مقاتلات جيش التحرير يتحدثن عن تجاربهن النضالية والحالية….

 على هامش الأحتفال بيوم المرأة العالمى فى هولندا (2)

تقرير/ عمر ليلش-

روتردام- هولندا

 

فى هذا الجزء سأسرد قصة التحاق كل من  المناضلتين  لملم برهى و ظقى عندى ماريام ، الى صفوف جيش التحرير الأرترى فى السبعينات. وبعد ذلك ساواصل الحديث عن التحاق لملم برهى وهويت يوهنيس فى الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة.

 

المناضلة لملم ظهاى:

من مواليد اسمرا ، كعادتها بدأت الحديث و كانت الأبتسامة والضحكات تملأ وجهها، قائلةً:

إن قصة التحاقى بالثورة ، اقرب  ما تكون مشابهه للقصص والروايات العاطفية التى تحكى  عن قصة حب حدثت كما يقال من “النظرة الأولى” فى لقاء  عبر صدفة.

بعد عناء يوم كامل من السفر فى احد ايام عام 1973 الحارة  ونحن فى طريقنا من اسمرا الى حومرا تم ايقاف “الحافلة” التى كنت بها ورفاقى اعضاء فرقة” براعم الوطن الفنية” ، من قبل قوات عسكرية ، تابعة لجبهة التحرير الأرترية، مرابطة بين بارنتو وحومرا

نزلنا جميعا من الحافلة بناءاً على طلب تلك القوات العسكرية، و تم التعرف علينا مباشرة لأن الفرقة الفنية كانت تتكون من فنانيين مشهورين جدا ، اذكر منهم على سبيل المثال كل من  الفنانيين:

عثمان عبد الرحيم، يمانى باريا، ممهرسلمون، ممهر صقّاى نتاش،  تمسقن قبرهويت،  سلطان ياسين، ايلسا اسحاق، تولدى قبرسلاسى، توقبوا ولدى ماريام  و بشير سعيد.

رحبت بنا تلك القوات خيرترحاب وبدأ افرادها يتحدثونا الينا عن الثورة والنضال ضدالظلم والأهانة والقهر والعبودية التى تمارسها علينا اثيوبيا مع ذكر امثال واقعية للمذابح وما صاحب ذلك من تشريد و لجؤ شعبنا الى دول الجوار خوفا من البطش والعذاب.

تلك الأحداث الوقعيى التى كان يحكيها لنا اولئك الثوار،  جعل الكثير منا رجالاً ونساء ان نبكى بكاء الثكالىلتأثرن الشديد بسماع تلك المأساة. ولم يتوقف الحديث فقط بذكرالمأساة واهداف الثورالتى هم يناضلون فىاطارها ،  بل  استمر حتى وصل مرحلة تعبوية “غسيل مخ” حيث بدوأو معنا حديث الصراحة ، شارحينا لنا، الدور الذى ينبغى علينا ان نلعبه نحن  من خلال الفن, لايصال صوت و مشاعر الثورة الى قلب المواطن الأرترى فى الداخل، مؤكدينا لنا ، أن صوت الفنان له صدى اكبر من صوت رصاصة. وقد اعجبنى ذلك التعبير للغاية. وخاصةً  حينها كنت لا افهم عن السياسة شى و لاادارى عماذا كانو يتحدثون اولئك الجنود فى بداية الحديث. الا ان طريقة حديثهم لنا بأحترام ولباقة وادب، وذكر اصطلاحات لم اسمع بها من قبل نهائياً مثل الكرامة والوطنية  … وظلم واضطهاد ونضال وتحدى،  شد انتباهى وزاد من فضولى لمعرفة المزيد والمزيد،  فبدأت قصة “الحب للثورة و من النظرة الأولى”  وتحمست ووجدت نفسى فجأة اقول لهم اننى اريد ان التحق واعمل معكم … فأجابنى احدهم  قائلا( هذا رائع ولكن نريدك ان تعملى من الداخل… لأنه كما قال لك رفيقى قبل قليل ان صوت الفنان اقوى من صوت رصاصة) فى الوقت الراهن.

