مفاوضات سرية مع نظام أفورقي

بقلم: علي سليمان بخيت

بين يديّ وثيقة صادرة عن المؤتمر الإسلامي الإرتري (حسن سلمان) تحت عنوان “ورقة في الحوار” تحمل تاريخ 1/6/2010م ، أرسلها لي مشكورا الأخ محمد صالح إبراهيم طالبا مني إبداء رأيي فيها ، وذلك بعد أن كاتبته وناقشته علي التعليق والتشخيص الذي كتبه بعنوان “صمنا طويلا وافطرنا علي بصلة” عن وثيقة سرية للمؤتمر الإسلامي تحمل نفس العنوان أعلاه وتتحدث عن منطلقات سعي المؤتمر الإسلامي للتحالف مع حزب الشعب ( قبل انشقاق الأخير)، أسفر عن بيان تفاهمات في العام الماضي ثم عن محضر تأسيس جبهة ثلاثية وتكوين لجان عمل مشتركة لها ، وتضم الجبهة بجانب المؤتمر الإسلامي وحزب الشعب المجموعة المنشقة عن جبهة الإنقاذ ، وتم التأسيس في أديس أبابا مباشرة بعد اختتام ملتقي الحوار الوطني  للتغيير الديمقراطي في أغسطس الماضي الذي حضره المؤتمر الإسلامي ورفضه حزب الشعب وأدان نتائجه كما هو معلوم.

الوثيقة التي بين يديّ تتحدث عن حوار وتسوية مع نظام أسياس أفورقي . وتبدأ الوثيقة بمقدمة نظرية عامة لمعني “الحوار كقيمة إنسانية”، والتي قد قد لا يختلف حولها معارض لأنها مجرد قراءات قلّ ما يخلوا عنها كتاب يتحدث عن السلام . ثم تمضي الوثيقة وتتحدث باقتضاب عن عشرة مواضيع أسمتها ” التعاطي مع القضايا الوطنية الكبرى” وحددتها في: الدين والدولة، الهوية والثقافة ، الدستور، التعددية السياسية ، نظام الحكم ، الحقوق والحريات ، الحوار الوطني ، التعايش الوطني ، اللغة ، الجيش والأمن.

وإن المواضيع اعلاه التي لامستها الوثيقة – بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا علي تفاصيلها – تعتبر من ضمن هموم وقضايا المعارضة عامة والمسلمون منهم بصفة خاصة ، وكأفكار أولية تعتبر بداية جيدة ولا غبار عليها ويمكن طرحها وتداولها ومناقشتها وتطويرها بصفة جماعية بعد اضافة ما ينقصها مثل قضايا الملكية والارض ، والتنمية …الخ .

وتنتهي الوثيقة بخلاصة – علي شكل نقاط – تحدد فيها “معطيات نجاح الحوار” مع النظام ، وهنا استوقفتني نقطتين من ضمن الخلاصة تنسفان – حسب اعتقادي – كل ما ورد في الوثيقة ، وتلقيان بظلال من الشك والريبة علي اهداف ودواعي كتابة الوثيقة والعقلية السياسية من ورائها.

1) تقول النقطة الأولي نصا :

موقف النظام من القضايا الوطنية التي سبق ذكرها ومقدار تعديل سلوكه إزائها ولو بشكل متدرج وصولاً إلى الكمال في نهاية الأمر فإن نقص التمام لا يمنع التعامل مع واقع الحال بحكمة تقتضيها طبيعة التحولات في النظم السياسية والكيانات المجتمعية.

بعد قراءة هذه الفقرة تبادرت إلى ذهني عدة أسئلة ولكن السؤال الأساسي هو:

هل النظام القائم في إرتريا هو نظام شرعي وتعمل المعارضة لكي تأخذ حصتها فيه ، أم هو نظام لا شرعية له وبالتالي يجب إزالته وتبديله بنظام شرعي يمثل الشعب الإرتري؟

الفقرة أعلاه تقول انه نظام شرعي لكن ينقصه التمام والكمال فقط وتبحث عن حصة لها فيه وتحسين سلوكه ولو بشكل متدرج ، وهذا هو مصدر دهشتي ومناقشتي للورقة في هذه المقالة.

