من الصحف الارترية القديمة

 (الحلقة الثانية )

هذا رأي  دان كونل وأنت الحكم

كتبها تحت عنوان

نشأة الأمة الإرترية

في  تشرين أول (أكتوبر) 1981

  

نقلها إليكم/  متكل أبيت نالاي

تعتبر إرتريا أمة حديثة التشكيل نسبياً , فهي نتاج الاستعمار الأوروبي أبان القرن 19 ولكنها تضرب بحدودها التاريخية في الماضي السحيق , ويرجع اسم إرتريا إلى “: إرثري”” وتعني “أحمر ” باللغة اليونانية وترمز إلى البحر الحمر الذي يفصل من الساحل الشمالي الشرقي لأفريقيا وشبه الجزيرة العربية. وسكان إرتريا ينحدرون من أصل عربي وأفريقي يشكلون اليوم 10نحل أو جنسيات فا لتغري   Tigres يقطنون الشمال والغرب حتى السودان والعفر          Afar  في الجنوب الشرقي حتى جيبوتي ويتحدثون اللغة التجرينية  Tigrinya  في إقليم تيجراي  Tigrai  الشمال الإثيوبي وهذا الوليفة قد اندرجت تحت لواء واحد بفضل الغزو الأجنبي وقد حدث بفضل النمو الاقتصادي الذي كان له أثراً عميقاً على تباينهم الثقافي والاجتماعي .

والنضال الدائر الآن من أجل الحصول على الاستقلال القومي إنما هو استمرار لهذه العملية ونتيجة لها. وتقيم إثيوبيا اليوم حقها في إرتريا على وجود إمبراطورية الأكسومايت قبل الاحتلال وتلك التي شملت معظم أجزاء  إرتريا الحديثة, وإقليم تجيراي    Tigrai  والأجزاء  الجنوبية من المملكة العربية السعودية . وكانت هذه الإمبراطورية وبالتالي هدفاً لغارات الاحتلال ألسمتي (Semitic) مابين عامي 1000و400 قبل الميلاد والتي خضع إثناءها سكان نيلوت     Nilotic وهاميت  Hammatic  بحكم الغزاة وتوليفة سكان الجزيرة العربية والأفارقة السود كان لها أثر بعيد في القرن الأفريقي . وهذا بين وواضحاً في الملامح الجسمانية بساكني الصومال وإثيوبيا وإرتريا وكذلك في العلاقات الغوية ولكن بالقطع هناك اختلاف . فالتطورات التي طرأت بعد ذلك أنتجت كثيرا من الاختلافات كما أنتجت الكثير من أوجه التشابه.

 

وقد ازدهرت إمبراطورية الأكسومات— التي استقرت في أكسوم أو ما يعرف اليوم بتجراي الشمالية  Samein.Tigrai لما يقترب من 700 عام بتوسعاتها في السودان وتجارتها عبر البحر البيض المتوسط. ويمكن العثور على بقايا أثار مابين أكسوم والإغريق مثبوتا في مدينة أكسوم الحديثة.

علما بأن هذا الخط لم يسر في خط مستقيم على الدوام. ففي القرن السابع قبل الميلاد هوجمت أكسوم من الشرق على يد العجم ومن الشمال على يد قبائل البيجا (السودان حالياً) من الجنوب على يد سكان أجاو وزادت التوترات الداخلية الإمبراطورية ضعفاً مما أدي إلى انهيارها إلى لا عودة . وظهور الإسلام في المنطقة قد أرغم أهل أكسومايت المسيحيين على التقهقر جنوباً حتى المرتفعات الإثيوبية الحصينة تاركين البيجا يحكمون الهضبة الإرترية أبان القرن 13. وظهرت مدن صغيرة جديدة وكأنها عجزت عن استرداد المناطق الساحلية . وعبر 30 سنة سميت  بعصر الأمراء تفتت مرتفعات إثيوبيا في الوسط إلى مناطق إقطاعية وظل الحال كذلك حتى منتصف القرن 19  حين ظهر الإمبراطور تيدروس وتمكن من إعادة تشكيل ” دولة “إقطاعية مركزية أصبحت فيما بعد نواة لإقامة إثيوبيا.

 

وفي نفس الوقت كانت إرتريا بموقعها الحيوي الإستراتيجي على الساحل الجنوبي الغربي من البحر المتوسط هدفاً لسلسلة طويلة من الغزوات. ففي عام 1557 احتل ألأتراك العثمانيون المنطقة الساحلية وبنوا ميناء مصوع على الرغم من فشلهم في احتلال المرتفعات الوسطى. وبينما انعزلت الحبشة عن العالم الخارجي استمرت إرتريا في الاتصال بدول العلم أما عن طريق التجارة وأما عن طريق تجارة الرقيق مع عرب الجزيرة العربية. وفي أوسط أعوام 1800 تحركت مصر في اتجاه شرق إرتريا عن طريق السودان وساحل البحر الأحمر. وفي سنة 1805 استولى المصريون على سهول إرتريا الغربية بعدها ب 20 عام استولوا على مصوع ولكن لأجل قصير حيث انهارت السلطة المصرية في سنة 1884 عقب الثورة المهدية في السودان ممهدة بذلك الطريق أمام الإيطاليين  لدخول  في إرتريا بعد ذلك بعامين فقط.  وكانت إيطاليا قد أقامت معقلاً في سفح المنطقة الجنوبية الشرقية لإرتريا, عقب استيلاءهم على ميناء عصب.

