من مجازر الجيش الاثيوبي والكموندوس في اريتريا

الاستاذ/ محمد أحمد إدريس نور

أستراليا ـ ملبورن

 

 

ضمن تلك المعتقلات التي أنتشرت في القطر الاريتري خلال الاحتلال الاثيوبي لاريتريا خاصة من عام 1962م وحتي نهاية ذلك الاحتلال المشؤوم، كان المعتقل الذي أقامه الجيش المذكور في مدينة كرن علي قاعدة القلعة الشهيرة في وسط المدينة.

 

ففي عام 1970م أعترض مقاتلوا جبهة تحرير اريتريا قوات اثيوبية كانت متجهة من أسمرا العاصمة الي مدينة كرن وقامت بينهم معركة كبيرة كان النصر فيها للثوار. حيث قتل عدد كبير من ضباط الجيش الاثيوبي ناهيك عن الجند وكان يين الموتي القائد العام للقوات الاثيوبية في اريتريا والذي هو الجنرال (تشومي إرغيتو) وأنهزم الجيش الاثيوبي شر هزيمة في تلك المعركة والتي كانت بالتحديد في منطقة عيلا برعد، ونتيجة لهذه الهزيمة القاتلة قررت الحكومة الاثيوبية الانتقام من المدنيين العزل الأبرياء، فاعتقلت كل من له والد أو ولد أو أخ خارج اريتريا في ذلك الوقت، بالإضافة الي من أشروا عليهم الجواسيس أو أشروا عليهم الحاقدين، وزاد عدد المعتقلين من مدينة كرن وضواحيها من كبار السن والشباب علي ستين شخصاً، وبدأ الجيش فيهم عملية الانتقام فوراً، فكلما خرجت قوة من الجيش أو الكمومندوس خارج المدينة بنية القتل وحرق القري يأخذون معهم ثلاثة أو أربعة من المعتقلين الأبرياء ويعدمونهم في طريقهم الي الأرياف، وكان بعض المعتقلين يعدمونهم ليلة إعتقالهم وهؤلاء لايدخلونهم المعتقل بل يربطونهم بالحبال علي جذوع الأشجار القائمة أمام المعتقل ثم يسلمونهم للقوات المغادرة كما هي العادة.

 

إلي جانب الإعدامات بدؤوا يعذبون المعتقلين بتجويعهم، فلا يصل اليهم طعاماً من ذويهم ولا يستقبلون زائراً إلا أن يكون معتقلاً ولا يقدم لهم الجيش من الطعام إلا مايبقيهم نصف أحياء إنتظاراً للإعدام، وكان بين المعتقلين رجل كبير السن يقارب عمره التسعين عاماً وكان فطناً وشجاعاً وهو من مدينة كرن عليه رحمة الله، أخبر بعض حراس المعتقلين من الجيش بأنه هو نفسه شيخ مستجاب الدعاء (إدعاء متعمد) وأن من يدعو له يعود سالماً الي أهله ذلك شرط أن لا يأذي بريئ أو يعتدي عليه، وقبل ذلك كان المعتقلون أشتهروا بصلاة الجماعة، كما كانوا يقيمون المولد ليلتي الجمعة والإثنين حيث كان بينهم عددُُ من الذاكرين، وهذا كان له أثره في نفوس الجنود فصاروا يترددون الي هذا الشيخ الجريئ رحمه الله طالباً كل منهم الدعاء، فيشترط عليهم الشيخ أن يقدموا طعاماً الي المعتقلين ولا يطلب منهم غير ذلك، وعليه فطالبوا الدعاء أغدقوا المعتقلين الجياع بعلب بدرة الحليب الكبير والرغيف والسكر والشاي مقابل الدعاء لهم، وبلغ خبر الشيخ المعتقل وكراماته التي روّجها الجنود والضباط الي قائد المعسكر العقيد (ولنا جُماّ) فسمح بدوره للشيخ أن يتنزه نهاراً فقط كما شاء في معسكر الجيش الواسع وحتي ملابس الشيخ صارت تغتسل مع ملابس الجنود بدون مقابل، ذلك مما شجع الشيخ علي طلب اجازة أسبوعين ليطمأن علي محصول مزرعته الموجودة في منطقة(حومرا) ولكن القائد رفض الطلب قائلاً لم أسمع في حياتي بمثل هذا الطلب من سجين!، ومن طرائف شيخنا وخلال الأيام التي كان المعتقلون يعانون فيها المجاعة وحرمانهم من دخول الطعام اليهم من ذويهم وأهليهم وصلت الي المعتقلين وبطريقة سرية قراصة كبيرة الحجم ولم يدر أحد من المعتقلين لمن تخص فلم يكن عليها اسم شخص معين أو خبر مسبق عن وصولها، فاحتار المعتقلون في أمرها وكل منهم يتمني أن تكون من نصيبه اي مرسلة اليه من أهله، وحينها لم تكن كرامات شيخنا قد أستوت ولكن حل المشكلة حلاً عقلانياً، نظر الي القراصة وقال: هذه قراصتي تعرفت عليها عن طريقة إعدادها والخطوط التي عليها فهي من عمل زوجتي! فصدقوه الأسري، فقسمها شيخنا قطعاً صغيرة ووزعها علي المعتقلين ولو أنه كانت كل قطعة أقل من لقمة واحدة.

 

وفي اليوم التالي وصلت رسالة سرية أي بطريقة سرية الي سجين آخر من المجموعة غير شيخنا وهي توضح الأسرة التي أرسلت القراصة فقدمها صاحب الرسالة الي شيخنا، فقال الشيخ لصاحب الرسالة بنت من هي زوجتك؟ فردّ عليه زوجتي إبنة فلان فقال الشيخ إذن زوجتي وزجتك من فرع واحد في القبيلة وعليه فطريقة اعدادهن للقراصة متشابهة جداً ثم إني لم آكلها لوحدي بل وزعتها علي الجميع وأنت واحد منهم.

 

وبعد أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل قام الكموندوس والجيش الإثيوبي بحرق قريتي عونا وبسكديرا وقتلوا سكان القريتين بمن فيهم من الأطفال والنساء وعابري السبيل، وفي قرية هبْرمْ غاغا القريبة من عيلا برعد قتلوا في مصلي العيد أربعة وخمسين مصلياً أي جميع من حضروا الصلاة في تلك المكان، بعد ذلك توقفوا عن قتل من تبقي من المعتقلين المذكورين وأفرجوا عننا بكفالات بعد إعدام الكثيرين منّا، وهكذا فمثل هذه المعتقلات ومآسيها كانت في كل منطقة في اريتريا خاصةً المنطقة الغربية والشرقية والشمالية! وكانت نهاية الجيش الاثيوبي نهاية كل ظالم فهزمهم الثوار شر هزيمة، ودفعوا هم وسادتهم جزاء ماقدموا من سوء عملهم.

“إزرع جميلاً تكن للخير محتصلاً ــ فطالما يحصد الإنسان مابذر”

فاعتبروا يااولي الأبصار!!

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8199

نشرت بواسطة في مايو 31 2005 في صفحة مواقع تأريخية. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010