أي حكمة هي هذه التي تقتضيها طبيعة التحولات السياسية التي يصنعها افورقي؟ وما هي طبيعة التحولات السياسية المنتظرة التي سوف تفرزها تجربة الهقدف؟  وما هي طبيعة التحولات المجتمعية المنتظرة بعد الهندسة الاجتماعية التي يفرضها النظام قسرا بالحديد والنار؟ أليست هي تحولات ديمغرافية وثقافية في طريق باتجاه واحد يصعب عكسها كلما طال انتظارنا لما يبشر به المؤتمر الإسلامي في ” نهاية الأمر” ؟ ماذا يعني القول “فإن نقص التمام لا يمنع التعامل مع واقع الحال”؟  هل يعني هذا أن المؤتمر الإسلامي  يقبل بواقع حال نظام افورقي بوصفه شرعيا ينقصه الكمال ويتعامل معه بمجرد تقديم الأخير وعودا بالنظر إلى إصلاحات تجاه بعض القضايا المذكورة أعلاه ولو بشكل متدرج ؟ ومتي هو نهاية الأمر الموعود؟ عشرة أعوام ؟ عشرون ؟ خمسون ؟ مئة ؟ ألف؟ بعد هلاك اسياس وانقراض أجيال متتالية؟  هل الكمال في نهاية الأمر يمكن أن يتحقق في واقع سلب الأرض الممنهج الذي نشهده وتسريع الاستيطان وتغيير المعالم الديمغرافية والثقافية التي أصبحت حديث العالم وصحافته؟ هناك عشرات الأسئلة التي يمكن طرحها اكتفي منها بهذا القدر ولكن بعد هذا السؤال الأخير: هل إن نقص التمام الذي لا يمنع التعامل مع واقع الحال يعني إن المؤتمر الإسلامي قد شذ عما تقوله المعارضة كافة بضرورة إسقاط النظام واستبداله بنظام ديمقراطي تعددي؟  أأمل أن لا يكون قد فعل ذلك .

وهناك نقطة  بين نقاط خلاصة الوثيقة التي نناقشها تتحدث عن ضمانات ورعاية ومراقبة وتقول حرفا: وجود  جهات ضامنة لنجاح الحوار تعمل على رعايته ابتداءً وعلى مراقبته ومتابعته إنتهاءً .

وأقول من قبيل التذكير في هذا الصدد :

بعد التحرير دخل ما كان يعرف بالتنظيم الموحد إلى أسمرة بوساطة ووعود وضمانات سودانية وسعودية ، وقبل التحرير كان قد فعلها تنظيم ساقم بقيادة إبراهيم توتيل ، فهل تحققت تلك الوعود التي قُطعت لهم؟ وهل نفعتهم تلك الضمانات مع اسياس؟ وهل نري اليوم لهؤلاء الذين قالوا حينها إن نقص التمام لا يمنع التعامل مع واقع الحال أثرا في التحولات السياسية والمجتمعية التي تجري اليوم في إرتريا؟  وهل عُرف عن افورقي يوما احترام العهود والمواثيق؟ أين هي تلك العهود والمواثيق والوعود بالحرية والديمقراطية التي قطعها افورقي علي نفسه للشعب الإرتري قبل التحرير؟ أين هي تلك العهود والمواثيق التي كُتبت بالدم والنضال المشترك بين شعبية افورقي وشعبية الوياني ورعتها وضمنتها أمريكا وبريطانيا في كل من لندن واطلنطا؟ وقبل هذا وذاك الم تضمن الأمم المتحدة الفيدرالية بين إرتريا وإثيوبيا؟ فماذا فعلت الأمم المتحدة (الضامن ألأممي) وأمريكا (صاحبة اقتراح الفيدرالية) وروسيا (التي تشدقت بالعدالة الدولية ووقوفها مع المظلومين والمضطهدين) وبريطانيا (صاحبة الوصاية علي إرتريا بعد الحرب العالمية الثانية) وفرنسا (بقواعدها ومصالحها في جبوتي المجاورة) حين مزق الإمبراطور هيلي سلاسي الدستور الذي كتبه المستر انزو ماتنزو برعاية مجلس الأمن الدولي وقام قتلا وتشريدا لشعبكم المسكين الذي راهن علي ضمانات الأمم المتحدة؟

