من الصحف الارترية القديمة

( الحلقة الثالثة )

الصراع الدموي وخلفياته في الثورة الإرترية وأبعاده الخطيرة

بقلم /  محمد عثمان علي خير

نقلاً من مجلة الثورة التي كانت تصدرها جبهة التحرير الإرترية ـــ

قوات التحرير الشعبية ــــ العدد 169ـــ السنة 19ــــ تموز (يوليو)1981

 

نقلها إليكم/ متكل أبيت نالاي

دخلت الثورة الإرترية  منذ نهاية عام 1977م في الحسابات الدولية وأصبحت تشكل مصدر قلق للقوى الكبرى وغيرها والتي تراءت الخطورة المتجاوزة في انتصار ثورة ذات انتماء عربي في الموقع والمصالح المشتركة ـــ وأن وجود وبناء دولة وطنية إرترية على مشارف ـــ البحر الأحمر ـــ باعتباره العصب الحيوي للأطراف الدولية وأدواتها المحلية يتعارض ووقع العلاقات الدولية الظالمة: ولذلك فان صياغة الوضع في تلك المنطقة يتطلب حضور الكبار واتفاقهم فيما يحافظ على مصالحهم الإستراتيجية ـــ فيمكن أن يرون تحجيم الثورة الإرترية ــــ  أو القضاء عليها ــ أو إبقائها في الحدود التي تستنفر فيها جهود وطاقات القوى المحلية العاجزة,

 

 ومن هنا فان استيعاب طبيعة الصراع الدموي  الدائر  في أوساط الثورة الإرترية ليست  معزولة عن بعض جوانب المداخلات الدولية وأهدافها  المعتمدة ــ والتي تخطط لإبقاء النظام  الفاشي الإثيوبي يتمادى في توسعه الاستعماري وينشط في جميع الاتجاهات ضمن ضمانات دولية محسوبة من القوتين اللتين  يهما أن يتحول النظام الفاشي في المستقبل القريب كالسوط الذي يلهب ظهر الدول المجاورة ويتبنى تمرير المخططات الاستعمارية الهادفة إلى تركيع دول المنطقة ــ بجانب محاولة السعي لإذابة الكيان الإرتري والقضاء على قضيته المشروعة بكافة المواثيق الدولية : ونعتقد بأن الواقع الدولي يتجه نحو محاصرة حركات التحرير الوطني  المستقلة لأسباب اقتصادية ــ  وتقنية ـــ   لتعميق  احتكارات الشركات الرأسمالية العالمية وضمان سيطرتها في الدول النامية بواسطة الحاجات (التكنولوجية) غير المتوفرة في هذه المنطقة ــ  وضمن هذا الاتجاه تتبلور عملية الصراع بين القوى الإمبريالية ــ والقوى الاشتراكية ـــ   ويفترض أن تنحاز شعوب المنطقة للمعسكر الاشتراكي حيث جوانب اللقاء الإيجابية أكثرـــ إذا استطاعت الأخيرة أن تتعامل مع احترام خصوصية تلك الشعوب واختياراتها الوطنية والقومية والعقائدية: وإنما يجري في الساحة الإرترية في الوقت الراهن  له صلة مباشرة بالدوائر الخارجية التي قررت القضاء على الثورة الإرترية, ومن هنا تنبع مسألة الاختيار الدموي الذي تطورت  بشكل لا مثيل له في تاريخ الصراعات الإرترية ــ  خاصة وأن الصراع تجاوز الدائرة  الإرترية  واخذ في استنهاض قوى خفية تهدف لعرقلة الجهود الوطنية المبذولة لطرح القضية الإرترية في المحافل الدولية, والتي بدأت مقدماتها بدخول القضية  الإرترية في رحاب الجامعة العربية والتي تتصدر موقعاً هاماً ــ

