مواقف أفورقي الأخيرة خيارات إستراتيجية أم مناورات كيدية ؟

بقلم :- عبد الإله الشيخ

abdoalalah@hotmail.com

لقد بات  واضحا أن سياسات أفورقي لاتبنى على ثوابت إستراتيجية أو مبادئ أساسية مبنية على قناعات تحكمها إستراتيجيات وفق قرارات جماعية ، لكنها تسير دائماً وفق مزاج شخصي متقلب لايستقر على حال .

 يتضح ذلك من خلال نظرة عابرة لعلاقاته ومواقفه  المتناقضة وقراراته المتقلبة فقد بدأ حياته في أدارة الدولة أداة طيعة تنفذ سياسات القوى الكبرى وسخر نفسه شرطيا النظام العالمي الجديد على المنطقة .

وقد كان أحد القادة الأفارقة الذين عولت عليهم الإدارة الأمريكية في إحكام سيطرتها على المنطقة وكان أحد الرؤساء الأفارقة  الذين شملتهم الحظوة الأمريكية بلقاء (مدلين اولبرايت)  وزيرخارجية أمريكا في إدارة كلينتون لإحكام الخناق على السودان واسقاط حكومة الإنقاذ وقد كان أبرز المتحمسين لهذا الدور حيث سخر كل إمكاناته لتحقيق ذلك وشارك في العديد من المواجهات في شتى المحاور السياسية والدبلوماسية والإستخبارية والعسكرية ، وقد أتاح مجاله الجوى وموانئه البحرية  لفرق الإستطلاع وأجهزة التجسس وفتح أراضيه للقواعد الإسرائيلية على البحر الأحمر التي أضحت  مرتعاً لرجال الموساد تحت واجهات  مختلفة  وشعارات متعددة باعتبارهم رجال أعمال وأصحاب شركات وخبراء في الزراعة والصناعة .

وعقب أحداث الـ 11 من سبتمبر 2001م وبروز شعار:- ( الحرب على الارهاب ) هلل نظام أفورقي لذلك وأعلن أن بلاده تفتح أراضيها لتصبح منطلقاً لقوات التحالف لمحاربة الإرهاب غير أن تلك القوى لم تعر كل خدماته وعروضه أدنى إهتماما وأستعاضت عن ذلك بقواعدها في جبوتي على البحر الأحمر.

وكان أفورقي قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع السودان في ديسمبر 1994م وجعل على رأس أولوياته إسقاط نظام الإنقا ذ إذ صرح في وسائل الإعلام مراراً بأنه يسعى لأسقاط نظام الخرطوم جهرة .

 وفي خطوة مخالفة لكل الأعراف الدبلوماسية  أقدم على تسليم  مقر السفارة السودانية بأسمرا للتجمع الوطني الديمقراطي المعارض وفتح معسكرات التدريب والإعداد لكل فصائل المعارضة السودانية بل كانت قواته تقوم بدور الإسناد المباشر في المعارك التي كانت تشنها المعارضة على الحكومة السودانية التي كانت تنطلق في عملياتها من داخل العمق الإرتري وتعالت صيحاته بأن السودان يسعى لتصديرالأصولية الإسلامية ويعمل  لتوسيع مشروعه الأممي الذي يستهدف إرتريا  .

ثم بعد عام من ذلك ( أي في 1995م ) إحتلت قواته ( جزر حنيش) على البحر الأحمر بعد مناوشات مع القوات اليمنية وقد خسرها أفورقي نتيجة التحكيم لاحقاً في العام 1998م ،

كما صعد تحرشاته  بحكومة جيبوتي وناصبها العداء ، وكانت قاصمة الظهر التي لم تكن في الحسبان ما حدث من شرخ في جدار علاقاته مع الجارة إثيوبيا وحربه ضد حليفه الإستراتيجي ورفيق نضاله  (ملس زناوي) في الفترة من 1998 –ـ 2000م بإندلاع  حرب شاملة  استخدمت فيها كل أنواع السلاح وكانت نتيجتها أكثر من 70 الف قتيل حسب الإحصاءات الرسمية علاوة على تدمير المنشئات والبنى التحتية .وقد كان لتلك الحرب ظلال قاتمة على أفورقي ونظامه حيث خلفت  شرخا طال نظامه أفقياً ورأسياً إذ شهد حزبه أنقساما حاداً  فقد جرائه عدداً من قادته التأريخيين ورموزه الأساسين  وقد زج افورقي ببعضهم في غياهب السجون وانضم البعض الآخر منهم الى خندق المعارضة .