وفي عام 1885 , انتقلوا شمالاً ليستولوا على “مصوع ” مفتاح المنطقة الداخلية التي احتلوها بعد ذلك بأعوام ثلاثة . وفي عام 1889 وقع الإيطاليون معاهدة أوشيالي مع الإمبراطور منيليك الثاني لوضع حدود لمستعمرة إرتريا.

 وهذه الحقبة من التاريخ قد عرفت باسم ” ألاندفاع نحو إفريقيا ” حيث  اندفعت قوى الاستعمار الغربية ( بريطانيا, فرنسا, البرتغال, إسبانيا, بلجيكا, وألمانيا) للتسابق على تقسيم الجزء المتبقي من العالم. وزاد من حدة السباق افتتاح قناة السويس عام 1869 للاستيلاء على ساحل البحر الأحمر وبقية القرن الأفريقي. واشتدت حدة السباق بين فرنسا وبريطانيا خاصة وهما القوتان الأعظم في ذلك الوقت . وكان من مخطط بريطانيا أن تجر في ذيلها شركاء صغار في توسعاتها في القارة الأفريقية.

 

وجدير بالذكر  الإشارة إلى أن الهضبة الإرترية الجنوبية قد ظللت تحت حكم إثيوبيا في الفترة ما بين 1880 و1885 حين أحتلها الملك الولا وأقام العاصمة أسمره. ولكن ضغط غارات الملك الولا عجل بانسحابه. ونستطيع أن تقول أن تلك هي المرة الوحيدة التي وقع فيها جزء من إرتريا تحت سيطرة الحكومة الإثيوبية.

 

ولو قدر للإيطاليين النجاح في الاستيلاء على إثيوبيا كما فعلوا في إرتريا, ولو نجحوا في إدماج المجوعات غير المتجانسة في كلا البلدين على صعيد واحد في مستعمرة واحدة, لكان الحال غير الحال الآن. ولكن فشلت محاولات إيطاليا في غزو أواسط البلاد أبان التسعينات من القرن 19, وذلك عقب هزيمتها على يد القوات التيجرانية بقيادة منيليك في عدوا عام 1896 . وتقهقر الإيطاليون بعدها إلى الشمال صوب إرتريا حيث مكثوا قرابة أربعين عاماً. وأبان السنوات العشر هذه , استطاع منيليك بمساعدة إيطاليا وبريطانيه أن يحتل قطاعاً كبيراً من صحراء الأراضي الواطئة ومضاعفة حجم الإمبراطورية الأمهرية ثلاثة مرات تقريباً. وأدى ذلك إلى عزل فرنسا في مدينة جيبوتي الصغيرة على الساحل الشرقي الأفريقي.

 ومن هنا يبدأ تاريخ كل من إرتريا وإثيوبيا. فمنذ ذلك الحين ولكل كيانه السياسي المستقل وحكومته المستقلة, على الرغم من تواجد جنسيات ونحل عديدة في كل منهما. ولكن يجدر بنا قبل أن نستطرد أن تفرق بين الدولة والأمة والعلاقة بينهما.  فالدولة إنما هي انعكاس سياسي للأمة. والدولة تشمل الوحدة الاجتماعية  والاقتصادية والثقافية والنفسية. والدولة البرجوازية هي نتاج العملية السياسية التي بدأت بالنشوء التدريجي من مجتمعات قبلية ” نصف مستقرة ” إلى مجتمعات العبيد الواسعة ثم إلى ممالك إقطاعية لا مركزية ذات حدود محددة ومعروفة. وبهذا تكون الدولة البرجوازية نتاجا لظهور النظام  الرأسمالي. وتميزت هذه الدولة بتجمعات أبناء الشعب في المدن, وبنشاط اقتصادي متزايد عن طريق التجارة واتجار ثم – وهذا هو الأهم بظهور الطبقات الاجتماعية الجديدة التي توارثت حدود الممالك الإقطاعية. وإثناء تلك العملية التي استغرقت قرونا عديدة, دأب أفراد الشعب الذين جمعتهم لغة مشتركة وعلاقات اقتصادية معينة دأبوا بالتدريج على أن ينسبوا أنفسهم إلى مواليهم أكثر من أممهم. , أهم من ذلك, أن القيود السياسية والاقتصادية للنظام الإقطاعي قد حدت من تطور فئة التجار التي ثارت بين حين وأخر لخلق كيان سياسي يسمح لهم في ظله بتحقيق أمانيهم. وكان الشكل الطبيعي لهذا قيام دولة موحدة برجوازية ديمقراطية.

 

وفي أفريقيا , قلب النظام الاستعماري الأمور رأساً على عقب , حيث وقف حائلاً دون قيام نهضة اقتصادية : دمر المؤسسات السياسية القائمة , وتعمد تقسيم الأراضي تقسيما نسلياً. ولهذا فالتجربة الأفريقية تختلف كثيراً عن مثيلتها الأوروبية في أن الاستيطان نفسه يشكل قاعدة الدول الحديثة. ولكنها قاعدة هزيلة. أضف إلى ذلك, أن كان له أثراً بعيداً في المجتمعات الأفريقية عند تقييمنا للمجتمعات الأفريقية المعاصرة: نقاط القوة والضعف, وجودها من عدمه.