 وحيث أبدت الجامعة اهتماما متميزا إذ  تبذل جهدا غير عادي لتوحيد  فصائل الثورة الإرتريةــ وكذلك انتصارنا في المؤتمر الإسلامي الذي خرج بقرارات صريحة تؤيد وتدعم حقوقنا الوطنية في التحرير الكامل ـــ أن إنجاز هذين الهدفين الكبيرين يشكلان منفذ دولي ثابت نطل منه على الرأي العام العالمي ونهزم من خلاله العدو الإثيوبي وحلفائه في كل المواقع : لذلك سؤال يطرح:

لماذا الاختيار الدموي وفي هذه المرحلة؟

في الواقع أن استعراض جوانب من خلفية الصراع الدموي ودوافعه في الساحة الإرترية سوف تقرب أمامنا صور الساحة بشكل واضح:  ويمكن أن نحددها في النقاط التالية:

أولاً:  انبعاث الثورة ونموها وتطورها في المناطق الإسلامية ذات الكثافة السكانية, قد طبع تجربة الثورة بعلاقات حادة وغير مستقيمة بين المسلمين ذاتهم  حيث كان ينظر البعض إلى أن تمركز الثورة في منطقة (بركه) خلال فترة الستينات واعتمادها الكامل على إمكانيات تلك المنطقة وأبنائها اللذين قدموا تضحيات باهظة ـــ  ينذر بمستقبل قلق للقوى القبلية الإسلامية الأخرى ـــ  والتي بدأت تعمل على بناء أسس  التعارض ــ والصراع الخفي منه والمعلن ـــ وبرزت تجربة المناطق عام 1966 م كتتويج لتلك النزاعات المريضة والتي أفرزت رموز قيادية تتسابق في التعبير عن ذاتها القبلية والإقليمية, غير ملتزمة بالطرح والموقف الوطني الذي يوحد حركة قوى الثورة الإرترية, وقد لعبت الظروف الموضوعية لتلك المرحلة وإمكانيات المحدودة بجانب غياب القيادة التاريخية القادرة في صياغة خط سياسي يبلور ويعمق العلاقات الوطنية ذات المنظور الشمولي قد ساهمت تلك الظروف في حفر أرضية  الصراع الدموي والتي تبلورت بتصفية أول مجموعة عسكرية تابعة لحركة التحرير الإرترية عام 1965م بقرار  من قيادة ( المجلس الأعلى ) آنذاك , والهدف من ذلك كان تأمين  دور ( جبهة التحرير الإرترية) وإبقائها كتنظيم طليعي يقود الساحة الوطنية ـــ قد يكون هذا مبرر مقبول من الناحية السياسية وضمن معطيات تلك المرحلة ــ إلا أن غياب النضج الوطني وعدم تعميق الوعي السياسي لتلك المسألة الحيوية قد أفرخ عن معضلات خطيرة وشائكة للمسلك الوطني المستقيم, ولذلك فأن بوادر الصراع  الدموي والتصفيات الجسدية انطلقت من المناطق الإسلامية بحكم احتكاكها بالعمل الوطني  ومعايشتها وإسهامها الفعال في كثير من قضايا الثورة بالوسائل التقليدية ــ وكان من الطبيعي أن تنشأ في وسط كهذا العناصر والتجمعات الحاقدة التي أخذت دورها بالفعل وفي جنح الظلام وفجرت الصراعات الدموية بل وأشعلت في معظم المناطق الإسلامية الفتن القبلية والإقليمية في الوقت الذي كانت تعيش فيه المناطق المسيحية في المرتفعات عملية تكوين نفسي وثقافي ــ  وتراقب  النضال الوطني الذي لم يصل إلى تلك المناطق  إلا في وقت متأخر , ولأسباب عديدة امتازوا  بالموقف السلبي وأهمها صعوبة تجاوزهم للتعبئة الطائفية التي عمقها المستعمرون طيلة المراحل المتعاقبة, والتي أرست حواجز نفسية ـــ وغياب عامل الثقة والترابط الوطني ـــ وفوق كل  هذا شعورهم بأن الثورة هي تعبير للدفاع عن مصالح  المسلمين وكيانهم الذي كان يتعرض إلى التحطيم الثقافي  والحضاري من الوجود الاستعماري الإثيوبي ـــ  والذي  أبدى اهتماما متميزا بالمناطق المسيحية وفتح أمامها كل الفرص العلمية ومزاولة كافة الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والتي أوجدت فوارق طبيعية رهيبة برزت حقائقها وأثارها بسقوط (النظام الإقطاعي الإثيوبي) وقد كان العدو الإثيوبي يقصد ببناء تلك الحواجز وأبرز تلك الفوارق الملموسة ضمان ولاء مناطق المرتفعات لإثيوبيا وتركيع المناطق الإسلامية بواسطة تفوقهم ودعمهم في كل المجالات ــ إلا أن مد الثورة الإرترية وانفجار الروح الوطنية الأصيلة في تلك المناطق  خلال  عام 1974 م  قد فوت الفرصة على إثيوبيا حيث انحازت الجماهير هناك لقضيتها الوطنية ــــ وأن التحام عنصر المرتفعات من عام 1975م بإمكانياته ومؤهلاته قد انتقل بالثورة إلى مرحلة كادت إن تحسم الصراع ضد  الوجود الاستعماري  الإثيوبي  بشكل  لا مثيل له في تاريخ الثورة المعاصر, ولكن تداخل الأطماع الطائفية ولإقليمية ـــ والصراع على السلطة  والتسلط أعادة الثورة إلى نقطة البداية المتخلفة ــ وأخذت الاتجاهات والتيارات المنحرفة تأخذ دورها في تعويق الحسم الوطني الذي يحافظ على كرامة الإنسان الإرتري ويعيد إليه حقوقه المشروعة.