هذا إضافة الى علاقاته السيئة مع كافة المنظمات الإقليمية والدولية حيث أنه فتح النار في أول جلسة لمنظمة الوحدة الإفريقية في1992م  عقب توليه سدة الحكم في إرتريا ووصفها بإنها كيان ميت وهاجمها بصورة كشفت فقده لأدني قواعد اللعبة الدبلوماسية الأمر الذي حدا ببعض القادة الأفارقة بإطلاق وصف ( المراهق السياسي ) على أفورقي وأنه غير جديد بقيادة دولة ، ثم تلا ذلك نيله المتكرر من جامعة الدول العربية وتصريحاته  المتكررة التي أعلن خلالها أن الجامعة العربية ما هي الا نادي للثرثرة ( وطق الحنك ) وأنها عديمة الجدوى وأنها جسم فارغ لا محتوى له ثم أساء التعامل مع الإتحاد الأوروبي بطرده لمثل الإتحاد (سفير إيطاليا بأسمرا)  في 2003م متهماً إياه بالإنحياز لإثيوبيا .

الأمر الذي حدا بدول الإتحاد الأوروبي التي كانت تقدم له الدعم والمساندة الى الإنصراف عنه وتعليق مساعداتها وحجب إعاناتها التي كانت تمثل لنظام أفورقي المصدر الأساسي في التمويل ، وكرد فعل للتجاهل الذي وجده من الإدارة الأمريكية وتراجع الإتحاد الأوروبي وتقارير الإدانات التي توالت عليه من المنظمات المعنية  بحقوق الإنسان رفع عقيرته بكيل السباب والشتائم  للإدارة الأمريكية في كل المناسبات ويتهمها بأنها تسعى للعب دور تخريبي في المنطقة وأتهمها بالإنحياز الصريح الى جانب النظام في إثيوبيا وأنها تستهدف نظامه وتعمل لتقويض حكمه .

وإزاء تلك الإجراءات بادر بإصلاح علاقاته مع الدول العربية وعلى رأسها دول تجمع صنعاء التي وصفها في ديسمبر 2002مفور تكوين ( تجمع صنعاء) في مؤتمره الصحفي الشهير (بأن هذا الحلف يعمل لإسقاط نظامه لكنه سيتغلب على مؤامراتهم بالتعاون مع حلفائه ) في إشارة الى الإدارة الامريكية والإتحاد الأوروبي الذين كان يعول عليهما كثيراً.

 لكن كالعهد به في تناقض المواقف أعلن في أول زيارة له للعاصمة اليمنية صنعاء في ديسمبر 2004م (أن موقف إرتريا من تجمع صنعاء ثابت وهو أن هذا الحلف لم ولن يكن في يوم من الأيام موجهاً ضد إرتريا ) متناسياً تصريحاته السابقة .

ثم وبخطى حثيثة سعى بكل السبل لتحسين علاقاته مع السودان وتطبيعها وعرض خدماته في لعب دور الوسيط في تقريب المواقف بين حكومة الإنقاذ ومعارضيها ، وأعلن عن رعاية للمفاوضات والحوار بينهما في تهافت كان مثار تعليق العديد من الجهات ، وأنحاز الى جانب السودان في مواجهة القرارات الدولية وساند مواقفها في العديد من المحافل الدولية وعارض بشدة القرار 1706 القاضي بنشر القوات الأممية في دارفور تحت البند السابع ، وقد صرح بأن في ذلك تدخل سافر في الشؤون الداخلية للسودان وإنتهاك صريح لسيادته ، كما وطد علاقاته بالجماهيرية العربية الليبية ، ثم أعلن دعمه للمحاكم الشرعية في الصومال ونفى أن تكون لها علاقة بتنظيم القاعدة مفنداً الدعاوى الأمريكية بوجود خلايا إرهابية في المنطقة،  وأعلن أن إرتريا لن تقف مكتوفة الأيدي حيال التدخلات الأجنبية في الصومال في إشارة الى( إثيوبيا) مهدداً بالتدخل لدعم ومساندة المحاكم الشرعية ، وقد صدر تقرير من الأمم المتحدة يضع إرتريا ضمن الدول التي تقدم الدعم والسلاح للمحاكم الشرعية وذكرت جهات مراقبة أن لإرتريا  أكثر من 2000جندي في الأراضي  الصومال لمساندة المحاكم .

ثم في خطوة لم تكن في الحسبان أرسل أفورقي سفيره / عبده هيجي مبعوثاً له الى جمهورية إيران الإسلامية الذي حمل رسالة خطية من أفورقي لرئيس جمهورية أيران /محمود أحمدي نجاد والتقى وزير خارجية إيران / منوشهر متكي  لإقامة علاقات دبلوماسية وتعاون إقتصادي وطلب من جمهورية إيران الإسلامية فتح سفارة لنظام أفورقي  بطهران .