ونعود فنقول انه لم يسبق أن وقعت إرتريا تحت حكم الحكومة الإثيوبية, بل كان ذلك على يد الإيطاليين. وعبر النصف الأول من هذا القرن, اتخذ التطور الاقتصادي والاجتماعي نفس السمات المعهودة في القارة مع اختلاف بسيطة غير جوهرية. وفي الحقيقة, هناك حقبتان متميزتان في فترة حكم الإيطاليين: أولاها دامت ما بين 1890 حتى 1930 حين استولت الفاشية على مقاليد الحكم وقامت برسم سياسة استعمارية تمهيدا لشن موجة غزو توسعي جديدة. ومثل البرتغال – وعلى العكس من بريطانيا وفرنسا— كانت إيطاليا نفسها قوة استعمارية فقيرة وذات تعداد سكاني كبير. ولذا, فقد رأت في إرتريا فرصة ذهبية لتصدر إليها بعضها من سكانها. ولذلك فقد بنت موانئ وشبكة طرق  واسعة في أنحاء البلاد وقامت بإنشاء خط سكة حديد بين مصوع وأسمره. واستأجرت إيطاليا أهل إرتريا للقيام بكل هذه المشروعات معلنة بذلك بدء نهضة الطبقة العاملة التي تألفت بكل المستعمرات الأفريقية الأخرى – من قبائل عديدة تتحدث بلغات مختلفة.

 

وبالطبع لم يكن يهم الإيطاليون سوى استخراج ما يمكن استخراجه من معادن ومواد خام لتسير صناعات بلدهم الأم, وليس رفع مستوى المعيشة بين سكان إرتريا على أن خطة إيطاليا في توطين مواطنيها في إرتريا أدى إلى مصادرة الكثير من الراضي الزراعية الخصبة ونزع ملكيتها  مما دفع ساكنوها الأصليون إلى النزوح إلى المدن الأخرى مما اضعف صلاتهم وروابطهم القبلية.

وبحلول عام 1930 , شهدت البلاد توسعاً كبيراً في مشروعات المرافق  والخدمات , وتم وضع برنامج إيطالي  لا عداد القوات الإيطالية للغزو جهة الجنوب. وكان الهدف أن تجعل من إرتريا معقلاً وقاعدة لغزو القرن الأفريقي  كله أو على حد تعبير موسوليني ” أن يجعل منها قلب الإمبراطورية الرومانية الجديدة ” . وبناء على ذلك, قامت الصناعات الخفيفة وزادت نسبة تعداد السكان الأوروبيين من 5,000  نسمة في  عام 1930 إلى ما يربو على 50,000  نسمة في عام 1935.

وقابل ذلك زيادة في السكان 20% عام 1940. ولهذا نجد أن إرتريا قد تفردت عن أخواتها الإفريقية بنهضة اقتصادية واجتماعية. وعلى العكس من أخواتها الأفريقية, تأثر كل شبر من أراضي إرتريا بالوجود الإيطالي. على أن الإيطاليون لم يحاولوا ” طلينة ” السكان الأصليين. إلا أنهم أغلقوا مجالات, وحدوا من الأنشطة التجارية. وكان حاجز اللون قائماً بشكل تعسفي كبير في المدن كلها. وحرم أبناء إرتريا من الخدمات الطبية, وسقطوا — نتيجة لذلك فريسة الأمراض والأوبئة والفقر المدقع.  وهذه الظروف قد شجعت بعض الإرتريين على الالتحاق بالجيش الإيطالي, وجند 60,000 منهم في ليبيا.

وكان للفترة القائمة في النصف الأخير من الثلاثينات أثر خاص على تشكيل الظروف الاجتماعية في إرتريا. إذ ظهرت طبقة عمالية حضرية وقروية كبيرة, وأخرى صغيرة من صغار تجار الطبقة المتوسطة والموظفين والجنود. وعم النظام الارستقراطي الإقطاعي شلل عام مما أدى إلى خلق فجوة كبيرة في صميم المجتمع الإرتري.

وشهد مقدم الإنجليز ترحيباً من الإرتريين في بادئ الأمر بوصفهم ” المخلصون” و ” المحررون” للبلاد من قبضت الاستعمار الإيطالي.

 

فالمنشورات التي كانت تسقطها الطائرات قد وعدت أبناء الشعب بالحرية, وبإنعاش الآمال القومية العريضة. ولكن الإنجليز قد خذلوا أبناء الشعب الإرتري باحتلالهم أراضيهم في إبريل 1941 على يد قائد الإمبراطورية لقوات الشرق الأوسط. وقامت إنجلترا بوضع خطط جديدة لإعادة توجيه المصادر البشرية والطبيعية لإرتريا نحو جهود حرب الحلفاء. وفي مقابل ذلك, قامت بإزالة حاجز اللون بين القوميات المختلفة للإسراع بتنفيذ هذه الخطط. تم قامت ببناء مدارس حيث سمح لعدد محدود من أبناء الشعب بأخذ نصيبهم من التعليم, عينوا بعضهم  في وظائف مرموقة خصوصاً في قوات الشرطة . ولكن في عموم القول . سارت الأمور من سيئ إلى أسوأ من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية: فما بناها لمحتلون الإيطاليون قد  بقي على حاله ونزعت أراضي جديدة من المزارعين الإرتريين لحساب الرأسماليين الإيطاليين وعمت البطالة البلاد بعد حل الجيش وتسريحه.