 

ثانياً : أن بروز القيادة العامة 1969م والتي جاءت وليدة لمعانات الوضع الداخلي وضمن أوضاع كان يتوجب أن تكون فيها مؤهلة للغوص بالمهام الداخلي التي أوكلت إليها أهمها توحيد المناطق العسكرية, تحت قيادة واحدة: إلا أن  تلك القيادة المراهقة وبطموحها الجنوني  قد اعتمدت قرارات سياسية خطيرة مثل حل القيادة التاريخية ـــ المجلس الأعلى ـــ الذي اكتسب شرعيته من واقع دوره السياسي وإسهامه في بناء العمل الثوري بالإمكانيات التي كان يحصل عليها  وفي تلك الفترات الحرجة ــ هذا بصرف النظر عن أخطاءات المجلس الأعلى ــ وما كان يقال  عنه من السلبيات ــ واتجهت ( القيادة العامة) نحو ممارسة دور الوصاية وفجرت أحقاد ومرارات دفينة ـــ وهم  كانوا في حقيقتهم مجموعة مجالس قبلية تتناطح فيما بينها للحصول على أدوار سياسية لم يكونوا مؤهلين لها أصلاً ــ وقد أرست تلك القيادة مظاهر الانقلابات العسكرية في الثورة الإرترية وعممت الفوضى التنظيمية ــــ مما أفقد الثورة  هيبتها ــ ودفع بعض القيادات السياسية أن تقبل التحدي وتعتمد كل الوسائل للدفاع عن دورها ووجودها السياسيــة ولذلك فأن الوسائل التي اعتمدت في انشقاق جبهة التحرير الإرترية عام 1970م كانت بمثابة انعطاف خطير في المسار الوطني وأخذت الصراعات الدموية تتصدر موقعاً  أساسياً بين قوى الثورة الإرترية ـ وفي ظل غياب ( الوعي  الإستراتيجي )  وسيادة شعار (إذا لم تنفع فضر) انفرطت أبسط الصلات  الوطنية في الثورة الإرترية ــ وأقبلت الساحة نحو بناء مراكز القوة بعيدا عن دور الجماهير التي مورس فيها التجهيل والتعبئة بالنعرات العشائرية والإقليمية والطائفية ,  وتصدرت قيادة الثورة عناصر غير مجربة وطنياً ومشحونة بعقلية ثأرية وأعلنت الحروب الأهلية رسمياً منذ عام 1972 وحتى أخر محاولة لتصفية قوات التحرير الشعبية عسكرياً عام 1978م ولا زالت متوارثة وستظل هكذا ما دامت قيادة الحقد والقصور السياسي تنشط في الساحة وتتحرك خارج دائرة المصلحة الوطنية: ومن هنا فأن ، ( الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا) لم تبتدع الحرب الأهلية وإنما أوفت بعهدها لسلفها وهذا ما ينسجم مع أهدافها وخطها السياسي للمدى البعيد.