والسؤال المشروع هو ماذا يعني هذا التحول المفاجئ من النقيض الى النقيض والإنتقال من معسكر الغرب الى معسكر الدول التي تضعها أمريكا في خانت المخالف ينتقل أفورقي بعلاقاته صوب هذه الدول  في الوقت الذي تصنف فيه قوى الغرب  تلك الدول بأنها محور الشر وتنعتها بأنها راعية الإرهاب وتسعى لتضيق الخناق عليها  وتصدر ضدها قرارات الحصار الإقتصادي والمقاطعة السياسية ؟

 لقد فسرالعديد من  المراقبن أن هذه المواقف وتلك المحاولات والتحولات في سياسات أفورقي ماهي إلا رسالة موجهة في الأساس الى الغرب والإدارة الأمريكية .

ففي الوقت الذي يحارب فيه أسياس أدنى مظاهر التدين في إرتريا ويعادي شعبه لمجرد تأدية الشعائرالتعبدية وينتهك حقوقهم ويصادر حرياتهم في العقيدة والعبادة  إذ أن سجونه تكتظ بالالآف ممن يسميهم بالإسلامين من المعلمين والدعاة ، وإغلاق عشرات المعاهد الإسلامية وهدم العديد من المساجد وإنتهاك حرمات المسلمين بإنتزاع الفتيات المسلمات والزج بهن في معسكرات الإختلاط و الفجور وتجنيدهن قسراً ،  نجده يفتح ذراعيه للأنظمة الإسلامية في كل من السودان حيث (حكومة الإنقاذ ) ذات المشروع الحضاري التي كان يتهمها في السابق بتصدير الإسلام السياسي الى بلاده ، ويمد جسور التواصل مع إيران (الجمهورية الإسلامية ) رائدة الثورة والمقاومة الإسلامية إذ أن العديد من  الحركات الإسلامية الجهادية إستلهمت مقاومتها النضالية من ثورة الإمام الخميني ، ويساند المحاكم الشرعية في الصومال التي تنادي بإقامة دولة إسلامية تحكم بقانون السماء .

فما الذي يجعل أفورقي يساند تلك الأنظمة أهي صحوة ضمير ستقوده لتصحيح الأوضاع ؟!.

 أهو إدراك لحقيقة أن النظام العالمي الجديد يكيل بمكيالين ويعتمد سياسة إزدواج المعايير في التعامل مع المخالفين له في التوجه ؟!.

 أهو إعتراف بأن هذا السلوك فيه ظلم للدول والمجتمعات التي لاتدور في فلك أمريكا ؟ !.

أم هو شعور بالذنب دفع به لتصحيح مواقفه ؟!.

 إن كان الأمر كذلك ويعتيرني الف شك وشك .

 ألم يكن حري به إصلاح حكمه والتصالح مع شعبه الذي يئن تحت وطأته ويتعرض للقهر والكبت والإستبداد نتيجة سياساته التعسفية ؟

أليس حري به أن يطلق سراح آلآف المعتقلين القابعين في أقبية سجونه؟  وإعادة الملايين الذين شردتهم ممارساته الصبيانية في مختلف بلدان العالم ؟  والإعتراف بحقوق الآخرين وإشاعة الحريات والديمقراطية في وطن يسع الجميع؟  والإلتفات للتنمية والإعمار بدلاً من سياسة الإقصاء وإلغاء الآخر والإنفراد والتسلط؟ .

أم هي مجرد مناورة للفت الأنظار وشد الإنتباه وتضخيم الذات ؟ !.

 أم أنها محاولة لكسر العزلة التي يعيشها وكسب الوقت ليجد لنفسه متنفساً للأزمات الداخلية والخارجية المحيطة به جراء تذمر الشعب وإنصراف المجتمع الدولي وحجب الدعم عنه؟!

أم هي نكاية بالغرب الذي تجاهله وأسند الدور لغيره بعد أن إستنفذ أغراضه فيسعى لإثبات وجوده؟! .

 ويحاول كسر الجمود بالتحالف مع خصوم الغرب والتخندق في صفوفهم من باب ( إن المصائب يجمعن المصابين ) ؟!. .

 ولا أحسب أن تلك الأنظمة تجهل سلوكيات أفورقي وألآعيبه للخروج من عنق الزجاجة فإن تأريخه حافل بالخيانة والغدر ولا يؤمن جانبه فإن من يعادي شعبه ويتنكر لرفقاء دربه وينقلب على أولياءنعمته غير جدير بالثقة ( ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ) .

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6649

نشرت بواسطة في ديسمبر 28 2006 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010