يا سادة، يا سيدات، يا شباب، يا سياسيين، يا مشايخ : الضامن الوحيد لأي وفاق أو اتفاق – فوري كان أو متدرج – هو الشعب صاحب المصلحة في التغيير أولا وثانيا وأخيرا. الضامن الوحيد هو الشعب الذي يرفض الهزيمة والفناء ويحمل البندقية في يد وغصن الزيتون في اليد الأخرى ،  دعونا من الرهان علي جهات خارجية ضامنة ، والضمانات أصلا مرتبطة بمصالح ومكاسب الوسيط الضامن  لدفع ضرر واقع عليه أو جلب منفعة منتظرة ، فأين انتم من هذا؟ ومن هو هذا الذي يقدم لكم الضمانات لوجه الله؟

والوساطة لها شروط ، ومنها:

  • أن يكون الوسيط الضامن علي نفس المسافة (صاحب علاقة وثيقة بالإطراف) من الطرفين المتنازعين
  • أن ترتبط بعض مصالحه المباشرة أو غير المباشرة بمصالحة الفرقاء وضمان تنفيذ الاتفاق
  • أن يخشى من ضرر يصيبه نتيجة استمرار الصراع أو ينتظر مصلحة بعد زوال الصراع
  • أن يمتلك وسائل ضغط أو نفوذ ما علي الفرقاء ، بمعني أن يكون قادرا علي جلب مصلحة لهم في حالة قبول وساطته أو إيقاع ضررا بهم في حالة رفضهم .

الضمانات والمتابعة والمراقبة لأي اتفاق بين دولة ودولة هو أمر صعب للغاية ولكنه ممكن لو توفرت الإرادة والمصلحة للضامن ، أما في حالة الاتفاقات الداخلية فهو مستحيل لأنه يتعلق برغبة الأطراف وتقيدها به طوعا ، كما يتعلق بحجج سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية من أي جهة خارجية ، والمصالح المتناقضة للمجتمع وصراع السلطة والثروة فيه وغيرها من القضايا المعقدة التي تجعل الضمانات الخارجية وهم لا يُراهن عليه عاقل .

2) أما النقطة الثانية التي استوقفني في خلاصة الورقة تقول نصا :

وبعد قراءة موقف النظام من القضايا السابقة يمكن تداول الأمر بكل تفاصيله مع المعارضة كلها أو بعضها حسب مقتضيات الحال من خلال ورشة خاصة بهذا الشأن.