 

 ودام الاحتلال الإنجليزي لإرتريا قرابة احدي عشر عاماً يمكن تقسيمها إلى فترتين: سنين الحرب ثم سنين ما بعد الحرب. وبإغلاق  قناة السويس , شهد النصف الأول من الأربعينات استغلال الإنجليز لما بناه سابقوهم الإيطاليون من قواعد استخدمت في إمداد القوات في شرق أفريقيا  وجنوب الجزيرة العربية. على الرغم من ذلك, شهدت البلاد رخاء اقتصاديا, ونموا كبيراً في الطبقة العاملة في الحضر , وأيضا استنزافا أكبر للقوات العاملة في الريف. ولما وضعت الحرب أوزارها, تغيرت الأمور تماماً: إذ أغلق عدد كبير من المصانع فجأة, وحلت مصانع أخرى قليلة نقلت بكاملها خارج إرتريا , بينما عادت بقيتها إلى إنتاج ما كانت تنتجه قبل الحرب , وتقلصت مساحة الأراضي الزراعية مما ترتب عليه تشرد الآلاف من عمال إرتريا . وصاحب ذلك إقامة 59 مدرسة للتعليم الإلزامي ومدرسة ثانوية واحدة, وتقلصت القيود على التجارة.ثم ساء الموقف أكثر وأكثر  بفرض ضرائب باهظة على الفلاحة, مما دفع بفلاحي إرتريا إلى النزوح إلى المدينة سعياً وراء الرزق.

 

وولدت كل هذه العوامل سخطاً  عاماً أخذ في بعض الأحايين شكل غضب وثورة جماعية . وسمح الإنجليز بحرية التعبير عن الرأي وأقاموا صحافة نشطة وخدمة إعلامية للدعاية للحرب. والت هذه الخدمات على أبناء إرتريا بعد الحرب واستغلوها في المطالبة بإدخال تغيير داخلي شامل.ِ وشكلت النقابات العمالية في المصانع , وتكون هذه الأشكال  التنظيمية بالتعبير عن الخط السياسي العميق. وكانت في تعبيرها عن هذا إنما تتحدث بكونها تخص أبناء إرتريا جميعهم وليس من أجل طائفة أو قومية معينة. وهناك علم بارز في هذا الشأن يدعي ولدآب ولدي ماريام  وهو من أشهر المعلقين الذين دأبوا على نشر عمود يومي عن مستقبل إرتريا. وأصبح ولدآب ولدي ماريام بعدها رئيساً لنقابة عمال إرتريا, والتي لعبت دوراً بارزا في  دفع القضية قدماً أبان الخمسينات.

على أن هذا لا يدفع القول بأن الانقسامات  الدينية والقبلية قد استمرت في تأثيرها البالغ على المجتمع الإرتري, هذا التأثير الذي رحبت به قوات الاحتلال الإنجليزي لإضعاف  المعارضة المستعرة ضد احتلالهم . ولم يكن في نية بريطانيا منح إرتريا استقلالها, بل مهدت من قبل لتقسيم إرتريا إلى جزئين تقسمهما مع السودان وإثيوبيا. وقد غطت التطورات السياسية في إرتريا أبان الأربعينات في أثارها على ظهور القومية الأفريقية كفكرة. وامتدت هذه الآثار لسنوات عديدة بعدها, إلا أن كان من سوء طالع إرتريا أن هذه التطورات لم تأتي في وقت المناسب. فالساحة الدولية لم تكن قد تهيأت بعد لمناقشة فكرة التخلي عن المستعمرات, ولم تصادف بالطبع هوى في نفس قوى الاستعمار التي قاومتها بشدة.

 

ومنذ زمن بعيد والإمبراطور هيلا سيلاسي يلحظ بعين الاعتبار تلك المنطقة المتطورة على ساحل  البحر الأحمر. وذلك لأسباب عديدة منها: إنها تمثل قاعدة صناعية تفتقد إمبراطوريته الإقطاعية المتخلفة مثلها, علاوة على ساحل يمتد قرابة1000 كم بخلاف مملكته المغلقة. ولكن كان الإمبراطور أن يحكم قبضته على ساحته أولاً حيث الشعب الإثيوبي يكره العودة إلى سيطرة الإقطاعيين. وكان إقليم تيجراي مسرحاً لأنجح محاولات التمرد في على الإمبراطور أن يحكم قبضته على عام 1943 عرفت بعد ذلك باسم ” ثورة  وأي  أني “وفرقت القوات  الإنجليزية هذه الثورة بالتدخل المسلح عن طريق إرسال طائرات قاصفة من قاعدة عدن القريبة (اليمن الجنوبية الآن) . وكانت “مقلي” – عاصمة التيجراي أكثر المناطق تعرضاً لقصف القوات البريطانية.