فزاد حبى اكثر لسماعى لتلك الكلمات للمرة الثانية ومن شخص آخر وبها  نبرات نفس تلك النبرات القوية ، التى كانت تحمل فى طياتها  تعبيراً صادقاً عن حب عميق للوطن… وعمل نابع من ايمان ومبدأ وقناعة، فقلت وانا لازالت تحت تأثير تلك الكلمات الصادقة:

( فأنا على استعداد لأعمل من الداخل ولكن كيف؟)

فأجاب احدهم قائلاً: (سنتصل بك فيما بعد ، فور عودتكم من حومرا)

بعد ان انهينا جولتنا الفنية و نحن فى طريق عودتنا من “حومرا” ،  وبالتحديد فى هوتيل “افريكا” بمدينة تسنى ، قدّمنى  زميلى يسين سلطان الى شخصين اتيا لزيارتنا بالفندق بهدف تجنيدى وبعض زملائى للعمل السرى، فوافقت.  واكدوا لى انه فى الأيام القليلة القادمة سيقابلنى شخص فىاسمرا،  لتزويدى بمعلومات وافية عن مهام الأعمال التى ساقوم بتفيذها. وبالفعل بعد شهرين تماما من بعد تلك المقابلة اتى الي  شاب بزيارة الى المنزل وعرفّنى على نفسه مستخدما بعض الأصطلاحات والشفرات التى كنت قد اتفقت فيها مع الشابين فى تسنى لأستعمالها لاحقا ، عند مقابلة ناشطى الجبهة فى اسمرا.

باشرت فى اداء المهام  التى كلفت بها حتى تم الكشف عنها، مع وصول الدرق الى سدة الحكم فى اثيوبيا  فى عام 1974 واعتقلت فى سجن “اكسبو”  ومن ثم تم تحويلى الى سجن ” قاعدة كانيو استشن” العسكرية  وهناك التقيت ب “مبرات قبرى هويت وشقيقتها ” مائزا” اللتين اعتقلا فى دقى محارى ومن ثم تم تحويلهما  الى هذا السجن . وتم الأفراج عنا بعد سنة من فترة الأعتقال بقرار العفو العام الذى صدر آنذاك. وبعد ألأفراج لم استطيع ان امكث طويلاً ، لشدة المراقبة علي ، فهربت بمساعدة خلايا الجبهة فى اسمرا الى الميدان والتحقت بالأدرة رقم 8 كجندية. وفى عام 1981 دخلت الى السودان  برفقة العديد من كوادر  ومقاتلى جبهة التحرير الأرترية، نظرا لأنتكاسة الجبهة فى ذلك العام المشئوم.

فمكثت عدة ايام فى مقر الجنود بكسلا والقضارف  واخيرا الخرطوم وبعد ان ضاق بى الحال والعيش اسوة  بحال رفاقى  ورفيقات درب النضال،  قررت السفر  الى السعودية ومن ثم اتيبت الى هولندا ، التى مازلت  اواصل  فيها عملى النضالى تحت اطار جبهة التحرير الأرترية – المجلس الوطنى – فرع هولندا.

وهذه هى قصتى بأختصار شديد….. وهى نموزج متواضع يعكس  قصة امرأة  ارترية حملت السلاح وتحملت ولازالت اعباء النضال المرير بجانب اخاها الرجل الأرترى المناضل الصامد من اجل الحرية والأنعتاق التى  حرمنا منها،  النظام الدكتاتورى فى اسمرا.

وفى الختام اشكر الرجال  الشباب والمناضلين الشرفاء الذين حضروا الى هذا الحفل لمشاركتنا فى احياء ذكرى بطولات المرأة الأرترية .

 

المناضلة ظقى عندى  برهان:

من مواليد دقى محارى، فى حديثى معها ، تعمدت ان ابدأ الحديث عن النجاح الأكاديمى التى تحصلت علية فى مجال علوم التربية و التأهيل الأجتماعى من احدى معاهد هولندا فى مدينة روتردام ، وذلك لدرايتى التامة  لشخصيتها العاطفية و الحساسة التى كانت ستعطل الحديث بالدموع والبكاء ، فى حالة بدأ الحديث عن المرأة الأرترية ونضالاتها ومعاناتها حاليا.

ولذا كان سؤالى الأول لها ” والذى اصبح فيما بعد الأول و الأخير” هو:

كيف استطاعت اكمال الدراسة بالنجاح والتخرج  من مجال العلوم التربوية الأجتماعية وخاصة ان اللغة الهولندية تعد من اصعب لغات العالم التى لاتشجع فى مواصلة الدراسة بالأضافة الى نظام الدراسة المعقد فيها، ومهام تربية طفليها الملقاة على عاتقها ؟

فأجابت دون اى تردد او تفكير قائلة:

ان العمل فى جبهة التحرير الأرترية و حمل السلاح والنضال وحب الوطن قد علمنا ان نثابر ونجد ونجتهد  ونتحدى الصعاب من اجل الوصول الى غاياتنا السامية التى تخدم الوطن والمواطن،  وواصلت الحديث عن الثورة والجبهة والنضال بالرغم من سؤالى كان يتعلق بنجاحها الأكاديمى  وصدق المثل الذى يقول “من شبّ على شئ شاب عليه” ( ولذا كان سؤالى ذلك هو الأول والأخير.) حيث دخلت فى سرد التحاقها بالثورة  قائلةً :

 

وانا طالبة كنت اسمع كغيرى من رفيقات ورفاق الدراسة عن العمليات البطولية التى يقوم بها الثوار الأرتريين. وكنا نتحدث عن هذه البطولات بشكل شبه يومى ولكن بحذر شديد وبطرق سرية للغاية مما دفعنى الى ان اتشوق لسماع اخبار تلك العمليات وبالذات الفدائية منها ، وان اتحمس بشدة لرؤية او مقابلة اولئك الأبطال المنفذيين لتلك العمليات القتايلة او الفدائية التى كنا نسمع عنها.