 

ثالثا  : إعلان اتفاقات أكتوبر عام 1977م  جاءت لتقنين  الصراع الدموي , وإعطائه صيغ سياسية متقدمة عبر التحالفات المرحلية التي  كانت تفوح منها المؤامرات والمخاطر على وحدة قوى الثورة الإرترية : ولكن أطراف الصراع كانت  تعمل  وفق تقديرات خاطئة وضمن حسابات لا تتجاوز  حدود المكاسب التنظيمية القاصرة بل والمصالح الذاتية المرتبطة بالطموح الجنوني , لقد كانت اتفاقية أكتوبر حصيلة لأبرز دور القوى غير المتكافئة في الكم ــ والنوع ــ  وحيث اتجهت الأوضاع لصالح الطرف الذي هيأ قواه وصب جميع إمكانياته للإنفراد بالساحة الإرترية ـــ  وما يجري الآن  في الميدان الإرتري  وتلك الأرواح التي تزهق من أبناء شعبنا دليل على أن مجمل خط العمل السياسي والممارسات العملية كانت سلبية وغير جديرة بأي جانب إيجابي : وكان من المفترض أن يكون هناك رد فعل وصحوة جماهيرية تدين وتسقط ذلك النهج الذي أوقع الكارثة:

 

رابعا :   تفجير صراعات فكرية أو ( أيديولوجية ) بمعنى أشمل عرقل  بشكل فاضح برنامج مرحلة ــ التحرير الوطني الديمقراطي ـــ وأخذت أشكاله , أشكال عمل نابعة من التكتلات القبلية ولإقليمية والطائفية, ولم تحدث تلك التوجهات الفكرية المقلقة أية تحولات نوعية في طبيعة العلاقات الوطنية والديمقراطية , بقدر ما أدت إلى تراكم  وتعقيدات المجتمع الإرتري ,  وتخندق  القوى المقابلة في موقع أخذ  المبادرة لتعميق ( الصراع الدموي) واللهث وراء كسب معارك عسكرية وسياسية مؤقتة: وكشفت هذه الممارسات الدموية حقائق  واقع العلاقات الإرترية المتردية, وعجزها الكامل في إمكانية خلق (جبهة وطنية عريضة) تستوعب أكبر قدر من الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في انتصار الثورة , ولتكون قادرة في النهوض بمسؤولية الدفاع عن الثورة وإذابة الخلافات الثانوية أمام الخطر الاستعماري المحدق: ووجود مثل هذا الواقع الممزق سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من الصراعات الدموية الداخلية, بل والاستنجاد بقوى خارجية لحسم خلافاتنا الداخلية وليس لاستخدامها في معارك الشرف والتحرير, ولذلك فأنما يحدث في الساحة الإرترية  في الوقت الراهن هو نتيجة للممارسات المعتمدة التي اعتمدت في العمل السياسي الإرتري,  وحالات الرعونة والغرور الذي  رافق  عمل القيادات الإرترية, التي لم تضع أي اعتبار لإرادة الجماهير ومطالبها بل وقرارات مؤتمراتها الوطنية التي جسدت الوقع الإرتري  في اعتماد (الحوار الديمقراطي) الذي لا بديل غيره والقادر في حسم الخلافات الإرترية والذي يضمن التعايش  الديمقراطي بين فئات المجتمع الإرتري ـ وأن التعارض مع حشد الجماهير هو الذي أوقع (الصراع  الدموي) واستنجاد بقوى خارجية: وأن المدخل الطبيعي لحل الجزء الأكبر من الخلافات هو التخلي من مصادرة دور الجماهير وفتح المجال واسعاً أمام النضال الديمقراطي الذي يكمن أن يبلور طبيعة الصراع التاريخي الدائر بين القوى الداخلية الإرترية وخلفيات هذا الصراع الذي لا مفر من حسمه لصالح الغالبية من الجماهير الكادحة: أن الجماهير ملت الواقع الفاسد والوجوه السياسية المتكررة وبأشكال عمل متخلفة , وتراقب الوضع وقلبها يقطر دما لتلك التضحيات الباهظة التي قدمتها من اجل معارك التحرير !