في نفس الوقت , تخلت بريطانيا عن حقها في كل مستعمراتها في أفريقيا بمقتضى معاهدة باريس تماماً كما أرغمت ألمانيا بمقتضى معاهدة فرساي  في أعقاب الحرب العالمية الأولى, وبقيت هناك القوى الربعة الكبرى : الولايات المتحدة, بريطانيا, فرنسا والإتحاد السوفيتي. وتلكأت بريطانيا في تنفيذ فكرة التخلي عن إرتريا على أمل إنه إذا لم تحسم المشكلة , فيمكن طرحها برمتها أمام الأمم المتحدة حديثة الشكل . وفي نوفمبر 1947, شكلت لجنة تقصي للتحقيق في هذه المشكلة وإعداد تقرير بذلك. ولما لم تحسم القضية حتى مايو 1948, قدمت على المم المتحدة للبت فيها. وفي عام 1949 قدمت بريطانيا مشروعاً لتفتيت إرتريا ( وكذلك لتقسيم ليبيا إلى أجزاء ثلاثة تشرف بنفسها عليها بمساعدة فرنسا وإيطاليا). وعند هذا الحد , أكدت القوات الإرترية ذاتها على نطاق واسع بمعارضة المشروع البريطاني الذي اسقط كلية.

 

وفي الوقت نفسه , تفسخت إرتريا نتيجة لقيام الفورات الاجتماعية  وثورات الفلاحين. ففي الراضي الواطئة الغربية,قامت حركت قومية مناهضة للنظام الإقطاعي حين امتنع المزارعون عن دفع الضرائب وطالبوا بالخروج من ربقة ملاك الأراضي . وهذا قد حرض إخوانهم في الراضي المرتفعة على مهاجمة المزارع الإيطالية بعنف بلغ في بعض الحيان قطع رؤوس الإقطاعيين الإيطاليين أنفسهم. ولكن للأسف انعدم التنسيق بين هذه الثورات بعضها البعض مما أفقدها الدفع المطلوبة.

 

وبانقضاء هذه الفترة, أدرجت القضية على رأس قائمة جدول أعمال الأمم المتحدة. ومثلت إرتريا ثلاثة أحزاب سياسية: الحزب الوحدوي الإثيوبي, حزب التجمع الإسلامي, وحزب الأحرار التقدميين. وطالب التجمع الإسلامي وحزب الأحرار التقدميين بالاستقلال, ولكن كانت القيادة فيهما في يد الطبقة لمتوسطة وبعض الإقطاعيين. والأكثر من ذلك, أن لجنة الأمم المتحدة قد انقسمت على نفسها. فعلى حين طالبت النرويج وبورما وجنوب أفريقيا بانضمام إرتريا إلى إثيوبيا ( أيدت النرويج إتحادا كاملاً, وأيدت  بوما وجنوب أفريقيا  إتحاد فيدرالياً) طالبت كل من باكستان وجواتيمالا باستقلال يمنح بعد عشر سنوات تحت وصاية الأمم المتحدة. هذا , بينما أيدت الولايات المتحدة, التي أصبحت قوة عظمى عقب الحرب العالمية الثانية ـــ انضمام إرتريا إلى إثيوبيا.

 

وأيدت الكتلة السوفيتية ـــــ كدأبها في هذه الأيام ــــ منح إرتريا استقلالها . وورد على لسان رئيس الوفد السوفيتي لدى الأمم المتحدة اندريه فيشنسكي ” أن الإتحاد السوفيتي يؤيد الاقتراح بمنح إرتريا استقلالها. ونحن نبني ذلك على أن لكل الشعوب الحق في تقرير المصير والاستقلال القومي. وبما أن النظام الاستيطاني هو في انحسار, ينبغي على الأمم المتحدة ــــ عند تقرير مصير إرتريا وهي احدي المستعمرات الإيطالية , أن تتخذ قرارا من شانه أن يرضي لهفة أبناء الشعب الإرتري على الاستقلال والتحرر من ربقة القمع الوطني . والجمعية العامة لا يمكن أن تتساهل في عرض صفقة في صالح القوى الاستعمارية تأتي على حساب شعب إرتريا.

 

والحجج والمحاولات التي تقدم ضد الاقتراح بمنح إرتريا استقلالها فورا إنما تردد دفاعاً عن النظام الاستيطاني. فمن زعم القول مثلاً أن إرتريا بلد متخلف , ليست مهيأة للاستقلال بعد, وأن منحها هذا الاستقلال  سوف يؤدي إلى فوضى سياسية. ولهذا فأن وفدنا يناشد بقية أعضاء الوفود التصويت من أجل منح إرتريا استقلالها الذي هو حل عادل لهذه القضية.

 

هذا على حين كان الوفد التشيكي أعنف في الرد على الاقتراح بعقد إتحاد فيدرالي بين إرتريا وإثيوبيا.

” يبني وفدنا وجهة نظره على أساس أن لكل الشعوب الحق في الحرية والاستقلال. وأن حرمان شعب إرتريا من هذا الحق ليس فقط انتهاكا للميثاق, وإنما هو ممارسة عنصرية ضد بلد يناضل من أجل نيل حريته”. ومشروع القرار الذي أقرته اللجنة السياسية المنبثقة يخلف الميثاق نصاً وردما ولا يقدم سوى حل مجحف إذ يفرض على أبناء شعب إرتريا حلاً لا يتمشى والمصالح القومية لإرتريا, والذي تعارضه الأغلبية من السكان. ونحن نرى أن الحكومة الفيدرالية المفروضة على إرتريا لا تقوم على أساس حرية التعبير الديمقراطي عن رغبة كلا الدولتين( إرتريا وإثيوبيا) إنما هو قناع لضم إرتريا الصغيرة إلى دولة أكبر منها من حيث التعداد السكاني.

