساهم في منعهم من التبجح بصلاحيات هذا الفكر الغربي كموجه لحراكنا الوطني ،ذلك بالتأكيد ماسيحدث متى ماأدركوا أن الفكر الإرتري قادر على ملئ فراغه السياسي والثقافي والإجتماعي والإقتصادي بدون اللجؤ الى التسول أو الشعور بالنقص أمام المجتمعات المستلبة فكرياً (عبر هذا التوجه الحضاري (القمعي))، الذي وجدت الشعوب الغربية نفسها مزعنة لموجهاته بوحي وتأثير مباشر من مثقفيها وعلمائها وقياداتها المتعلمة، ذلك لأن الكنيسة الغربية التي سجلت تجاوزات خارج حدود صلاحياتها الدينية وباشرت صلاحيات سياسية قامعة لهؤلاء العلماء ومانعة إياهم عن السير في طريق التقدم العلمي المُدَعَّم بإختراعات أزهلت هؤلاء القساوسة الجهلة بعلوم الطبيعة والفيزياء والكيمياء والفلك …الخ ، هي التي تسببت في وجود هذا الفراغ التنظيمي (الأخلاقي)، ومن ثم عندما إمتلكت هذه النخبة (المتعلمة) مقود القيادة باشرت مهامها السياسية بوضعها لنظريات إنتقامية لاتمت الى العقل والمنطق بصلة ولا تعبر بحق عن التطبيقات العلمية المتطورة المواكبة لسنن الطبيعة وقوانينها التي إختبروا صحتها ومطابقتها مع الواقع الإجتماعي ،ذلك أنهم إعتقدوا أن الإعتراف بهذا الترابط بين سنن الله في الكون ووسنن الله في الحياة الإنسانية سيمنح أعدائهم (القساوسة) مساحة جديدة لممارسة أدوار وصلاحيات موازية لأدوارهم وصلاحياتهم السياسية ، وهو الأمر الذي يرفضونه البتة نتيجة تجربتهم السابقة المميتة التي مروا بها وأودت بحياة علماء أفذاذ منهم ، ومن ثم جاءت نظرياتهم (تقليدية) لا تعبر عن روح التطبيقات العلمية للمفهوم الديمقراطي ، ومن ثم نراها وبوضوح لا تسعى لترجمة مبادئها على الواقع الإجتماعي ترجمة تضر بمصالح هذه المعادلة،  ولهذا ركزوا على الجانب الشكلي لأنهم أرادوا من خلالها ممارسة روح التشفي والإنتصار على النظريات الأخلاقية التي كانت تدعو لها الكنيسة، وهكذا تحول العلماء الى مجرد سماسرة لبيع أرضية صلاحيات جديدة للنخبة السياسية تجعلهم ( دائماً في القمة) زعماء مجتمعاتهم وسادتها وحملة مشعل الديمقراطية الحديثة الباعثة لروح الديكتاتورية ولكن بصورة مقنعة بالإختراعات العلمية ، المكملة لمهام وخدمة أغراض التمويه والخداع السياسي كهدف رئيسي لتلك النخبة الغربية، وذلك مايفسر سر الخضوع الغريب الذي بلغته تلك المجتمعات والإستسلام العام لكل مايصدر عن السلطة السياسية، لأن علماءها وعباقرتها إشتركوا في هذه اللعبة الخبيثة ، التي أقعدت العقل الغربي ومنعته من التفكير في التخلص من هذا الإضطهاد المنظم والمستخدم لأساليب علمية متقنة بل ومزهلة تدعم القمع والترهيب بأحدث وسائل الإقناع التكنلوجي الحديث،  ومن ينظر الى تصريحنا هذا بعين التعجب والإستغراب يجدر به النظر الى سجون أمريكا وغيرها من الدول الغربية المتطورة (أو المقلدة لها) ليكتشف حجم الخطة