 

ومهما حاولت قوى الصراع الإنفراد بالساحة الإرترية فأنها توسع قبرها للمدى البعيد وستجد ومن معها أنها في بحر من الدماء , خاصة وأنهم باتجاههم هذا يساهمون في إعطاء الشرعية للوجود الإثيوبي الذي يشك في مقومات الكيان الإرتري وعدم قدرته في التعايش السلمي ,أن التجربة الوطنية بكاملها قد دخلت في مأزق يحرجها على  المستوى الخارجي ويضعفها على الصعيد المحلي وبفقدها مبررات الاستمرارية في الكفاح المسلح إذ تحول في وجه (صراع دموي) يسحق أبناء الشعب الإرتري.

 

أن طبيعة الخلافات في الآراء والأفكار والتنافس في جميع المجالات تأخذ قيمتها وشرعيتها واحترامها عند تطبقها في أرض الواقع وبالوسائل التي تحترم مشاعر الجماهير وتنسجم مع القيم والأخلاق التي هي طريق النصر! ومن هنا فأن أي جهد بشري لا يخلى من الأخطاء والخلل ولانحرافات , ولكن تطور الجوانب الخيرة والإيجابية هي التي تخلق المجتمع القادر على التعويض بمسئولياته في البناء والتقدم, نحن لا ننكر بأن تجربتنا تحمل كثيراً من بذور الخلاف والشقاق ــ ولكن تظل هناك مسألة حيوية وهي : هل نحن متفقون في الوطن وتحريره من الوجود الاستعماري ــ  وهل ندرك موجبات وشروط تحرير الوطن والتي تأتي في مقدمتها ـ إنجاز الوحدة الوطنية أو على الأقل توحيد  الجهود لطرد المستعمر  : وأن اتفاق هو الغالب  في مثل هذه المسائل البديهية : ,أن القوى المتصارعة يجب أن تفكر بحجمها الطبيعي والضعيف والمحاط بقوى محلية ودولية لا تسمح بانتصار طرف على حساب مصالح الأطراف الأخرى والتي تمتد فتصل إلى أعمق مما نتصور نحن في رقعتنا الصغيرة ــ وليس من منتصر في مثل الساحة الإرترية , التي تعتقد أن من  الثوابت السياسية ـــ وأدوات التقييم المتقدمة سياسياً فليس هناك مجال للصراع الطائفي ـــ وأن هذا الالتزام ضعيف جدا خاصة في الطرف الإسلامي الذي هو مولع بالصراعات القبلية والإقليمية , كما أنه ليس هناك مجال للابتزاز في المواقف الوطنية ـــ وأن البديل هو الإمساك بمجمل خيوط الخلافات وتدارسها بحضور الأطراف الإرترية الملتزمة بالدفاع عن مكاسب الثورة والجماهير, والمتفهمة لطبيعة المرحلة وما سينتج عن هذا (الصراع الدموي ) الذي سيجر الساحة الإرترية إلى مأساة مروعة : ولا بد من وضع تقييم دقيق الذي يبلور طبيعة الصراع الدائر وضمن النقاط التالية :