 

وحتى لو تبدلت المبادئ الذي قدمها الإتحاد السوفيتي وقلبها رأساً على عقب نظراً للتحالف القائم اليوم مع إثيوبيا , فأن الولايات المتحدة قد ثبتت على موقفها . إذ تحدث وزير خارجيتها جون فوستر دالاس بمنتهى الوضوح فقال : ” إحقاقاً للحق , فأن أراء الشعب الإرتري ووجهة نظرهم يجب أن تكون محل نظر واعتبار. وبالرغم من ذلك , فأن المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في حوض البحر الأحمر واعتبارات الأمن واللام الدوليين تفرض أن تنضم إرتريا إلى حليفتنا إثيوبيا” .

 

لقد كان الإتحاد السوفيتي يعارض الولايات المتحدة على أساس المبدأ نفسه, ولربما للدفاع عن مصالحه في السعي نحو عرقلة الولايات المتحدة في فرض سيطرتها على هذه المنطقة الإستراتيجية. وبلا شك كان أبناء الشعب الإرتري كانوا سيشعرون بالامتنان العميق للمساعدة السوفيتية لو كان قدر لها النجاح , ونال الشعب استقلاله, ولكن يبقى أنه ليس بين صفوف قادة الحركة الوطنية الإرترية أي من الماركسيين,وليس هناك من ضمان في أن تسعى إرتريا بعد استقلالها إلى الدخول كحليف مع اتحاد السوفيتي . ويبقى أن الموقف السوفيتي قد انبثق عن الاعتراف بإرتريا كأمة لها الحق في تقري مصيرها بنفسها على عكس الموقف الأمريكي الذي يرى أن تكون حقوق إرتريا تابعة لمصالح الرأسمالية الغربية التي تتزعمها الولايات المتحدة. ومن المضحك حقاً أن يردد الإتحاد السوفيتي نفس النغمة التي ترددها الولايات المتحدة.

 

ومنذ الخمسينات وحركة التطور الوطني الإرتري في نمو وازدياد نتيجة ثمانية عشر عاماً من النضال المسلح من أجل استقلال. ولم يتغير موقف الولايات المتحدة, ولا يزال الإتحاد السوفيتي يردد نفس النغمة المشابهة بحجة أن التغيرات التي طرأت على إثيوبيا قد غيرت من الوضع محل الدراسة. والحقيقة انه (أي الإتحاد السوفيتي ) قد غير من مبادئه السابقة جرياً وراء مصالحه.

 

وقد نمت عملية انتقال السلطة من الإنجليز للأثيوبيين بطريقة ناعمة للغاية وربما تغيرت الوجوه , ولكن ليس هناك تغير جذري في العلاقات السياسية واقتصادية واجتماعية بين إرتريا ومحتلوها الجدد (إثيوبيا) فقد  انتزعت من أبناء إرتريا مكاسبهم المؤقتة وفجعوا في أمالهم في الاستقلال والحرية. فالإتحاد الفيدرالي صار تأريخاً وقد بدأ الكفاح من اجل استقلال القومي . وتحول هذا الكفاح فيما بعد إلى ثورات داخل جبهة التحرير. وما بدأ كجبهة تحرير إرتريا قد انقسم إلى منظمتين متناحرتين هذه أولاها, والثانية الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا ولكل رأيه ووجهة نظره إزاء استقلال البلاد. وما بدأ لمقاومة تلقائية غير منتظمة قد آل إلى فورة قومية أولاً ثم إلى ثورة اجتماعية ثانياً.

 

وفي عام 1952 , صار اتحاد الفيدرالي بين إرتريا وإثيوبيا ساري المفعول , ولكنه كان معيباً منذ البداية.  فبمقتضى اتفاقية الأمم المتحدة, فالدستور يوفر حماية اسمية لأبناء إرتريا, واستقلال ذاتي داخلها, وبرلمان ولكن الاتفاقية قد أعطت لإمبراطور إثيوبيا سلطة مطلقة على كلاً الدولتين. فإرتريا دون حق في الانفصال ودون جيش ــــ مهيضة الجناح إزاء السلطة الإمبراطورية, فحق أبناء إرتريا الديمقراطي في حرية كحرية التعبير مثلاً صارت موضع اختلاف ونزاع مع حكم الإمبراطور هيلا سيلاسي. وتم إصدار قانون اعتقال الوقائي ونفاذ الصحف أما قبض عليهم وإما أرغموا على الفرار بجلدهم إرغاماً. وقد أرغمت مصانع عديدة إلى الانتقال من إرتريا إلى أديس أبابا قسرا وتحت التهديد  بالمصادرة , وأغلقت صحف المعارضة . وشمل القمح النقابات العمالية وسحقت الأحزاب السياسية سحقاً. ودار كل ذلك ضمن مخطط واسع للحد من التباين السياسي والاقتصادي بين البلدين, وذلك للإعداد لضم إرتريا ضماً كاملاً لإثيوبيا. ولكن لم تكن الأمور لتستمر كما تشتهي النفس .فرئيس المجلس التشريعي الإرتري تيلا بايرو قام بتعطيل هذه الإجراءات . وكان النتيجة عزله ولإتيان بمن هو خير معين وخير منفذ لتعليمات ممثل الإمبراطور الشخصي إندالكاشو أبان السنوات  الأولى من الإتحاد الفيدرالي . ولكن نقض اتفاقية الأمم المتحدة قد أثارت احتجاجا عاماً: في عام 1956 انقطع الطلبة عن الدراسة. في سنة 1957 نظمت مظاهرات في أسمرة ومدن أخرى كثيرة عقب إحلال اللغة الأمهرية محل التجرينيا والعربية وهي اللغات الرسمية. وقوبلت ردود الفعل هذه بعمليات قمع على يد قوات البوليس والجيش معاً.