المحكمة التي نفذت ضد تلك المجتمعات لجعلها كالدابة البلهاء لا تفكر سوى في المتعة واللهو وممارسة الجنس لقتل شعورها بالكرامة وإحساسها بالمعاناة والأسى العميق الذي تعاني منه (نتيجةً لإنفصال روح القيم الأخلاقية عن قلب السلوك الإجتماع والسياسي، وعزل روح السيادة عن جسد الحرامة ، وروح السلطة علن مكونات المجتمع الإنساني) ، ومن ثم أصبح المواطن الغربي لايملك من أدوات التعبير سوى السير في طوابير للتنفيس عن رفضه وغضبه عبر تظاهرة سلمية أمام جدران المؤسسات المعنية ثم ينتهي (بقراءة أوراق إحتجاجية) العرس الديمقراطي حسب مواصفات الدستور الغربي، ليتفرق من ثم الجمع بصورة منظمة حيث يردد البعض لحن كأنك يازيد ما غزيت، والبعض الآخر لضعف حيلته يتوهم أنه أصاب الحكومة في مقتل ثم يكتشف العكس بعد مضي الوقت الذي توقع أن يحدث التغيير خلاله ، ثم بعد كل ذلك يتبجح المؤمنون بديمقراطية المجتمع الغربي ليس لشئ ( إلا لوجود مؤسسات  شكلية (خيرية وربحية وحكومية) ، تدافع عن اللاجئ والمظلوم بتوكيل محامي وإتباع إجراءات صورية ) لإخفاء واقع الظلم المتفشي ، والتي ظهرت آثاره في في إرتفاع نسبة الإنتحارات ومدمني الخمر والمخدرات وعمليات الإجرام والدعارة كمصدر إقتصادي يدعمه القانون ، فكيف نرضى من ثم أن نجعل من مجرد غياب هذه المؤسسات (الشكلية) عن واقعنا الإرتري مدعاة لتبنيها أو لتجاهل هذا الظلم المؤسسي الواقع على المجتمعات الغربية بل والإنسانية على وجه العموم ، وتلك هي رسالتنا الإنسانية كأمة إرتريةعلى وجه العموم وأمة الساهوعلى وجه الخصوص لوعينا بمفاصل هذا الخلل التنظيمي الخطير في البناء الإجتماعي، ليس في إفريقيا ودول العالم الثالث وحسب بل على مستوى العالم أجمع ، ومن ثم لا يروق لنا أن ننسى أو نتجاهل ترسيخ الواقع الأخلاقي للنظرية الديمقراطية على أرضنا الإرترية ، كواقع بات يحلم به المجتمع الإنساني برمته الذي خُدِعَ من قبل بديمقراطية صنعت لقمعهم وليس لتحريرهم ، بسبب أنَّ آلياتها التنظيمية تم تحريف مسارها لصالح النخبة التي إنتزعت كل المكاسب ولم تترك لشعبها غير مساحة التمتع بالترف الإقتصادي كأي دابة لا تريد من وجودها سوى ملئ البطون والنوم في سكون واللهو والمجون ، نعم..الى هذا الحد باتت الديمقراطية المزيفة تقمع المجتمع وتصرفه عن مهامة السيادية الى مهام أخرى (إنصرافية) لمنع العقل البشري كي لا يستطيع إختراع وسائل أنجع من هذه وأنفع ، هذا ماننبه إليه نخبتنا المتعلمة كي لا تحزو حزو النخب المتعلمة الغربية ،وكي تتدخل لصالح المجتمع الإرتري (بمكوناته القومية والدينية) وليس لصالح الأضاد (المكونات الغربية) ، لأن وعي نخبتنا المثقفة بهذه اللعبة الذكية سيحمي حراكنا الوطني من الوقوع مجدداً في الشباك التي فيها المجتمعات الأخرى(الغربية والمقلدة لها) بعد إسقاط النظام الحالي .

