من مخيم الإهمال

بقلم / متكل أبيت نالاي  

ما هذه الفرحة التي كست مدينة أسمرا ؟ ما هذا البهجة التي ملئت نفوس أهلها بالسعادة ؟ السماء ملبدة بالغيوم والأرض مخضرة مدى البصر, والأعلام ترفرف فوق المنازل, والعيون مفتونة تنهل من هذا لمهرجان التي يبعث في أرواحهم السرور فيحملهم على المرح والغناء لذلك الجندي المجهول.

جرحى حرب التحرير بصفة عامة وخصوصا من فقدوا بصرهم وحدهم تراهم يقبعون فوق الكراسي المتحركة عديمي التأثر بما حولهم يقاسون ظلامهم الأبدي. فاءذا قال لهم أحدهم “أن الطقس جميل اليوم “, لم يملك سواء  الرد قائلاً ” لاحظت ذلك, وذلك هادئين كعادتهم وسط هذا الزهو  لا يملكون سوى تهنئة الرئيس العابث بالوطن والشعب الإرتري بيوم استقلاله الافتراضي.

لقد عرفت أحد هؤلاء الرجال كمقاتل شديد مرر بعدة حروب وتابع زحفه حتى فقد بصره في احدي الحروب الإرترية. وكنت أعرف ولده المزارع الذي كان يشق ارتريا بجمال محملة بالأسلحة ويعبر السيول الخطيرة ويعمل بقدرة تفوق طاقة الإنسان العادي.

توفي ولده قبل التحرير بخمسة سنوات ووالدته بعد التحرير بسنة . آوته أخته وبدأت معها حياته المأساوية.فقد أخذ زوج أخته وأولاده يعاملونه كالشحاذ الذي يأكل من جهد غيره, وفي كل وجبة طعام كانوا يلومونه بالألقاب الرديئة وتارة بالكسول وكلما روه يسند ظهره إلى الجدار يسخرون منه.كانوا أولادهم يقدمون له الطعام في المطبخ في سجاد مهري يجعله يتقوقع من شدة برودة البلاط ويتركونه ولا يجد من يسقيه الماء.

الأولاد يعايرونه بقولهم” يأكل ما لا يرى” بل جعلوه سخرية لأولاد الجيران ومرحهم,خصوصاً كلما رأوه يتعثر في قارعة الطريق ضحكوا وسلطوا الكلاب عليه,أما أمهم تعنف أخوها على كل كلمة يردها في أولادها, وزوجها هو الأخر يقول له كل يوم تجلس في المطبخ لتتناول الحساء بالمجان وتتفلسف بكلام الثورة علينا000 رئيسك الإرتري نفسه يقول

لا يجب أن نشفق على كل المعوقين يوجد بينهم القادرين على العمل وأنت واحد منهم.

أم على جارتهم كانت تبكي عليه كلما رأته يغسل ملابسه, وشرحت ذلك لجميع من تعرفهم ” كانت تقول الدنيا هذه فيها ناس طباعهم وحشة ونفسيتهم سيئة وهم أذية للخلق والشر والحقد ملأ عظمهم وقلبهم أعوذ بالله—–

ثم قالت له” يا ابني أستريح هنا, إذا تعبت منهم

ونصحته بتجنب هؤلاء الناس بقدر ما تقدر في الكلام, ثم قالت له حاول أن تنسى الإساءة لأنها

 لا تضرك بشيء فأنت بطل مشهود له عند كل الناس.

لكن قال لها لماذا أعزف عن الكلام  ؟  فقط لأنهم مليانين حقد أم لأني ضعيف؟

الجواب — لأنا قلبك أبيض لهذا أنساهم وعيش على طباعك الثورية, وأترك لهم أشياؤهم السيئة ربما تعود عليهم بالدمار في المستقبل.

قال لها الحقيقة هي  أنا شخص غير مفيد لنفسي, ولا لعائلتي ,ولا لدنيتي, وجودي غير مفيد للناس من حولي تاماً00 عدم وجودي أفضل لهم, منظري غير مقبول في دارهم, ربما ملو مني بما فيه الكفاية.

زملائي حبيسين في مغارة  تسمى ماي حبار  وهي أرض يابسة لا يملكها أحد ولا يستثمرها أحد تقع في أرض بيزين. بعيد عن الطريق الرئيسي الذي يشق مصوع أسمرا.

هنا أرضهم  وعشهم هنا  ذبحة أحلامهم وهنا دفنت حقوقهم في هذه العزلة المطلقة تراهم يرقعون ما تمزق من ثياب زملائهم ويخيطون لمن فقدوا بصرهم  وفيهم من يعمل  في شق الترع والجداول يدوسون العشب الصغيرة الممتلئة بأشواك الصغيرة  بأقدامهم الحافية ومع سوء الغذاء وطول العناء تراهم يسافرون بأحلامهم بعيدًا ويجمعون الحجار الكريمة في أرض  لن تتحمل  الضعيف, أرض الإمبراطوريات أرض تتقىء الدكتاتورية وتحترف إلغاء الأخر.

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6837

نشرت بواسطة في يوليو 24 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010