 

ومن المهم أن نؤكد أن إقامة قواعد عسكرية أمريكية في إرتريا عام 1953 قد لعب دوراً رئيسياً في تسليح إثيوبيا. فقد كانت المساعدات العسكرية ترسل إلى إثيوبيا عن طريق هذه القواعد سنوياً كمقابل لإقامتها في إثيوبيا. وتتلقى القوات الإثيوبية تدريباتها في أمريكا . وشهد الجيش الإثيوبي عملية تحديث لتشكيلة إلى فرق ثلاثة ( أضيفت إليها فرقة  رابعة أخرى بعد ذلك ) مع مزيد مما تبعها من الأسلحة والمعدات الأمريكية أبان الحرب العالمية الثنية. فهذا يعد بالتالي إتحاد عسكري سياسي بيد أمريكا وإثيوبيا رغم احتجاج أبناء الشعب الإرتري.

 

وبلغت الصحوة مداها سنة 1957. فإثيوبيا تملك من الأسباب القوية ما يدعوها على الإحساس بشعور عدائي ضد إرتريا: ففي إرتريا نهضة اقتصادية ليست في إثيوبيا. وهناك الإيرادات الخيالية  من الرسوم الجمركية . وقامت السلطات الإثيوبية بحبس وترحيل قادة إرتريا , وقامت أيضاً بتمزيق الدستور, ثم هناك الأسباب قد اجتمعت دفعة واحدة مما أدى بالإتحاد العمالية ـــ  التي كانت تعمل سراً ـــ إلى الدعوة إلى إضراب عام وتنظيم مظاهرات للاحتجاج على نهب أراضيها والمطالبة بالاستقلال عن إثيوبيا . وكم كانت النتيجة سريعة ووحشية إذا تم استدعاء

 قوا ت البوليس والجيش لتشتيت المظاهرات, وفتحت النيران على المتظاهرين الذين سقط منهم أكثر من 500 فرد ما بين قتيل وجريح. وكسب هيلاسلاسى الجولة ولكن كم كان الثمن فادحًا. ففي نفس السنة, أجمعت حقبة من الرجال سراً وشكلوا حركة تحرير إرتريا إلا إنها كانت ما تزال عاجزة عن حمل سلاح تناهض به النظام الإثيوبي, ولكنهم أرسوا بذلك دعائم العمل السياسي للكفاح المسلح الذي بدأ بعد ذلك بسنوات ثلاثة.

 

وعلى الرغم  من إظهار المعارض للحكومة الإمبريالية جهارا  ونهارا, فأن الحركة الوطنية كانت في أضعف حالاتها . فالظروف الاقتصادية المتدهورة أدت إلى نزوح العمال الإرتريين ــ ومعظمهم من خيرة المناضلين  ـــ إلى البلاد  المحيطة في الشرق الأوسط وأوروبا واستقر الحال بولدآب ولدي ماريام في القاهرة. زد على ذلك , أن النفوذ المتزايد للكنيسة القبطية قد عزل ساكني الراضي الواطئة من المسلمين من إخوانهم الأقباط في الراضي المرتفعة . واشترى الإمبراطور ــ

المعروف دوماً بقدرته الفائقة على ضرب الأفراد والفئات من الجنسيات المختلفة بعضهم البعض في إثيوبيا ـــ حفنة من الإرتريين بوعدهم بمزايا اقتصادية وألقاب إقطاعية لاتسمن ولا تغني من الجوع. وقد اسند إليهم وظائف في الدواوين الحكومية وأعطاهم الأراضي, وسمح لهم بتجارة مفتوحة. وهذه الفترة قد شهدت ازدهار البرجوازية الإرترية  التي اتحدت مع إقطاعيي  الأراضي الواطئة الذين يلقون الدعم ـــ وأي دعم ــ من الإمبراطور هيلاسلاسى.

 

هذا مما دعا مجموعة من الرجال في شمال إرتريا إلى تشكيل جبهة تحرير إرتريا عام 1961. وفي سبتمبر من نفس العام, شن هؤلاء الرجال أول هجوم لهم على موقع إثيوبي صغير بغية إعلان الحرب التي لم يكن أحد يتصور تصاعدها إلى هذا الحد. وكانت الخطة مجرد أثارة القلق وشد انتباه المجتمع الدولي, وحث الأمم المتحدة على اتخاذ إجراء نحو إلغاء اتفاقية الإتحاد الفيدرالي . ولكن كل ذلك كان سرباً. فعندما بعث هيلاسلاسى  بقواته في لعام التالي لمحاصرة المجلس الإرتري وإرغام أعضائه على حل البرلمان . ولم تحرك الأمم المتحدة ساكنا. وفي 14 نوفمبر سنة 1962 بلغت المهزلة أقصاها عندما فتح البوليس نيران الرشاشات على أعضاء المجلس اخل صالة الاجتماعات, وأعلن الإمبراطور إرتريا الإقليم الرابع عشر لإثيوبيا.