نتوقف هنا عند هذا القدر لنكمل مابدأناه في الحلقة السابقة من ذكر لمواقف  بطولية صنعت التأريخ الإرتري المسلم وجعلت من ينتمون لها (قومية الساهو) فخراًلأمتهم الإرترية (إلا من أبى) وهي سلسلة أحداث سنسردها تباعاً حسب ما تسمح به مساحة كل حلقة من الحلقات القادمات ، أما الآن فإلى ألق البطولة وجسارة الرجولة التي تميز بها رجال الساهو في كل المراحل السابقة، التي حاول الأعداء أن يطمسوا بريقها وينشروا على أنقاضها دعايتهم الزائفة لأبطال من ورق، والله متمٌ نور الحقيقة ولو كره الكافرون .

    في أواخر عام 1945م جاء خمسة أفراد من شفتا تقراي بقيادة ودي قايم الى منطقة عوبالي بإقليم سراي على ضفاف نهر مرب ، حيث كان بحوزة القائد ورفيقه سلاح ناري أما الثلاثة البقية لم تحمل سوى العصي ، وبينما كانت مجموعة كبيرة من رعاة البقر من قومية التقري تسقي حيواناتها ظهر الخمسة وأشاروا لأحد الرعاة لكي يأتي إليهم ولما فعل قالوا له متحججين أنهم فقدوا بالأمس فأساً في هذه المنطقة وأشاروا على أحد الرعاة من بعيد على أنه هو الفاعل وعليه أن يردوا إليهم الفأس وإلا نزعوا منهم الأبقار مقابله ، وبينما كانوا يهددون الراعي وهموا بتنفيذ عملية السرقة تحرك من وراء الأشجار أحد أبناء الساهو المغاوير يدعى عمر موسى والذي كان مشهوراً بقوة وبراعة التصويب والتنشين من المسافات البعيدة ، حيث لم يره أحد من الرعاة أو اللصوص ، لذا إقترب من الخلف وهو لايزال بعيداً بين الأشجار سدد رصاصته في جبهته (بين عينيه) ليردي قائد الشفتة قتيلاً وعلى الفور ، ومن هول المفاجأة فر الجميع (الرعاة واللصوص) بينما خرج عمر صائحاً : أنا الذي قتلته وليس غيري (ليبعد التهمة بذلك عن هؤلاء الرعاة المساكين)، وماأن شاهده الأربعة وهم يبتعدون مهرولين حتى سقطت من يد مرافق قائد المجموعة فردة السلاح التي كانت بحوزته وذلك رغماً عنه بعد ما روعته حقيقة أن الرامي هو من الساهو ،نظر عمر بحذر الى الساحة الخالية ثم حمل السلاحين وقبل المغادرة رجع الرعاة لتقديم مراسيم الشكر والإمتنان لما أقدم عليه من موقف شجاع لن ينسوه ابدا، ومنذ ذلك الحين لم يعد هؤلاء الرعاة الى هذه المنطقة مرة أخرى ، بينما إنتشر خبر الحادثة التي لقن فيها عمر خمسة من عناصر الشفتة القادمين من تقراي .