فالقصص التى كنا نسمعها عن الثوار والجبهة ترك عيونى تتفتح ويزيد حلمىبرؤية وطن ارترى حر وهذا  ما دفعنى ورفيقاتى للألتحاق بالثورة.

وفى بداية 1975 التحقت بجبهة التحرير الأرترية كمقاتلة، فتلقيت دورة فى الأسعافات الأولية وبعد ذلك تم توجيهى الى الوحدات العسكرية كمقاتلة.

وبعد حولى العام وجهت الى قسم التعبئة الجماهيرية وفى نهاية 19976 تلقيت دورات سياسية فى مدرسة الكادر فى “عليت” .

وفى نهاية 1977 تم تعيينى فى مكتب الأعلام ككاتبة على الآلة الكاتبة بالتغرنية.

وابان الأزمة العاصفة التى تعرضت لها الجبهة فى نهاية 1981 اتجهت الى السودان حيث وضعت طفلتى الأولى وبعد ذلك تنقلت بين السودان وسوريا وايطاليا وبعد معاناة طويلة وصلت الى هولندا.

وبمجرد وصولى الى هولندا لم يعنى اننى انقطعت من النضال، اذ اننى لم اتوقف عن النضال من اجل الوطن والعمل من اجل المرأة الأرترية بأشكال مختلفة وحسب ما تسمح به إمكانياتى كأم مسئولة عن تربية أطفالها فى ظل غياب الأب الذى كان متفرقاً لمهامه النضالية.

ولايفوتنى فى هذه المناسبة من ان احى النضال البطولى الذى خاضته شهيداتنا ولاسيما الرفيقات “عينوم” و “حرقو قرزقهير”  و “ابرهت ابرها”.

اما ما يحزننى اليوم هو اننى ارى بام عينى بان وضع المرأة قد تحسن  تقريباً فى شتى انحاء العالم، ما عدا فى ارتريا . ففى الوقت الذى نرى فيه،  فى كثير من الدول ان المرأة تحتفل بهذا اليوم برفقة زوجها او اخاها جنبا الى جنب ،فإن العديد من النساء الأرتريات،  يزرفن الدموع علىازواجهم او اخوانهم  المجهولى الحال والأخبار والمصير…. فمنهم من يتجرع  الآلام فى السجون ومنهم من رحل الى مثواه الأخيرتحت تأثير العذاب ومنهم من غادر مجبرا , وقد هرب وترك البلاد….. فهذا هو حال العديد من النساء الأرتريات ،  ارملة ام وحيدة حائرة .

فغلب عليها البكاء فسكتت للحظات طويلة ومن ثم واصلت الحديث قائلة ولذا يجب علينا ان نعمل وفجأة وجدتها ، عادت الى نقطة البداية حيث قالت :

لأن ما  ينقصنا هو العمل وبطريقة محترفة، لأن طريقة اداؤنا للعمل يكون  فى اغلب الأحيان من دون دراسة دقيقة لما يجب عمله اى بمعنى آخر ينقصنا الأحتراف فى العمل، فاعمالنا كلها مبنية على الأجتهادات والمبادرات والحماس الوطنى،  ولذا جاءتنى قناعة الدراسة لأدرس فى مجال العلوم  الأجتماعية والتربوية والحمدلله  اكملت دراستى بنجاح وتخرجت..

والحق يقال انها ارادت بهذه الكلمات الهروب من مواصلةالحديث لأنها لم تستطيع المواصلة ، نسبة للحزن الشديد والدموع التى لم تستيطيع اخفائهما او السيطرة عليهما… فما كان عليّ  الاّ ان اشكرها على الجهود النضالية التى تبذلها فى مجال العمل النضالى و خاصة فى الدور الذى لعبته فى اقناع السلطات الهولندية  المحلية فى روتردام بالقبول فى فتح مدرسة ارترية للأطفال الأرتريين لغرس القيم والمثل والتراث الأرترى فى سلوكهم وحب الوطن “ارتريا” فى اعماقمهم و كذلك لجهودها الواضحةالنتائج فى توجيه المرأة الأرترية علميا من خلال تجربتها العلمية والحرفية بجانب التجربة النضالية القّيمة.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=40082

نشرت بواسطة في مارس 26 2005 في صفحة الأخبار, تقارير. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010