 

1ـــ  إعادة النظر ضمن تقييم مسيرتنا الوطنية بمجمل سلبياتها وإيجابياتها , وإيجاد أطر تذيب الفوارق الاجتماعية والثقافية (الطبقية) والتي ستساهم في خلق عملية التكافؤ الذي يفرض الحرص في تعميق الأهداف الوطنية المشتركة ـــ ويدفع في نفس الوقت إلى بلورة وحدة الكيان الإرتري ـــ وإنقاذاً لهذا الجيل الذي انسحق في  الصراعات الجانبية ــــ  ومثل هذا الاتجاه سوف  يقربنا بالوقت في إيجاد ميثاق وطني تلتزم به أطراف الصراع , وتركز كل جهودها في بناء الإنسان الإرتري وتحرير الوطن, أما التحرك وواقع التجزئة فيزيد من تعقيدات الخلافات الإرترية, ويضعف قضيتنا على الصعيد الدولي ــــ كما يختفي دعم الأشقاء للثورة الإرترية .إذا استمرت الأوضاع بهذا الاتجاه الخطير , وأعتقد أنه ليست هناك أي جهات مستعدة أن تتحمل أعباء ثورة تصب ما تجده من دعم في معارك تزيد من معانات الشعب الإرتري, خاصة السودان الشقيق الذي له أيضاً أعباءه ومشكله الاقتصادية ويتعرض لضغوط خارجية كثيرة لتغيير موقفه من الثورة الإرترية وأوضاعنا المخذية ستساهم في تبلور هذا الاتجاه , وأن السودان لا  زال يقاسمنا المعانات وهو على الطريق الإيجابي, وإلى متى سيقف معنا من يدعمنا وأمام متغيرات محلية ودولية تفرض مستجدات تخرج الأشقاء في دعمنا  وتأييدنا في ظل تداخل المصالح الإستراتيجية.

 

2ـــــ  أن تتجنب أطراف الصراع في الساحة الإرترية الاستعانة بدور أي طرف إرتري إذا كانت تتوخى المصلحة الوطنية والخروج من المأزق,خاصة وأن قضيتنا دخلت في اللعبات الدولية , لذلك سد جميع الثغرات التي لا تنفذ منها أي مؤامرة بواسطة أي طرف إرتري  أمر تفرضه واقع المرحلة,ولذلك لا  بد من تعميق الجوانب الإيجابية في الصراع الوطني ــــ  وفتح المجال واسعا أمام الممارسات الديمقراطية التي تنقذ كل من تجاوزته مراحل المد الثوري , وأعتقد أن أحد الأسباب الرئيسية في تفاقم الصراعات الدموية هو محاولة عزل تيارات وواجهات وطنية بوسائل قهرية مما أدي إلى تطور أسلوب المواجهات  : أن النضال الديمقراطي وتعميمه خير وسيلة لحسم كثير من المعضلات  الإرترية, كما أن برودة العقل في مواجهة مصاعب المسيرة الثورية أمر يكتسب أهميته من واقع العلاقات الإرترية المتوترة. وأن محاولة حسم صراعات لم تنضج شروطها التاريخية تعتبر هدر لطاقات يفترض توظيفها لمجالات تخدم العمل الوطني بشكل مباشر.

 

3ـــ إزالة حالة اختلال التوازن التي برزت في الثورة الإرترية. والتي تدفع بعض الوجهات القيادية على محاولة الإنفراد بالساحة الإرترية . أن افتقاد التكافؤ سوف ينتج عنه هيمنة القوى المقابلة على كل المقدرات وفي وسع صنع القرار الإرتري ـــ وهذه مسألة خطيرة لا بد من تداركها بصيغ  مرنة وواعية لمهمات المرحلة, وأن توفر عملية (التكافؤ) في الجوانب العسكرية والسياسية والعلمية لسوف تضمن إيقاف المد المتطرف الذي يتصرف بتفوق أدوات المرحلة . وليس بأبعاد الصراع الإرتري الذي سوف يحسم في محيط أكبر من حجم المغامرين إذا اتجهت الأمور حسب ما هو واضح الآن.