         وفي مطلع عام 1946م عاد النفر (الأربعة) الذين فروا من أمام عمر ناصر ولكن هذه المرة الى منطقة ماي لام على ضفاف نهر مرب وبصحبتهم عدد يفوق العشرين مسلح بقيادة شخص يدعى كفلي كداني ، وعلي الفور قاموا بدون تقديم أي حجج بنهب أبقار الرعاة الذين تصادف وجودهم تلك اللحظة عند مرورالشفتة بالمنطقة حيث كان الرعاة كعادة إخوانا التقري عزل من السلاح ، وبعد إستيلاءهم ماكان في حوزة الرعاة من بقر قالوا لهم: أرونا كيف سيتمكن الساهو من إنتزاع هذه الغنائم من بين أيدينا كما فعلوا سابقاً (في إشارة الى مافعله عمر ناصر ) ، وفي طريق العودة الى ديارهم مرَّ الشفتة بمنطقة إصبي وعلى مشارفها كان هناك لقاء هام يجمع إبراهيم رجب وجماعته المسلحة وعمر آدم ومجموعته في أعلى مرتفعات المنطقة ، والغريب أن موضوع اللقاء هو التخطيط للقضاء على مجموعات الشفتة المسيحيين ( من إرتريا و تقراي ) بعد ما علموا بوجود تحالف بينهم ليقوموا بنهب أموال وممتلكات المسلمين (بغض النظر عن مكونهم القومي)، وبينما هم يرسمون أهداف محددة لذلك سمعوا صوت أقدام إستطاعوا تحديدها بخبرتهم أنها قطيع أبقار قادمة، ومن ثم تأهبوا لمعرفة أصحابها وتمنوا أن يكونوا من الشفتة المسيحيين ، وبعد مرور القافلة تحت موضعهم شعروا بالنشوة والإنتصار الساحق على هؤلاء اللصوص بعد وقوعهم في المصيدة ، سرعان ماإنتشرت المجموعتين وبدأت المعركة قبل الفجر بساعتين وإستمرت حتى الساعة العاشرة صباحاً ، حيث نجحت خطة إنتشار مجموعة عمر آدم (من العساورتا (أروسأبوسا)) ومجموعة إبراهيم رجب (من الطروعا(بيت موسي))، في تطويق الأحباش من جميع الجهات كعنصر حاسم للمعركة رغم طولها ، الأمر الذي أدى الى إنسحابهم وعدم قدرتهم على الصمود أمام ضربات الساهو المتقنة ، وبالفعل إستولى عمر آدم وإبراهيم رجب على الغنائم وعادوا بها كتتويج للنصر الذي تحقق ، لكن الخبر عندما إنتشر دفع الرعاة (أصحاب البقر) للمجئ على وجه السرعة لإستلام أبقارهم لأن الساهو كعادتهم لا يستولوا على أموال المسلمين، لكنهم فوجئوا برد القائدين القاسي موضحين لهم أن البقر ملك لمن يرعاها ويحميها ، وعلى الفور توجه الرعاة بعد هذه الصدمة غير المتوقعة الى وجهاء الساهو شاكين منهم ماحدث ، وتدخل نتيجة هذه الشكوى كل من (عثمان عافا ، ومحمد على أبوبكر ، وعثمان ناصر ، وشفا عبدالله، وسايمان سرمعي) مذكرين إبراهيم رجب وعمر آدم أن  مال المسلم على المسلم حرام ، فإذا أردتم الغنيمة فاسلبوها من الأعداء الذين يقطعون الحدود ويعتدون على أموال المسلمين ، فتأثر القائدين بذلك أيما تأثر بهذا القول وقبلا هذه الوساطة وأعادا على الفور الأبقار لأصحابها ،وفي هذه الحادثة غنى سكان الضفاف الأبرياء من المسيحيين على الجانبين أناشيد في مواسم الحصاد مستذكرين البطولة والنخوة النادرة التي جسدها الساهو بحماية أموال الغير (بالتجرينية) :

أبراهيم ودي رجب  .. أبراهيم ودي رجب

قوايتا قاندي (أبوعشرة)  ..    قوايتا مرب 

بينما غنوا على قائد مجموعة شفتة تقراي المنهزمة قائلين :