صاعقة !!! لاحظ : يمكن تداول الأمر، ويمكن تعني ربما نعم أو ربما لا ، وهناك إمكانية الذهاب في هذا الطريق منفردا، ولاحظ : أو بعضها وتعني وجود اتجاه للذهاب مع البعض فقط . وهذا يدفعني للتساؤل ، هل وصل الأمر إلى هذه المرحلة المتقدمة؟ وهل بالفعل بدء المؤتمر الإسلامي التقارب مع النظام منفردا؟  أم هي أحلام يقظة وجنون تضخيم الذات؟ من هو المخول في هذه المرحلة من بين المعارضة قراءة موقف النظام من القضايا السابقة بمفرده ، وبعد انتهاءه من تلك القراءة يمكن أن يعقد ورشة للمعارضة ويتداول معهم  تفاصيله (يقنعهم أو يسوقهم معه في اتفاق ابرمه بدون علمهم أو تفويض منهم) ويمكن أن لا يفعل ويفاجئ الجميع بانضمامه للنظام؟ وكيف تتم هذه القراءة؟ بالجلوس معه واختبار حجم التنازلات التي يمكن أن يقدمها النظام (فقرة أخري من الورقة) أم بقراءة نظرية تُستنبط من تصفح صحيفة إرتريا الحديثة في الخرطوم؟ ولماذا بعضها (أي تنظيمات المعارضة)؟ من هو هذا البعض المحتمل استثناءه عن التداول في مسالة وطنية بهذا الحجم؟ ومن هو المرشح او الشريك الذي يذهب معه؟ وما هي مقتضيات الحال الواردة في هذا النص؟ هل هي شروط النظام أم شروط المؤتمر الإسلامي أم شروط الوسيط الضامن التي تحدد وتفرض استثناء هذا البعض؟ عشرات الأسئلة تتسابق في ذهني دون أن أجد إجابة ولو لواحدة منها ، فحملتها لأحد العقلاء من أصحاب الخبرة السياسية والتجربة النضالية والملم بشؤون التنظيم المعني وقيادته.

استمع الرجل إلى تساؤلاتي جيدا ثم قال:

إذا كانت هذه الجماعة بالفعل قد وقعت في حبائل خداع وألاعيب مخابرات الهقدف وصدقوا بأنهم بحق يفاوضون نظام اسياس فهذه سقطة مستجد عجول لا يحسن قراءة أبجديات الواقع الإرتري ، ولن يبكي عليهم أحدا إن ذهبوا ، أما إذا كان هذا الكلام من قبيل أحلام اليقظة الذي قرأناه في موقع إسلام اوون-لاين عن وساطتهم في قضية الصومال المعقدة والتي تتداخل فيها أيادي إقليمية ودولية ، وربما ما سوف نقرأه أو نسمعه غدا عن وساطتهم في قضية الشرق الأوسط وأفغانستان والشيشان ، يكون هذا  غرور “علي الفارغة” وأمنيات لا تنطلق من الواقع ولا من معرفة الذات وحجمها الحقيقي ، وهذا باب جديد من أبواب ” فقـه الانتهازية في الحوار مع الشعبية” (يضحك)

ثم أمطرني الرجل بدوره بأسئلة وتحليلات أصعب مما طرحت عليه:

ما هي الأسهم التي تملكها هذه المجموعة حتى يتفاوض النظام معها وينتقيها دون غيرها؟ و ما هي البدائل التي يملكون في حوارهم مع النظام؟ هل تعتقد إن النظام يفاوض اضعف الضعفاء من بين المعارضة؟ هذا ضد منطق الأشياء ، ما الذي سيقدمونه له؟ وما هو حجمهم وما هو تأثيرهم في المجتمع أو في المعارضة؟ أقول لك لا يوجد، لا يوجد شيء من هذا ، الحديث العابر هنا أو هناك مع شخص عربي فاضل غيور يتعامل مع اسياس بدواعي العلاقات الإسلامية مع الإسلاميين الصوماليين ، أو التواصل مع بعض الخانعين الإرتريين المنتفعين من النظام بدواعي الارتباطات المجتمعية لا يعد حوارا مع افورقي ولا  يرقي إلى درجة إعداد الأوراق ولا يعول عليه إلاّ متهافت يائس ، النظام يبحث عن عملاء ولا يبحث عن حلفاء ومن أراد أن يكون عميلا له يعادي من عادى ويقاتل من قاتل فليذهب غير مأسوف عليه فلا ذادت المقاومة به ولا نقصت بدونه ، وتعيس هو من يتحدث هكذا خصما عن رصيده الاجتماعي والإسلامي إن وجد أصلا ، لا تتعب ذهنك  بأحلام اليقظة الواهية ، فالمجموعة :-

سياسيا : كتنظيم بين التنظيمات لا تساوي مسمارا صغيرا في مصنعا ضخما  للسيارات ، فتنظيمهم حديث التكوين وان قيادته أظهرت بكل المقاييس أنها محدودة التجربة قليلة المعرفة بالدهاليز السياسية للمعارضة وللمجتمع عامة ، إنها متعجلة متهورة وطموحة بشكل جنوني أهوج جعلها تتقلب ذات اليمين وذات الشمال بدون قبلة توليها وجهها.