 

أن مناقشة واقع الثورة الإرترية وقضاياها بوضوح أمر سوف يضع قوى الثورة أمام مهام تتجاوز اختلافات وسلبيات المرحلة السابقة التي حجبت كثير من الحقائق الوطنية , ودفعت بالأمور إلى واقع أضعف دور القوى الوطنية ــــ والتي أصبحت بين فكي المحاور والتكتلات التي أساءت إلى المسار الوطني الصائب :  ونعتقد بأن توجه المرحلة يتطلب إلى مواجهة الخلافات بحلول جذرية وليس بترقيعات وتحالفات مرحلية تنفرط بانتهاء الشروط التي أوجبتها. أن وحدة قوى الثورة لا تتحقق إلا بإيجاد أطر  تستوعب الظروف الموضوعية والظروف التاريخي الذي تمر بها الثورة ــــ  وليس بالصيغ الجاهزة والتي ثبت عدم قدرتها في خلق  أرضية ديمقراطية تتفاعل فيها قوى الثورة وتتأهل لانجاز مهام المرحلة التاريخية.

أن الساحة الإرترية مقبلة في بروز واقع وبمعالم ستتدخل فيها كثير من العلاقات الوطنية فهل هناك من يستوعب هذا الواقع المستجد ويصوغه لصالح القضية الوطنية ضمن فهم طبيعة الصراع التاريخي في إرتريا الوطن والثورة الدائمة.

تعليق:  متكل أبيت  نالاي

شدني هذا المقال الفريد بمضمونه إلى الأحداث عام 1976- 1981 وما قبلها وهي أعوام مكتظة بما لا يحصى من أحداث هامة وبارزة وهي أعوام تحتاج إلى بحث عميق بما يخص مطالب الشعب الإرتري وأحلام قياداته. ومع ذلك قرأته بمتعة لا توصف ,وهو زمن عشناه بهدوء أما الآخرون اليوم يركضون خلفنا كالهاربين من العدالة. وهو مقال جميل مطرز بالألفاظ السياسية الرقية زينها الكاتب بشرح وافي وما أذهلني انه كان يجيد هذا الأسلوب من قبل 25 عام, وقد أعجبني فهمه المتقدم  لتاريخ التصدع المتكرر في قمة التنظيمات الإرترية والتي تعود تاريخها لبدايات الثورة الإرترية, مما جعلني أقف  أمام هذا  المقال  حائراً.لأتساءل أين الخط الوطني الذي يساعد في الحشد الوطني وقادر في خلق مشاعر وطنية إرترية واحدة في الماضي والحاضر. وأين التعاون بيننا؟ وأين التنسيق؟ وأين دور الجماهير في المشاركة القرار الإرتري؟ كأننا نرى شكوكه مرة أخرى تتابع قصصها علينا.

 في البداية قلت ربما وجدت التاريخ على الورق مرة أخرى أو وجدت شيء يساعدني في التذكر لأشياء طمسها التاريخ. وعموماً الشيء بالشيء يذكر ولحقيقة أقول كان المقال بمثابة تحذير وكان قاسيا ومؤلماً وهو يلفت الأنظار إلى مكامن الأخطاء القاتلة لثورة الإرترية. ولا أدري لماذا كان كل ذلك وكل تلك الأحكام التي تولدت منها كل هذه المتغيرات في أوضاعنا, وللأسف حتى الآن لم يطرأ أي جديد في سلوكنا. وأيا كان الأمر اليوم ممكن أن تستخلص منها العبر الجيدة والسيئة من تلك المحطات التاريخية, وعلينا أن نفهم حينما يتهاون كبار القادة بالأمور حتماً سوف يتورط شعب كامل في المذلة.

 

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6852

نشرت بواسطة في أبريل 19 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010