كفلاي كفلاي  …أي تبلو أنتم هقر

كفلاي تريفو إيو  …  بزي قم نقر

    في مطلع أو قريب المنتصف من عام 1947م كان سكان ضفاف نهر مرب ستيت من مسيحيي سراي ، يسقون أبقارهم على خور روبا سمومو ويشربون من البئر الكبيرة التي قام بحفرها الطليان ، إقتربت مجموعة من أبناء الساهو يتراوح عددها الـ(23) شخص تقريباً خليط من الشباب وكبار السن ذاهبون الى إحدى القرى القريبة من هذه المنطقة لجلب العروسة حسب عاداتهم المألوفة مرددين الأناشيد والأغاني المتعارف عليها في هذه المناسبة قبل أن يتمكن العريس من الدخول على زوجته ، حيث قطعوا مسافة يوم ونصف اليوم حتى بلغوا هذا المكان وهم منشغلون بتلك المراسيم ، ولشدة حاجتهم لماء الشرب والإغتسال تدافعوا عندما إقتربوا من البئر الكبيرة راجين أن يأخذوا الدلو من المسيحيين لجلب الماء ، وهنا تفاجئوا برفض سكان هذه المنطقة التعاون تكريماً لعابري السبيل حسب ثقافة أبناء الساهو لأنهم ضيوفها ، الأمر الذي أثار الحفيظة ودفع فرد من الساهو لأخذ عصاه وتسديد ضربة عاجلة للمسيحي الذي تجرأ بهذا الأسلوب ، وفي الحال سالت دماءه وإعتلى صوته وتردد في أرجاء القرية التي إلتفت بهؤلاء الأغراب وكادت الدماء التي غلت في الطرفين أن يتولد عنها معركة حامية غير محسوبة العواقب ، إلا أن كبار السن من الجانبين إمتصوا الموقف وقالوا للساهو حسب عاداتكم هناك دية مقابل الدم سنطالب بها وسألوا من يضمنهم حتى يدفعوا الدية ، تقدم أحدالمسيحيين  قائلاً: أنا سأضمنه،  وبهذا أُقتلعت الأزمة من جزورها ، بعد أن قبل كبار الساهو هذا الأمر ومعه عدم الشرب من البئر المخصصة للمسيحيين وليس المسلمين ،وإكتفوا بالشرب والوضوء من الخور(سمومو) ، وهكذا أكملت المسيرة طريقها ذهاباً نحو العروس وإياباًً منها عابري عبر نفس الخور وبدون أن يخرقوا الإتفاق إحتراماً لكلمة كبار السن من الساهو ، وعندما وصلوا قريتهم إستقبلتهم الوفود بالترحيب والأغاني الحماسية حسب العادة المتبعة ، ومن وسط الحضور تسلل ثلاثة من العائدين بالعروسة خارج الدائرة وإبتعدوا من القرية وفي عيونهم شرر يتطاير ،إجتمعوا بعد ما قرروا أخذ أكبر كمية من القنابل والرصاص بسرعة ويلتقوا في مكان خارج القرية ، وبالفعل إلتئم شملهم مجدداً وتوجهوا الى القرية التي إنتهكت قبل يومين كرامتهم جميعا ، قاصدين ترويعها وقتل أكبر عدد ممكن منها كرد يشفي صدورهم ويعيد لهم التوازن الذي إختل منهم ، ولما بلغوا مضارب القرية لم يجدوا أحد بل سمعوا أن اليوم هو عيد (الطمقت) ، تسللوا الى داخل القرية فلم يجدوا أحداً وعلموا أن الجميع يحتفل بهذه المناسبة داخل الكنيسة الكبيرة التي بالقرية ، وبعد سيرهم بإتجاهها وصلوا قرب جدرانها ، بدأوا وبشكل منظم توزيع المهام إثنين يقوموا بتفريغ القنابل ورميها داخل الكنيسة والثالث يرمي بالرصاص من يحاول الخروج من الكنيسة ، وهكذا حصدوا أعداد كبيرة بين قتيل وجريح ثم بعد إفراغ زخائرهم توجهوا الى وجهة تضليلية حتى لا يعرف المسيحيين أنهم من سكان القرية التي جاءت بالأمس لشرب الماء ومُنِعوا، حيث إختاروا السير الى أودية تقراي ، ولما تقفى المسيحيين آثارهم علموا أنهم جاءوا من تقراي ، ومنذ تلك اللحظة عقد هؤلاء النية للإنتقام من الساهو إذا ما إلتقوا بهم مرة أخرى ، حيث مات منهم مايراوح الثلاثة عشر أو يزيد وجرح مايزيد عن الثلاثين شخص أُخِذوا لمعالجتهم بمستشفى منفرا ، وبعد إنتشار الخبر في ربوع المسيحيين على جانبي الضفاف (إرتريا وتقراي) ، توحدت نظرة المسيحيين على الجانبين حول أبناء الساهو وزادت حدة عدائهم بهم …. الحلقة القادمة سنذكر مادار في خور (روبا محقن) وكيف أن الساهو ردوا الهزيمة بأضعافها حرقاً لقريتين وتوابعها عن بكرة أبيها (مراعين الجانب الإنساني بخصوص الضعفاء) ، ومن ثم ندعو كل من لديه معلومات إضافية فيما يخص تأريخ الساهو وجهادهم ضد المسيحيين (قبل الثورة وبعدها) بغض النظر عن التسلسل الزمني فليرسلها لنا مع فائق الشكر والإمتنان .

 

أبو نضال (علي أحمد)

Abu.nedal@live.com

 

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=5689

نشرت بواسطة في يوليو 30 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010