اجتماعيا: لا تمثل المجموعة جناح بعوضة في ملعب لكرة القدم بين الفسيفساء الاجتماعي للمسلمين الإرتريين، ولو كانت هذه الورقة صادرة عن جبهة التحرير لأفترضنا إن النظام يرغب في احتواء من تمثله أو يُفترض أن تمثله الجبهة – حمل بطاقتها أم لم يحمل .

إسلاميا : فهو ماعون ضئيل لا يحتسب به في مطبخ الاتجاه الإسلامي الإرتري وان عبر فإنما يعبر عن بعض الإفرازات السلبية الجانبية في الاتجاه الإسلامي الواسع ولا يمثل تيارا من تياراته ولا مدرسة من مدارسه الراسخة ، ولو صدر هذا الكلام عن الحزب الإسلامي أو عن حركة الإصلاح أو كليهما معا لصدقنا وقلنا إن النظام يبحث عن احتواء التيار الإسلامي الفاعل.

ولكن أقول لك إن هؤلاء قللوا أم كثروا ، اخطئوا  أم أصابوا ، فهم من  ضمن النسيج الاجتماعي الذي يجمعنا  وفي كل الأحوال لا يستطيعون أن يكونوا شيئا مذكورا إلا بالتماهي مع هذا النسيج ، ونرجو  أن لا يقعوا فريسة لألاعيب النظام التي نعرفها جيدا ، بل سنعمل ما استطعنا علي ألاّ يسيروا علي هذا الطريق ، ولكن لا ضرر ولا ضرار إن كان هذا الحديث مقصده ومآله تضخيم الذات وادّعاء الحكمة والوسطية ، وهذا مقدور عليه علي كل حال.

واسترسل الرجل قائلا:

أنا افصل لك ما لهذه المجموعة وما عليها ، وارجوا أن أكون مصيبا ولا تُخيب ظني الحقيقة إن وجدت لاحقا ، الجماعة كانوا جزءا من حركة إسلامية سلفية – قناعة أو مصلحة الله اعلم بهم – تربوا في كنفها ولا يعرفون غير لغتها ، وابتداءا نهج الحركة التنظيمي هو مبدأ الولاء والبراء ، وممارسة السياسة عندها عبادة لا تسعي إليها لمصلحة دنيوية ” هي لله لا للمال ولا للجاه” ، الاستشهاد عندها هو لوجه الله وتحقيقا لنيل الجنة ورضاء الله ، وعموما الإسلام أممي في جوهره ومقاصده وتوجهاته وتعاليمه ، يتجاوز الوطنية الضيقة والعصبية القبلية والعشائرية والعرقية (أنها نتنة) إلى رحاب العالمين ألأممي، قيادة المجموعة المنشقة لديها طموح دنيوي غريزي في المجد والسلطة لا تحده حدود ، وتنافسٌِ لا يدعمه اقتدار ولا فهم لقواعد العملية الديمقراطية ولا حدود الممكن الذي يكبح الطموح ويهذبه ، فهي تصف ترشيح غيرها مؤامرة وفوز غيرها بأصوات الناخبين شللية ، وطموحها يفوق واقعها وإمكانياتها وحجمها وتأثيرها الحقيقي ، وربما لا غرابة أن ينغمس من هو مثلها في مغامرات يائسة في أي اتجاه كان ، وسبب خروجها عن الحركة اخذ في ظاهر الأمر شكل المطالبة بتقسيم المناصب القيادية والوظائف في داخل الحركة محاصصة بين القبائل والعشائر والأفخاذ في عضوية التنظيم ، وبالطبع لا يتوقع أن تنحدر حركة إسلامية المقاصد والبرامج في مستنقع كهذا ، وهكذا كان، حيث رفضت كل السمنارات والحلقات والاجتماعات القيادية لتنظيم حركة الإصلاح المقترح المتناقض مع روح التنظيم وعقيدته السياسية ، وقد شكل انشقاق هذه المجموعة عن حركة الإصلاح – بهذه المطالب – ظاهرة خروج للمكنون القبائلي عند المجموعة وتراجع عن المثاليات الإسلامية الكبرى، وعودة إلى الهويات الصغرى مقابل الهوية الإسلامية الكبرى ، وهذه القبائلية التي أخرجتها عن مثاليات الحركة الإسلامية هي التي تقوم عليها تصوراتها وتُبني عليها أفكارها ، وبدا من سلوكها اللاحق البحث عن التميز والتفرد وكأنها تنتقم لما فاتها وتبحث عن كل ما هو نقيض لما كانت عليه وتتحالف مع كل من يناهضه ويعاديه ، ولكن يقول العارفون بالشخصيات القيادية للمجموعة بأن دافع  الخروج الأساسي كان لإيجاد ماعون يحقق الطموحات الفردية الجامحة التي لم يستطيع التنظيم استيعابها أو احتوائها مهما بذل ، ومنذ ذلك الحين تسعى المجموعة المنشقة إلى تبرير خروجها دينيا وسياسيا وتبحث عن موطئ قدم لها من منطلق خالف تعرف متجردة من أي مبدأ أو فكر أو خارطة طريق تهتدي بها ، وفي رحلة البحث المضنية هذه تتخبط المجموعة يمينا ويسارا بدون هدي وبشكل محموم وتلهث وراء كل ما شذّ  واختلف مما افقدها التوازن في تحالفاتها وسياساتها ، فتارة تحاول التمسك بماضيها الإسلامي وتحرص علي ممارسة طقوسه الظاهرة – حسب ما تقتضيه الحاجة – وتارة أخري تحاول الظهور بمظهر مغاير وتمثل أدورا كوميدية لا تجيد أدائها ، ويبدو إن قيادة المجموعة التي اختلطت عليها الأمور تتقلب في مزاجها وتتعلق هذه الأيام كمخرج مستحدث بمصطلحات يتيمة مثل “الحوار” و”الدولة المدنية” ، فالدولة المدنية أولا وأخيرا هي دولة علمانية في شكلها ومضمونها تفصل الدين عن الدولة كليا وتعتبر الدين شئنا من شؤون الأفراد لا تتدخل فيه الدولة ولا تسمح له بالتدخل في شؤونها ، ومكانة الدين ورجال الدين في الدولة المدنية هو دور العبادة ولا مكان لهم خارجها ، والاختلاف بين الاثنين هو اختلاف درجة لا اختلاف تباين وتناقض وهو اختلاف بين تشدد ومرونة ولكن بنفس المنطلق الفكري (فصل الدين عن الدولة) ، وان كان هناك اختلاف بين الدولة العلمانية الأصولية وبين الدولة المدنية المعتدلة فهو عدم ملاحقة الأخيرة الأفراد المؤمنين والمؤسسات الدينية التي يرعاها ويمولها المواطنون المؤمنون من حر أموالهم الخاصة شريطة عدم ممارسة السياسة أو المساس بشؤون الدولة وأمنها الاقتصادي والاجتماعي ، أما الحوار فله شروط ومعطيات فهو علم في عالم السياسة ومن السذاجة التعامل معه كالرقص علي مزامير حفلات الزار أو طبول حلقات الدراويش ، ومن الخطأ اعتباره إله يعبد لذاته كان هذا الإله  لك أو عليك ، ومن ضمن شروطه :