وكانت طلقات الرصاص تعبر عن الغضب لا عن خطة موضوعة لتنفيذها. وبهذا نجد أن جبهة تحرير إرتريا ــفي بدئها ــــ قد كسبت تأييد ودعم أبناء إرتريا , وظلت في نمو مضطرد رغم انعدام المحتوى الاجتماعي والتناقضات الكثيرة داخلها, إذ كان رؤساؤها من الإقطاعيين الغربيين الذين نبذهم الإمبراطور والفئة العليا من الطبقة المتوسطة والذين أطاح الحكم الإثيوبي  بآمالهم وطموحاتهم .

وزاد من حدة الصراع تصاعد العمليات الحربية من جانب إثيوبيا وحلفاؤها من الخارج,تزايد القصف الجوي , تطويق المواطنين على غرار ما جرى في فيتنام, استقدام أعتقد الأساليب لمقاومة التمرد على غرار تلك التي استخدمتها الولايات المتحدة في جنوب شرق أسيا وإسرائيل في الشرق الأوسط , هذا رغم أن النضال الإرتري موجه ضد الإمبريالية وضد حرب الاستيطان. وفي  غضون الستينات قامت جبهة تحرير إرتريا بتدريب كوادر في كوبا والصين والجزائر وبلاد أخرى ذات ميول اشتراكية. في سنة 1959,  كان الإتحاد السوفيتي بصدد تنفيذ سياسة لمساعدة إثيوبيا تلك  التي بدأت ببناء معمل لتكرير البترول في الميناء الإرتري عصب.

وفي ظل هذه الظروف, وجد أبناء إرتريا أنفسهم متوجهون إلى الحركات السياسية ومنظمات التحرير طلبا المساعدة. وأقامت الجبهة علاقات  مع الحركة الوطنية العربية , حزب البعث في سوريا والعراق, اليمن الجنوبية والحركات العمانية وبعض من القوى اليسارية في المنطقة العربية وكانت النتيجة انتشار المفاهيم  السياسية الماركسية والتكتيكات. والتي وجدت أرضا خصبة لدى مقاتلي المقاومة الذين نفد صبرهم نتيجة تناحر قادة الحرب على الصدارة والمنافسة فيما بينهم وعجزهم عن شن حرب ناجحة. وفي الحقيقة أن هذه القيادات قد عرقلت مسيرة الحركة الوطنية , فالتقدم الإيجابي الذي أحرزتها الأمة الإرترية قد تخطى كل الانقسامات السياسية التي وسمت بجيشها جيش التحرير, فالمقاتلون كانوا يرغبون في منظمة وطنية مخلصة,وإستراتيجية عسكرية شاملة وفي  محتوى اجتماعي يناضلون من جله وتبع ذلك فورة منظمة شاملة أتت إلى جانب جبهة التحرير بالجبهة الشعبية لتحرير إرتريا.

 وشهدت السنوات الأولى من السبعينيات حربا أهلية هائلة بين الجبهتين ولكن بحلول سنة 1974 عقدت كلاهما هدنة  وبحلول سنة 1977 أقامت الجبهتان جبهة موحدة لإصلاح ذات البين واستمرت كل من الجبهتين في هذا العام في الاستيلاء على المدن والقرى الرئيسية في إرتريا مما مكنها أخيراً من إرساء حجر الأساس في إقامة حكومة وطنية وإنشاء  شبكة متطورة من الطرق والمواصلات والإنتاج الاقتصادي  والتوزيع وأيضا الزعامة السياسية وهنا فقط تدخل الإتحاد السوفيتي بطريقة مباشرة إلى انب إثيوبيا وأرغم الجبهتين الإرترية على التقهقر مؤقتا.

 

ولكن على الرغم من أن الحرب لم تكن في صالح الثورات الإرترية إلا أن تطور الأمة الإرترية سار  قدماُ في 18 عام من القتال المرير والموت والدمار والقهر إلى جانب اقتصاد غير رشيد , كل هذه القلاقل قد أثرت في المجتمع الإرتري تأثيرا جذريا, ولكنها في نفس الوقت  وفرت الظروف الفريدة التي دفعت بخطي التحول والإتحاد قدما. وأدي ضعف البناء السياسي والاجتماعي إلى تمهيد الطريق لخلق ظروف جديدة. ففي بؤرة النضال من أجل التحرير يمكن العزم والتصميم على تخطي الانقسامات الاجتماعية الداخلية وإذابة الأمة الإرترية تماماً في بوتقة من شأنها خلق قوة  عسكرية وسياسية صلبة ومتماسكة . ونجاح أبناء إرتريا وتوفيقهم على أرض المعركة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل أولا ثم الإتحاد السوفيتي وحلفاؤه ثانياً لهو مثال حي على تحقيقهم للوحدة الوطنية.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6850

نشرت بواسطة في أبريل 19 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010