  • اقتناع الفرقاء جميعا بجدوى الحوار وتبنيهم له مبدءا وثقافة للقبول بالأخر
  • اعتراف كل طرف بوجود الطرف الآخر والاعتراف به كشريك
  • رجاء الفرقاء مصلحة أو درء مضرة
  • امتلاك الفرقاء قوة ما (عسكرية ، جماهيرية ، دبلوماسية …الخ) ملموسة يساوم بها الآخر
  • وجود بدائل تخيف وتهدد الطرف الآخر(مثلا: شن حرب ، ثورة شعبية، مظاهرات وشغب، عصيان مدني ، انقلاب عسكري ، استنزاف موارد ، حصار وعقوبات دولية…الخ) في حالة التعنت وفشل المفاوضات أو الحوار

التجانس الإيديولوجي أو الفكري بين الفرقاء يمكن أن يكون أيضا عاملا مساعدا في حال توفر الشروط الأساسية أعلاه ، وفي بعض الأحيان (في المجتمعات الأهلية التي تطغي عليها الانتماءات العاطفية والمصالح الأثنية) يمكن أن يكون للتجانس الاجتماعي دورا لا يمكن إغفاله في الاستعداد النفسي لمحاورة الآخر السياسي .

وأختتم الرجل كلامه بسؤال وجهه لي وقال : هل يعقل أن نلدغ  من نفس الجحر عشرة المرات؟ متي  نتعلم  ونتقن دروس ماضينا؟

قلت له: أمَا السائل بأدري بالجواب من المسئول؟

وختاما أقول:

هناك مسالة يجب أن يعرفها كل من يُقدم علي مفاوضات أو حتى يرغب محاورة خصم أو شريك بأن النتائج علي الطاولة دائما يحددها الطرف الأقوى في الميدان مهما سطّر وعدّد وفنّد الضعيف مطالبه علي الورق ، والتصدي لمسائل كبيرة مثل الاستسلام للنظام والقبول بشرعيته أو التصدي له ومواجهته تتطلب اجماعا في صفوف المعارضة ، بالذات بين التنظيمات المنضوية تحت مظلة التحالف الديمقراطي لأنها كبيرة وثقيلة علي أي جهة بمفردها ، والذئب يأكل من الغنم القاصية ، وساذج هو من يعتبر أن خصمه سيقدم له ” تنازلات” – هكذا – إعجابا منه بفذلكة كلامية وإعداد أوراق عن الحوار ، أو رحمة به ورأفة عليه أو من قبيل إحقاق الحق والالتزام  بالأخلاق الحميدة ومخافة الله ، إن صناعة الحرب وأخلاقياتها في ميادين السجالات – السياسية منها والعسكرية – أو صناعة السلام وأخلاقياتها علي طاولات المفاوضات ودهاليز الحوارات تختلف اختلافا جذريا عن طريقة وعقلية وأخلاقيات حلقات الجوامع والكنائس التي تخاطب القلوب والعواطف وتعالج المسائل الاجتماعية والدينية ، ولا يمكن التعامل مع الأولي بعقلية الأخيرة والتي اقل ما يقال عنها في هذه الحال أنها ساذجة ، ومن كان غير قادرا علي صناعة الحرب فهو حتما لا يستطيع صناعة السلام ، إن صناعة السلام تحتاج إلي رجال لا يهابون المواجهة ولا يتسولون علي أعدائهم طلبا لسلام زائف ومنقوص، الرجال الأقوياء هم الذين يصنعون السلام ، رجالا أشداء علي أعدائهم أمناء لشعبهم ولمبادئهم يقودون جماهير هادرة وقادرة علي انتزاع حقوقها حربا أو سلما.

فأين نحن من هذا كله يا صاح ؟

ملحوظة : هذا رايي في الورقة يا اخي محمد ولك خيار النشر من عدمه ، وهدانا الله والاخوة إلى ما فيه خير الشعب

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=10056

نشرت بواسطة في ديسمبر 22 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010